شبكة اخبار العراق:
2025-12-13@22:29:24 GMT

ما مصير التجارب المبكرة في الحداثة؟

تاريخ النشر: 19th, September 2024 GMT

ما مصير التجارب المبكرة في الحداثة؟

آخر تحديث: 19 شتنبر 2024 - 1:30 مجمال العتابي ما كان ليوميات جواد سليم أن تستقبل صفحات أخرى لم يكتبها بقلمه أو يصغها بعباراته العفويَّة البسيطة، لولا أننا نجد أنَّ تاريخ هذا الفنان قادر على استضافة الجديد الذي غبرت عليه السنون، ولم تفقده بريقه الحي ذاكرة أو قلم. “مسابقة دولية في النحت”، تحت هذا العنوان نشرت مجلة “الأسبوع”* التي كانت أوائل الخمسينات خبراً عن مسابقة دولية لنصب تذكاري للسجين السياسي المجهول، يقيمها معهد الفنون المعاصرة في لندن.

طلب المعهد من المشاركين إرسال مصغّر للنموذج مع صور لأعمالهم السابقة كشرط، وخصّص 80 جائزة لأفضل الأعمال، بلغ مجموعها 11 ألف باون إنكليزي تبرّع بها أحد محبّي الفنون الجميلة الذي أصرّ على عدم إعلان اسمه.شارك ما يقرب من الـ 3500 فنان من مختلف دول العالم، ودُعي كبار النقّاد ومدراء المتاحف العالميّة لاختيار الأعمال الفائزة التي عُرضت في لندن من عام 1953، أربع دول عربيّة شاركت في المسابقة من بين 56 دولة، كان الشاب جواد سليم أستاذ النحت في معهد الفنون الجميلة المشارك الوحيد من العراق. أربعة فنانين من بلدان “إنكلترا، فرنسا، إيطاليا، الولايات المتحدة” نالوا الجوائز الأولى، ووزعت 62 جائزة أخرى كان جواد سليم من ضمن الفائزين إذ حاز على واحدة منها.أثار هذا الحدث الفني كثيراً من الجدل حول الجوانب السياسية والفنية والفلسفية التي اخترق بها جواد الحاجب التقليدي لفن ذلك الزمان. أغلبها راحت تتحدث عن مغامرته في المشاركة، وجرأته في منافسة الفنانين العالميين في وقت مبكر من تجربته الفنية لتقديم عمل امتاز بحسّ الحداثة والتجريد مع الاختزال المكثف، وضمّنه خصائص محليَّة، استطاع فيه الجمع بين الأسلوب الفني الحديث، واستلهام بعض العناصر الشعبية المحلية بانسجام تام، حين عمد الفنان إلى الكشف عن الجوهر في الأثر الفني.  لم يكن التمثال حدثاً عابراً كذلك، إلا بمقدار ما يمنحه من صفة الديمومة، وإغنائه بالخبرات والمعاني، ليمنح المتلقي قدراً من الإثارة للإحساس به والانفعال بمعانيه، فالشاب الذي يحمل بين جانحيه موهبة فنان، وطموح مثقف، قدّم عمله كمثل في الاستغراق والتأمل، كان خلاصة لبحثه الدؤوب في المنجز النحتي العالمي، وشغفه في متابعته، وتأثره خلال مراحل دراسته بتجارب فنانين كبار، قادته إلى استلهام تجاربهم بعيون مفتوحة تتجاوز التقليد، بل البحث في الأصول وتلمس العمق فيها، يأتي “بول كلي، وجياكوميتي” في مقدمة هؤلاء، لعلّه الدرس الأهم في خلق لغته الخاصة التي نأى بها بعيداً عن مواقع الكثير من الفنانين، فهناك إشارات واستدلالات هي تاريخ الفنان وشهادة حرفيته الرصينة المحكمة.   نظرة متأمّلة في “السجين السياسي” تأخذنا الى هذا الحوار المتسق مع خطوط “بول كلي” الرشيقة المستقيمة والمتعامدة والمتقاطعة، فضلاً عن رهافتها، وأساليبه الموزعة بين الحقيقة والخيال، بين التجريد والرمز، تلك الخطوط شكلت الأرضية التي بنى عليها جواد تجريده. كما تمكن من أن يتمثل هنا أسلوب جياكوميتي في النحت، ويستخلص روحيته التجريديَّة، وأشكاله الموغلة في النحافة، والإنسان الموغل في الغياب في منحوتاته التي تستطيل وتعانق الفضاء لتترك المتلقي محمّلاً بعمق التساؤلات، فمنح عمله الرشاقة التي لها ما يبررها في النظرة إلى سمو الإنسان، والاستطالة التي أعطت النصب بعده الفلسفي والجمالي.  هاتان التجربتان أتاحتا لسليم إمكانات العمل والتجريب، بعد أن نضجت شخصيته الفنيّة، وأدرك مكانه في عالم النحت. وثمة خيط سري غير منظور في الأسلوب والأفكار يوصل لعملين عند “جياكوميتي” هما “القفص”، يبدو على الأرجح أن سليم تأثر بهما حين أراد التعبير عن معاناة “سجينه” فوجد في القفص مبتغاه حين تضيق الأسوار بساكنها الأخير ويذهب إلى قدره المحتوم. ولعل جدارته تكمن في هذا التأليف والمجانسة، والعودة إلى الينابيع، وقدرته على إحلال التواتر والتماثل، وهذا في حد ذاته سر اكتشاف الخيط الذي نسج مفرداته ومتضاداته معاً، ليفرغ في النهاية بالتشكيل الذي يمثل شخصيته وأسلوبه. ليس السجين السياسي المجهول هو الدلالة الصريحة للقيد الحديدي الذي سوف يغلّ اليد والزنزانة التي ستحتويه، ولا حتى حبل المشنقة أو الرصاصة التي سترديه، بل هو الرمز المفعم بالتمرّد الذي يكابده المناضل، فسليم في تعبيره يجمل لنا مشكلة أزليَّة تتجسّد في موضوعه عن “السجين”، وكأي أثر فني تشكيلي قدّم عملاً يتّسم بالانسجام والحركة، تقمّصهما (سجينه) كي يشاركه المتلقي في مشاهدة المأساة الدامية في قالب جمالي فني محكم بفكرة أو موضوع، حين أراد التعبير عن معاناة السجين بشكل تجريدي، وجد له الكثير من المسوغات ليصبح في وضع يقنع الآخرين بأنّه إنّما يفعل ذلك ليشركهم معه في فرحة الخلق. كان التمثال عبارة عن أحاجي ورموز مستعصية لا بدَّ من حلّها، فثمّة أعمدة وأقواس وكرة ترتبط بأربعة أسلاك من جهات عدّة، ليس ثمة أثر لإنسان أو أغلال. كان بمثابة الألم الذي أثارته آلام الآخرين، فالسجين السياسي لم يكن ممثلاً بجسده ولا بقيده ولا بكفاحه الداخلي الخفي، ولكن بكل مظاهره، ولم يكن الأمر أمر أقواس وأعمدة وكرات موضوعة بانتظام وانسجام، فليست القضية تختصر في ترتيب الخطوط والكتل فحسب، وليس الأمر هو ما إذا كان سليم المولع بالأهلّة والأقواس قد انتهى إلى شيء، فالمحنة أمامه تظل أزليَّة، وكذلك الحياة ومعناها، فالتمثال يتقمّص الصراع بعنصرين متناقضين: السكون وحب الحركة، هناك كرة صغيرة هي جوهر الموضوع، تتصل بثلاثة أعمدة راسخة تعبّر عن الانطلاق والتسامي، والرسوخ والالتصاق بالأرض في الوقت ذاته، وهلال واسع عريض يحتضن الكرة برشاقة كما يحتضن الفنان تمرّده. خلال هذا يلين الحديد وتتحرّك أنامله ما بين الانحناءات والاستقامة، كيما ينطق الجماد عن مزيج من الرقّة والصلابة، من الطيش والحكمة، من التمرّد والطاعة.لجأ النحّات إليه لأنّه يُوحي بالصلابة والقدرة على التحليق، هو بطبيعته جملة من رموز، فهو مادة الكفاح، وحلقات القيد، ومع ذلك هو الطراوة والليونة والرشاقة التي تشعّ من الهلال الحديدي المقوّس. جعل من الأشياء المألوفة قطعة فنيّة تستحث الرغبة في إثارة الأسئلة حول تلك العاطفة الإنسانيّة المشحونة بالتداعيات، لتغدو في النهاية تشكيلات تحمل هويتها الخاصة. إنَّ في استقامة ثلاثة أعمدة تتصل ببعضها لتطبق على كرة صغيرة، وهلال واسع ينفذ في أعماقه سهم حاد، ما يؤكد صورة لسجن لا يقع على هذه الأرض ولا تحدّه حدود، يحاول الفنان فيه أن ينتزع الرموز من موضوع زاخر بشتّى الدلالات، فلا بدّ لأية ضحية من آلة حادة مستقيمة تخترقها، ولا بدَّ لنهاية السجن من حبل المشنقة أو سكين المقصلة، ولا بدّ لهذا السجين المجهول من سجن مجهول أيضاً، المتلقي يكاد يشعر أن النصل يطعن الفضاء في الصميم، بينما يعبر مثلث منقبض كنهاية المفتاح عن قسوة سكين المقصلة تكاد تهوي على رقبة المحكوم عليه بالإعدام نحو الأرض.كان سليم قد عالج موضوعه بجمالية خالصة من نفس مفعمة بالثقافة، لأن الفن الحقيقي انعكاس لتلك المفاهيم المكتنزة بمعاني الحب والحياة والإنسان، وأراد بهذا الأثر أن لا ينفصل عن تاريخ الفن ذاته، إذا استطعنا أن ندلل على العلاقة بين تاريخه الشخصي، وبين آثاره الإبداعيَّة التي تؤلف فصول حياته. لكن يبقى السؤال الأهم عن مصير الأنموذج بعد سبعين عاماً من المشاركة في المعرض، إذ لا تتوفر لدينا أيّة معلومة حول مآله، ولا الجهات المتخصصة بإمكانها الإجابة، لكن المؤكد أن لقاءً مع الفنان نزار سليم “شقيق جواد” نُشر في إحدى المجلات العراقيَّة الصادرة منتصف السبعينات أشار فيه الى أنه يحتفظ بالتمثال لديه، بعد أن كان مؤمناً لدى الفنان سعيد علي مظلوم كأمانة للفنانة “لورنا” زوجة جواد. من بمقدوره الآن أن يدلّنا على هذا الأثر الفني الوطني العراقي؟. 

المصدر: شبكة اخبار العراق

كلمات دلالية: ة التی

إقرأ أيضاً:

12 مرضًا شائعًا يصيب العين.. تعرف عليها وطرق الوقاية المبكرة

تكوين ووظيفة العين عضو كروي يبلغ قطره نحو بوصة واحدة، ويتكوّن الجزء الأمامي الظاهر منها من: القزحية: الجزء الملوّن من العين. القرنية:

طبقة شفافة على شكل قبة تغطي مقدمة العين. البؤبؤ:

الفتحة السوداء التي تسمح بدخول الضوء. الصلبة: الجزء الأبيض المحيط بالعين. الملتحمة:

غشاء رقيق يغطي مقدمة العين باستثناء القرنية. أبرز أمراض العين التي يجب الحذر منها

اعتلال الشبكية السكري: من مضاعفات مرض السكري، وقد يؤدي إلى تشوش الرؤية أو فقدانها نتيجة تلف الأوعية الدموية في الشبكية.

2. اعتام عدسة العين (المياه البيضاء): يسبب رؤية ضبابية ويؤثر على الأنشطة اليومية، ويُعالج جراحيًا في المراحل المتقدمة.

3. قصر النظر: حالة شائعة يرى فيها المصاب الأشياء القريبة بوضوح مع صعوبة رؤية البعيدة.

4. التهاب الشبكية الصباغي: مرض وراثي نادر يؤدي تدريجيًا إلى ضعف الرؤية خاصة في الإضاءة الخافتة.

5. التنكس البقعي: يؤثر على الرؤية المركزية نتيجة تدهور البقعة في الشبكية.

6. المياه الزرقاء (الجلوكوما): تلف في العصب البصري غالبًا بسبب ارتفاع ضغط العين، وقد يسبب العمى إذا لم يُكتشف مبكرًا.

7. عمى الألوان: صعوبة التمييز بين بعض الألوان، وغالبًا ما يكون وراثيًا.

8. الحول: عدم انتظام اتجاه العينين، ويظهر غالبًا لدى الأطفال.

9. كسل العين: ضعف الرؤية في عين واحدة نتيجة تطور بصري غير طبيعي.

10. الرمد الحبيبي (التراخوما): عدوى بكتيرية معدية قد تؤدي إلى العمى عند إهمال العلاج.

11. التهاب ملتحمة العين (العين الوردية): التهاب يسبب احمرار العين نتيجة عدوى أو حساسية.

12. جفاف العين: نقص في إفراز الدموع يؤدي إلى حرقة ووخز وعدم راحة، خاصة مع استخدام الشاشات لفترات طويلة.

نصيحة طبية يؤكد الأطباء أن الفحوصات الدورية للعين والانتباه لأي أعراض غير طبيعية، مثل تشوش الرؤية أو الألم أو الاحمرار المستمر، تمثل خط الدفاع الأول للحفاظ على صحة البصر وتجنب المضاعفات الخطيرة. الوقاية تبدأ بالوعي، والعلاج المبكر قد ينقذ النظر.

مقالات مشابهة

  • الشناوي: محمد هنيدي فنان موهوب بالفطرة.. وهذا هو التحدي الذي يواجهه
  • لا تتجاهلي الإشارات الأولى.. أعراض سرطان الثدي المبكرة والمتأخرة
  • 12 مرضًا شائعًا يصيب العين.. تعرف عليها وطرق الوقاية المبكرة
  • تطورات الحالة الصحية لـ أحمد فؤاد سليم بعد اجراء عملية فى القلب
  • النفط يصعد في التعاملات المبكرة وسط مخاوف من اضطرابات الإمدادات
  • شاومي تفتح باب التجربة المبكرة لنظاراتها الذكية.. اكتشف ما لا تعرفه
  • حبس أو براءة.. مصير فادي خفاجة بعد حكم حبسه 6 أشهر أمام الاقتصادية
  • منتخب مصر مواليد 2009 يتعادل مع إنبي 2007 في ثاني التجارب الودية
  • اتفاقية حظر التجارب النووية والشرق الأوسط
  • ما الذي يحسم مصير خطة نزع سلاح العمال الكردستاني؟