سر الاستماتة في الدفاع عن الفاشر ورمزية المدينة لكل الأطراف

تعد مدينة الفاشر، عاصمة شمال دارفور، واحدة من أكثر المدن السودانية أهمية في سياق الصراع المستمر بين القوات المسلحة السودانية وقوات "الدعم السريع". منذ بداية الحصار العسكري المفروض عليها في مايو الماضي، حظيت المدينة باهتمام دولي كبير، وصدرت عدة تحذيرات من جهات أممية وإقليمية حول العواقب الوخيمة لسقوطها.

لكن ما الذي يجعل الفاشر محط هذه الاستماتة الدفاعية، وما الرمزية التي تحملها لكل الأطراف المعنية؟

الموقع الجيوسياسي والاقتصادي
تتمتع الفاشر بموقع استراتيجي بالغ الأهمية، فهي تربط شمال دارفور بجميع الولايات السودانية الكبرى، بما في ذلك العاصمة الخرطوم. إضافةً إلى ذلك، تقع المدينة قرب الطريق التجاري الذي يربط السودان بليبيا عبر مليط والكفرة، مما يعزز من أهميتها كمعبر حيوي للتجارة والنقل. تاريخياً، كانت الفاشر عاصمة سلطنة دارفور في القرن الثامن عشر، وما زالت تلعب دورًا محوريًا في التبادل التجاري والثقافي في المنطقة. لذا، فإن السيطرة على الفاشر تعني السيطرة على شريان الحياة الاقتصادي والإستراتيجي في دارفور.

معقل الجيش السوداني
تعتبر الفاشر المعقل الأخير للقوات المسلحة السودانية وحلفائها من الحركات المسلحة. في ظل تصاعد العمليات العسكرية، تسعى قوات "الدعم السريع" إلى السيطرة على المدينة لتأمين نفوذها على الإقليم. يمثل سقوط الفاشر نقطة تحول حاسمة، إذ قد يعني انتقال السيطرة الكاملة لقوات "الدعم السريع"، وبالتالي تعزيز موقعها العسكري والسياسي على الساحة السودانية.

البعد الإنساني
تعيش في الفاشر مجموعة كبيرة من النازحين، مما يجعل المدينة محورًا للمساعدات الإنسانية. إذ تشير التقديرات إلى أن نحو 800 ألف نسمة تحت رحمة الأوضاع العسكرية الحالية. سقوط المدينة يعني كارثة إنسانية مروعة، وستكون العواقب أكثر مأساوية في ظل تدمير البنية التحتية، بما في ذلك المستشفيات، وغياب الأمن.

الرمزية الثقافية والعرقية
تحمل الفاشر رمزية قوية في وجدان أبناء المنطقة، خصوصًا من القبائل الأفريقية مثل الزغاوة والمساليت والفور. تاريخ المدينة وعمقها الثقافي يجعلها مركزًا لتمثيل الهوية الأفريقية في دارفور. لذا، فإن الدفاع عنها يمثل أيضًا دفاعًا عن هذه الهوية والوجود الثقافي.

التفاعلات الإقليمية والدولية
إن الفاشر ليست مجرد مدينة داخل السودان، بل لها تأثيرات إقليمية تتجاوز حدودها. تدهور الأوضاع فيها قد يؤدي إلى تصاعد التوترات العرقية في تشاد، مما قد يسفر عن تداعيات على الاستقرار في المنطقة بأسرها. لذلك، نجد أن الأطراف الدولية تتدخل بشكل متزايد، مع تحذيرات من نتائج سقوط المدينة على الأمن الإقليمي.
إن الفاشر، بحكم موقعها الجغرافي، تاريخها الثقافي، وضغوطها الإنسانية، تمثل بؤرة الصراع السوداني الحالي. الدفاع عنها هو دفاع عن الهوية، وعن حقوق المدنيين، وعن الاستقرار الإقليمي. أي تحول في مصير الفاشر سيؤدي إلى تغيير جذري في توازن القوى داخل السودان، وسيكون له تداعياته على المستوى الإقليمي والدولي، مما يجعل الاستماتة في الدفاع عنها أمرًا حيويًا لكل الأطراف المعنية

zuhair.osman@aol.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: لکل الأطراف الدفاع عن

إقرأ أيضاً:

العنف الجنسي في السودان.. خطر دائم على المواطنين في ظل الحرب

حذّرت منظمة أطباء بلا حدود، يوم الأربعاء، من أن العنف الجنسي يُشكّل "خطراً شبه دائم" على النساء والفتيات في إقليم دارفور، غرب السودان، مطالبة باتخاذ إجراءات عاجلة للتصدي لهذا الوضع. اعلان

ومنذ اندلاع الحرب في أبريل/نيسان 2023 بين الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، سُجلت حالات عنف جنسي "فظيعة ووحشية"، وفقاً لما صرّحت به كلير سان فيليبو، منسقة الطوارئ في المنظمة.

 وأفادت المنظمة بأنها قدمت العلاج لـ659 ناجية من العنف الجنسي في ولاية جنوب دارفور، بين يناير/كانون الثاني 2024 ومارس/آذار 2025، وذكرت أن 86% منهن تعرّضن للاغتصاب، وكانت ثلث هؤلاء الناجيات دون سن الثامنة عشرة، وبعضهن لا تتجاوز أعمارهن الخامسة.

 وقالت سان فيليبو: "لا تشعر النساء والفتيات بالأمان في أي مكان"، مشيرة إلى أنهن يتعرضن للهجوم داخل منازلهن، أثناء محاولتهن الفرار من مناطق القتال، وخلال بحثهن عن الغذاء أو الحطب، أو أثناء العمل في الحقول.

Relatedالكوليرا تعصف بالسودان: 172 حالة وفاة خلال أسبوع وسط انهيار صحيالسودان مأساة لا تنتهي: آلاف النازحين يصلون شمال دارفور هربًا من قوات حميدتي تصعيد دامٍ في دارفور وكردفان: الجيش السوداني يكثّف غاراته الجوية والدعم السريع يردّ بمسيّرات

 كما يتعرض الرجال والفتيان أيضاً للعنف الجنسي، وإن بنسبة أقل، إذ تشكل النساء والفتيات 94% من الناجين، بحسب المنظمة. وفي مستشفى منطقة طويلة، التي تقع على بُعد 60 كيلومتراً غرب مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور المحاصرة، تم علاج 48 ناجية بين يناير/كانون الثاني ومطلع مايو/أيار، غالبيتهن فَررن من هجوم شنّته قوات الدعم السريع على مخيم زمزم للنازحين، وهو الهجوم الذي أودى بحياة ما لا يقل عن 200 مدني، وأجبر أكثر من 400 ألف شخص على الفرار.

 أما في شرق تشاد، حيث لجأ أكثر من 800 ألف سوداني، فقد عالجت منظمة أطباء بلا حدود 44 ناجياً منذ يناير/كانون الثاني، كان نصفهم من الأطفال. وروت فتاة تبلغ من العمر 17 عاماً أنها تعرّضت لاغتصاب جماعي على يد عناصر من قوات الدعم السريع، وقالت: "أردت أن أفقد ذاكرتي بعد ذلك".

 من جهتها، قالت روث كوفمان، المسؤولة عن الطوارئ الطبية في المنظمة، إن الوصول إلى الرعاية الصحية لا يزال "غير كافٍ"، وأضافت: "كما هو الحال مع جميع الخدمات الإنسانية والطبية في السودان، لا بد من تعزيز هذا الدعم بشكل عاجل".

 ورغم توجيه الاتهامات إلى طرفي النزاع بارتكاب فظائع، فإن قوات الدعم السريع تُحمّل المسؤولية عن ممارسة عنف جنسي ممنهج. وكانت منظمة العفو الدولية قد وثّقت، في أبريل/نيسان، وجود حالات من العبودية الجنسية.

انتقل إلى اختصارات الوصولشارك هذا المقالمحادثة

مقالات مشابهة

  • قاعدة فلامنجو السودانية تحت النار.. والسر في رسالة استخباراتية
  • الجيش الروسي يعلن السيطرة على ثلاث بلدات في شرق أوكرانيا
  • تجييش شباب الشمال لتحرير حواكير دارفور !
  • الصحة السودانية: 942 إصابة بالكوليرا و25 حالة وفاة بالخرطوم
  • قائد القوة المشتركة بمدينة الفاشر يتفقد الدفاعات والخطوط الأمامية للقوات
  • العنف الجنسي في السودان.. خطر دائم على المواطنين في ظل الحرب
  • منظمة أطباء بلا حدود : النساء في دارفور يتعرضن للاغتصاب في وضح النهار
  • قاذورات بشرية
  • اتهامات للدعم السريع باختطاف وقتل فتيات بالفاشر
  • الدفاع الروسية تعلن السيطرة على بلدة جديدة بإقليم دونيتسك شرقي أوكرانيا