ريادة الأديب الإماراتي عبد الله صقر في "وميض الإبداع"
تاريخ النشر: 22nd, September 2024 GMT
يعتبر الأديب الإماراتي عبد الله صقر أحمد المري، الذي تناول الناقد د. هيثم يحيى الخواجة، مسيرته الإبداعية في كتاب "وميض الإبداع في أدب عبد الله صقر"، الصادر عن دار سويد للنشر في دمشق، وتوزيع ميتافيرس برس للنشر والطباعة، بدولة الإمارات العربية المتحدة، من رواد الشعر والقصة في الإمارات.
أدرك توجهات الشعر العربي الحديث متجاوزاً الشعر الكلاسيكي
شعر مزدان بالشحنات وقد رأى الناقد السوري د.الخواجة المقيم في الإمارات، في كتابه هذا أن الأديب صقر امتلك رؤيته الإبداعية في الزمن الذي كانت فيه الحداثة شبه غائبة عن الإمارات. ولقد أدرك توجهات الشعر العربي الحديث والدليل أنه تجاوز الشعر الكلاسيكي شكلاً ومضموناً. فما نلاحظه في شعره إضافة إلى تجاوز الشكل والمضمون للشعر الكلاسيكي انحيازه أحياناً للرومانتيكية، وفي بعض الأحيان اقترابه من مواقف منطقية علمية من دون أن تتخلص من الرؤية الذاتية والجوانب الواقعية التي يصفها، وخاصة عندما يشير إلى الاستلاب الإنساني. كما رأى الخواجة أن شعر صقر يزدان بالشحنات الانفعالية العالية التوتر، وبالصور الشعرية المبتكرة، وأن المدقق في شعره يجد الجملة القصيرة المكثفة، والجملة الشعرية التي تأخذ سطراً كاملاً لكن التطويل لم يكن في صالح الشعرية والشاعرية أيضاً. ثم أشار الخواجة إلى أن الأديب صقر كان يعلن من خلال شعره موقفه الواضح تجاه حماية الإنسان وصون كرامته. نصوص غنية بالخصوبة أمّا كتابة القصة عند الأديب صقر فهي في نظر الناقد الخواجة قد كتبت انطلاقاً من زاوية الرؤية الإبداعية والفنية نفسها، أي أنه اتبع منهج الحداثة في إبداعه القصصي أيضاً. وهو إبداع مال فيه إلى الاقتصاد والتكثيف، واقتنص مضامين قصصية مهمة من الواقع ومنحها من خياله الكثير، ولم يتقيّد بالبناء الفني الكلاسيكي للقصة التقليدية المعروفة. وقد أولى بطل القصة اهتماماً خاصاً وركز في الهدف الأعلى على إنسانية الإنسان ذكراً كان أم أنثى. وابتعد عن الخطابية الفجة والمباشرة، ومنح القصة بعداً خاصاً من خلال التركيز على الفعل وتصويره بدقة ووعي.
بعد ذلك مضى د. الخواجة إلى مقاربة قصص المجموعة القصصية للأديب صقر التي حملت عنوان " الخشبة" والتي تأتي أهميتها في ريادتها الإماراتية، فوقف عند مضامينها وأسلوبها، وإلى سمات الإبداع القصصي لدى الأديب صقر.
على هامش #معرض_أبوظبي_الدولي_للكتاب2024 .. إصدار روايات #نجيب_محفوظ على شكل كتب مصورةhttps://t.co/mASnvvRZeu
— 24.ae | منوعات (@24Entertain) April 30, 2024 وضم الفصل الثاني مقاربة ورؤية في ديوان صقر " اغتراب في زمن مسلوب". وفي فصل ثالث قارب د. الخواجة كتاب الأديب صقر " قطع مظلمة من الليل" الذي جمع فيه الأديب صقر النصوص التي كتبها بين الأعوام 2015 – 2020 ومن باب الأمانة العلمية حرص على أن يثبت كلمة نصوص على غلاف الكتاب باعتبار أن الكتاب تضمن نصوصاً نثرية، كما تضمن نصوصاً من الشعرية ونصوصاً أقرب إلى الخاطرة من الشعر. وقارئها يتلمس فيها رؤىً مفعمة بالأحاسيس متقدة بالانفعالات الداخلية تجاه الأهل والأسرة والإنسان بشكل عام، تنم عن تجربة إنسانية عميقة الأهمية والشأن والهدف. نصوصٌ لم تهتم بالتقنيات الفنية فقط، وإنما طرح فيها أسئلة تقود إلى التفكير والتأمل والبحث عن الجوهر، وفي ذلك إصرار على أن تكون رسالة النص نبتة من عمق إنسانية الإنسان ومحققة لأغراضها على أكمل وجه. كل ذلك جاء بلغة ارتقت من السرد العادي والمألوف إلى لغة الشعر، ما منح النصوص النبض والحركة والتغذية بالخضرة والخصوبة. إدانة الممارسات القاسية وفي فصل آخر تحدث د. الخواجة عن آفاق المسرحية القصيرة وعن مسرحية " الجريمة" للأديب صقر كأنموذج، ووجد أن الحوار المسرحي فيها بدا مركزاً مقتصداً، واضحاً بدلالاته وتشظياته. وأن نهاية المسرحية لم تكن مباشرة بل جاءت حمولاتها ودلالاتها منسجمة مع الأحداث ومجسدة لفكرة الكاتب التي أراد تعزيزها وتأكيدها وهي إدانة الممارسات القاسية التي لا تعرف إلاّ القتل. كما تدين من يكره إنسانية الإنسان فيقيد رأيه وحريته.وتجدر الإشارة إلى أن هذا الكتاب يأتي ضمن سلسلة كتب نقدية تناول فيها الناقد د. هيثم الخواجة مسيرة بعض الأدباء الإماراتيين ذكوراً وإناثاً، وقد اختتم كتابه عن الأديب عبد الله صقر كأحد رواد الأدب الإماراتي بحوار أجراه معه استعاد فيه بعض محطات حياته الذاتية والأدبية ووجهة نظره ورؤاه في بعض المسائل الأدبية، كما نقرأ نصه المسرحي " الجريمة" وبعض النماذج من قصصه ونصوصه الشعرية، ومنها:
نهار قصير
يقف النهار
على عتبة بابه الصغير،
فيقذف بتحيته
لهذا اليوم.
الباب يقفل
على كل محاولاتنا،
فيستقبل اليوم
تحية النهار،
وحده.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: تفجيرات البيجر في لبنان رفح أحداث السودان الانتخابات الأمريكية غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية ثقافة وفنون الإمارات عبد الله صقر
إقرأ أيضاً:
ريادة الأعمال المجتمعية والفرص الممكنة في سلطنة عُمان
دعيت الأسبوع الفائت للحديث في جلسة نظمتها مديرية الثقافة والرياضة والشباب بشمال الباطنة حول (ريادة الأعمال الاجتماعية)، وذلك على هامش احتفائها بيوم الشباب الخليجي، حيث ركز الحوار على تأصيل المفهوم، وتتبع جذوره في التاريخ والممارسات، إضافة إلى النماذج البارزة عالميًا التي تمثله، وصولًا إلى سياقاته المحلية من مبادرات، ومأسسة وتنظيم، عوضًا عن التحديات التي تحول دون تبلوره وتطوره. في الواقع يمكن توضيح مفهوم ريادة الأعمال المجتمعية كونها شكلًا من أشكال الأعمال الريادية والتي تهدف في مغزاها الأساس إلى التمكين والتنمية الاجتماعية جنبًا إلى جنب مع تحقيق العوائد والأرباح المالية - وإن كانت بهوامش محدودة - ، والتمكين والتنمية قد تتضمن تعزيز الفرص لبعض الفئات الاجتماعية، أو حل مشكلة اجتماعية قائمة، أو التعامل مع فرص اجتماعية منظورة، أو تنمية ودعم بعض الخصائص الاجتماعية للمجتمع؛ وعلى سبيل التدليل ظهرت في السنوات الأخيرة في المنطقة بعض المشروعات التجارية التي تخصص لتشغيل بعض الأشخاص ذوي الإعاقة في المهن التي تتناسب معهم، وهي تشكل تطبيقًا من تطبيقات المفهوم؛ حيث إنها إلى جانب سعيها لتحقيق الربح واستدامته، إلا أنها على الجانب الآخر تسعى لتحقيق (أثر اجتماعي) يتمثل في تمكين إحدى الفئات ذات الاحتياج الأقصى، ودمجها في المجتمع والاقتصاد، وإطلاق طاقاتها الإنتاجية، وقس على ذلك في أنشطة بعض المؤسسات التي تتوجه إلى تعليم بعض المهارات المهنية للشباب المقبلين على سوق العمل برسوم رمزية، أو الكيانات التي تسعى لتمكين المشروعات المجتمعية أو الذاتية محدودة التكاليف كدعم المزارعين والصيادين وما شابهها.
تاريخيًا تطور مفهوم ريادة الأعمال المجتمعية انطلاقًا من محرك مهم وهو «عدم المساواة في المجتمع الحديث». وأخذ يترسخ مؤسسيًا بفعل مرور المجتمعات عمومًا بتحولات في بنيتها الديموغرافية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية، تلك التحولات بدورها أنتجت احتياجات ورغبات متفاوتة لا تستطيع الدولة بمؤسساتها وخدماتها بالضرورة تلبيتها، كما أنها قد لا تنتج من قبل السوق التقليدية (القطاع الخاص)، أو قد يتطلب الوصول إليها تكاليف كبيرة على المستفيد منها أو طالب الخدمة. واجتهدت الكثير من الأدبيات في محاولة وضع خصائص وسمات لرواد الأعمال المجتمعيين، ولمؤسسات ريادة الأعمال الاجتماعية، ومن بينها محاولة موشيه شارير وميري ليرنر لـ«قياس نجاح المشاريع الاجتماعية التي بدأها رواد الأعمال الاجتماعيون الأفراد»، حيث تم تحديد ثمانية عوامل نجاح رئيسية للمشاريع الاجتماعية وهي: «الشبكة الاجتماعية لرجال الأعمال (قوة العلاقات الاجتماعية وتوسعها) - التفاني الكامل لنجاح المشروع - قاعدة رأس المال المتاحة في مرحلة التأسيس - قبول فكرة المشروع في الخطاب العام (المجتمع) - تكوين فريق المغامرة، بما في ذلك نسبة المتطوعين إلى الموظفين ذوي الرواتب - تشكيل تعاونات طويلة الأمد في القطاعين العام وغير الربحي - قدرة المشروع على الصمود في وجه اختبار السوق - الخبرة الإدارية السابقة لرجال الأعمال (رائد العمل المجتمعي).
ما يعنينا هو ماهية الفرص المتاحة لتبلور مفهوم ريادة الأعمال المجتمعية (بشكل مؤسسي) في سلطنة عُمان، والأصل أن المفهوم كممارسات وقيم متجذر في المجتمع وله أبعاد عديدة، غير أن الانتقال إلى أن تكون ريادة الأعمال المجتمعية اقتصادًا قائمًا من ناحية، وتكون كياناتها المؤسسية أكثر وضوحًا واتساقًا مع المفهوم من ناحية أخرى، وتوجه بشكل فاعل لأغراض الاستدامة كونها عناصر تتطلب تحولًا في الممارسات الحالية. وما يُلح على هذا التحول هو ثلاثة محركات مهمة: أولًا توسع حاجيات ورغبات المجتمع نتيجة التحولات الديموغرافية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والفكرية فيه، وثانيًا محدودية دور الدولة والسوق التقليدي في تلبية الرغبات المتزايدة، والحاجات النوعية الناشئة لدى بعض فئات المجتمع، عوضًا عن القضايا والظواهر المجتمعية الطارئة، وثالثًا هو تبلور الفكر الريادي واكتمال دعائم تلك المنظومة وخاصة لدى فئة الشباب. وبقدر ما تنشأ اليوم من احتياجات اجتماعية صاعدة، بقدر ما يفرز التغير الاجتماعي في المجتمع العُماني فرصًا لبروز أشكال ريادية جديدة في العمل المجتمعي، فملفات مثل الاستثمار في الشيخوخة النشطة، وتعزيز مبادئ الثقافة المالية لأفراد المجتمع، وتسويق أنشطة الأسر المنتجة، وتعميم ثقافة الحصانة السيبرانية والوعي بأمن المعلومات والخصوصية، وتمكين الشباب من المهارات المتقدمة للانخراط في سوق العمل، والاستثمار النوعي في الطفولة المبكرة والخدمات المتصلة بها، وتمكين العمل الحر والاستثمار في المواهب الشبابية، والإدماج الاقتصادي للأشخاص ذوي الإعاقة، وصناعة المحتوى الرقمي الموجه للأغراض الاجتماعية، ودمج المجتمعات في عمليات التنمية المحلية ومشروعاتها كلها نماذج لفرص يتيحها التحول الراهن في الدولة والمجتمع لصالح نشوء أفكار ريادية تخدم العمل المجتمعي، وتبقى أسلحة رائد العمل المجتمعي ثلاثة حسب تصورنا: العين الاجتماعية الحاذقة، والإيمان بالقضية التي ينشط فيها ويبادر لأجلها، واليقين بأهمية التغيير الاجتماعي وصناعة الأثر المنشود.
على الجانب الآخر تتطلب المرحلة المقبلة إعادة التفكير في اللوائح والنظم والتشريعات التي يمكن أن تتعامل مع هذا الشكل من أشكال الأنشطة، وذلك لتعزيز دورها ومساهمتها الاقتصادية أيضًا جنبًا إلى جنب مع إحداث الأثر الاجتماعي، فالدول التي التي ركزت اهتمامها في السنوات الأخيرة لتعزيز وترسيخ ودعم المؤسسات القائمة على هذا المفهوم استفادت بشكل مباشر من تطور مساهمته في الاقتصاد العالمي التي وصلت في 2024 إلى نحو 1.9% في الاقتصاد العالمي، وقدرته على تخليق الوظائف والتي تقدر بنحو 210 ملايين وظيفة حول العالم، ومساهمته في تأسيس كيانات مستدامة تحرك الدورة الاقتصادية. كما أن نشر الوعي بالمفهوم وممارساته وأفضل نظم الحوكمة التي توجهه وتوسيع نطاق التدريب للفئات الشابة على أساسياته كلها تعد عناصر مهمة للحصول على ثمار هذا النوع من الريادة المجتمعية.
مبارك الحمداني مهتم بقضايا علم الاجتماع والتحولات المجتمعية فـي سلطنة عُمان