البيجر القاتل.. قنبلة موقوتة في الحروب السيبرانية
تاريخ النشر: 23rd, September 2024 GMT
العملية الإسرائيلية التي وقعت في لبنان منذ عدة أيام، والتي استهدفت الآلاف من أجهزة البيجر التي يستخدمها عناصر من حزب الله، تميط اللثام عن تطور جديد في حروب العصر الرقمي، يخلط الأوراق ويفرض على صناع القرار في الدوائر الأمنية والعسكرية إعادة التفكير في المسلمات السابقة المتعلقة بالحروب الحديثة.
وأهمية هذه العملية لا تأتي من مجرد تعقيدات المشهد الإقليمي بين إسرائيل وخصومها أو من عدد الضحايا الذين سقطوا جراء عملية التفجير المتزامنة، وإنما من طبيعة العملية بحد ذاتها، وتجاوزها الخطوط الحمر المرسومة ضمنا بين الدول طيلة سنوات، وانعكاسها لاحقا على تعريفنا للإحالات الأمنية التي يفترض على الدول أو الجهات الفاعلة تأمينها ضد أي تخريب أو استهداف.
وبالحديث عن طبيعة العملية، فقد اختلفت الآراء في توصيفها متراوحة بين اختراق سيبراني وآخر أمني. في البداية، اتجهت عديد من التحليلات إلى أن العملية وقعت جراء هجوم سيبراني أدى إلى استهداف بطاريات أجهزة البيجر اللاسلكية، وهو الأمر الذي رفع من حرارتها إلى درجة الانفجار.
ولكن مع الوقت بدأ هذا الخيار بالانحسار لأسباب موضوعية تتعلق بأن استهداف البطارية لا ينتج عنه عادة هذا الانفجار الكبير، بما يسبب هذا القدر من الضرر الذي وقع على الضحايا لحد الموت أو بتر أحد الأعضاء.
لاحقا، برز تحليل آخر يرى بأن التفجير ناتج عن اختراق أمني، وليس سيبراني، تمثل في وصول عملاء إسرائيل الأمنيين إلى الأجهزة في أثناء عمليتي التصنيع والتوريد، الأمر الذي سمح لهم بزرع متفجرات دقيقة داخل أجهزة البيجر، مما مكنهم من تفجيرها لاحقا عندما تم اتخاذ القرار.
في الحقيقية لا يبدو أن ترجيح أحد الخيارين يجيب عن كثير من الأسئلة التي أثيرت حول العملية، في حين أن الجمع بينهما ربما يكون الأقرب للصواب. فالعملية التي وقعت ليست مجرد اختراق سيبراني بحت، ولا هي اختراق أمني وحسب، بل هي على الأغلب خليط من الأمرين، ولذلك فهي تندرج ضمن العمليات الهجينة التي تطمس الحدود بين المادي والسيبراني بجمعها بعضا من خصائص الهجمات السيبرانية، والاختراقات الأمنية المادية في الوقت نفسه.
وقد كان الاختراق المادي معقدا ودقيقا جدا بنفس الوقت، إذ اشتمل على مستويين اثنين: أحدهما لوجستي يتعلق بعمليات التصنيع والتوريد والزراعة (أي زراعة المواد المتفجرة).
والآخر معرفي يتعلق باكتساب فهم عميق لأنظمة البيجر وكيفية عملها وكيفية تزودها بالطاقة، والثغرات التي يمكن استغلالها. وتعد هذه المعرفة الشاملة في غاية الأهمية، وذلك لحاجة الطرف المهاجم إلى ضمان بقاء التلاعب بالأجهزة غير مكشوف لحين لحظة التفجير.
هنا يأتي الشق الثاني من العملية الذي يتطلب تدخلا سيبرانيا. فإذا كان التفجير قد تم تفعيله عن بعد (وهذا الراجح)، فإنه يتطلب إرسال إشارة محددة إلى الأجهزة المستهدفة لتفعيل المتفجرات.
هنا يمكن أن يكون المهاجم قد استغل بروتوكولات الاتصال العادية للبيجر، ولكن ليس لغرض إجراء اتصال عادي، بل لتحويل الأجهزة إلى قنابل مميتة. بطبيعة الحال، لا يعد هذا الاختراق تقليديا أيضا من ناحية تعطيل الشبكة الرقمية أو سرقة البيانات أو التنصت، بل بهدف إحداث عملية تفجير حقيقية ذات نتائج مادية.
لا تعد العمليات الهجينة في الحرب بالأمر الجديد نسبيا، ولكن المختلف في عملية استهداف البيجر في لبنان هي أن إسرائيل قد تجاوزت بعض الخطوط الحمراء التي كانت من المتعارف عليه ضمنيا بين القوى الدولية منذ أن أصبح الفضاء السيبراني أحد الفضاءات المؤمنة.
ويقتضي الاتفاق الضمني ألا يتم استخدام الهجمات السيبرانية لاستهداف الشبكات الحيوية المدنية في الدول، مثل شبكات الكهرباء والماء والسدود والمواصلات، وألا يتم استخدامها لإحداث أضرار بشرية مباشرة.
في السابق، كانت حجة فريق من الأكاديميين بإقصاء الهجمات السيبرانية عن مفاهيم الحرب التقليدية هي افتقارها لإحداث الضرر المادي المباشر سواء تعلق هذا الضرر بالبنية الأساسية أم بالعامل البشري.
ولكن بالنظر إلى عديد من الأمثلة لم يعد بالإمكان الاستمرار في تبني هذا الرأي.
قبل ما يقرب من 15 عاما، استخدمت إسرائيل والولايات المتحدة العمليات الهجينة لضرب البرنامج الإيراني النووي في العملية التي أطلق عليها "الألعاب الأولمبية". من خلال دودة ستكسنت (Stuxnet)، والهندسة الاجتماعية، استطاع المهاجمون إخراج ما يقرب من ثلث أجهزة الطرد المركزي في مفاعل نطنز عن الخدمة من خلال تفجريها بعد التلاعب بعامل التسارع فيها.
في هذا المثال، تمثل الضرر المادي الذي وقع في استهداف البنية التحتية الحيوية للمفاعلات النووية الإيرانية.
حدث ذلك من خلال هجوم هجين شمل دودة رقمية، وتدخل بشري قام بالتحايل على الفجوة الهوائية في شبكة البرنامج النووي الإيراني، مما أدى إلى تخريب فعلي. غير أنه في عملية البيجر الأخيرة كان الأمر مختلفا، فهذه أول مرة يتم فيها استخدام العمليات الهجينة في إيقاع ضرر مباشر على العنصر البشري تمثل في وقوع قتلى وجرحى، كثير من جروحهم بليغة.
ستكون لهذه العملية انعكاسات كبيرة على مجال العمليات العسكرية الفترة القادمة، وهناك تخوف لدى المراقبين من أن تعجل إسرائيل بتعديها جميع الخطوط الحمراء إلى تبني مثل هذه العمليات في ساحات صراع أخرى منتشرة حول العالم.
الإشكالية هنا أن العمليات العسكرية تتطور سواء من خلال آلياتها، وأدواتها، ووظائفها، بطريقة أسرع بكثير من قدرة أنظمتنا الأخلاقية والقانونية والتشريعية على مواكبتها. ففي ظل هذا التجاوز السافر للخطوط الحمراء، سيكون من المهم إعادة التفكير فيما يسمى موضوع "الإحالة الأمنية".
لقد حاز موضوع "الإحالة الأمنية" -أو ما يعرف بالإنجليزية بـ(Referent Objects)- على أهمية خاصة في الدراسات الأمنية لدوره في رسم الحدود التي يجب تأمينها في معادلة الصراع والحروب بين الدول. وعلى مدار قرن من الزمان تطور المفهوم من المقاربات الكلاسيكية -التي اعتبرته مقتصرا على الدولة وقواها الحية، وعلى رأسها المؤسسة العسكرية- إلى المقاربات الحداثية وما بعد الحداثية التي أدخلت في المفهوم كيانات مثل الفرد، والمجتمع، والجندر، والبيئة، وحتى الاقتصاد.
واليوم، ونحن نعيش في العصر الرقمي، وهو ما تكتسب فيه الشبكات الإلكترونية أهمية استثنائية في حياتنا، وتعمل التكنولوجيات الذكية على إعادة تعريفنا نحن البشر، لا بد من إعادة التفكير في موضوع الإحالة الأمنية، بحيث لا يقتصر الأمر على تأمين الفرد وبيئته المحيطة بل التوسع بما يشمل التكنولوجيا في حد ذاتها حتى لا تتحول من أداة لتسهيل حياتنا إلى سلاح للإجهاز عليها.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات من خلال
إقرأ أيضاً:
عكار.. العثور على قنبلة منزوعة الصاعق قرب مؤسسة تربوية
عثر على قنبلة يدوية منزوعة الصاعق بجانب مدرسة الحميدية الاسلامية على مقربة من مفترق بلدة منيارة في عكار.
وعلى الفور حضرت قوة من الجيش وعمل الخبير العسكري على تفجيرها. (الوكالة الوطنية) مواضيع ذات صلة رئيس المنطقة التربوية في الشمال تفقد مراكز الامتحانات في عكار Lebanon 24 رئيس المنطقة التربوية في الشمال تفقد مراكز الامتحانات في عكار 31/07/2025 14:39:38 31/07/2025 14:39:38 Lebanon 24 Lebanon 24 العثور على مسيّرة قديمة في أعالي جبال عكار Lebanon 24 العثور على مسيّرة قديمة في أعالي جبال عكار 31/07/2025 14:39:38 31/07/2025 14:39:38 Lebanon 24 Lebanon 24 العثور على قذيفة هاون قديمة تحت جسرعرقة في عكار Lebanon 24 العثور على قذيفة هاون قديمة تحت جسرعرقة في عكار 31/07/2025 14:39:38 31/07/2025 14:39:38 Lebanon 24 Lebanon 24 المطران منير خيرالله: يطلب الآباء من الدولة اللبنانية تحمّل مسؤوليتها كاملة بالحفاظ على المؤسسات التربوية Lebanon 24 المطران منير خيرالله: يطلب الآباء من الدولة اللبنانية تحمّل مسؤوليتها كاملة بالحفاظ على المؤسسات التربوية 31/07/2025 14:39:38 31/07/2025 14:39:38 Lebanon 24 Lebanon 24 قد يعجبك أيضاً ارتفاع كبير في أسعار "الحامض" في لبنان.. ما السبب؟ Lebanon 24 ارتفاع كبير في أسعار "الحامض" في لبنان.. ما السبب؟ 14:30 | 2025-07-31 31/07/2025 02:30:00 Lebanon 24 Lebanon 24 جلسة تشريعية في مجلس النواب.. وهذه آخر المقرّرات Lebanon 24 جلسة تشريعية في مجلس النواب.. وهذه آخر المقرّرات 12:32 | 2025-07-31 31/07/2025 12:32:38 Lebanon 24 Lebanon 24 دمشق ترسل قافلة مساعدات غذائية وإغاثية إلى السويداء Lebanon 24 دمشق ترسل قافلة مساعدات غذائية وإغاثية إلى السويداء 14:21 | 2025-07-31 31/07/2025 02:21:42 Lebanon 24 Lebanon 24 في هذه المنطقة.. جولات مراقبة تكشف مخالفة في مياه المعامل وتوقف تداول لبنة غير مطابقة Lebanon 24 في هذه المنطقة.. جولات مراقبة تكشف مخالفة في مياه المعامل وتوقف تداول لبنة غير مطابقة 14:05 | 2025-07-31 31/07/2025 02:05:38 Lebanon 24 Lebanon 24 بيضون بارك بإقرار تعديل بدل الإدارة للمديرين Lebanon 24 بيضون بارك بإقرار تعديل بدل الإدارة للمديرين 14:00 | 2025-07-31 31/07/2025 02:00:30 Lebanon 24 Lebanon 24 الأكثر قراءة بعد انتهاء تقبل التعازي بوفاة زياد الرحباني.. موقف لافت من ريما الرحباني: "خلصِت التمثيلية" Lebanon 24 بعد انتهاء تقبل التعازي بوفاة زياد الرحباني.. موقف لافت من ريما الرحباني: "خلصِت التمثيلية" 08:29 | 2025-07-31 31/07/2025 08:29:18 Lebanon 24 Lebanon 24 لهذا السبب ارتفعت فاتورة الكهرباء Lebanon 24 لهذا السبب ارتفعت فاتورة الكهرباء 14:40 | 2025-07-30 30/07/2025 02:40:22 Lebanon 24 Lebanon 24 بالصور.. هذا ما حصل داخل الضاحية Lebanon 24 بالصور.. هذا ما حصل داخل الضاحية 18:23 | 2025-07-30 30/07/2025 06:23:58 Lebanon 24 Lebanon 24 معلومات.. "سوق سوداء" جديدة في لبنان! Lebanon 24 معلومات.. "سوق سوداء" جديدة في لبنان! 21:39 | 2025-07-30 30/07/2025 09:39:29 Lebanon 24 Lebanon 24 عن القيادي في "الحزب" فؤاد شكر.. ماذا قال أدرعي؟ Lebanon 24 عن القيادي في "الحزب" فؤاد شكر.. ماذا قال أدرعي؟ 22:54 | 2025-07-30 30/07/2025 10:54:31 Lebanon 24 Lebanon 24 أخبارنا عبر بريدك الالكتروني بريد إلكتروني غير صالح إشترك أيضاً في لبنان 14:30 | 2025-07-31 ارتفاع كبير في أسعار "الحامض" في لبنان.. ما السبب؟ 12:32 | 2025-07-31 جلسة تشريعية في مجلس النواب.. وهذه آخر المقرّرات 14:21 | 2025-07-31 دمشق ترسل قافلة مساعدات غذائية وإغاثية إلى السويداء 14:05 | 2025-07-31 في هذه المنطقة.. جولات مراقبة تكشف مخالفة في مياه المعامل وتوقف تداول لبنة غير مطابقة 14:00 | 2025-07-31 بيضون بارك بإقرار تعديل بدل الإدارة للمديرين 13:47 | 2025-07-31 كنعان: من دون معالجة الودائع لا امكانية لإصلاح فعلي في لبنان فيديو انحنى ليواسيها.. هذا ما قالته السيدة فيروز للسفير المصري (فيديو) Lebanon 24 انحنى ليواسيها.. هذا ما قالته السيدة فيروز للسفير المصري (فيديو) 09:31 | 2025-07-30 31/07/2025 14:39:38 Lebanon 24 Lebanon 24 ستنافس سامسونغ وآبل.. هذه مواصفات ساعة غوغل المنتظرة (فيديو) Lebanon 24 ستنافس سامسونغ وآبل.. هذه مواصفات ساعة غوغل المنتظرة (فيديو) 08:32 | 2025-07-30 31/07/2025 14:39:38 Lebanon 24 Lebanon 24 لبنانيون يشربون البلاستيك.. هذا ما تحتويه مياهنا! Lebanon 24 لبنانيون يشربون البلاستيك.. هذا ما تحتويه مياهنا! 19:35 | 2025-07-29 31/07/2025 14:39:38 Lebanon 24 Lebanon 24 Download our application مباشر الأبرز لبنان فيديو خاص إقتصاد عربي-دولي متفرقات أخبار عاجلة Download our application Follow Us Download our application بريد إلكتروني غير صالح Softimpact Privacy policy من نحن لإعلاناتكم للاتصال بالموقع Privacy policy جميع الحقوق محفوظة © Lebanon24