لجريدة عمان:
2025-06-01@06:14:55 GMT

الدقم.. والحياة العمانية المنشودة

تاريخ النشر: 23rd, September 2024 GMT

30 أغسطس حتى 5 سبتمبر 2024م.. أسبوع كامل استغرقت رحلتنا الأسرية سياحةً فـي الربوع العمانية، وأنا من الذين تنشرح صدورهم للسياحة فـي الوطن أكثر من السفر للسياحة خارجه، ويكاد أولادي قد زاروا كل بقعة عمانية. وهذه المرة.. قررنا الذهاب إلى محافظة ظفار عبر الطريق الساحلي. هذا المسار.. ليس أول مرة أسلكه؛ فقد سلكته من قبل، وكتبت حوله مقالاً بعنوان «طريق عمان السياحي الكبير»، نشرتْه جريدة «عمان» بتاريخ 20 سبتمبر 2022م، قلت فـيه: (السياحة.

. من قريات حتى صلالة، تجتذب الإنسان بما يحويه الساحل من مشاهد خلابة تسرح فـيه الأنظار استمتاعاً والنفوس ابتهاجاً، لتثير فـي الذهن حركة دائبة من الآمال التي يرجو العماني أن تتحقق على أرض بلاده. هذا الساحل يشكّل خاصرة عمان المكتنزة بالجمال والعطاء). دعوت فـي المقال.. إلى اعتبار هذا الشريط الطويل؛ المدخل السياحي لعمان. إنه طريق لا يمل سالكه، وبخلاف طريق أدم/ صلالة الصحراوي؛ شديد الحرارة صيفاً، ذي الخدمات المتباعدة؛ فإن الطريق الساحلي؛ درجات حرارته ما بين 23-28مْ، وهو مأهول بالتجمعات السكنية، ولا يكاد تختفـي عنك الخدمات الضرورية، فتوجيه الحكومة نظرها إلى استثماره يشكّل أهمية داعية لتطوير البلاد وفتح فرص العمل للشباب العماني، ولأن الدقم إحدى محطاته فالعناية به رافد مهم لتطورها.

المقال.. يؤكد على الاهتمام بالدقم بكونها منطقة واعدة، ولأفهم توجهات الحكومة حولها تصفحت موقع «الدقم.. المنطقة الاقتصادية الخاصة»، بتاريخ 20 سبتمبر 2024م، عبر الرابط: https://www.duqm.gov.om. والذي أرجو إخراجه بشكل أفضل للتعريف بالدقم ومنطقتها الاقتصادية، حتى يسهم فـي الجذب الاستثماري والسياحي. جاء فـيه: (تحتوي المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم على عدة مناطق تطوير اقتصادي وسياحي وخدمي من أبرزها ميناء متعدد الأغراض، وحوض جاف لإصلاح السفن، وميناء للصيد، ومطار إقليمي، ومناطق سياحية وصناعية ولوجستية). فهي ليست منطقة اقتصادية؛ صناعية ولوجستية فحسب.. بل كذلك هي سياحية، ما يلزم تطويرها بحيث تأخذ الطابع الجمالي الجاذب.

وأما (الرؤية.. فهي أن تكون المنطقة الاقتصادية الخاصة فـي الدقم بحلول ۲۰۳۰م الوجهة المفضلة للأنشطة الاقتصادية المتنوعة والعمليات اللوجستية، والحياة العصرية فـي دول مجلس التعاون الخليجي). الرؤية.. تنص بأن الدقم ستكون عام 2030م الجهة المفضلة «للحياة العصرية» بالخليج، ولا يفصلنا عن هذا العام إلا خمس سنوات فقط، وبنظري.. الوقت لم يفت، فالحياة مستمرة، ويوجد الكثير مما يمكن عمله؛ فسلطنة عمان لا زالت ناشئة سياحياً.

زيارتي للدقم.. لم تكن الأولى، فقد زرتها مرات؛ وسجلت انطباعي عنها فـي المقال آنف الذكر؛ قائلاً: (وأما الدقم.. فهي ميناء عالمي ناشئ، شرعت الدولة فـي استثمارها، لكن ما لاحظته هو ضعف البنية الجاذبة للاستقرار فـيها، فالميناء العالمي ليس ورشة عمل.. بل مدينة متكاملة الأركان، والاستثمار للمستقبل يبدأ بتنفـيذ بُنية أساسية قوية، بحيث يخرجها من الشحوب الذي تصطبغ به، بتشجير الطرقات وإيجاد حدائق، وبناء كافة المرافق كالمستشفى المرجعي، والفنادق ذات الدرجات المختلفة، وتوفـير المدارس والمعاهد وسائر المؤسسات الخدمية، وتطوير المطار بحيث يكون نموذجاً للمطارات السياحية الدولية، بتذاكر سفر منخفضة التكلفة، ورصف شارع متعدد السكك يربط الدقم بمراكز المحافظات؛ وفـي مقدمتها مسقط وصلالة).

لا أتكلم عن البُنية الاقتصادية والمنشآت الصناعية والخدمات اللوجستية؛ فهذه تعود لواضعي الخطط الاستثمارية ومنفذيها، كما أنها فـيما يبدو تشهد نهوضاً اقتصادياً واعداً، وإنما حديثي عن الجانب الإنساني الذي ينبغي أن تتمتع به الدقم. فانطلاقاً من الرؤية التي حُددت للمنطقة وحَدِّها الزمني لتتحول إلى «الحياة العصرية» والجذب السياحي، فحتى الآن.. لا تستبين العين تقدماً واضحاً، باستثناء شبكة الطرق ذات السكك المزدوجة والتقاطعات العديدة التي تتحكم بها إشارات المرور، وحتى هذه الشبكة الرائعة التي عملت للمستقبل عارية من اللباس الجميل، فلم تَزْدَهِ دواراتها بالتحف الفنية، ولم تكتسِ مناكبها بالثوب الأخضر، اللهم إلا شارع يتيم يظلله عاضد نخيل مسافةً قصيرة.

إن الدقم إذا ما حللتها اصطبغت عيناك بلون الورس؛ لكنه عديم الرائحة، فالصحراء والمنشآت التي غرست فـيها تفتقر إلى الإبداع الهندسي وإبهار الطيف العمراني. ومن المعروف اليوم.. أن التصميم الأنيق ينبغي أن ينال كل المنشآت؛ بما فـيها الشركات ومصانعها. أما مباني الدقم فهي قطع من الخرسانات الإسمنتية والأعمدة الحديدية؛ كأنما هي منتجات ضخمة تنتظر الحاويات البحرية لتصديرها. كنا قد حجزنا فندقاً، وفـي بالنا نجده مبنىً آسراً بمرافقه الأنيقة وحديقته الخلابة، ففوجئنا بأنه مبنى غُرِس فـي صحراء شاحبة فنبت بلونها، رغم أنه نظيف فـي غرفه، لطيف فـي خدمته، معتدل فـي أسعاره.

اليوم.. فـي تشييد المدن؛ أول ما تتجه إليه أنظار المهندسين هو التصميم الذكي، الذي يجذب النفوس قبل أن تضع عن كاهلها حقائب السفر. ولأن الدقم منطقة اقتصادية وصناعية؛ فـينبغي التركيز على إضفاء الذائقة الجمالية عليها أكثر من غيرها، بكسو المنطقة رداءً قشيباً، حتى يخفف عن الناس ثقل العمل المضني ورتابة منظر الهياكل الصناعية. لقد أصبح التوجه عالمياً لبناء «مدن مؤنسنة»، وبالحقيقة.. «أنسنة البلدان» ليست أمراً مستحدثاً.. بل واقع أزلي لكل مكان يعمره الإنسان، إلا أنه تُخلِّي عنه بسبب التوسع العمراني السريع، وإنشاء مدن لا يلتفت مهندسوها إلا إلى الدخل السريع، حتى إن أدى الوضع إلى مشاكل نفسية وصحية للناس.

الدقم.. ما زالت مثلاً تفتقر من المستشفـيات التخصصية والمرجعية، فكيف لمنطقة يراد لها أن تكون وجهة عالمية لا تحظى بالعناية الصحية على أعلى المستويات؛ لاسيما أن العاملين فـيها لطبيعة عملهم معرضون بكثرة للإصابات والأمراض.. بل إن مرائب إصلاح السيارات شحيحة فـيها، وقس عليها كثيراً من الخدمات الأساسية.

إن الأمل الذي عقده العماني على مستقبل بلاده هو أن يرى الدقم منطقة تبنى من أول يوم على أحدث تصاميم الأنسنة، وأفضل الخدمات المقدمة، وأن تكون نموذجاً لحياتنا المستقبلية. أننا نطمح أن نرى الذكاء الاصطناعي ناطقاً بأحدث تطبيقاته فـي بناء مدينة عالمية؛ تفخر بها سلطنة عمان.. بل الطموح أن تقام فـيها جامعة للذكاء الاصطناعي، تفتح المجال للطلبة العمانيين أن يسهموا فـي تطوير لغة العصر، فضلاً أن يديروا بأنفسهم المنطقة بهذه اللغة التي ستحوّل العالم بحلول 2030م من عالم قديم إلى عالم جديد، حيث ستعتبر البشرية شيئاً فشيئاً كل ما كان قبل هذا العام منتهي الصلاحية، وسيحيله الذكاء الاصطناعي إلى مادة متحفـية رقمية.

عمان.. بلد حضاري، ومن القيم التي نصت عليها «رؤية عمان 2040» الحفاظ على الهُوية العمانية، ولأن الدقم يراد لها أن تكون مركزاً عالمياً؛ يأوي إليه الناس من كل فج عميق؛ اقتصاداً واجتماعاً، فـينبغي أن يواكب ذلك وضع استراتيجية ثقافـية؛ خصيصةً لهذه المنطقة، تعمل على رسوخ الثقافة العمانية فـيها، ومن دونها فإنها ستتحول إلى مكان هجين؛ عرضة للانسلاخ من ثقافتنا العمانية. هذا إن لم يستتبعها مشكلات سياسية، فهناك بلدان تعرضت لتغيير هُويتها، ثم عانت كثيراً من أوضاعها.

ولترسيخ هُويتنا العمانية وإظهار ثقافتنا للعالم.. فأقترح إنشاء مركز ثقافـي عالمي بالدقم، يقوم على أحدث التقنيات الرقمية، مركز.. ليس من نوع المراكز التقليدية، وإنما ثورة رقمية لإبراز الثقافة، ينسخ كل عنصر ثقافـي فـي «كتاب ذكي» يحكي جانباً من القصة العمانية الخالدة. مركز.. لا يحتاج أن تَرِدَه بنفسك، وإنما هو يأتي إليك قبل أن يرتد إليك طرفك.

ختاماً.. هناك ما لا يحصى من أفكار تنهض بثقافتنا، ونقلها إلى العالمية عبر منطقة الدقم، ومشاريع تخلق فرص عمل للشباب العماني، ويبقى الأمل معقوداً على الجهات المسئولة عن الثقافة بالسلطنة، وعلى المؤسسات العاملة فـي الدقم التي نرى فـيها الحياة العمانية المنشودة.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: أن تکون

إقرأ أيضاً:

سلطنة عمان.. إنجازات بارزة في القضاء على الفقر نحو تنمية مستدامة

أظهر تقرير إحصائي أن سلطنة عُمان حققت تقدمًا ملحوظًا في القضاء على الفقر بجميع أشكاله، بما يتماشى مع أهداف التنمية المستدامة.

وبحسب تقرير التنمية البشرية 2023/2024، تُصنف سلطنة عُمان ضمن الدول ذات الدخل المرتفع جداً للفرد، حيث بلغ متوسط دخل الأسرة الشهري 1,174 ريالًا عُمانيًا، في حين بلغ متوسط دخل الفرد الشهري نحو 23 ريالًا عُمانيًا.

وأكد التقرير الإحصائي لأهداف التنمية المستدامة الصادر عن المركز الوطني للإحصاء والمعلومات نجاح سلطنة عُمان في تحقيق الهدف الخاص بالقضاء على الفقر المدقع على مستوى السكان، الذي يُقاس حالياً بأقل من 1.25 دولار في اليوم، حيث سجلت نسبة 0% من السكان يعيشون تحت خط الفقر الدولي، وفقًا لبيانات مسح نفقات ودخل الأسر 2019/2018.

كما تمكنت سلطنة عُمان من تحقيق هدف "تنفيذ نظم وطنية ملائمة للحماية الاجتماعية وتدابير شاملة للجميع، ووضع حدود دنيا لها، وبحلول عام 2030 تحقيق تغطية واسعة للفقراء والضعفاء." ويتوقع أن يرتفع مؤشر نسبة السكان المشمولين بحدود دنيا أو نظم الحماية الاجتماعية، مثل الأطفال، والباحثين عن العمل، والمسنين، والأشخاص ذوي الإعاقة، والحوامل، والأطفال حديثي الولادة، وضحايا إصابات العمل، والفقراء، والضعفاء، حيث شملت التغطية 36.9% من السكان عام 2022.

ويتوقع أن تزداد هذه النسبة مع تعزيز نظم الحماية الاجتماعية وتأسيس صندوق الحماية الاجتماعية، الذي أُنشئ بموجب المرسوم السلطاني رقم (33/2021)، المختص ببرامج الحماية والتمكين والإدماج والرعاية والدعم بكافة أشكاله، لإيصال هذه البرامج إلى الفئات المستحقة، لا سيما وأنه بدأ فعليًا صرف بعض المنافع المستجدة في مطلع عام 2024.

وفيما يتعلق بكفالة تمتع جميع الرجال والنساء، وخاصة الفقراء والضعفاء منهم، بنفس الحقوق في الحصول على الموارد الاقتصادية، وكذلك حصولهم على الخدمات الأساسية بحلول عام 2030م، أوضح التقرير أن سلطنة عُمان كفلت بموجب المرسوم السلطاني رقم 42/2021، تمتع جميع الرجال والنساء بنفس الحقوق في الحصول على الخدمات الأساسية. حيث يعيش جميع السكان في أسر يمكنها الوصول إلى الخدمات، بما في ذلك مياه الشرب، والصرف الصحي، والطاقة، والتنقل، وجمع النفايات، والرعاية الصحية، والتعليم، وتكنولوجيا المعلومات.

وحول "بناء قدرة الفقراء والفئات الضعيفة على الصمود، والحد من تعرضهم وتأثرهم بالظواهر المتطرفة المتصلة بالمناخ وغيرها من الهزات والكوارث الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، بحلول عام 2030م"، أشار التقرير إلى أن سلطنة عُمان شهدت عدة أنواء مناخية خلال الفترة (2015-2021)، بالإضافة إلى الجائحة الوبائية - كوفيد-19 - التي اجتاحت العالم عامي 2020 و2021م. وقد أدى ذلك إلى ارتفاع نسبة الوفيات الناجمة عن الكوارث إلى 0.38 لكل مائة ألف من السكان، بينما انخفضت النسبة في عام 2023 إلى 0.06 لكل مائة ألف من السكان، أما بالنسبة للأشخاص المفقودين، فلا توجد أي حالة منذ عام 2015م. وبذلك تكون سلطنة عُمان قد حققت المستهدف.

وأشار التقرير أيضاً إلى أن سلطنة عُمان تعد من الدول التي تعتمد تنفيذ استراتيجيات وطنية للحد من مخاطر الكوارث، ومن هذه الاستراتيجيات والخطط مبادرة تقييم مرونة المحافظات على التصدي للظواهر المناخية، والتي تهدف إلى تقييم قدرة سلطنة عمان على مواجهة الظواهر المناخية، ووضع توصيات واقتراح مشاريع ذات الأولوية تُسهم في الحد من تأثير هذه الظواهر على البنية الأساسية لسلطنة عُمان.

بالإضافة إلى ذلك، تم وضع خطة وطنية للحياد الصفري للكربون، وإعداد الاستراتيجية الوطنية للتكيف والتخفيف من التغيرات المناخية، التي تهدف إلى تحديد التأثيرات السلبية ومخاطر التغيرات المناخية على قطاعات التنمية، ورصد انبعاثات غازات الاحتباس الحراري من مصادرها المختلفة، ووضع إجراءات للتكيف والتخفيف من تلك المخاطر، كما تتضمن الاستراتيجية إعداد نماذج لتأثيرات التغيرات المناخية وفقاً للمعايير والمنهجيات الدولية المعتمدة، بالإضافة إلى بناء وتعزيز القدرات الوطنية في مجال التغيرات المناخية خلال مراحل تنفيذ الاستراتيجية.

كما ذكر التقرير أن سلطنة عُمان ليست من الدول التي تتلقى مساعدات خارجية من الدول المانحة، وأن نسبة الفقر فيها وفق التعريف الدولي معدومة، مؤكدًا أنها تسير على الطريق الصحيح نحو تحقيق المستهدفات بحلول عام 2030م، وتواصل دعم القطاعات الأساسية في الدولة. حيث خصصت للدراسة 15% من إجمالي الإنفاق الحكومي، مما يجعلها من الدول الأكثر إنفاقاً على التعليم، وخصصت للصحة 8%، و5% للحماية الاجتماعية.

مقالات مشابهة

  • مذكرة تفاهم بين جامعة صحار و"متحف عُمان عبر الزمان" لخدمة التراث
  • وزير الخارجية والهجرة يتوجه إلى عمان
  • روبي في جولة غنائية العاصمة الأردنية عمان
  • إنطلاق موسم طناء النخيل في شمال الشرقية
  • سلطنة عمان.. إنجازات بارزة في القضاء على الفقر نحو تنمية مستدامة
  • خالد الجندي: لا يصح انتهاء العِشرة والحياة الزوجية بالفضائح والانهيار
  • الشيخ خالد الجندي: لا يصح انتهاء العِشرة والحياة الزوجية بالفضائح والانهيار «فيديو»
  • إربد .. وفاة شاب دهسا على شارع البتراء
  • عاجل || وفاة شاب بحادث دهس في إربد
  • المنتخب الوطني يلتقي نظيره السعودي غدا