ما هي حسابات إسرائيل في الرد على صواريخ إيران؟
تاريخ النشر: 2nd, October 2024 GMT
علّق كاتب شؤون الأمن القومي طوم روغان على هجوم إيران الكبير بالصواريخ الباليستية على إسرائيل، رداً على اغتيالها الأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصر الله وزعيم حماس إسماعيل هنية، مشيراً إلى أن الهجوم الإيراني كان مرجحاً، وكانت إيران تشعر بالحاجة إلى استعادة الردع، وسط الخسائر المدمرة التي تكبدها حزب الله في الأيام الأخيرة.
الرياح السياسية والاستراتيجية تصب في مصلحته
كتب روغان في موقع "أنهيرد" البريطاني أن حجم هذه الهجمات وطبيعتها المحرجة علناً على مستوى هجمات أجهزة الاتصال اللاسلكي كانا كافيين لجعل المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي يرى أن صدقية المشروع الديني الإيراني معرضة للخطر. لم تكن المبادرة مع إسرائيل فحسب؛ بدت إيران عاجزة ومتواضعة.
كان خامنئي بحاجة إلى الرد من أجل إظهار أمام شركائه وخصومه الإقليميين أن لدى نظامه العزم والقدرة على الرد. مع ذلك، إن حجم الهجوم الإيراني بارز. تم لفت الانتباه بشكل غير ملائم هنا إلى التحذير الظاهري الذي وجهته إيران للولايات المتحدة من هجوم صاروخي مقبل. كان القصد من ذلك إعطاء الولايات المتحدة الوقت لإخبار إسرائيل كي تعد مواطنيها للاحتماء. لكن ما يهم هنا أكثر من أي شيء آخر هو كيف ستنظر إسرائيل إلى هجوم إيران. لأنه من المرجح أن ينظر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو وحكومته إلى هذه الضربة باعتبارها مشكلة كبيرة. حسابات إسرائيل
في حين أسقطت إسرائيل عدداً كبيراً من الصواريخ الباليستية الإيرانية، اخترق عدد كبير منها الجهد الدفاعي. إن عدد الإسرائيليين الذين قتلوا أو أصيبوا هو مجرد اعتبار واحد من شأنه أن يشكل رد إسرائيل. ما يهم هو أن المراكز السكانية الإسرائيلية الكبرى عانت من عدد غير ضئيل من التأثيرات الناجمة عن الصواريخ الباليستية الإيرانية. سيُنظر إلى هذا الواقع على أنه قوض موقف ردع إسرائيل ضد عدوها اللدود.
My short analysis of what tonight's events mean for #Israel & #Iran, tho no one can be sure. Basically, the sides cd still dial this down if they want to. But it looks unlikely & Israel seems to have a free hand. @Channel4News https://t.co/WQrSWcAlWb
— Dahlia Scheindlin (@dahliasc) October 1, 2024
ستريد إسرائيل استعادة الردع، من أجل ضمان عدم اعتقاد إيران بأنها قادرة على تكرار هذا العمل من دون كلفة كبيرة. وتكتسب هذه النقطة أهمية إضافية في ما يتعلق بالتهديد الإيراني المستقبلي المحتمل باستخدام صواريخ باليستية محملة برؤوس حربية نووية أو كيميائية/بيولوجية. ولا تزال الصدمة النفسية الناجمة عن هجمات حماس في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023 ماثلة في نفسية الأجهزة المدنية والأمنية الإسرائيلية. تريد إسرائيل أن تظهر أنها قوية وجريئة.
وفي حين تفتقر إسرائيل إلى القدرة على تدمير البرنامج النووي الإيراني على سبيل المثال، هي قد تلحق أضراراً كبيرة بهذا البرنامج. على أقل تقدير، سيرى العالم ضربات إسرائيلية كبيرة على الحرس الثوري الإيراني والقوات التقليدية الإيرانية. ومن المؤكد تقريباً أن هذا سيشمل ضربات على طهران. وقد تحدث أيضاً ضربات إسرائيلية ضد قدرات التكرير الإيرانية. ما لن يفعله بايدن قريباً
يتمثل التحدي الذي تواجهه الولايات المتحدة في موازنة رد إسرائيل جنباً إلى جنب مع ردع إيران ضد المضي قدماً في دوامة التصعيد. الآن أصبح خامنئي وقادته يشعرون بالارتياب بشأن أمن نظامهم وقد يسعون إلى تعريض تدفقات الطاقة الإقليمية والاستقرار في عواصم مثل بغداد وبيروت للخطر، ويفاقمون مخاوف متعلقة بالإرهاب.
Israel will want to restore deterrence to ensure Iran cannot replicate this action without major cost.
Expect Israel to respond with major strikes, warns @TomRtweets ???? https://t.co/KZpsc5h1Jk
ومن شأن هذا أيضاً أن يخاطر بتقييد الجيش الأمريكي في المحيط الهادئ. إن الولايات المتحدة بحاجة إلى رد إسرائيل على هذا الهجوم لإنهاء دورة العنف الحالية. باختصار، ختم روغان، من غير المرجح أن يعود بايدن إلى شاطئ ديلاوير في أي وقت قريب.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: عام على حرب غزة إيران وإسرائيل إسرائيل وحزب الله رفح أحداث السودان الانتخابات الأمريكية غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية إيران وإسرائيل عام على حرب غزة غزة وإسرائيل
إقرأ أيضاً:
إيران تعيد تموضع نفسها لمواجهة صعود إسرائيل وتركيا
«مشهد جيوسياسي متغير في الشرق الأوسط»، هذا «الكليشيه» السياسي المتكرر ما زال صالحا للانطلاق منه لفهم حالة إعادة التموضع وإعادة صياغة السياسات الخارجية لكل دولة من دول الإقليم. فكما في الاقتصاد، تجري الآن في السياسة الخارجية والدفاع والأمن الوطني عملية إعادة تكيف هيكلي مع هذا المشهد، بغرض أن تتأكد كل دولة في المنطقة من أنها ستكون فائزة في العملية الجارية لإعادة بناء خرائط النفوذ، أو على الأقل التأكد من أنه لن يكون على حسابها.
يمثل تاريخ ٨ ديسمبر الماضي، بسقوط النظام السوري السابق وصعود نظام موال للولايات المتحدة وحلفائها الإقليميين في المنطقة، أكبر وأهم إعلان عن بدء هذا المشهد الجيوسياسي المتغير.
يتوج أحدث تصريح من الرئيس السوري الجديد، أحمد الشرع، هذا التغير الاستراتيجي، عن انتقال سوريا بعد ٥٤ عاما من نظام البعث المعادي لإسرائيل والولايات المتحدة، إلى معسكر واشنطن استراتيجيا، وإلى معسكر المنسحبين العرب عن المواجهة مع إسرائيل: «مستعدون لتحقيق الاستقرار الإقليمي وأمن الولايات المتحدة وحلفائها جميعا».
إلا أن التصريح الأهم للرئيس الشرع، في سياق التحولات المرتقبة في السلوك السياسي للجمهورية الإسلامية الإيرانية، هو الذي وجهه إلى الأمريكيين وحلفائهم من إسرائيليين، وأيضا من بين السطور، إلى حلفاء واشنطن العرب والأتراك السنة: «لدينا أعداء مشتركون مع تل أبيب (يقصد هنا الإيرانيين)».
يدرك الإيرانيون هنا أنهم خسروا أهم حليف عربي نشأ منذ اتفاق الخميني وحافظ الأسد على أن علاقتهم هي علاقة استراتيجية.. وأن سوريا التي كانت لهم أصبحت عليهم. يدركون أن خسارة سوريا لا تتعلق فقط بخسارة الممر الاستراتيجي الذي صنع نفوذ إيران الإقليمي الهائل في العقود الثلاثة الماضية، ومكنها من إيصال الأسلحة والدعم لمنظمات المقاومة اللبنانية والفلسطينية، ولكن أيضا في نشوء تخطيط استراتيجي أمريكي ستُوظف فيه إمكانات مالية مخيفة لدول عربية، يجعل من سوريا نقطة انطلاق لتقويض النفوذ الإيراني في العراق وما تبقى منه في لبنان. في هذا التخطيط، يجري إعادة رسم الخرائط بحيث يتم عزل وتهميش مصر واستبدال سوريا بها كقاعدة لنفوذ القوى المحافظة العربية، التي توجهها إدارة ترامب في الأسابيع الماضية كقيادة للمنطقة.
تراجع نفوذ طهران في الشرق الأوسط، وتراجع المعسكر الإقليمي صاحب النفس الاستقلالي الرافض للخضوع التام لواشنطن، يفرض على صانعي السياسة الإيرانية الواقعيين إجراء تحولات ملموسة في سياستهم الخارجية، تستوعب هذه التغييرات، ولكن تحافظ على إرث الخميني في إنهاء حالة التبعية للغرب التي اتصف بها حكم شاه إيران.
هذه التحولات لا يمكن التنبؤ بها سوى على المدى القصير، أو في أحسن الأحوال على المدى المتوسط، وهي مرتبطة بفرضيتين إذا تغيرتا تتغير معهما معادلة التحولات المرتقبة:
الفرضية الأولى: نجاح المفاوضات الإيرانية - الأمريكية حول الملف النووي، وبالتالي رفع العقوبات الاقتصادية الغربية عن طهران.
الفرضية الثانية: استمرار المرشد الأعلى خامنئي في قمة الدولة الإيرانية، وترتيب خلافة له تتبنى النهج الاستقلالي نفسه عن واشنطن، أو بعبارة أخرى: عدم ظهور قائد جديد ينقلب على النظام الجمهوري ويعيد إيران إلى الحظيرة الأمريكية كـ«شرطي للخليج» وحليف أمني، ومزود طاقة لإسرائيل كما كانت قبل ١٩٧٩.
وضع جديد سينشأ إذا تُوجت بالنجاح المفاوضات التي تديرها سلطنة عمان بحصافة كبيرة، والتي تقدم فيها جسورا بين المواقف، وتفكك فيها الأزمات التي تنشأ من تباين الأهداف في المفاوضات أو من التصريحات السياسية التصعيدية من الأمريكيين والإيرانيين بغرض الاستهلاك المحلي للرأي العام لديهم.
هذا الوضع سترفع فيه العقوبات عن صادرات النفط الإيرانية، وعن أموال إيران المجمدة في الخارج، وهو ما سيدفع الإيرانيين ـ على المدى القصير ـ لإعطاء الأولوية للداخل الإيراني على الخارج. سيجري التركيز على إصلاح أحوال الاقتصاد الذي أنهكته العقوبات، واستخدام العوائد المتوقعة من العودة التدريجية لصادرات النفط قرب مستوياتها السابقة، وعودة الأموال المجمدة، في تحسين الأحوال المعيشية، وإغلاق أبواب التململ الاجتماعي من تدهور المعيشة، وضخ موارد جديدة في شرايين الصناعة والزراعة والبنية التحتية، وجذب الاستثمارات الخارجية التي حدّت منها كثيرا سياسة العقوبات.
سيتم التركيز على سياسة خارجية وأمن قومي يستهدفان تعافي القوة العسكرية الصاروخية وقوة الدفاع الجوي التي تضررت من الغارات الإسرائيلية، وإعادة بناء قدرات إيران الشاملة كرادع لنتنياهو عن المقامرة بشن هجوم على المنشآت النووية والعسكرية الإيرانية.
سيتم التركيز في هذه السياسة المرحلية على ضمان الأمن القومي المباشر للدولة الإيرانية، في حدودها مع دول الخليج العربية، وحدودها مع العراق وتركيا ودول آسيا الوسطى. في هذه السياسة، ستوثق إيران علاقتها القوية الخالية من الشكوك والقائمة على الاحترام مع عُمان، وعلاقتها ذات الطبيعة غير الصراعية مع قطر والكويت، وتحويل خلافها مع البحرين والسعودية والإمارات إلى خلاف سياسي يتم السعي لحله بالوسائل السياسية، عبر تثبيت الاتفاق الحازم القائم معهم الآن بتجنب الحرب التي قد تدمر المنطقة وتقضي على الجميع.
وبخصوص العراق، ستقاوم إيران ـ ولكن بالسياسة والنفوذ الناعم ـ الجهد المنظم الرامي لدفع السياسيين والمجموعات المسلحة الأقرب إليها بعيدا عن مركز السلطة في بغداد.
هذه السياسة الخارجية ستتبع نهجا «انكماشيا» فيما يتعلق بالعالم العربي، يُخفف فيه النمط التدخلي مع حركات المقاومة على غرار: «لن نكون ملكيين أكثر من الملك»، أو «عربًا أكثر من العرب». هذا النهج سيستمر ـ على الأقل ـ حتى تستعيد إيران عافيتها، وحتى تتضح نتائج حرب غزة ومستقبل حزب الله في لبنان.
سترُضي هذه السياسة فريقًا في النخبة الإيرانية كان يعارض ما يسميه «صرف المليارات على أطراف عربية كان الداخل الإيراني أحق بها»، كما تُرضي فريقًا آخر يرى أن بعض هذه الأطراف العربية كانت ناكرة للجميل في أكثر من موقف وأكثر من ساحة.
لكن هذه السياسة الانكماشية مع محور المقاومة، ومع المحيط العربي الأوسع لحين من الزمن، لن تمنع إيران من السعي لفك الحصار الجيوسياسي عليها. تسعى طهران لتوسيع نطاق حركتها السياسية في المنطقة، خاصة مع دول قديمة تتعرض للتهميش الاستراتيجي في التموضع الجديد الذي نشأ في المنطقة، والذي تقوده واشنطن، ويشمل تركيا والشام وأجزاء في الخليج.
تقع مصر على رأس هذه الدول التي ستجدد إيران محاولتها ـ المستمرة منذ عهد مبارك ـ لإنهاء الفتور القائم منذ عهد السادات. ورغم النجاح المحدود للغاية الذي تحقق لها من هذه المحاولة، فإن إيران تشعر الآن أنه إذا قابلت القاهرة هذه المحاولة الجديدة بإرادة سياسية للتقارب، فإنها قد تنجح هذه المرة.
فالتطور الجيوسياسي الراهن لا يُهمّش الإيرانيين فحسب، بل يُهمّش مصر وكل الدول «القديمة» السابقة على عصر النفط، عصر الاستعمار والهندسة الغربية للعديد من الدول الحديثة في المنطقة.
هل يمكن فهم زيارة وزير الخارجية العراقي، عباس عراقجي، غير المعتادة إلى القاهرة اليوم الاثنين، بأنها تأتي في هذا السياق من تحولات متوقعة للسياسة الإيرانية بعد الطوفان المضاد لطوفان الأقصى؟ هذا ما ستجيب عنه الأيام المقبلة.
حسين عبد الغني كاتب وإعلامي مصري