مع استمرار الصراع بين حزب الله وإسرائيل، يتواصل عداد الشهداء والجرحى اللبنانيين بالتزايد، وذلك في ضوء الغارات الإسرائيلية المستمرة على مناطق متعددة في لبنان، في مقدمتها الضاحية الجنوبية.

ورصد تقرير لكريستينا جولدباوم وهويدا سعد في صحيفة "نيويورك تايمز" حالة الحزن التي خيمت على المواطنين في ربوع لبنان.



جنازة جماعية ينطلق التقرير من تدفق المشيعين إلى المقابر في مدينة صيدا الساحلية في جنوب لبنان، لتشييع جنازة جماعية لعدد من أبناء المدينة.

ويصوّر التقرير، تلك اللحظة "المؤلمة" التي تمسك النساء فيها بأذرع بعضهن البعض بينما يشاهدن وصول النعوش: واحد، ثم آخر، وآخر، وآخر، حتى تم إنزال جميع النعوش الـ13 إلى الأرض.

وكان الشهداء من بين حوالى 45 شخصاً قُتلوا في غارة جوية إسرائيلية على مبنى سكني يوم الأحد.

كانت هذه واحدة من أكثر الضربات الفردية دموية في القصف الإسرائيلي للبنان، وهي واحدة من أكثر الحملات الجوية كثافة في الحرب المعاصرة، والتي يقول المسؤولون الإسرائيليون إنها استهدفت أعضاء حزب الله والمرافق العسكرية.

فرار إلى الموت وفق التقرير، كان العديد من القتلى في الغارة قد فروا من أجزاء أخرى من جنوب لبنان خلال الأسبوع الماضي، في أعقاب أوامر الإخلاء الإسرائيلية، ولجأوا إلى منازل أقاربهم في صيدا، وفقًا لأقاربهم وجيرانهم. وكانت نرمين جرادي، 20 عامًا، التي كانت تخطط لحفل زفافها، في الطابق الأرضي عندما توفيت. أيضا، كان محمد حناش، 18 عامًا، من النبطية، قلقًا بشأن ما إذا كانت الحرب ستعطل خططه لدراسة الهندسة في إحدى الجامعات العام المقبل. "لماذا نحن؟.. لماذا نحن دائماً؟" صرخت ناريمان الصاوي، 58 عاماً، وهي تسير إلى المقبرة، بعد أن استشهد ابن ناريمان وحفيدتها في الضربة.   كذلك، تضيف ناريمان الصاوي وهي تحبس دموعها: "الحرب تزداد صعوبة؛ إنها تسير من سيء إلى أسوأ، نحن نركض من هنا إلى هناك، لكن لم تعد هناك منطقة آمنة، لكن لدينا الله يحمينا".

في يوم الثلاثاء، كان عمال الإنقاذ لا يزالون يحفرون في القليل المتبقي من المبنى السكني، وصاح أحد العمال بصوت عالٍ: "بلطف، بلطف!" وسط اهتزازات وأصوات الحفارة.

وفي إشارة إلى توقف الحفر، ارتدى الرجل زوجاً من القفازات الجراحية الزرقاء، وألقى بقطع خشنة من الطوب الخرساني بعيداً حتى ظهر الهيكل الناعم لإحدى الجثث، وقال أحد العمال الواقفين بالقرب: "إنها امرأة".

كان العمال يدركون أنهم لن يجدوا أحداً على قيد الحياة بعد يومين من العمل، ولكنهم واصلوا العمل، أملاً في الوصول لأحدهم حياً، لكن هذا الأمل تبدد ببطء مع استمرار الساعات التي أعقبت الانفجار وخفوت الأصوات القادمة من تحت الأنقاض ثم صمتها.

وصل محمد أحمد جرادي، 30 عاماً، بعد أقل من ساعة من الهجوم، فهو شاهد مقاطع فيديو للمبنى على مجموعات واتساب المحلية وتعرف عليه، مشيراً إلى أن عمته وعمه وأبناء عمومته كانوا يعيشون جميعاً في الطابق الأرضي.

وقال جرادي إنه عندما وصل إلى مكان الحادث يوم الأحد، سمع عمته تصرخ طلباً للمساعدة.

كذلك، كان عمه يصرخ قائلاً إن بطنه كان مغطى بالدماء، ولكن بحلول الوقت الذي تم فيه انتشالهما من تحت الأنقاض، كان كلاهما قد توفيا. وبحسب جرادي، فقد "استغرق الأمر أكثر من يوم لإخراجهما"، وأضاف في استسلام: "هذا هو لبنان".

جثث في كل مكان وفي مكان قريب، كان المتطوعون يلتقطون بقايا الحياة المتناثرة عبر أكوام الغبار وألواح الخرسانة، وسادة كستنائية اللون، وقطعة من مرتبة إسفنجية، ووعاء طبخ من الألومنيوم متضرر إلى جانب حذاء رياضي واحد.

في الواقع، كان كل شيء يجري التقاطه بمثابة تذكير مؤلم بأن منازل الناس كانت قائمة ذات يوم في هذا المكان.

وتقاسم مئات الأشخاص الذين تجمعوا لحضور الجنازة يوم الثلاثاء هذا الشعور بالحزن، وأمسكت أميرة حناش (35 عاماً) بذراع والدتها البالغة من العمر 65 عاماً أثناء خروجهما من المسجد، حيث أقيمت الجنازة. وهنا، سألتها بلطف: "هل أنت بخير؟ هل أنت بخير؟".. كانت عينا والدتها محمرتين من الدموع، فقد استشهد 3 من أبناء وبنات أخيها وأخواتها.

وقالت والدتها فاطمة حناش بصوت مرتجف: "أنا خائفة، أنا خائفة، لقد كانوا مجرد مدنيين". (24)

المصدر: لبنان ٢٤

إقرأ أيضاً:

في غزة.. المأساة تتجاوز الخيال

محمد بن رامس الرواس

"مؤسسة غزة الإنسانية عبارة عن فخ موت مصمم لقتل أو تهجير السكان".. هكذا صرحت المقررة الأممية فرانشيسكا ألبانيز، عن الوضع المأساوي في غزة.

أحداث تشبه أفلام الخيال السينمائي لكنها اليوم تجسد في غزة بطريقة أكثر دموية وأكثر وحشية. وعند متابعتنا للأحداث المأسوية بقطاع غزة التي تتكشف فصولها يوما بعد يوم، يتبادر إلى أذهاننا أنها تشبه ما حدث في أحد أفلام هوليوود والذي يحمل عنوان "صيادو الجوعى" (The Hunger Games) ولقد وثقت المقررة الأممية فرانشيسكا ألبانيز -المعنية بالأراضي الفلسطينية المحتلة- في تقريرها الذي رفعته للأمم المتحدة هذا المعنى من خلال ما دونته من انتهاكات لاإنسانية في القطاع خلال توزيع المساعدات، قائلة: "فخ موت مصمم لقتل أو تهجير الناس" وهو صورة حقيقية فعلًا لما يحدث.

"البقاء للأسرع والأقوى".. هكذا الوضع في فيلم "صيادو الجوعى" الذي يُجبر فيه المشاركون على القتال حتى الموت في ساحة معركة مصممة بعناية، بينما يشاهد الجمهور الأحداث من بعيد عبر الشاشات، لقد تجلت هذه الديناميكية على الواقع ولكن بصورة أكثر وحشية منذ ظهور ما يسمى "مؤسسة غزة الإنسانية" وهي توزع المعونات على الفلسطينيين، فيطالعنا مشهد صراع بين الفلسطينيين عند توزيع الغذاء، لأن هذه المؤسسة تقوم بحصار خانق خلال تقديمها المساعدات، فهي ترهق الفلسطينيين عند استلامهم المساعدات، وبعد استلامهم يأتي دور جنود الاحتلال الإسرائيلي فيقومون باصطياد الفلسطينيين الجوعى وهم يحملون الغذاء فيقتلونهم، ليبلغ عدد شهداء المساعدات ما يزيد عن ٦٠٠ شهيد فلسطيني، بينما المجتمع الدولي كله يشاهد ما يحدث عبر شاشات الأخبار بصمت وبدم بارد إلا من رحم الله، وكأن ما يشاهدونه ليس واقعيا.

"نشر الفوضى وإيجاد بيئة للموت".. تشابه كبير بين الفيلم الذي ذكرناه والواقع، ولا يقتصر التشابه على المشاهد البصرية للقتل عند التهافت على الغذاء وبعد الحصول عليه، بل يمتد إلى مشهد آخر وهو وجود طرف قوي يمتلك السيطرة المطلقة على الموارد والأسلحة ويفرض شروط البقاء على الطرف الأضعف.

إن ما نشاهده من أفعال يقوم بها جيش الكيان الصهيوني ومن يقف خلفه يُعد واحدة من أكثر عمليات الإبادة الجماعية وحشية في التاريخ الحديث، وإن ما ذكرته فرانشيسكا ألبانيزي يعكس بوضوح طبيعة الصراع، حيث تسعى قوة عسكرية إلى تهجير وتصفية مجموعة سكانية، باستخدام كل الوسائل المتاحة، إنها عملية لا تختلف كثيرا عن لعبة يتم فيها إقصاء الضعفاء بلا رحمة.

ولقد أصبح موقع استلام المعونات بقطاع غزة فخًّا للموت الممنهج، وليس جزءًا من الحرب التقليدية، وهدفه أن يجعل الحياة مستحيلة مما يدفع السكان إلى الموت أو إلى التهجير القسري، والفارق بين الفيلم وما يقوم به جيش الاحتلال من اصطياد وقتل الجوعى يكمن في أن ما يحدث في غزة ليس خيالا سينمائيا، بل هو واقع مرير يعيشه آلاف البشر يوميا، إنها ليست قصة ترويها هوليوود بل هي مأساة إنسانية حقيقية تتطلب من المجتمع الدولي التحرك والمطالبة بوقف الحرب وبفرض حظر كامل على الأسلحة لإسرائيل وتعليق جميع الاتفاقيات التجارية والعلاقات الاستثمارية معها، وهذه ليست مجرد دعوات بل هي محاولات لوقف هذا الإجرام الوحشي، وإيقاف هذه المأساة المميتة.

إلى متى سيظل المجتمع الدولي في موقف المتفرج على نظام المساعدات العسكري القاتل؟ هؤلاء الفلسطينيون عند ذهابهم للحصول على كيس طحين يعيشون مأساة تتجاوز أسوأ كوابيس هوليوود.

رابط مختصر

مقالات مشابهة

  • استياء أميركي من المقاربة الرسمية لـالسلاح
  • المودعون يواجهون المأساة: نموت يومياً ألف مرّة
  • المفتي دريان: إذا كانت سوريا بخير لبنان بخير
  • في غزة.. المأساة تتجاوز الخيال
  • كبير الآثاريين: أسرار دفن غامضة ومقابر أطفال في كشف مثير بأسوان
  • ‏رئيس الوزراء اللبناني: الاستعراضات المسلحة التي شهدتها بيروت غير مقبولة بأي شكل من الأشكال وتحت أي مبرر كان
  • منهك ومستنزف.. تقرير أميركي يتحدث عن إمكانية تخلي حزب الله عن سلاحه
  • تحذير أميركي للبنان.. رسالة جديدة!
  • إصابة 3 أشخاص في حادث تصادم على محور ميدان لبنان
  • آخر تقرير.. هذا ما قد يقرره حزب الله بشأن سلاحه!