شيء عَفِن في عالمنا.. على الغرب إعادة قراءة شكسبير
تاريخ النشر: 6th, October 2024 GMT
ليس لنا الحق أن نتعامل كما يتعامل المؤرخ مع الأحداث، كما الحرب التي استعرت منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول من السنة المنصرمة؛ لأن المؤرخ يتعامل مع الأحداث بتجرد، كمن يجس جثة هامدة.
لا يسوغ أن ننظر إلى الحرب على غزة كما لو أنها ولّت، أو أن نذهل عما يكتنفها من ألم وحسرة وغضب، ونتفكر في الآتي.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2ماذا قدمت واشنطن لإسرائيل خلال عام من العدوان على غزة؟list 2 of 2تأهب إسرائيلي في ذكرى "طوفان الأقصى" خشية "العمليات الاستشهادية"end of listلا نؤرخ، بل نستبصر، ونتفكر.
هل نجرؤ أن نقول إن هناك "ما بعد"، كما قال صحفي في جريدة الأوبزرفر (جيسون بورك Jason Burke، اليوم الذي غيّر العالم، 29 سبتمبر/ أيلول).. هناك مزيج مما بعد، لأن العالم لم يعد كما كان، ولن يكون، وهناك الآن، وهو حاضر مستمر، من التقتيل والتهديم والتهجير.. وهناك غدٌ يكتنفه الضباب، وملبد بالغيوم.
لم يعد العالم كما كان؛ لأن هندسة ما بعد الحرب العالمية الثانية، ومنها الأمم المتحدة والتي أسست كي لا يتكرر ما حدث خلال الحرب، تتهاوى. والبشاعة تعود أشد ضراوة. كل ما يمكن أن يكون ضميرًا، معطّل أو مشلول. الأمم المتحدة لم تعد عاجزة فقط، بل متهمة.. الجمعية العامة، الأمين العام للأمم المتحدة، الأونروا، كلها في قفص الاتهام.
القوى الناهضة لم تحرك ساكنًا، سوى الشجب الخطابي. لا الصين ولا روسيا استطاعتا أن تُغيرا من مآل الأمور. استفردت الولايات المتحدة بالشرق الأوسط، وسيغدو من العسير غدًا أن يُطل الدب الروسي، أو التنين الصيني، أو الاتحاد الأوروبي العجوز، كي يسهم أحدهم في وضع قواعد اللعبة في منطقة ملتهبة.
ستتسمّر المنطقة حتى إشعار آخر، تتأوّد على نغمات "السِلم الأميركي". الولايات المتحدة هي واضعة قواعد اللعبة، ورأس قواعد اللعبة هو الدفاع عن إسرائيل، ومدها بالسلاح، وبالخبرة، وبالمعلومة الاستخباراتية والتغطية الدبلوماسية.
تغيرت الدبلوماسية الأميركية التي كانت فجّة في وضوحها، وأضحت كيّسة في غموضها. تريد وقف النار، وتُمِد إسرائيل بالسلاح. تعبر عن انشغالها لما يحيق بالمدنيين، ولا تقوم بشيء فعلي لإيقاف الحرب. أصبحت الولايات المتحدة تتقن اللغة الأورويلية، فتقول الشيء الذي يفيد نقيضه، وتمزج بين الدبلوماسية التي ترضي كل الأطراف، علنًا، وبين الترسانة العسكرية التي لها توجه واحد ووحيد، أمن إسرائيل و"حقها" في الدفاع عن نفسها، وتحقيق "العدالة".
لا خطوطَ حمراءَ، ولا قانونَ دوليًا، يقف أمام هذا التوجه الذي ترعاه الولايات المتحدة. فصل جديد يلوح من "السلم الأميركي"، في المنطقة، يقوم على القوة، وعلى إقْبار العدل.
أوروبا خارج التغطية، لا تتكلم لغة واحدة. بريطانيا وألمانيا جزء من الجوقة الأميركية، وفرنسا تسعى أن تجد لها دورًا من دون أن تمسّ الكرة، كلاعب كرة قدمٍ شارد، يجري هنا وهناك، بغير كرة، ولو بدا منه الجهد.
لم يعد العالم كما كان، لأن هندسة ما بعد الحرب العالمية الثانية، ومنها الأمم المتحدة التي تأسست كي لا يتكرر ما حدث خلال الحرب، تتهاوى. والبشاعة تعود أشد ضراوة
الحرب تغيرت. في كل الحروب، يكون القتلى من العسكريين أكثر من المدنيين، أما في حرب غزة، فالمدنيون هم القتلى، والنساء هن الضحايا، والأطفال هم الموتى.
تجري العمليات العسكرية في بؤرة، هي غزة، ولكن لها امتدادات في أمكنة عدة، في الضفة الغربية، ثم في أماكن بعيدة، في سوريا، والأردن، والعراق، واليمن، ومحاذية كما لبنان.
وهكذا، يُقتل جنود أميركيون في الأردن بتاريخ 28 يناير/كانون الثاني، فترد الولايات المتحدة في العراق. إيران تشن درونات على إسرائيل في 13 أبريل/ نيسان ردًا على مقتل طاقمها العسكري في دمشق. ضربات جوية إسرائيلية على سوريا في 8 سبتمبر/ أيلول. هجمات بريطانية أميركية على اليمن في 4 فبراير/ شباط. قصف جوي إسرائيلي على ميناء الحُديدة باليمن. مقتل إسماعيل هنية في طهران 31 يوليو/ تموز. استحلال الضفة الغربية وتقتيل مستعر. ثم حرب سيبرانية على أجهزة البيجر، ومن فصولها، ولمّا تنتهِ، مقتل زعيم حزب الله حسن نصر الله.
رقعة المواجهة واسعة، والفاعلون متعددون. حرب شاملة، في أمكنة متعددة. لم تعد هناك وحدة كما وحدة مسرح: مكان معلوم، وزمن معين، واتساق معنى. المكان يتمدد، والزمن غير خطي، والحرب بلا اتساق. ليس لأن الحرب بلا معنى أصلًا، ولكن لأن الضحية يُصوّر بصفته جلادًا، والجلاد بصفته ضحية.
الحرب التي تشنها إسرائيل، هي في خطابها، من أجل الحضارة ضد البربرية. و"الحضارة"، هي قصف المنشآت المدنية، وقتل الأطفال وهدم المستشفيات. تتوارى قواعد الحرب، كما هو متواضع بشأنها، ليصبح الإرهاب جزءًا من الحرب الجديدة. وكيف نسمي قصف المدنيين بلا جريرة إن لم يكن إرهابًا؟
تم قصف الإعلام وقتل رجاله. ليس للإعلام أن يكون شاهدًا. حقق الإعلام خلال الحرب على غزة ما لم يحققه إعلام سابق، هو تصوير حرب إبادة، في الزمن صفر، وهي قيد الاعتمال. وأبى القاتل ذلك، فأُغلِق مكتب الجزيرة. ينبغي كما في العهود القديمة، أن تتم عمليات الإبادة والتطهير العرقي بعيدًا عن الأنظار؛ لكي يتم الالتفاف عليها، وتوصيفها بضحايا جانبية.
من دروس حرب غزة أن الحرب التقليدية، بجيوش مع وحداتها الثلاث: برية، وجوية، وبحرية، وبمدرعات، ومشاة، وخيالة، انتهت. النزع الأخير من الحرب التقليدية يتم في ساحة أوكرانيا، ما بين روسيا وأوكرانيا. نسخة محدثة للحرب العالمية الثانية.
أما حروب الغد، فهي صورة من حرب غزة، سيبرانية، ذكية، من جنودها الذكاء الاصطناعي الذي يتعقب الوجوه، ويعطل الرادارات. حروب الغد، لن تكون لها ساحة مواجهة، وليس لها زمن محدد، ولا جبهة واحدة. تمزج بين قواعد الحرب، وممارسات الإرهاب.
هناك غد.. ولكن من يرسمه؟ القوة؟ نكبة جديدة أسوأ من النكبة الأولى؟. حساب إسرائيل، ليس فقط الإجهاز على القضية الفلسطينية، بل القضاء على الفلسطينيين بدفعهم للرحيل. خيار نتنياهو هو أن يُحمّل الفلسطينيين مسؤولية موت المحتجزين، كي يستثمر في وضع المظلومية، ويقبض على غزة، بسلاح آخر، هو التجويع.
الحرب على غزة، وفي غزة، هي هزيمة للضمير الإنساني. صرخت جحافل الطلبة في الجامعات الغربية، وارتفعت مرافعات الحقوقيين في المحاكم الدولية، ضد من هم مسؤولون عن جرائم إنسانية، لكن ذلك لم يغير واقع الحال؛ لأن الحرب مستمرةٌ، والمجرمون يصولون ويجولون. أي توصيف لهذا الذي يجري سوى أنه صورة من شريعة الغاب.
ينبغي الإقرار أن كلًا من الولايات المتحدة وإسرائيل أبانتا عن استماتة غير معهودة، للضرب عرضَ الحائط بكل الأصوات المنددة للحرب الشاجبة للتقتيل.. صمدتا إلى أن مرت العاصفة. والمحزن، والمخزي، هو الاستئناس بالموت، وبالتقتيل.. لا تحرك صور الدمار الضمائر. استأنس العالم بالموت.. أحيانًا يجد التبرير لها. هناك أماكن أخرى يجري فيها الموت، ولا يتم الحديث عنها. قمة النذالة.
لن تموت غزة، ولو كانت جريحة، ولكن الضمير العالمي هو المهدد بالموت. سيموت العدل، وسيموت الحق، وستترنح الكرامة، ولسنا في حاجة لقراءة " اللفيتان" لتوماس هوبز، لكي ندرك أنه من دون عقد اجتماعي كوني، يقضي بالالتزام بقواعد سارية، سيصبح كل شيء ممكنًا. ستموت الحياة حينذاك، سيموت الأمل، وسيموت الإبداع، وسيموت التفكير، وستغيض كل عناصر التفاعل، من تعارف واتجار، وتعاون.. هي نهاية التاريخ، لا كما تصورها فرانسيس فوكوياما، بسيادة فكر الأنوار، بل بترنح الفكرة التي حملها، والهزيمة الأخلاقية للغرب، وشيوع شِرعة الغاب.
وربما يجدر أن نُذكّر الغربيين بقراءة شكسبير، عندما كان يقول إن "هناك شيئًا عفنًا في مملكة الدانمارك، (أي عالمنا)"، كما في هاملت، وإن "العالم بلا اتساق"، كما في هاملت ثانية، وإن "الدم الذي يجري في اليهودي، هو الدم الذي يجري في كل البشر". كما الفلسطيني، تمامًا، مثلما قال شكسبير في "تاجر البندقية". الفلسطيني اليوم، كما اليهودي أمس، إنسان، يَحق له، مبدئيًا، ما يحق للإنسان، ويُحرَّم عنه، مبدئيًا، ما يُحرَّم على كل البشر.
لم تعد غزة باب الشمس، بل باب الجحيم الذي سيأتي على الأخضر واليابس، إن لم يتم تدارك الأمر، عاجلًا، لتقليل الأضرار. البشرية أمام امتحان ضمير، يتهددها أكثر مما يتهدد غزة.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات الولایات المتحدة على غزة ما بعد
إقرأ أيضاً:
الفلاحي: المقاومة تركز على ضرب الآليات التي يصعب تعويضها خلال الحرب
تعكس عمليات تفجير ناقلات الجند الإسرائيلية التي تقوم بها فصائل المقاومة قوة الأسلحة المستخدمة في هذه العمليات، وتشير إلى التركيز على أهداف يصعب تعويضها خلال الحرب، كما يقول الخبير العسكري العقيد حاتم الفلاحي.
وفي الساعات الـ24 الماضية، أعلنت فصائل المقاومة تدمير دبابات وناقلات جند وآليات إسرائيلية في عدة عمليات، كما نشرت صورا لتدمير آليات أخرى في وقت سابق من الشهر الجاري.
وأمس الثلاثاء، تمكنت كتائب القسام -الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)- من تدمير ناقلة جند في خان يونس جنوب قطاع غزة، مما أدى إلى مقتل ضابط و6 جنود، إلى جانب عدد آخر من الجرحى.
ووفقا لما قاله الفلاحي -في تحليل للجزيرة- فإن الناقلة التي دمرت من نوع "بوما"، يستخدمها سلاح الهندسة، وهي مدرعة بشكل كبير ومعدة لتمهيد الطرق للقطعات العسكرية وتفريغها من الألغام.
قطعات عالية التحصين
ويمكن لهذه المركبة حمل 8 جنود، مزودة بـ3 رشاشات خفيفة وأخرى ثقيلة إلى جانب هاون 60 ملم و20 صاروخا لتفجير الألغام، ولديها قدرة كبيرة على تحمل الضربات، مما يعني أن استهدافها قد يحيلها إلى كتلة نار، كما يقول الفلاحي.
وتشير هذه الخسائر إلى قدرة أسلحة القسام على الاختراق وإلحاق خسائر كبيرة في الآليات مما يؤدي إلى تدميرها أو إخراجها من الخدمة، كما أن استهداف جرافات "دي 9″، المضادة للرصاص يؤكد -وفق الخبير العسكري- تركيز المقاومة على القطعات الهندسية التي يصعب تعويضها خلال العمليات.
وتعني هذه العمليات وجود مشكلة لدى جيش الاحتلال في منع مقاتلي المقاومة من الوصول إلى هذه الأهداف بطريقة تحمل جرأة غير مسبوقة في المواجهات المباشرة، حسب الفلاحي، الذي أشار إلى أن أسلحة المقاومة المحلية تبدو مصممة لتدمير هذه الآليات عالية التكلفة.
كما أن استبدال الفرقة 252 بالفرقة 99 التابعة لاحتياط قيادة الجيش الإسرائيلي، تشير إلى حالة الإنهاك التي أصابت الفرقة التي سحبت أو الخسائر الكبيرة التي دفعت إلى سحبها من جبهة القتال، وفق الفلاحي، الذي قال إن عمليات التغيير في التماس لا تتم لهذه الأسباب.
إعلان