مُذَكِّرَاتُ مُغتَربٍ في دُوَلِ الخَلِيجِ العَرَبي ( ٣١ )
تاريخ النشر: 10th, October 2024 GMT
بدأتُ العملَ مع الشركة السعودية للكهرباء في نوفمبر ٢٠٠٣م . لم نكُنْ قد انتقلنا إلى الرًّاكة بالخُبر بعدُ ، فكنتُ أُداوِم من الجُبيل . كانتْ المسافةُ من المنزلِ إلى مركزِ التَّدريب حوالى ٩٠ كم أقطَعُها في ساعةٍ وربع وذلك بسببِ ازدحامِ الطريقٍ السَّريع بين الجبيل والظهران في ساعاتِ الصَّباح الأولى، فقد كانَ كثيرٌ من السعوديين يعملونَ لدى شركاتٍ في الظهران والخُبر وعلى رأسِها أرامكو ، يَفِدُونَ إلى العملِ من منازِلهم في الجبيل وفي رأس تنورة وغيرِها من البلداتِ التي تتناثرُ شرقاً وغرباً على جانبي الطريق السريع .
كانَ ذلكم هو المركزَ الرَّئيس للشركة ولديها فروعٌ للتدريبِ في مُدنٍ أخرى . كان مركزُ الدمام للتدريب كبيراً يَمتَدُّ على مساحةٍ واسعةٍ ويضُمُّ ثمانيةَ مبانٍ متفرقةٍ يشتملُ كلُّ مبنى منها على قاعاتِ الدَّرس ومكاتبَ الإشرافِ على المُعلِّمين والمختبراتِ والوِرَش . أما الإدارةُ فَلها مبنىً خاصٌّ يختلفُ تصمِيمُه عن المباني الأخرى .
يستوعبُ مركزُ التَّدريبِ طُلاباً أكملوا المرحلةَ الثانوية بنجاحٍ وتمَّ قَبُولُهم ليَدرُسُوا لمدةِ عامين ومن ثمّ يُصبِحوا مُوظَّفين تابعين للشركة السعودية للكهرباء . تشملُ الدِّراسةُ مجالاتٍ عديدةً منها الرسمَ الفني والميكانيكا والكهرباء بكلِّ تفاصِيلها وتشغيلَ المَحَطات و ... هَلُمَّ جرّا. تمنحُ الشركة الدارِسين الراغِبين سكناً داخلَ المركز . ولكلِّ دارسٍ راتبٌ شهري مقدارُه ألفا ريال ( ٢٠٠٠ ) . وتُعتبَرُ اللغة الإنجليزية المعبرَ إلى التَّخَصُّص فلا يكملُ الدَّارسُ دوراتِه التَّدريبيةَ ويتخرجُ إلا إذا كانَ ناجحاً في اللغة الإنجليزية من السنةِ الأولى . وهنالك فرصةٌ لإعادةِ دوراتِ اللغة للرّاسبين فيها .
فصْلُ اللغة الإنجليزية مُهيأٌ بِكُلِّ التَّقنِية التي تَتطلبُها كورسات اللغة وتُعتَبرُ ضروريةً لتدريسها مثل ال over head projectors جهاز الاسقاط العلوي والاستريوهات المزودة بسماعات كبيرة وجهاز عرض الشفافيات slide player وغيرِها من ضرورياتِ تدريسِ اللغة الانجليزية. الأروعُ مِن كلِّ ذلك أنَّ عددَ الدارسين من كلِّ تخصصٍ لا يَتعَدى الخمسةَ عشرَ فرداً ويأتُونكَ سعياً إلى مَقرِّك الثابتِ حسبَ برنامجِ الحِصص the schedule . أما الاختباراتُ فهي جاهزةٌ لدى كلِّ مشرفٍ ومُعَدَّة حسب الوحداتِ الدَّراسية .
وهكذا كانَ مركزُ التدريب الخاص بالشركة السعودية للكهرباء مركزاً متكاملاً ومُعترَفاً به مِن قِبَل هيئةٍ أمريكيةٍ مُتخَصّصةٍ تُراجعُ أداءَه كلَّ عامٍ ، وقد نالَ أوسمةَ الجدارةِ من تلك الهيئة . والحَقُّ يُقالُ أنَّ الفترةَ التي قضيتُها في هذا المركزِ كانتْ مِن أمْيَز الفَتراتِ وأكثرِها مُتعةً وإبداعاً في مجالِ تدريسِ اللغة الانجليزية ، وقد اسْتمَرَّتْ حتى يوليو ٢٠٠٧ م .
محمد عمر الشريف عبد الوهاب
m.omeralshrif114@gmail.com
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
اللغة العربية والاقتصاد
أعادني التوجيه الصادر عن الأمانة العامة لمجلس الوزراء تحت عنوان «أحوال وجوبية استعمال اللغة العربية» إلى عشرات الاجتماعات والمؤتمرات والندوات الرسمية التي تعقدها الشركات الحكومية والبنوك والعديد من مؤسسات الدولة الأخرى باللغة الإنجليزية.
كنت أتساءلُ وأنا أحضر هذه المؤتمرات عن مدى التهميش الذي تشهده اللغة العربية لدى معظم الشركات والبنوك فـي ندواتها ولقاءاتها والمؤتمرات الرسمية التي تعقدها، وكتبتُ حينها عددا من المقالات التي ناقشتُ فـيها أهمية اللغة العربية باعتبارها لغتنا الأم، وأشرتُ فـي أحد تلك المقالات إلى أن كثيرا من الشعوب التي اعتمدت لغتها الأم فـي التعليم وفـي العمل حققت نجاحا كبيرا وإنجازات عديدة، بل وحتى الدول العربية التي اعتمدت اللغة العربية فـي التدريس حققت آنذاك نجاحات عديدة وتقدما علميا وطبيا.
المسألة ليست هل يفهم الحضور ما يقال فـي هذه الندوات وما تتم مناقشته فـيها وإنما المسألة تتعلق بالهوية الوطنية؛ باعتبار اللغة جزءا أصيلا من هذه الهوية التي علينا أن نربي أبناءنا على حبها والعناية بها.
ولعل ما نشهده حاليا من تنفـيذ العديد من الحملات الترويجية والتسويقية باستخدام كلمات بالعامية مثل «شلونا صلالة» و«شبّكها على طول» و«خلّك واعي» والعشرات من الحملات الأخرى التي تتم كتابة كلماتها بالعامية تعبّر عن فجوة عميقة لدى الجيل الجديد تجاه اللغة العربية وعدم القدرة على ابتكار حملات تسويقية بلغتنا الأم خاصة أن اللغة الإنجليزية أصبحت لغة التخاطب فـي العديد من الشركات، وخلال الأيام الماضية شاهدت مقطع فـيديو تحتفـي فـيه إحدى الشركات بمناسبة عالمية. الحضور عمانيون واللغة أجنبية، وهو ما يبرز الفجوة العميقة بين الجيل الجديد واللغة العربية.
عندما نناقش القائمين على الحملات الترويجية يقولون إنهم يرغبون فـي أن يكونوا أكثر قربا من الجمهور، وعندما نناقش منظمي الندوات واللقاءات والمؤتمرات يقولون إن اللغة العربية ليست لغة الاقتصاد، ولعل هذا هو ما يفسر انتشار العديد من المنشآت التجارية التي تحمل أسماء أجنبية ويفتخر أصحابها بأنهم ابتكروا اسما جديدا ولافتا.
النقاشات بشأن: هل تصلح اللغة العربية لأن تكون لغة الاقتصاد؟ نقاشات تتكرر فـي معظم الدول العربية، ويتناسى الجميع أن هناك أكثر من 400 مليون عربي يتحدثون بهذه اللغة فـي الوطن العربي فضلا عن غير العرب من المسلمين الذين يتحدثون اللغة العربية باعتبارها لغة القرآن الكريم، وهذا عنصر مهم من شأنه دعم أي جهود يتم بذلها لجعل اللغة العربية لغة الاقتصاد، وحتى نحقق هذا الهدف علينا الحرص على أن تكون اللغة العربية هي لغة الاجتماعات والمؤتمرات واللقاءات والمراسلات حتى يعتاد الموظفون عليها، كما أن زيادة المحتوى الاقتصادي باللغة العربية أمر مهم لدعم هذه الجهود، ولا يمكن تعزيز الاهتمام باللغة العربية إلا عندما تكون هي لغة التعليم فـي المدارس والجامعات وأن تكون شرطا أساسيا للتوظيف فـي القطاع الحكومي والشركات الحكومية ولا يتم الاستثناء من ذلك إلا فـي حالات نادرة، ونتمنى أن نجد هذا الشرط فـي إعلانات الوظائف «إجادة اللغة العربية تحدثا وقراءة وكتابة» بدلا من الشرط الحالي الذي يتعارض مع مبدأ التعمين ويتم عبره تجاهل الكثير من الكفاءات العمانية الشابة.
إن قيام مجلس الوزراء بتوجيه وحدات الجهاز الإداري للدولة وغيرها من الأشخاص الاعتبارية العامة والخاصة والمؤسسات والجمعيات الأهلية بضرورة الالتزام بالضوابط التي تضمنتها وثيقة: «أحوال وجوبية استعمال اللغة العربية» خطوة مهمة فـي تأكيد أهمية اللغة العربية باعتبارها تعكس هويتنا الوطنية، ونتطلع إلى أن تبادر مختلف الجهات إلى تطبيقها وفق جدول زمني يحدد أولويات ذلك، وعلينا أن نثق أن اللغة العربية لن تكون عائقا أبدا أمام أي تقدم اقتصادي أو علمي لأنها لغة ثرية ولديها قدرة هائلة على توليد الكلمات والمصطلحات الاقتصادية، ومثلما لم تخذل اللغاتُ الإنجليزيةُ والصينية واليابانية والكورية والفرنسية والألمانية شعوبها ومكّنتهم من تحقيق إنجازات عديدة فإن لغتنا العربية قادرة على ذلك ولن تخذلنا ولكن علينا أن نثق فـيها ونؤمن بها لتكون طريقنا إلى النجاح منذ الصغر.