مسؤول جزائري يهاجم دوائر فرنسية.. تعاملها مع الهجرة ينم عن انحطاط سياسي
تاريخ النشر: 11th, October 2024 GMT
انتقد رئيس مجلس الأمة الجزائري (الغرفة الثانية للبرلمان الجزائري) صالح قوجيل الدوائر الفرنسية واتهمها باستغلال مسألة الهجرة لأغراض سياسوية لمهاجمة المهاجرين الجزائريين بشكل مجحف، مؤكدا أن ذلك ينم عن "انحطاط سياسي".
ونقلت وكالة الأنباء الجزائرية اليوم الجمعة عن قوجيل قوله: إن "استغلال مسألة الهجرة لأغراض سياسوية ومهاجمة المهاجرين المنحدرين من أصول جزائرية بشكل خاص ومجحف يظهران بوضوح الانحطاط السياسي لدى جزء من الطبقة السياسية الفرنسية وليس كلها لحسن الحظ"، معتبرا أن هذا الأمر "أدركته الثورة بموقفها الذي جسده إعلان الفاتح من نوفمبر، والتي أوضحته حولياتها بصفة جلية من خلال التفريق ما بين الشعب الفرنسي والاستعمار الفرنسي".
وأوضح أنه "بعد عدة عقود من نهاية حرب التحرير الوطنية لا يتردد السياسيون الذين يفتقدون رؤية سياسية جادة ممن ينتمون لليمين المتطرف وأحيانا حتى من اليمين المحافظ المزعوم في استغلال تداعيات الأزمات الاجتماعية والاقتصادية من أجل تجريم المهاجرين ظلما في دعاية ديماغوجية وشعبوية تستهدف على وجه الخصوص الجالية الجزائرية المتواجدة على الأراضي الفرنسية بشكل قانوني".
وذكر صالح قوجيل بتوقيع الجزائر وفرنسا اتفاقا في 27 ديسمبر 1968 يحدد شروط تنقل وإقامة وعمل الجزائريين في فرنسا، مشيرا إلى أنه "في الوقت الراهن ترى بعض الدوائر السياسية الفرنسية أن هذا الاتفاق يخدم الجانب الجزائري أكثر بسبب طابعه المستثنى عن الإطار القانوني العام الذي يحكم مسألة الهجرة في فرنسا، ومن بين هؤلاء يوجد من يطالب بمراجعته أو إلغائه ولكنهم جميعا لم يشيروا إلى أن هذا الاتفاق قد نقح وعدل في الأعوام 1985 و1994 و2001 مما أزال سبب وجوده أصلا".
وأكد في هذا الصدد أن "الواقع مختلف تماما والعكس هو الصحيح لأن هذا الاتفاق منذ توقيعه إلى اليوم لم يخدم إلا الجانب الفرنسي، وقد تم التوصل إليه بناء على طلب ملح من الجانب الفرنسي، والذي كان دائما المستفيد الأول من جهود الجزائريات والجزائريين منذ هجرتهم إلى فرنسا كعمال إلى غاية ما يسمى بالهجرة المنتقاة، والتي تم الترويج لها في السنوات الأخيرة في فرنسا بشكل انتقائي لتشجيع التحاق المواهب وخريجي الجامعات الجزائرية من الكفاءات رفيعة المستوى دون أي مقابل يعود على الجزائر".
وأشار رئيس مجلس الأمة إلى تصريحات رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، خلال آخر لقاء إعلامي له مع الصحافة الوطنية، حين أكد أن الاتفاق الفرنسي ـ الجزائري لعام 1968 "أصبح بحق لافتة يسير خلفها جيش المتطرفين اليمينيين في فرنسا".
وشدد قوجيل على أنه "لا يمكن لأحد أن يجادل في مساهمة موجات الهجرة الجزائرية لصالح فرنسا، فالقول بخلاف ذلك سيكون إهانة للتاريخ وتنكرا لأرواح آلاف الجزائريين الذين دفعوا حياتهم في ميادين المعارك خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية".
وفي ذات السياق تطرق صالح قوجيل إلى الإطار التاريخي لعملية هجرة وتهجير الجزائريين إلى فرنسا بداية من الحرب العالمية الأولى 1914 ـ 1918، حيث "تم تجنيدهم إجباريا وتعبئتهم بالقوة في الجيش الفرنسي لمحاربة ألمانيا ليتكرر سيناريو التهجير القسري عشية الحرب العالمية الثانية عبر حشد عدد كبير من الجزائريين في صفوف الجيش الفرنسي ودفعهم إلى محاربة ألمانيا النازية".
ودعا قوجيل الشباب الفرنسي من أصل جزائري إلى "الافتخار بأجدادهم الذين ضحوا بدمائهم خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية وكذا خلال ثورة الفاتح نوفمبر 1954 حتى يتمكنوا هم من العيش اليوم بحرية كاملة"، مؤكدا أن "انتماءهم إلى المجتمع الفرنسي هو بالمحصلة التاريخية لاندماج أجيال متعاقبة من الجزائريين في المجتمع الفرنسي رغم أنف الدوائر السياسية والفكرية التي تنتمي إلى اليمين المحافظ واليمين المتطرف، والتي تتعاطى مع الهجرة كمسألة سياسوية وبمستوى متدني للغاية".
كما ذكر بتضحيات المهاجرين خلال مظاهرات 17 أكتوبر 1961 حيث لقي العديد من الجزائريين حتفهم وسط باريس بعد أن ألقت بهم الشرطة الفرنسية العنصرية في نهر "السين" بأوامر من المجرم محافظ شرطة باريس موريس بابون، وكذا بتضحيات العمال المهاجرين الجزائريين في فرنسا في السبعينيات حيث تعرضوا لهجمات عنصرية ارتكبتها بقايا منظمة الجيش السري، مما دفع بالرئيس الراحل هواري بومدين، إلى توقيف تنقل الجزائريين إلى فرنسا في سبتمبر 1973.
وأوضح قوجيل أن الهجرة الجزائرية "اكتست طابعا اقتصاديا وشجعتها فرنسا بسبب حاجتها إلى اليد العاملة الجزائرية من أجل إعادة بناء ما دمرته الحرب"، مبرزا أن "الخيار لم يكن أبدا بيد الجزائريين".
وعلى هذا الأساس، دعا رئيس مجلس الأمة الدولة الفرنسية إلى "حسن تدبير التعامل مع هذا الواقع" الذي أكد أنه مرتبط بـ "الخيارات التاريخية لفرنسا التي ربطت مصيرها بسياسة الهجرة".
وكان وزير الداخلية في الحكومة الفرنسية الجديدة، برونو روتايو قد أعلن مجددا رفضه لاتفاقية 1968 للهجرة بين الجزائر وفرنسا، داعيا إلى إلغائها، لكنه قال في تصريحات له مؤخرا: "لست وزير الخارجية.. قرار إلغائها ليس بيدي، حتى لو كنت مؤيدًا لذلك".
وأكد روتايو أنه سيعمل من موقعه على اتخاذ قرارات مناهضة للهجرة، معلنا أنه "سيجتمع مع محافظين من الأقاليم التي تشهد أكبر قدر من الفوضى المتعلقة بالهجرة ليطلب منهم "طرد المزيد".
وكان موضوع التأشيرات، فضلا عن قضية اتفاقية الهجرة، أثارا توترا بين الجزائر وفرنسا لم يتوقف إلا عقب زيارة وزير الداخلية السابق جيرالد دارمانان للجزائر في ديسمبر 2022، حيث تم الإعلان عن انتهاء أزمة التأشيرات.
وليس ملف المهاجرين وحده ما يلقي بظلاله في سماء علاقات الجزائر وباريس، فقد بدأت في نهاية يوليو/ تموز الماضي أزمة حادة جديدة في العلاقات الجزائرية الفرنسية؛ جراء إعلان ماكرون دعمه مقترح الحكم الذاتي الذي يطرحه المغرب تحت سيادته كحل لإقليم الصحراء المتنازع عليه مع جبهة البوليساريو.
بينما تدعو "البوليساريو" إلى إجراء استفتاء لتقرير المصير من أجل إنهاء النزاع المتواصل منذ عقود، وهو طرح تدعمه الجزائر التي تستضيف لاجئين من الإقليم.
وأعلنت الجزائر في يوليو سحب سفيرها بأثر فوري من باريس للمرة الأولى، إذ كانت العادة في السابق أن تستدعيه للتشاور.
ومن حينه لم يصدر أي تصريح رسمي بشأن السفير، ما يعني أنه لا يزال في الجزائر.
لكن ماكرون أجرى في أيلول / سبتمبر الماضي، اتصالا هاتفيا بالرئيس عبد المجيد تبون وهنأه بفوزه بولاية رئاسية ثانية من 5 سنوات في انتخابات مبكرة أُجريت يوم السابع من أيلول من سبتمبر الماضي.
وشهدت العلاقات بين البلدين في السنوات الأخيرة توترا غير مسبوق منذ وصول تبون إلى الحكم نهاية 2019؛ بسبب خلافات حول ملفات مرتبطة بتداعيات الاستعمار الفرنسي للجزائر بين 1830 و1962.
ولا يُعرف إلى حد الآن مصير زيارة تبون المرتقبة إلى باريس، التي أُعلن عنها سابقا وتأجلت أكثر من مرة ثم حُدد لها موعد خلال هذا الخريف بنهاية سبتمبر/ أيلول الجاري وبداية أكتوبر/ تشرين الأول المقبل.
إقرأ أيضا: الجزائر تسحب سفيرها لدى فرنسا بسبب قرار دعم "الحكم الذاتي في الصحراء"
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات سياسة دولية سياسة عربية الجزائري فرنسا علاقات فرنسا الجزائر علاقات توتر المزيد في سياسة سياسة عربية سياسة عربية سياسة عربية سياسة عربية سياسة عربية سياسة عربية سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الجزائریین فی فی فرنسا أن هذا
إقرأ أيضاً:
باحث سياسي: تقرير فرنسا عن الإخوان مُسيّس ومبني على أوهام اليمين المتطرف
قال الباحث السياسي الجزائري، الدكتور حسين جيدل، إن "التقرير الفرنسي الذي رُفعت عنه السرّية الأسبوع الماضي، بقرار من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، يعكس ذعرا سياسيا متصاعدا من الحضور المتزايد للمسلمين في المجال العام الفرنسي، لا سيما بعد التطورات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية التي جعلتهم جزءا فاعلا ومؤثرا في المجتمع، بعد أن كان يُنظر إليهم كمجرد عمال مهاجرين يعيشون على هامش الحياة المدنية".
وشدّد جيدل، في تصريحات خاصة لـ"عربي21"، على أن "التقرير الفرنسي مُسيّس ومبني على أوهام اليمين المتطرف، وهو نتاج رؤية مشوشة وقاصرة عن فهم حقيقي للإسلام والمسلمين في فرنسا، ويكشف قلقا حقيقيا لدى السلطات الفرنسية من صعود المسلمين -وليس جماعة الإخوان أو الإسلام السياسي- كمكوّن وازن في المجتمع الفرنسي والأوروبي".
وأوضح أن "التقرير الذي جاء بعنوان (الإخوان المسلمون والإسلام السياسي في فرنسا)، وأعدّته وزارة الداخلية الفرنسية، يفتقر إلى العمق المعرفي والتحليل الواقعي للظاهرة الإسلامية"، منوها إلى أن "التقرير أثار الكثير من الحبر والقليل من الحقيقة، لأنه قائم على مزيج من التناقضات والتحامل والخلط المفاهيمي، ما يكشف عن قصر نظر رسمي وفهم سطحي للإسلام والمسلمين في فرنسا".
ولفت جيدل إلى أن "بعض وسائل الإعلام الفرنسية مثل صحيفة لوموند وموقع ميديا بارت الفرنسيين قدّما تغطية نقدية متقدمة كشفت هشاشة البناء التحليلي لهذا التقرير الذي قدّم خطابا مضطربا يكشف ضعفا بنيويا في مقاربة الظاهرة الإسلامية في السياق الفرنسي، واستندا في ذلك إلى آراء خبراء ومختصين".
مخاوف من ظهور المسلمين كقوة انتخابية وازنة
ونوّه الباحث السياسي المُقيم في فرنسا منذ نحو 38 عاما، إلى أن "منطلقات التقرير الفكرية والنفسية والسياسية هي بيت القصيد؛ إذ تكشف بوضوح أن نجاح المسلمين المتصاعد في المجتمع الفرنسي خلال السنوات الأخيرة، وبلوغهم مراتب اجتماعية واقتصادية مؤثرة، أصبح يُنظر إليه كخطر وجودي من قِبل دوائر سياسية وإعلامية ترى في هذا الصعود تهديدا للهويّة الفرنسية التقليدية".
وأوضح: "لم يعد المسلم في فرنسا ذلك العامل البسيط الذي يبدأ يومه باكرا وينهيه في المساء ليُعيد روتينه دون تفاعل مع المجتمع. المسلم اليوم هو الطبيب الماهر، المهندس المبدع، الأكاديمي اللامع، رجل الأعمال الناجح، والمثقف الذي يخوض النقاشات العامة دون أن يخفي هويته الإسلامية، بل يعتز بها".
وأردف: "لقد أصبح المسلم الفرنسي اليوم -لغة وسلوكا وثقافة- جزءا لا يتجزأ من المجتمع، يشاطر بقية المواطنين الفضاءات والنقاشات والمسؤوليات، وأحيانا يسبقهم في الإنجاز والالتزام"، مشيرا إلى أن "هذا التمازج جعل من المسلمين كتلة اجتماعية متميزة، لافتة للأنظار، ومثيرة لحفيظة الساسة وتجار الكراهية، لا لشيء سوى لأن النجاح يوقظ الأحقاد والتمايز يلد الوساوس".
وأشار جيدل إلى أن "استقلال المسلمين ماديا، وابتعادهم عن التمويل الخارجي لبناء مساجدهم ومدارسهم، زاد من ارتباك الدولة العميقة في فرنسا؛ إذ أصبحوا يُشكّلون مكونا ناضجا قادرا على التنظيم الذاتي وتحديد أولوياته بمعزل عن حكومات الخليج أو دول المنشأ، وهو ما يهدد التوازنات التقليدية التي تفضل التحكم عبر التمويل".
وأكد الباحث السياسي أن "هذه الدينامية الاجتماعية المتصاعدة تحمل في طياتها إمكانية تحوّل المسلمين إلى قوة سياسية انتخابية، قادرة على ترجيح الكفة في مواعيد انتخابية مقبلة، بل وربما إيصال عدد منهم إلى مراكز القرار العليا".
واستشهد بالانتخابات الرئاسية الفرنسية لعام 2022، قائلا: "لقد كانت ناقوس خطر حقيقي، حيث اقترب مرشح حزب (فرنسا الأبية)، جان لوك ميلونشون، المدافع عن حقوق المهاجرين والمسلمين، من الوصول إلى الدور الثاني، بفارق بضع مئات الآلاف من الأصوات فقط، حتى وُصم بأنه يساري إسلامي".
غزة أعادت المسلمين إلى السياسة
ورأى جيدل أن "العدوان الإسرائيلي على غزة كان لحظة فارقة في الوعي السياسي للمسلمين في فرنسا، بل أعادهم إلى الساحة السياسية من باب إنساني وأخلاقي"، مشيرا إلى "مشاركة واسعة في المظاهرات، وتنظيم حملات إغاثة، وخوض معركة إعلامية حقيقية ضد السرديات الصهيونية على المنصات الفرنسية ومواقع التواصل الاجتماعي".
واستطرد قائلا: "ما حدث هو انخراط حقيقي في الفضاء المدني والسياسي، ونسج علاقات عمل وتحالف مع ناشطين غير مسلمين مناصرِين لغزة، مما أسّس لظهور كتلة ناخبة جديدة قد تتبلور حول القضايا الإنسانية، وتضع المسلم الفرنسي في قلب المعادلة الوطنية".
وأكد أن "غزة أصبحت عند قطاع واسع من الشباب الفرنسي رمزا لقضية إنسانية عابرة للعرق والدين والجنسية، وأن كثيرين أعادوا اكتشاف السياسة من بوابة المظالم العالمية، وكان للقضية الفلسطينية النصيب الأوفر في إعادة إحياء الضمير الجمعي في فرنسا".
وفي رده على الربط الممنهج بين هذه الدينامية المجتمعية والصعود السياسي بالإخوان المسلمين، قال جيدل: "ما دخل الإخوان بكل هذا؟، إنها ببساطة الحبكة السياسية الكلاسيكية التي تعيد إنتاج الأسطورة القديمة بأن الإسلام السياسي تنظيم سرطاني يتسلل بهدوء إلى جسد الدولة الحديثة ليختطفها من الداخل، بينما هذا خطاب مأزوم، هدفه تأجيج مشاعر الخوف لا أكثر".
تقرير مدفوع بالهلع لا البحث
وأوضح أن "التقرير يستند إلى فرضية مفادها أن انتشار الإسلام في فرنسا لا بد أن يكون خلفه تنظيم دولي خفي مُنسّق، يمتلك الفكر والمال والاستراتيجية، وهنا تبرز –عمدا– جماعة الإخوان المسلمين باعتبارها العنوان المريح لهذا القلق الجماعي المُفتعل"، مضيفا أن هذه الرواية "جاهزة للاستثمار الانتخابي، خاصة في ظل التنافس المحموم على أصوات اليمين واليمين المتطرف".
وأشار إلى أن "دولا عربية كالإمارات والسعودية ومصر مارست ضغطا طويل الأمد على فرنسا من أجل شيطنة النشاط الإسلامي المدني، عبر الزجّ بالإخوان في كل اتهام، بل طالبت الإمارات تحديدا منذ سنوات بوقف تمدد المساجد والمدارس الإسلامية، بحجة أنها تُشكّل بيئة خصبة للإخوان، في سياق حملة ممنهجة ممتدة داخل أوروبا".
وشدّد الباحث السياسي على أن "ما جاء في التقرير لا يُعبّر عن دراسة علمية جادة، بل عن هلع مؤسساتي من تحوّلات لم تكن متوقعة في موقع المسلمين داخل المجتمع الفرنسي".
وتابع: "ما يجري ليس نقاشا فكريا حرا، ولا بحثا موضوعيا نزيها، بل توظيف سياسي فاضح، يسعى لشيطنة المسلمين في فرنسا وربطهم بمنظومات تنظيمية خارجية، لا لشيء سوى لأنهم نجحوا في أن يكونوا جزءا فاعلا من هذا المجتمع، دون أن يتخلوا عن هويتهم، كما يُراد به ضرب التنوع وقمع التعبير الديني الحر، خاصة عندما يرتبط بهوية إسلامية ناجحة ومتماسكة".
جدل واسع
يُشار إلى أن التقرير الحكومي الفرنسي أثار جدلا واسعا على المستويين السياسي والديني، خاصة بعد عرضه قبل أيام في اجتماع مجلس الدفاع والأمن القومي برئاسة الرئيس إيمانويل ماكرون الذي أبدى امتعاضه من تداعياته على صورة فرنسا وعلاقتها المميزة بالعالم الإسلامي.
وأردف جيدل قائلا: "ربما يكون ماكرون قد تفطّن إلى خطورة الزجّ بالإسلام والمسلمين في قلب التجاذبات السياسية، تمهيدا لرئاسيات 2027، لما قد ينطوي عليه ذلك من نتائج عكسية تقوّض الهدف الذي أراده محرّرو التقرير، الموجّه أصلا بإيعازات من وزير الداخلية ذو الطموح السياسي والمعادي للمسلمين؛ فقد حذّر أكاديميون مختصون وسياسيون فرنسيون من الانقسامات المجتمعية العميقة التي قد تُحدثها محاولات تأليب الفرنسيين ضد وجود الإسلام ودور المسلمين، في وقت تحتاج فيه فرنسا، التي تخوض معركة نفوذ ووجود على الساحة الدولية، إلى وحدة الصف الداخلي بكل مكوّناته وفئاته وطوائفه المتعددة".
وتابع: "قد يؤدّي هذا التحامل الرسمي إلى نتيجة معاكسة تماما، تتمثّل في انخراط أوسع للمسلمين في العمل السياسي واصطفافهم خلف مرشح يدافع عنهم، سواء كان من اليسار كجان لوك ميلونشون، أو من اليمين الديغولي المعتدل (نسبة لشارل ديغول مهندس الجمهورية الفرنسية الخامسة)، على غرار رئيس الوزراء الأسبق دومينيك دو فيلبان. وهذا الاصطفاف المحتمل قد يكون له تأثير ملموس على المعادلة الانتخابية القادمة، خاصة إذا ما تزامن مع تعبئة جماهيرية واعية تعي حقوقها وتسعى لحمايتها".
وأضاف: "من المرجح أن هذه المخاوف من ارتداد السحر على الساحر هي ما دفعت وزير الداخلية الفرنسي إلى تخفيف لهجته مؤخرا، خاصة في ظل المجازر المُرتكبة في غزة، والتي أجبرت حتى بعض المتعاطفين مع الصهيونية على التحرك لوقف الإبادة الجماعية بحق الفلسطينيين. وقد تكون هذه المأساة وقودا سياسيا يشعل جذوة تقارب المسلمين مع الإنسانيين من الفرنسيين (المنفتحين وغير العنصريين)، لا سيما في أوساط الشباب، ما قد يُحدث فارقا في الاستحقاقات الانتخابية المقبلة".
وختم بالقول: "من المرجح أن تكون الانتخابات المحلية لعام 2026 محطة أولى لصقل هذا الاندفاع السياسي المحموم، استعدادا لرئاسيات 2027 التي قد تعيد تشكيل وجه الجمهورية الفرنسية".