شـواطئ.. روسيا والغرب.. لمن الغلبة؟ (6)
تاريخ النشر: 13th, October 2024 GMT
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
يتابع عالم السياسة الشهير ألكسندر جليبوفيتش رار فى كتاب (روسيا والغرب.. لمن الغلبة؟) والذى نقله إلى العربية (محمد نصر الدين الجبالى) بقوله: أدى نجاح الثورة البرتقالية فى أوكرانيا إلى فقدان موسكو نفوذها على كامل الفضاء السوفيتى السابق، ودار صراع فى أوكرانيا بين أجهزة المخابرات الروسية والغربية وكان فى الحقيقة صراعًا بين منظومة القيم لدى الجانبين: النموذج الليبرالى الغربى والديمقراطية الروسية الموجهة.
وقامت موسكو بتحديد خيارها عندما كان من الضرورى توحيد الأمة الروسية ودعم مؤسسات الدولة وبدا أن نموذج الديمقراطية غير الليبرالية هو الأنسب لروسيا من النموذج الغربى. غير أن جزءا كبيرًا من المجتمع الأوكرانى ظل مولعًا بالغرب وليس بروسيا. وتحولت الحرب من أجل الفوز بأوكرانيا إلى جزء من صراع شامل لتحديد مستقبل أوروبا، ففى جزء منه هو نضال بين نظريتين لأوروبا فى القرن الحادى والعشرين. وكان الاتحاد الأوروبى آخذا فى التوسع شرقًا، وهو على ثقة أنه يتصرف وفقًا لروح العصر. فأفكار الديمقراطية والمجتمع المدنى وحقوق الإنسان والحرية تنتشر على نطاق واسع فى المناطق الغربية من الفضاء السوفيتى السابق.
وقبل شهور من الثورة الأوكرانية كانت موسكو ترى فى الولايات المتحدة الأمريكية منافسا على فرض النفوذ فى دول الجوار. وأدت الثورة الأوكرانية إلى تغيير الواقع الجيوسياسى، حيث أصبح الاتحاد الأوروبى هو اللاعب الأساسى والمنافس الوحيد لروسيا فى العلاقات مع الجمهوريات السوفيتية السابقة. وهو ليس الاتحاد القديم الذى كانت تسيطر عليه ألمانيا وفرنسا بل هو اتحاد جديد حيث تلعب بولندا دورًا مهما فى تحديد سياسة الاتحاد فى علاقته بحدوده الشرقية. وأصبح هناك خطر يتهدد العلاقة بين روسيا والغرب، وبوادر شقاق خطير على خلفية الصراعات على أراضى دول ما بعد الاتحاد السوفيتى. وحاول الاتحاد الأوروبى حرمان روسيا من محيطها المجاور وضم هذه البلدان إلى مناطق نفوذه.
وارتكبت روسيا أخطاء فى أوكرانيا، حيث تدخلت بشكل واضح فى الحملة الانتخابية ودعمت مرشح شرق أوكرانيا فيكتور يونوكوفيتش. وكان لكل من المرشحين وجهة نظر مختلفة تماما عن الآخر. ونتيجة لذلك كان خطر الشقاق الحاد يلوح فى الآفاق. شهدت كييف مظاهرات حاشدة كثيرة. وبدأت أول ثورات الميدان فى كييف. وفاز يونوكوفيتش فى الانتخابات متقدما على منافسه ببضعة أصوات فقط. غير أن المتظاهرين المحتشدين فى الميدان وبدعم كبير من الغرب رفضوا نتائج الانتخابات، واتهموا يونوكوفيتش يتزييفها وطالبوا بإعادتها. وبضغوط من الغرب أرغمت أوكرانيا تنظيم جولة تصويت ثالثة. وفى هذه المرة فاز يوشنكو، حيث أيده سكان غرب أوكرانيا فى حين رفض سكان شرق وجنوب أوكرانيا التصويت له. لكن وعلى الرغم من ذلك بدا أنه المنتصر أخلاقيا فى هذه المعركة. وأدى ذلك إلى تجدد الصدام، حيث قامت النخبة الحاكمة فى الأقاليم الشرقية فى أوكرانيا برفض تسليم السلطة ليوشنكو، كما أن موسكو لم تستطع تغيير موقفها ودعم يوشنكو.
وربما اعتقد البعض فى روسيا أن أوكرانيا فى سبيلها إلى الانقسام وأن موسكو كانت لديها فرصة تاريخية لاستعادة شرق أوكرانيا والقرم وأبخازيا وأوسيتيا الجنوبية وبريدنيسترو فى روسيا البيضاء. كانت عملية ضم هذه الأراضى والجمهوريات غير المعترف بها إلى روسيا قابلة للتحقيق ولكن فى المقابل كان ذلك ليؤدى إلى قطيعة مع الغرب. لم تكن هناك أى نقاط إيجابية تصلح للطرح على جدول أعمال روسيا والاتحاد الأوروبى، وأضحت روسيا لا تعرف كيف يمكن تحسين هذه العلاقات. استمر بالطبع تحالف الطاقة فيما بينهما غير أن الاتحاد الأوروبى وروسيا أخذا ينزلقان أكثر فأكثر إلى هوة الصدام الجيو سياسى فيما بينهما فى ساحات عديدة بدءا من مولدوفيا إلى جورجيا ثم أوكرانيا.
كان يوشنكو المنتصر فى الثورة البرتقالية ينوى الاندماج فى المؤسسات الأوروبية. كانت أهدافه تتفق والسياسة الأمريكية: انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو، أما ما يتعلق بانضمامها إلى الاتحاد الأوروبى فإن واشنطن ليس بمقدورها إرغام الاتحاد على ضم أوكرانيا حيث يبدو النظام السياسى والاقتصادى الأوكرانى فى حاجة إلى إصلاحات عميقة. وسعت أوكرانيا إلى صياغة صورة أخلاقية جديدة لها بوصفها عضوا فى الاتحاد فى حين يتم حل قضايا الأمن بالتعاون مع الناتو.
لم تكن أوروبا قد حسمت تماما علاقاتها بأوكرانيا، فهناك البولنديون ودول أوروبا الشرقية الأعضاء فى الاتحاد الأوروبى المعارضون لروسيا والذين يرون فى أوكرانيا عمقًا إستراتيجيا وحاجز أمان بينهم وبين روسيا. أما الفرنسيون والألمان فكانوا يتبنون مواقف براجماتية فى علاقاتهم بروسيا ويرون فى أوكرانيا شريكا تجاريا فحسب، ويرون أيضا أن كلا من روسيا وأوكرانيا يمكن أن ينضما سويًا إلى الإتحاد الأوروبى. وبحثت برلين وباريس إنشاء منطقة اقتصادية كبرى فى أوروبا تضم كلا من أوكرانيا وروسيا. وفى عام 2005 أعلن أكثر من نصف الأوروبيين عن دعمهم لانضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبى فى حين كان المؤيدون لانضمام روسيا إلى الاتحاد أقل من النصف بقليل. أما تركيا فنسبة قليلة من الأوروبيين دعمت انضمامها إلى الاتحاد.
بعد الثورة البرتقالية طالبت بروكسل بإجراء إصلاحات راديكالية. إلا أن يوشنكو لم يكن فى عجلة من أمره فى اتخاذ إجراءات اقتصادية لا تحظى بشعبية، حيث أخذ يطالب بحماسة أن يقوم الغرب بتقديم الشكر لأوكرانيا على جهودها فى دعم الديمقراطية الليبرالية فى أقصى شرق القارة الأوروبية. وفى الواقع أصبح واضحا أن يوشنكو لا يمتلك نظرية ما لبناء الديمقراطية واقتصاد السوق. وكان يتنبى وجهة نظر ساذجة مفادها أن الأوضاع ستستقر تلقائيا بعد أن تنضم أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبى والناتو. ففيم كان مكمن الخطورة الكبرى بالنسبة للسلطات فى أوكرانيا؟ كان الخطر الأساسى يتمثل فى اعتمادهم على دعم الغرب وعدم القيام بأى شىء أو جهد وفقدانهم تدريجيا الدعم الشعبى من الداخل.
وفى الغرب وبعد فشل " الميدان " أخذ الخبراء الغربيون يحسبون حجم النفقات اللازمة لإدماج أوكرانيا فى أوروبا. فضلا عن ذلك وبعد تعرض الاتحاد الأوروبى نفسه لأزمة طاحنة أعطى الغرب ظهره لأوكرانيا، وبدأ الثوار فى كييف يتناحرون فيما بينهم. وحاولت رئيسة الوزراء يوليا تيموشينكو الاستيلاء على السلطة من يوشنكو. وقام يوشنكو بعزلها من منصبها فى الحكومة ولكنها استطاعت العودة فيما بعد. وفى الوقت نفسه وقعت فضيحة كبرى فى ألمانيا. واتضح أن الفساد يسيطر على السفارة الألمانية فى كييف، ويتم تحصيل رشاوى كبرى نظير منح تأشيرات ألمانية لمواطنى أوكرانيا. وأدى إلى تغير علاقة الألمان بأوكرانيا حيث تدهورت كثيرا. وبعد أن تدخل بوضوح فى أحداث الثورة البرتقالية أدرك الغرب عجزة عن إحداث أى تأثير على بناء الدولة الديمقراطية فى أوكرانيا. وتوقعت كييف زيارات دعم من بوش وشرودر وشيراك وتونى بلير ولكن هذا لم يحدث.
وللحديث بقية
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: روسيا والغرب كييف أوكرانيا الاتحاد الأوروبى أوکرانیا إلى إلى الاتحاد فى أوکرانیا
إقرأ أيضاً:
وراء الحدث
#وراء_الحدث
د. #هاشم_غرايبه
مرة أخرى، يعيد الغرب استنساخ التجربة المقيتة، حينما أوقفت أمريكا العالم كله على قدم واحدة، في كذبة أسلحة الدمار الشامل التي يمتلكها “صدام حسين”، وان العالم مهدد بالويل والثبور، إذا لم يصطف خلف أمريكا لأجل نزعها.
آنذاك لم يطلب أحد دليلا على وجودها، وللسخف لم يسأل أحد كيف ستهدد هذه الأسلحة أحدا، فيما ستكون الأسلحة المثيلة المكدسة في ترسانات الغرب والشرق مصدر سلام وتنشر الرخاء والمحبة.
ظاهرة الغونمة التي رسختها الامبريالية والتي تعني استغباء البشر وانقيادهم وراء المرياع بلا تفكير، جعلت الجميع يتراكضون مطالبين بالتفتيش الدولي، وكانت النتائج فاضحة لنوايا الغرب، اذ لم يجدوا شيئا، ورغم ذلك لم يسائل أحد أمريكا لماذا غزت العراق ودمرته، ولم تخرج منه الا بعد أن أحالته خرابا، واغتالت بمساعدة النظام العميل لها الذي أقامته فيه أكثر 5500 عالم لكي تعيق نهضته العلمية لعقود قادمة، فيما اعتقلت 800 من خيرة العلماء وأخذتهم ليعملوا لصالحها.
معروف أن الماسونية هي من يعين مجلس الأمن القومي الأمريكي، الذي يقرر السياسات الخارجية لأمريكا، والرئيس وظيفته تبريرها وايجاد الذرائع لتنفيذها، لذلك من السذاجة تصور ان بيد الرئيس قرار غير اختيار التوقيت.
منذ 2003 لم تكتف قوى الاحتكار المسيطرة على العالم الغربي الامبريالي الممثلة بالماسونية، بما حققته من تدمير لقدرات الأمة الإسلامية، لضمان بقاء الكيان اللقيط، بل ظلت متحفزة لاستغلال سيطرتها على القوة العظمى وتسخيرها وفق طوعها، لتحقيق المزيد من الضمانات لهيمنة ذلك الكيان على كافة الدول المحيطة به، فبعضها روضته بربط النظام الحاكم بها، وبعضها بافساده وانهاكه لإدامة تخلفه وتبعيته، وفي عام 2013 استكملت تخريب كامل المنطقة العربية، بانقلاب ال cc بترتيبات من صهايـ.نة العرب، حيث أخرجت مصر من صف الأمة، والتزم نظامها ببيت الطاعة الأمريكي باخلاص.
عندها هدأت مخاوف الماسونية بعد إذ ضمنت التزاما قويا من كافة الأنظمة العربية بحماية الكيان، لكن هجوم السابع من اكتوبر قوض اطمئنانها، بل تعاظم قلقها من عودة الروج الجهادية للأمة بعد اذ توهمت أنها قضت عليها بمساعدة الأنظمة، كونها تعلم أنها هي التهديد الوحيد للكيان وجوديا، كما تدرك مدى فاعليتها عبر التاريخ.
وعندما فوجئت بحجم التسليح الذي نجحت المقاومة الإسلامية بالحصول عليه، رغم تفاني دول الطوق في محاصرتها وقطع كل مدد عنها، واكتشفت خطأ حساباتها باعتقادها أنها من خلال تأثيرها على دول الخليج قد نجحت بتعميق الشرخ الشيعي السني، فلم تكتشف إلا بعد فوات الأوان، أن المدد للمقاومة السنية جاءها من إيران الشيعية.
عندها جن جنونها، فصممت على معاقبة إيران وتدمير قدراتها التقنية أسوة بما فعلته مع العراق سابقا، ووجدت في قصة النووي ضالتها، كما في أسلحة الدمار الشامل.
من هنا تكرر السيناريو، فانخرط الغرب جميعه مرة أخرى في التجييش بالتخويف من القنبلة النووية التي يعلمون جيدا عدم امتلاك إيران لها ومدى بعدها عن امتلاكها، والتي لو امتلكها فعليا فلن يكون لها أي استعمال عسكري، فهي مجرد سلاح ردع، وقد جرت حروب كثيرة لم يلجأ فيها من يملكونها الى استعمالها لحسم أي قتال جرى.
إذاً فالموضوع هو متعلق بمحاولة تدمير القدرات المتطورة التي حققتها ايران، بالذريعة التقليدية ذاتها التي حققت لهم مأربهم في إعاقة التقدم العلمي والتقني المتسارع، لإطالة عمر الكيان الذي يمثل بقاءه خدمة عظيمة لتنفيذ مقررات مؤتمر كامبل التي تسعى لإبقاء المنطقة الاسلامية متخلفة تقنيا.
تهديد ترامب الأخير بالتدخل المباشر، يثبت خيبة أملهم رغم نجاحهم باغتيال العديد من علماء إيران وتدمير الكثير من مراكز البحث والتطوير، وكان المقلق لهم أكثر هو القوة التدميرية الهائلة للصواريخ الايرانية ومدى دقة تصويبها، لقد فوجئوا بكل ذلك وخانتهم حساباتهم.
خطؤهم أن إيران تبلغ مساحتها سبعين ضعف مساحة الكيان اللقيط، وتحمل إطالة الحرب تتناسب مع ذلك، لذلك لن يصبر الكيان أسبوعا آخر، خاصة مع التطور النوعي لرشقات الصواريخ الإيرانية.
الآن يقف العالم على مفترق طريق، فقد صعد ترامب الى أعلى الشجرة، وسنرى خلال اليومين القادمين، هل سينجر بحماقته المعهودة الى التورط العسكري في مغامرة غير محسوبة، أم سيوجد له الأوروبيون والعربان سلما تحت مسمى التفاوض للتوصل الى ضمانات توقف البرنامج النووي العسكري.