#ضمير_الأمة
د. هاشم غرايبه
في وداع رجل من أشاوس الأمة، صدق ما عاهد الله عليه، لا تُذرف الدموع، بل ترتفع التكبيرات، فالمجاهد حينما يسقط في ساحة الوغي وهو يذود عن حياض الأمة وعقيدتها، لا يكون قد خسر إلا حياة فانية حافلة بالمعاناة والضنك، لكن ربحه أعظم بكثير، وهو كسبه لحياة راضية باقية، فهو قتل في سبيل الله، لذا فهو حي في كنف خالقه الذي أطاعه فأرضاه، ومن أكد لنا ذلك هو رب العالمين العليم الخبير: “وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ” [آل عمران:169]، فكان بيان الله تعالى أنهم يرزقون، لتأكيد أنهم أحياء، لأن الأرزاق لا تقدر إلا للأحياء.
الخسارة فقط هي للأمة، فهي فقدت فارسا مغوارا، لم يترجل أو يغمد سيفا، بل ظل حتى الرمق الأخير كرارا، دوخ العدا وأقض مضاجع أعداء منهج الله، فحشدوا لقتاله ورفاقه أعظم حشود عرفها التاريخ، وزجوا في معركة القضاء عليه وعلى تنظيمه أعتى قوة عسكرية توصل اليها البشر وأكثرها تدميرا، ولما قالوا له إن الناس قد جمعوا لكم، لم يرعبه ذلك، بل زاده إيمانا وعزيمة.
أبو ابراهيم لم يكن قائدا عاديا كغيره من القادة، عيون تتوقد عزيمة ومضاء كعيون الصقر، وجبهة عاليه أكرمها بالسجود لخالقه، لم تنحنِ يوما لظالم متجبر، بل أزعم أنه ليس من أهل هذا الزمان، وإنما هو قادم من زمن الصادقين – زمن الصحابة، جاءنا به الله في هذا الوقت بالذات، وألهمه ورفيقه محمد الضيف خطة طوفان الأقصى، وهو يعلم أنها لن تحرر الأقصى الآن، لكن الله أرادها في هذا التوقيت حماية لبيته الحرام، بعد أن بات المشركون على وشك السيطرة عليه سياسيا من غير حاجة لاحتلاله عسكريا، وذلك تحت مسمى التطبيع، فعطل ذلك الطوفان الذي عمّ العالم كله خطط المنافقين، وتأجل الإعلان الرسمي بتوقيع معاهدة التطبيع التي كانت ستتيح عودة المشركين الى البيت الحرام بذريعة السياحة، بعد أن مُنعوا من ذلك الأربعة عشر قرنا الماضية بأمر من الله: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَٰذَا” [التوبة:28]، ولكي يقطع الطريق على المتذرعين بالسماح للمشركين بدخول الديار المقدسة أنه لتحقيق منافع تجارية أوسياحية، فقد وعد المؤمنين بأن يغنيهم عن الحاجة لذلك: “وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ إِن شَاءَ”، وقد وفى الله بوعده فعلا في كل العصور: “أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَىٰ إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِّزْقًا مِّن لَّدُنَّا” [القصص:57]، فطيلة كل القرون المنصرمة، خضعت ديار العرب والمسلمين لاحتلالات مختلفة، لكن لم يدخل الحجاز أي محتل، كما وأن الله عوض قاطنيها بدل جدب أرضها، تأتيهم ثمرات كل أراضي الدنيا، ومعيشة رغدا يوفرها قدوم الحجاج والمعتمرين الذين لا ينقطعون عن التوافد إليها يوما.
لأجل ذلك رأينا كيف صوب الله رمي المجاهدين وأعمى عيون عدوهم، لينصرهم فيها، وقدّر تعالى عودتهم الى القطاع سالمين بعد أن قتلوا أكثر من ألف من جند العدو، وغانمين أكثر من مائتي أسير، فكان ذلك ضربة قاصمة لغطرسة المحتل وعنجهية داعميه من أعداء الأمة وعملائهم منافقيها، وإحياء للنفوس المقهورة من كثرة خذلان الأنظمة العربية لشعوبها، مثلما أثبت أن اتباع منهج الله هو الوسيلة الوحيد المتاحة أمام الأمة للانتصار على من ظلمها.
ولأن الأمة ولادة، فخسارة الرجال تعوض، فما انتصرت أمتنا يوما بالعدد والعدة، بل بتمسكها بعقيدتها، لذا فالخسارة لا تكون إلا بالتخلي عن اتباع منهج الله.
ولما أن الله قد أكرم شهيدنا البطل بنيل ما تمناه وهو إحدى الحسنيين: النصر أو الشهادة، فقد أتاه اليقين وهو مقاتل غير قاعد، ومقبل غير مدبر، ليكون نبراسا لمن خلفه، فنكمل طريقه من بعده، الى أن ننال الحسنى الثانية: النصر بإذن الله. مقالات ذات صلة ليست حرب ثنائيات 2024/10/18
المصدر: سواليف
إقرأ أيضاً:
هل يجب تغيير مكان صلاة النافلة بعد الفريضة؟.. أمين الفتوى: تشهد عليه الأرض
هل يجب تغيير مكان صلاة النافلة بعد الفريضة؟، سؤال أجابه أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، ونرصده في التقرير التالي.
هل يجب تغيير مكان صلاة النافلة بعد الفريضة؟وقال الشيخ عويضة عثمان أمين الفتوى، بدار الإفتاء المصرية، "هل يجب تغيير مكان صلاة النافلة بعد الفريضة؟"؛ قائلًا:" استحب بعض السلف تغيير مكان صلاة النافلة بعد الفريضة حتى يشهد له المكانان وتشهد عليه الأرض بانه سجد عليا هنا وهناك واستحب بعض العلماء ذلك".
فيما قال الشيخ عبد الحميد الأطرش، رئيس لجنة الفتوى بالأزهر الأسبق، إن من بين السنن المأثورة عن النبي تنزيه صلاة الفرض عن النافلة، فكان صلى الله عليه وسلم، إذا صلى الفرض في مكان صلى النافلة في مكان آخر، لافتا إلى أن موضع سجود الإنسان سيشهد له عند الله يوم القيامة.
وأضاف لـ"صدى البلد"، في إجابته عن سؤال ما الحكمة من تغيير المصلى مكان صلاة النافلة والسنة ؟ قائلا: روى مسلم في صحيحه عن عمرو بن عطاء أن نافع بن جبير أرسله إلى السائب ابن أخت نمر يسأله عن شيء رآه منه معاوية في الصلاة فقال : نعم صليت معه الجمعة في المقصورة ، فلما سلم الإمام قمت في مقامي فصليت ، فلما دخل أرسل إلي فقال : لا تعد لما فعلت.
وأوضح الأطرش هذا الحديث يوضح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا ، ألا توصل صلاة بصلاة حتى نتكلم أو نخرج ، فإذا تكلم بعد الفريضة فإنه لا يكون قد وصل صلاة بصلاة أخرى ، ومنه التسبيح والأذكار.
وأوضح رئيس الفتوى الأسبق أن الأفضل صلاة النافلة في البيت لقوله صلى الله عليه وسلم : فصلوا أيها الناس في بيوتكم فإن أفضل صلاة المرء في بيته إلا الصلاة المكتوبة.
هل يجوز أداء السنة قبل الأذان بدقائق؟قال الدكتور علي جمعة مفتي الجمهورية السابق، إنه لا يجوز أداء السنة الراتبة قبل الأذان أو قبل دخول وقت الصلاة ولو بدقائق؛ لأنها بذلك تعد نافلة، وليست راتبة.
وأضاف "جمعة" خلال إجابته عن أسئلة المصلين بمجلس الجمعة الأسبوعي قائلًا: السنة الراتبة لا تكون إلا بعد الأذان فمثلا: سنة الظهر القبلية أربع ركعات لا يجوز أداؤها قبل الأذان بخمس دقائق.
وتابع: السنة الراتبة والسنن النافلة الهدف منها تعويض الخلل في الصلاة أو غفران للذنوب ، فإذا كنت متعجلا وتريد ان تصلي الظهر مباشرة فور الآذان فيجوز لك ان تصلي أربع ركعات سنة الظهر قبل الأذان بنية النافلة وليس الراتبة ثم صلى الظهر فور سماع الأذان . وإذا فعلت وصليت السنة الراتبة دون علم فلا تبطل صلاتك ولكنها ستؤجر على أنها سنة نافلة.