مؤمن الجندي يكتب: نشر الغسيل بالمقلوب
تاريخ النشر: 22nd, October 2024 GMT
لماذا تضعين هذا الغسيل بالمقلوب في الخلف على الحبل يا أمي؟ لقد كان سؤالًا بريئًا لي وأنا طفل! لكن جاءت الإجابة لتفتح لي بابًا مهمًا في درس خصوصي بعنوان "الخصوصية والحياء".. حيث تُعد ظاهرة نشر الأمهات الغسيل بالمقلوب من أبرز التقاليد المصرية التي تعكس قيم الحياء والخصوصية في مجتمعاتنا، فبينما تتابع الحياة اليومية وتتعامل مع انفتاح العالم، تبقى هذه العادة بمثابة صرخة خفية تعبر عن رغبة الأمهات في حماية خصوصيات أسرهن.
وهنا أقصد ما أقول بعثة مصر وليس الأهلي والزمالك! فالبداية والنهاية معًا.. ترحيل لاعب الأهلي للقاهرة وتوقيع غرامة عليه بقيمة مليون جنيه وإعلان التفاصيل والسبب "الإنفلاتي"، ثلاثي الزمالك في قسم الشرطة وإحالة للنيابة بسبب تعدي على أمن الاستاد! تهديد رئيس نادي الزمالك بعدم لعب نهائي السوبر وإصدار بيان على لسان المتحدث الرسمي بالتفكير في العودة للقاهرة بسبب الأجواء غير المناسبة والضغوط غير المحتملة التي تتعرض لها البعثة.. لماذا ننشر غسيلنا بهذا الشكل على الملأ؟
نشر الغسيل بالمقلوب ليس مجرد إجراء ظاهريًا بل هو تعبير عن القوة والحرص على كرامة الأسرة.. فعندما تقوم الأم بتعليق الملابس بحيث لا تُرى تفاصيلها، فإنها تتخذ موقفًا يعكس اهتمامًا بالحفاظ على الصورة العامة للعائلة (مصر)، ويُظهر وعيًا عميقًا بأهمية الحياء للحفاظ على القيم الأصيلة، في ظل تغيرات العصر.
قمة حولناها إلى قاعالحقيقة بعيدًا عن القمة التي حولناها إلى قاع! ليس نشر الغسيل بهذا الشكل في كرة القدم فقط.. لقد حول بعض الأشخاص -لا أعلم من؟- في السنوات الأخيرة، ثقافة نشر الغسيل بالمقلوب في الخلف إلى شاشة عرض لكل من هب ودب أن يتلذذ بالمشاهدة والانتقاد وتكوين صورة ذهنية عن (مصر) أنها كذلك.. وهي في الحقيقة ليست كما يريدون أن يصدروها لنا ولكم في الخارج! بالمناسبة هذا تحقيق خطير لا بد أن يراعيه كل مسؤول.
فالملابس المقلوبة -"ليس كل شيء ينشر أمام الجميع"- تُشبه الجدران التي تحمي الأسرار والأحاسيس، وتُعتبر درعًا واقيًا ضد نظرات الآخرين، فهي تُبرز روح الانتماء والتلاحم والمحافظة على التراث بصورة ذهنية حقيقية في عالم يتسم بالسرعة والانفتاح، تظل هذه العادة "Reminder" للعودة إلى الجذور، إلى ذلك الحياء الذي يُشعر الجميع بالراحة والأمان بل والفخر.. إنها دعوة للتفكر في قيمة الخصوصية وكيف يمكن أن تسهم في بناء مجتمع أكثر تماسكًا واحترامًا.
باختصار، ظاهرة "نشر الغسيل غير النظيف" أمام الجميع لا بد أن يتم التحكم بها.. فما حدث في السوبر المصري بالإمارات ليس إلا نقطة في بحر هذه الظاهرة التي باتت خطرًا حقيقيًا - من وجهة نظري - يهدد مصر كبلد عريق رائد ومؤثر بل مُصدر لكل ما هو جميل وراقي ومتفرد في كل المجالات بحكم التاريخ.. أرجوكم عودوا إلى الحياء، الخصوصية، والهوية التي ينبغي علينا احترامها والحفاظ عليها.. “مصر متستاهلش مننا كدة”.المصدر: بوابة الفجر
كلمات دلالية: أزمة السوبر المصري الزمالك الأهلي كهربا حسين لبيب مصر الإمارات مؤمن الجندي يكتب نشر الغسیل
إقرأ أيضاً:
د.حماد عبدالله يكتب: عصر "الكتاتيب"،"والتكايا!!"
كان فى كل أحياء القاهر القديمة أكثر من "كتاب" لتحفيظ الصغار "القرأن الكريم" وتعليمهم العلوم الأساسيه، وكذلك إنتشر الُكَّتابْ فى القرى والنجوع المصرية، وكان (الُكتَّابْ) هى الدرجة الأولى لأبناء المصريين (بنين وبنات) قبل إنتقالهم إلى المدارس الأزهرية فى الأرياف، والمدارس الأميريه فى المدن!.
كما كانت القاهره الفاطميه "تعج" بعده قصور مثمرة مزدهره، تسمى (تِكِيَّهْ)، فى هذه الَتكَاياَ، المزدانه بجميع أنواع الأشجار والنباتات، وصنابير المياه المتدفقه، أسوة بما نراه اليوم فى شوارع "روما" القديمه "وفيينا"، وأيضًا فى "كارلوفيفارى" فى "التشيك"، حيث صنابير المياه فى الشوارع تتيح للمشاه بأن يرتوا بالماء البارد.
كانت القاهره الفاطميه أيضًا تعج (بالُسُبلْ) جمع (سَبِيلْ) للمياه، للإنسان وأيضًا جانب من الَسِبيلْ للبهائم،( الحمير والأحصنه)، وعلى سبيل المثال لا الحصر (سَبِيلْ أم عباس) الشهير فى منطقه "القلعه شارع مسجد قلاوون".
وكانت هذه المبانى ذات الطرز المعماريه الفريده والمتميزه أنشأها المماليك فى العصر العثمانى وكان فى هذه التكايا، يزاول المنشدين فيها، عقد حلقات الذكر وتستقبل التبرعات العينية من أعيان المنطقه فى وجبات ثابته كالغداء والعشاء !
حيث تجلب الصوانى بالفته والأرز واللحم المسلوق، وفى بعض الأحوال فى حال (الضنك) أو (الفقر المؤقت) تجلب الصوانى "بالفول النابت" وأيضًا العيش والأرز "والفول المدشوش" والعدس الأصفر، نفس "التكايا"، الخير دائمًا موجود أمام من يلجأ إلى "الِتكِيَّهْ" لكي يأخذ قسط من الراحه أو من العنايه أو التكافل الإجتماعى!
ولعل أشهر "تِكيَّهِ" مصرية هى "التِكَيه المصرية" التى كانت فى جدة، والمدينة المنوره، وتلك التكيه والتى هدمت منذ فتره زمنيه قريبه فى مكه المكرمه كانت تلك التكيه معروفه بأسم (التكيه المصرية) حيث يلجأ إليها الحجيج فى مواسم الحج لكى تقدم لهم الخيرات طعام وشراب وإقامه على نفقه الأوقاف المصرية وللأسف الشديد، تنازلت عنها الحكومة المصرية فى عصر المرحوم الرئيس "مبارك"، حيث سمحت للسلطات السعودية بإزالتها، وإزاله معها جزء من "تاريخ وكرم المصريين" على حجيج بيت الله الحرام من المسلمين.
وإرتبط بذكريات الطفولة حيث كانت أسرتى تقطن فى "حارة جمعة بالمغربلين" فى أواخر أربعينيات القرن الماضى، وكان لى حظ أن ألتحق بكتاب (المحموديه) وهذا الكتاب ملحق على "تِكِيَّه الحبانيه" وتأخذ موقعها فى شارع الخليج المصرى، وبمنطقه "الحبانيه" على أطراف الحلمية الجديدة، وبجوار مدرسة الخديوية الثانوية بنين، وكان "الُكتاَّبْ" مشيد على دورين، الدور الأرضى به الحمامات وقاعات الطعام، والمطبخ والدور العلوى، يعلوه "قبة" من الخشب مرسمة بالزجاج المعشق بالرصاص، والفصول الأربعة على شكل مربع ناقص ضلع، والضلع الرابع (تراس) يطل على الحدائق فى "الِتكِيَّه" وله سلم هابط إليها، حيث يقوم التلاميذ بالنزول إلى "التكيه" وقت (الفسحه) لتَنَاول الغداء والعوده إلى الفصول إستعدادًا للترديد وراء الشيخ المدرس للأيات القرأنيه، والتى كان يستطيع الشيخ أن يلتقط اللفظ الخطأ من التلميذ وسط ما يقرب من عشرون ويعرف أنه أخطأ فى نطق "حرف أو كلمه" من الأيات الكريمة التى نرددها خلفه، فكانت (الخرزانه) هى المصحح للفظ والكلمه ونطقها!!.
والغريب فى الأمر أن كل تلميذ يجب أن يحرص على أن يأخذ من والدته (2مليم) لكى يسدد اليوم الدراسى للشيخ على باب المدرسة، والباقى من ملاليم حسب قدره كل (أسرة) يمكن للتلميذ أن يشترى (مضاغه) أو(البخت الأحمر) وربما يكون من حظه أن (البخت) أى "البسكوته المغموسة فى العسل الأسود" المتجمد جد فيها من الداخل من مليم إلى (تعريفه) "خمسة مليمات" ، فيصبح التلميذ من الأغنياء، ويعفوا عنك الشيخ المحصل (للنكله) (للمليمين)، إذا لم تمتلكهم، بعدد من الخيرزانات على(كفيك)، حتى لاتنسى غدًا إحضار (المعلوم) وهنا كنا لايمكن نقبل الذهاب (للكتاب) دون الملاليم، والتى يُحَصِلَها الشيخ على باب المدرسة!!
[email protected]