نجحت اللجنة الوطنية لتنظيم وتمويل الواردات خلال الأيام الماضية في استقبال واستيعاب أول دفعة من اعتمادات الاستيراد للتجار الموردين بقيمة تقارب 50 مليون دولار، وفق سعر الصرف الجديد المثبت عند 428 ريالًا للدولار السعودي. وتمثل هذه الخطوة بداية فعلية لجهود الحكومة والبنك المركزي في تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية التي تهدف إلى تثبيت سعر الصرف وتحسين أسعار السلع بشكل حقيقي ومستدام.

ويشير مراقبون اقتصاديون إلى أن استقرار سعر الصرف السابع على التوالي يعكس نجاح إجراءات الرقابة والضبط التي اتخذتها السلطات المالية، ويؤكد قدرة الدولة على توفير احتياجات السوق من العملات الأجنبية بأسعار عادلة، ما يساهم في تقليل الضغوط التضخمية وتحسين القوة الشرائية للمواطنين. كما أن هذه الخطوة تُعد دليلاً واضحًا على جدية الحكومة في تعزيز مواردها المالية وتنويع مصادر دخلها القومي، الأمر الذي يفتح المجال أمام مزيد من تحسن قيمة العملة الوطنية وأسعار السلع.

آلية منظمة

وتأتي هذه الخطوة وفق آلية تنفيذية أعلن عنها محافظ البنك المركزي اليمني، أحمد غالب المعبقي، مؤكداً أنها تعمل وفق ضوابط واضحة تضمن الاستقرار المالي وتحد من المضاربة بالعملة، التي كانت من أبرز أسباب التدهور الحاد في سعر الريال اليمني خلال العامين الماضيين.

وأوضح المعبقي في تصريحات رسمية، أن بدء استقبال الطلبات جاء بعد استكمال اللجنة كل الترتيبات والإجراءات المتعلقة بعملها، بما في ذلك تحديد السلع التي سيُحصر استيرادها عبر البنوك، لتكون العملية أكثر شفافية وانضباطاً.

وأكد محافظ البنك المركزي أن الالتزام بالضوابط التنظيمية يعد شرطاً أساسياً لضمان نجاح الآلية وتحقيق أهدافها، وعلى رأسها ضبط عمليات الاستيراد وتسهيل تمويلها، بما يضمن انسياب السلع إلى الأسواق المحلية وتوفير احتياجات المستهلكين دون إحداث ضغوط على سعر الصرف.

كما أشار المعبقي إلى أن هذه الخطوة تأتي في إطار مواجهة المخاطر والآثار السلبية على القطاع المالي والمصرفي والتجاري، خصوصاً بعد تصنيف جماعة الحوثيين «منظمة إرهابية أجنبية»، الأمر الذي فرض تحديات جديدة أمام حركة الأموال والتحويلات الخارجية.

وأوضح محافظ البنك المركزي اليمني أن الآلية الجديدة تمنع استخدام السوق السوداء لشراء العملة الصعبة، وهو ما من شأنه تقليص المضاربات العشوائية التي أدت في فترات سابقة إلى فقدان الريال اليمني أكثر من نصف قيمته خلال فترة وجيزة.

مواجهة المضاربة

في المقابل، تواجه المضاربات غير القانونية على سعر الصرف تحديات كبيرة، إذ ارتفع مستوى المخاطرة بشكل ملحوظ لأي صراف يحاول تجاوز الحدود المسموح بها لتأرجح سعر الصرف بين 425 و428 ريالًا للدولار السعودي. وقد شددت الجهات المختصة من إجراءات المراقبة عبر لجان النزول الميدانية وفرق الرصد والتعقب الأمني، إضافة إلى تكثيف الرقابة المصرفية، مما يجعل أي مخالفة عرضة لعقوبات رادعة، تشمل إلغاء التراخيص وحتى إغلاق المنشآت نهائيًا.

ويأتي ذلك في سياق تصنيف عمليات المضاربة وتهريب الأموال وتبييضها ضمن جرائم غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وفق تقييمات الخزانة الأمريكية ولجنة العقوبات الأمريكية وغيرها من الهيئات الدولية. وهو ما يعني أن المتورطين في مثل هذه الممارسات، وخصوصًا في مرحلة نجاح تغطية أول دفعات استيراد السلع بسعر الصرف الجديد، معرضون لملاحقات قانونية وأمنية صارمة، تشمل عقوبات أمريكية ودولية.

وأكدت الجهات المعنية، ومنها جهاز مكافحة الإرهاب المكلف من النيابة العامة، التزامها بالقيام بمهام الإغلاق والضبط والتحريز لأي جهات مصرفية أو تجارية تخالف القوانين والتعليمات الخاصة بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب. وتشمل هذه الإجراءات كذلك متابعة من يرتبطون بعمليات تهريب الأسلحة والمتفجرات أو أي أنشطة أمنية غير قانونية تمس أمن واستقرار الدولة.

تعزيز ثقة التجار والمستثمرين

وأشاد عدد من الخبراء والمحللين الاقتصاديين بدور اللجنة الوطنية لتنظيم وتمويل الواردات، معتبرين إياها خطوة مهمة في ضبط السوق وتعزيز الاستقرار المالي في اليمن.

ويؤكد المحلل المالي في المكلا سعيد العماري إلى أن دور اللجنة الوطنية لتنظيم وتمويل الواردات أصبح محوريَا وهامَا، فهي خطوة رئيسية لضبط السوق وتعزيز الاستقرار المالي في اليمن، كما أن انتظام عملية قبول الطلبات بصورة سلسة سيسهم في كبح المضاربات وتحسين آليات توفير العملة الصعبة للتجار، مما ينعكس إيجابًا على استقرار سعر الصرف وتقليل التضخم.”

وأضاف أن “اللجنة وضعت ضوابط واضحة وشفافة لاستيراد السلع، وهو ما سيساعد على توجيه الموارد المالية بشكل فعال، ويحد من استخدام السوق السوداء التي لطالما أثرت سلبًا على قيمة العملة وأسعار السلع.”وقال العماري أن “نجاح اللجنة في استقبال أول دفعة تمويلية بقيمة 50 مليون دولار يعكس جدية الحكومة والبنك المركزي في تطبيق الإصلاحات، ويعزز من ثقة المستثمرين والتجار، ويدعم مسار الاستقرار النقدي وتحسين القدرة الشرائية للمواطن.”

وأشار إلى أن استمرار عمل اللجنة وتوسيع نطاق عملها في تنظيم الواردات سيُسهم بشكل مباشر في ضبط السوق وتقليل الفجوة بين العرض والطلب، وهو ما سيكون له أثر إيجابي على الأسعار ومستوى المعيشة.

خطة حاسمة 

الصحفي الاقتصادي ماجد الداعري وافق الرأي بالقول: إن نجاح استقبال أول دفعة من اعتمادات الاستيراد، يمثل خطوة حاسمة لتثبيت الإصلاحات الاقتصادية وضمان استقرار العملة المحلية. لافتًا إلى إن هذه الخطوة تعني إمكانية تحسن قيمة العملة الوطنية والأسعار معها، فكلما تحسنت موارد الدولة ودخلها القومي وتدفقت العملات الأجنبية بشكل أكبر. 

وفي المقابل، أشار إلى أهمية الرقابة المشددة من لجان النزول الميدانية وفرق الرصد الأمني لشركات الصرافة. موضحًا أن أي مخالفة ستعرض المخالفين لعقوبات صارمة تتضمن إلغاء تراخيص مزاولة المهنة وحتى إغلاق المنشآت، بالإضافة إلى فرض عقوبات دولية مرتبطة بجرائم غسل الأموال وتمويل الإرهاب، حيث أصبحت المضاربة بالعملة وتهريب الأموال من أبرز التهم التي تتابعها الخزانة الأمريكية ولجنة العقوبات الدولية.

وأكد الداعري أن المتورطين، خاصة في مرحلة نجاح تغطية أول دفعات الاستيراد بسعر الصرف الجديد، سيواجهون ملاحقات أمنية وقانونية حاسمة من جهات مكافحة الإرهاب والنيابة العامة، وفق توجيهات البنك المركزي.

المصدر: نيوزيمن

كلمات دلالية: البنک المرکزی هذه الخطوة سعر الصرف أول دفعة وهو ما إلى أن

إقرأ أيضاً:

الإيرادات بعد العملة.. إصرار دولي على دعم الحكومة اقتصادياً بمواجهة ذراع إيران

مع بروز مؤشرات محلية على عرقلة خطة الإصلاحات الاقتصادية والمالية للحكومة اليمنية، كشفت تقارير صحفية عن تهديدات دولية بفرض عقوبات صارمة على معرقلي الخطة.

وأجبرت الأزمة المالية الخانقة التي تعاني منها الحكومة، مجلس القيادة الرئاسي على إقرار خطة إصلاحات اقتصادية ومالية وإدارية شاملة تُلزم المحافظات بتوريد كامل الإيرادات إلى البنك المركزي في عدن.

وحظيت الخطة بدعم كامل من المجموعة الرباعية الدولية المعنية بملف اليمن (أمريكا، بريطانيا، السعودية، الإمارات) والجهات المانحة، بعد اشتراطات وضعوها أمام الحكومة بتطبيق إصلاحات مالية ومؤسسية شاملة قبل استئناف تقديم الدعم المالي والمساعدات لليمن المتوقفة منذ سنوات.

وتواجه الحكومة اليمنية أكبر أزمة مالية منذ بدء الحرب قبل 10 سنوات، جراء توقف عائدات النفط منذ أواخر عام 2022 جرّاء هجمات مليشيا الحوثي على موانئ التصدير، وتفاقمت الأزمة هذا العام مع توقف الدعم الخارجي وتأخر الدعم الذي أعلنت عنه السعودية لأكثر من شهرين.

ويؤكد ذلك التقرير الأخير الصادر عن البنك المركزي حول التطورات المالية، والذي أشار إلى وجود عجز في موازنة الحكومة بنسبة 53%، وفق بيانات التنفيذ الفعلي للموازنة العامة للدولة حتى نهاية أغسطس 2025.

وأوضح التقرير وجود عجز نقدي قدره 586.5 مليار ريال، حيث بلغت الإيرادات العامة 671.7 مليار ريال، في حين سجلت النفقات العامة نحو 1,258.2 مليار ريال.

وفي هذا السياق، كشفت وكالة "رويترز"، في تقرير لها الثلاثاء، عن مصادر حكومية أكدت أن الرباعية الدولية أبلغت رئاسة مجلس القيادة الرئاسي بأنها ستفرض عقوبات دولية مباشرة على أي مسؤول أو جهة تعرقل تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية، وفي مقدمتهم المحافظون الذين يمتنعون عن توريد الموارد إلى البنك المركزي.

وقالت المصادر إن المهلة المحددة لتوريد الإيرادات شارفت على الانتهاء، وإن أي تقاعس سيواجه بإجراءات عقابية تشمل تجميد الأصول، حظر السفر، إدراج الأسماء في قوائم سوداء دولية، ووقف أي تعاون مالي مع الجهات المخالفة.

هذا التهديد شديد اللهجة من قبل دول الرباعية يعكس إصراراً دولياً على دعم وتقوية الحكومة في الجانب الاقتصادي في مواجهة مليشيا الحوثي المدعومة من إيران، ضمن التغيير الكبير الذي طرأ على موقف المجتمع الدولي من ملف اليمن عقب التهديدات التي مارستها المليشيا بحق الملاحة الدولية طيلة العامين الماضيين.

وتجلى التغيير في الموقف الدولي اقتصادياً بالنجاح اللافت الذي حققته الحكومة والبنك المركزي مؤخراً في ملف العملة وضبط القطاع المصرفي في اليمن، وإنهاء سيطرة مليشيا الحوثي الإرهابية على هذا القطاع بعد عجز استمر طيلة السنوات العشر الماضية.

وجاء نجاح الحكومة والبنك كأحد تداعيات التصنيف الأمريكي لمليشيا الحوثي كمنظمة إرهابية أجنبية من قبل إدارة الرئيس ترامب مطلع العام الحالي، وهي خطوة مثلت ذروة الانقلاب في الموقف الدولي من الملف اليمني ومن مليشيا الحوثي تحديداً.

كما انعكس التغيير في موقف الدول الكبرى على مواقف المؤسسات الدولية، وخاصة المالية، والتي اتجهت مؤخراً إلى دعم الحكومة اليمنية وتقديم المساعدة لها، على عكس مواقف الحياد أو الضبابية التي كانت تطبع تعاملها مع الحرب التي تخوضها الشرعية ضد انقلاب مليشيا الحوثي.

ويمكن ملاحظة ذلك في "مشاورات المادة الرابعة" التي اختتمت مؤخراً بين صندوق النقد الدولي والحكومة اليمنية في العاصمة الأردنية عمّان بعد انقطاع دام أكثر من 11 سنة، حيث تُعد عودة هذه المشاورات تمهيداً لأي دعم مالي أو فني قد يُقدّم للحكومة.

>> النقد الدولي : تحصيل الإيرادات وترشيد النفقات وكبح التضخم أولويات لاستقرار الاقتصاد

ومثل البيان الختامي الصادر عن صندوق النقد عقب المشاورات أشبه بخارطة طريق اقتصادية وضعتها الدول الكبرى والمانحون، ويفتح المجال أمام الحكومة لتلقي الدعم والمساعدة الدولية في الجانب الاقتصادي.

ويتطابق ما ورد في هذه الخارطة أو في بيان صندوق النقد بشكل كبير مع خطة الإصلاحات الحكومية، وخاصة في ملف الإيرادات، وهو ما يفسر إصرار الرباعية على تنفيذ الخطة وإشهارها لسيف العقوبات على معرقليها.

ويأتي هذا الموقف مع بروز محاولات عرقلة للخطة الحكومية، كما حصل الأسبوع الماضي من جانب السلطات المحلية في محافظة المهرة في قضية الإيرادات الجمركية، قبل أن تتراجع سريعاً وتعلن التزامها بتنفيذ قرار مجلس القيادة الرئاسي الخاص بخطة الإصلاحات.

مقالات مشابهة

  • عاجل | ممداني: تحدثت عن ارتكاب إسرائيل إبادة جماعية بتمويل أمريكي وأشارك الرئيس فكرة تخصيص أموالنا لخدمة مواطنينا
  • فريق طبي بجامعة أسيوط ينجح في إنقاذ حياة سيدة حامل مصابة بورم بالغده النخامية
  • افتتاح مشاريع مياه في الحديدة بتمويل من هيئة الزكاة وشراكة مجتمعية
  • الإيرادات بعد العملة.. إصرار دولي على دعم الحكومة اقتصادياً بمواجهة ذراع إيران
  • «العامة للأمن الغذائي» تطرح المناقصة السادسة لهذا العام لاستيراد 300 ألف طن قمح
  • خبير مصرفي: الاقتصاد المصري في تحسن مستمر.. ومتوقع تثبيت الفائدة
  • خبيرة مصرفية: لدينا تدفقات سياحية مبشرة ووفرة في العملة الصعبة
  • فريق طبي بمستشفى جازان العام ينجح في علاج حديث ولادة يعاني من تشوّه خلقي رئوي كبير
  • قضايا قيمتها 7 ملايين جنيه.. ضربات متتالية ضد تجار العملة الأجنبية
  • وزير إسرائيلي: المسار الدولي لنزع سلاح حماس لن ينجح