موقع النيلين:
2025-08-16@09:44:56 GMT

انضمام كيكل الواقع والمتوقع

تاريخ النشر: 23rd, October 2024 GMT

أحدثت الخطوة التي أقدم عليها أبو عاقلة كيكل دويا إعلاميا هائلا، كان مبتدؤه انقسام الرأي حول طبيعة هذه الخطوة؛ فمال غالب الناس إلى أنه استسلم للجيش، ولعل من ذهب ذلك المذهب ينطلق من أمانى النفس، علاوة على بعض الفيديوهات التي ظهر فيها كيكل يتحدث عن عدم رضاه عن القتال بين أبناء الوطن الواحد، والدين الواحد، وقد جاءت هذه الفيديوهات متزامنة مع انفتاح الجيش على أماكن متعددة في العاصمة وبعض الولايات.

وقد ذهب آخرون منهم مقربون من الرجل، ومناوئون للجيش إلى أن الرجل لم يستسلم، وإنما سالم بناء على اتفاق، وأيا كان الواقع، فإن الرجل الآن لم يعد ضمن منظومة الدعم السريع.
كان كيكل قد أنشأ قوات درع البطانة منطلقا من منبر البطانة الحر الذي أنشئ بوصفه كيانا مطلبيا في تلك المنطقة المعروفة بالبطانة، وهي مساحة تقع بين نهر عطبرة، والنيل الأزرق، وهي كيان اجتماعي أكثر من كونها وحدة إدارية؛ فهي تقع في عدد من الولايات، إلا أن سكانها يتمتعون بإحساس الانتماء لها رغم انتماءاتهم الموزعة، فهي أشبه بإقليم كردستان رغم أن الأخير تتقاسمه دول، وليس أقاليم داخل دولة واحدة.

كانت الفترة التي تلت سقوط نظام الرئيس عمر البشير فترة لم يُشهَد مثلها من حيث السيولة الأمنية، والهشاشة السياسية، مما أغرى الكثيرين بنزع يد الطاعة تحت دعاوى مختلفة، حتى ظهر بعض الضباط السابقين يتسابقون لتكوين حركات مسلحة ذات أجندة جهوية.
في ذلك الوضع السياسي والعسكري المتداعي، وفي خواتيم العام الميلادي2022 كون أبو عاقلة محمد أحمد يوسف كيكل المنتمي إلى البطانة، وإلى قبيلة الشكرية العريقة صاحبة الولاية القبلية في تلك المنطقة قوة مسلحة تحت مسمى درع البطانة، وقد كان أن لاقى معارضة من كثير من أعيان المنطقة، والقبيلة بسبب إنشاء القوات من حيث المبدأ، أو بسبب تسمية القوة باسم المنطقة، مما دعاه لأن يعتمد لها اسم درع السودان، شاقا طريقه، مخالفا رأي الأعيان، والعقلاء، مع ملاحظة أن هناك بعض الأعيان قد قابل هذه الخطوة بارتياح؛ بحسبانها تصنع توازنا في القوة التي أصبحت هي الأساس في توزيع المكاسب السياسية، والمادية في السودان في عهد الرئيس البشير وفيما تلاه من عهد، خاصة بعد توقيع اتفاق جوبا للسلام.

لم يرصد لكيكل في بداية تكوينه لهذه القوات أي ميول سياسية، ولا طموح، بل كان الهدف المعلن هو عمل توازن قوة يستفاد منه في الضغط على الحكومة المركزية للتوزيع العادل للسلطة، والثروة، خاصة بعد رسخ في الوجدان الجمعي السوداني أن الحكومة لا تستجيب إلا لمطالب حملة السلاح، ولعل المراقب لملابسات ميلاد هذه القوة لا تفوت عليه ملاحظة السكوت الرسمي عن تحركات كيكل، مما فُسِّر بأنه تعبير عن رضا قادة الجيش، وربما كان ذلك بذات دافع صناعة القوة الوازنة، خاصة بعد التهافت المضطرد من الدولة على كل عائد من التمرد، ومنحه الامتيازات، وألقاب البطولة.

يقدر مراقبون هذه القوة عند الإعلان عنها بما يزيد على عشرين ألف جندي، وإن كان هناك من يعد هذه مبالغة لعمل دعاية لهذه القوات، ولتشجيع الانخراط فيها، أو دعمها.
كانت هناك قوة أخرى قد أعلن عنها ضابط سابق في الجيش كان ناطقا رسميا باسمه هو الصوارمي خالد، لكنها ووجهت بحسم نادر أدى لتراجعه عن الفكرة، وربما يكون مرد ذلك الحزم غير المعتاد في تلك الفترة، الذي قوبلت به هذه القوة أنها كانت في العاصمة، ومن ضابط سابق في القوات المسلحة، وربما خشية انتقال العدوى لضباط آخرين.

لم يمض على تمرد الدعم السريع غير أربعة أشهر حتى فاجأ أبو عاقلة كيكل كل المراقبين بإعلان انضمامه للدعم السريع، وولائه لقائده، ثم انخراطه في قتال الجيش السوداني، في ولاية الجزيرة، وسنار، والقضارف، ولقد كان لتعاونه مع قوات الدعم السريع الأثر البالغ في تيسير اجتياحه لمدن ولاية الجزيرة، وقراها، مما نتج عنه انتهاكات واسعة لحرمة الدماء،

والأعراض، والأموال في سلوك بدا ممنهجا ومخططا، مما أدخل كيكل، وقواته في حرج بالغ، حيث لم يكن في مقدوره منع الانتهاكات، وإيقاف الهمجية المتوحشة ضد مواطني ولاية يقطنها أرحامه، و أصهاره، ومعارفه، فباء باللعنات التي أصبحت تصب عليه في الخلوات، وأدبار الصلوات.
مع هذا الواقع بدا كيكل في بعض مخاطباته يظهر شيئا من التندم، وعدم الرضا عما يصيب المواطنين من للمتمردين القادمين من أصقاع الأرض، فتوقع كثير من المراقبين أن الرجل يبحث عن مخرج عن الورطة التي أدخل فيها نفسه، وأهله، و قبيلته.

كان من الملاحظ أن الأماكن التي كانت تحت سيطرته لم تشهد من الانتهاكات ما وقع في غيرها من المناطق التي اجتاحتها قوات الدعم السريع، مما قد يقلل مستقبلا من مستوى مسؤوليته مقارنة بحلفائه في الدعم السريع.

قامت القوات المسلحة بتنظيم صفوفها، وزيادة أعداها، وإمداد قواتها تمهيدا للكر على قوات الدعم السريع، فنجحت في استرداد مواقع استراتيجية، ومؤثرة، مما شكل ضغطا معنويا، وعسكريا على قوات الدعم السريع، وحلفائها، الأمر الذي جعل هواجس كيكل تتحول إلى تفكير جاد في التحلل من الدعم السريع، حتى فاجأ الجميع بظهوره مع القوات المسلحة معلنا انضمامه إليها في خطوة صورها الإعلام الموالي للجيش ، وكأنها استسلام من الرجل، بينما صورها الإعلام الموالي للمليشيا وكأنها خيانة، ثم قطعت جهيزة الجيش قول الخطباء بوصف ذلك بأنه انضمام للجيش، ولا عطر بعد عروس، لكن وسط ذلك الغبار لم تتأخر القوة المدنية المساندة للتمرد تحت غطاء رفض الحرب عن رفضها الخطوة التي قام بها كيكل!

هناك لغط آخر قانوني أثير حول قانونية العفو عن كيكل، وأخلاقيته، فهل صدر عفو عن كيكل في اتفاق جرى معه، أم أسند الأمر إلى العفو السابق الذي انتقضت مدته.
وهل العفو يصدر، أو بجدد من رأس الدولة أم من الناطق الرسمي باسم الجيش؟
أم أن الأمر كله يعتبر تنفيذا جزيئا لاتفاق جدة الموقع بين الحكومة والمتمردين؟

لا شك عندي أن العفو العام الذي عرضه رئيس مجلس السيادة على المتمردين في الأيام الأولى للحرب قد انتقضت مدته، ولم يعد ساريا، كما أن العفو العام مناط بقرارات رأس الدولة، ولا يبقى عندي إلا الاستناد إلى اتفاق جدة، وقد كنا نتوقع أن يكون الأمر متماسكا ومنسقا بترتيب يبدأ بإعلان العفو ،أو الاستناد إلى اتفاق جدة، ثم أعلان الانضمام في مشهد يظهر علو الدولة، وقوامتها، ويراعي شعور الضحايا، ولكن فات الأمر كالعادة.

يبقى القول إن هناك نتائج متوقعة من هذا الانضمام للجيش منها ما هو في صالح الجيش، ومنها ما يمكن أن يضر بسير المعركة، من ذلك:
1-تعزيز الاصطفاف الجهوي حيث كان وجود كيكل في الدعم السريع يشكل نوعا مغايرا لغالب مكونه حيث يعطيه نكهة قومية، حتى وإن كانت غير ذات تأثير كبير.

2-اشتداد المعارك بدافع تمايز الصفوف، والانتقام ممن يعتبر خائنا، خاصة في ظل الجهل، والنزعة القبلية شديدة الولاء المستشرية في غالب جنود المتمردين.
3- تطويل أمد الحرب، والاستمساك بها مهما كلف الأمر باعتبار أن الدافع أصبح دافعا شخصيا مرتبطا بالكرامة.

4- كشفت هذه الخطوة عن عدم تماسك الوجدان الشعبي الذي كان سائدا وذلك بالسير في المعركة حتى حسمها التام، ظهرذلك من خلال الترحيب بهذا الانضمام للجيش، فمر الأمر وكأنه لم تكن هناك دماء وأعراض، وأموال.

5- كذلك مثل العفو نسخا لكل التصريحات الجازمة من راس الدولة بأنه لا تسامح مع هولا القتلة، ولن توضع البندقية إلا بعد حسم التمرد تماما، وهذا الأمر كان يمكن تلافيه بقيل من حسن الإخراج.

من جهة أخرى، فإن لانضمام كيكل للجيش أثره الإيجابي المتوقع من ذلك:
1-التأثير السالب على معنويات المتمردين خاصة مع ضربات الجيش الموجعة التي بات الجيش يوجهها باستمرار، وبتاثير كبير في قوة المتمردين.

2- تشجيع آخرين على القيام بهذه الخطوة، خاصة وأن هناك كثيرين من المغرر بهم وسط المتمردين.
3- تحييد قوة كان تمثل مصدر قلق للجيش، وحاميا لظهر المتمردين، ولا شك في أن هذا مكسب كبير للجيش، وخسارة للمتمردين.
4- زيادة معدل الشك، ولكم في وعدم الاطمئنان بين أفراد القوات المتمردة مما يضعف من تماسكها، ويسهل اختراقها من قبل القوات المسلحة.

أ. د. الخاتم عبد الرحمن

إنضم لقناة النيلين على واتساب

المصدر: موقع النيلين

كلمات دلالية: قوات الدعم السریع القوات المسلحة هذه الخطوة کیکل فی

إقرأ أيضاً:

البرهان: لا مهادنة مع قوات الدعم السريع والقتال مستمر مهما كان الثمن

مع مرور ثلاث أعوام على اندلاع الحرب، خرج قائد الجيش السوداني والحاكم الفعلي للبلاد عبد الفتاح البرهان اليوم الخميس برسالة حاسمة، معلنًا القطيعة التامة مع قوات الدعم السريع، ومتعهدًا المضي في القتال حتى "دحر التمرد"، مهما كانت التكلفة. اعلان

وفي تصريحاته بمناسبة الذكرى المئوية لتأسيس القوات المسلحة، خاطب البرهان المقاتلين قائلاً إن الجيش سيواصل القتال "مهما كان الثمن"، مشيدًا بصمود الجنود في مدن رئيسية مثل الفاشر وبابنوسة وكادقلي، حيث "يدافعون عن السودان على جميع الجبهات".

وأكد "عدم المهادنة والمصالحة" مع قوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو، الملقب بـ"حميدتي"، متعهّدًا بعدم خيانة "تضحيات الشعب وأبنائه وإخوانه الذين سقطوا دفاعًا عن البلاد".

وجاءت تصريحات البرهان بعد أيام من اجتماع في سويسرا مع مستشار الرئيس الأمريكي لشؤون إفريقيا مسعد بولس، في ظل تحركات دبلوماسية أمريكية متجددة لتحقيق السلام.

Related منظمة الصحة العالمية: نحو 100 ألف إصابة بالكوليرا في السودان منذ يوليو الماضيالسودان: مقتل 40 مدنياً في هجوم على مخيم أبو شوك.. واتهامات بـ"إعدامات ميدانية"السودان يواجه أسوأ تفشٍ للكوليرا منذ سنوات وسط الحرب والنزوح

ووفق مصدر حكومي سوداني، ناقش الجانبان مقترحًا أمريكيًا لوقف شامل لإطلاق النار وضمان وصول المساعدات الإنسانية. لكن، رغم جهود وساطة قادتها واشنطن والرياض، لم تنجح المساعي حتى الآن في إقرار هدنة.

موازين القوى وأزمة إنسانية خانقة

تعمل قوات الدعم السريع على إنشاء إدارة موازية في غرب البلاد بالمناطق التي تسيطر عليها، وهو ما أدانه مجلس الأمن الدولي بشدة الأربعاء، واعتبره "تهديدًا مباشرًا لوحدة السودان وسلامة أراضيه".

وفي الأسابيع الأخيرة، فقدت هذه القوات أراضي لصالح الجيش، الذي استعاد مناطق في ولايتي الخرطوم والنيل الأبيض. ولا تزال تسيطر على أجزاء من شمال وغرب كردفان، وجيوب في جنوب كردفان والنيل الأزرق، وأربع من ولايات دارفور الخمس.

لاجئون سودانيون أمام مكتب المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في طرابلس، ليبيا، الخميس 7 أغسطس 2025. Yousef Murad/AP

وقد أوقعت الحرب المستمرة منذ أكثر من عامين عشرات الآلاف من القتلى ودفعت ملايين إلى النزوح، فيما يواجه السودان أسوأ تفشٍّ للكوليرا منذ سنوات. وبحسب أطباء بلا حدود، سُجّل نحو 100 ألف حالة اشتباه وأكثر من 2400 وفاة مرتبطة بالمرض، بينها 40 وفاة في أسبوع واحد في غرب دارفور.

إقليم دارفور، الخاضع بمعظمه لقوات الدعم السريع، يشهد تداخل الكارثة الصحية مع المجاعة والنزوح، بينما حذّرت اليونيسف هذا الشهر من أن القتال في شمال الإقليم يعرّض أكثر من 640 ألف طفل دون الخامسة لخطر الجوع والمرض والعنف، في ظل تراجع المساعدات الإنسانية، بما فيها المساعدات الأمريكية، ما فاقم الأزمة بشكل غير مسبوق.

انتقل إلى اختصارات الوصول شارك هذا المقال محادثة

مقالات مشابهة

  • مسيرات الجيش السوداني تحرم “الدعم السريع” من خطوط إمداده الخلفية في دارفور.. تعرف على التفاصيل
  • البرهان: لا مهادنة مع «الدعم السريع» وتحالف «تأسيس» يردّ على مجلس الأمن
  • حركة العدل والمساواة السودانية: السلام العادل والمستدام لن يترسخ إلا بالحسم الكامل لتمرد مليشيا الدعم السريع
  • البرهان: لا مهادنة مع قوات الدعم السريع والقتال مستمر مهما كان الثمن
  • رئيس الأركان يُهنئ صدام خليفة حفتر بتعيينه نائبًا للقائد العام للجيش الوطني الليبي
  • رئيس الأركان يهنئ الفريق صدام حفتر لتعيينه نائبًا للقائد العام للجيش الوطني الليبي
  • رئيس الأركان يقدم التهنئة لـ صدام خليفة حفتر نائب القائد العام للجيش الليبي
  • الأمم المتحدة: الدعم السريع ترتكب فظائع بحق المدنيين في الفاشر
  • اعلان نهاية الدعم السريع والمتبقي مليشيا مجاميع وشفشافه ومرتزقة
  • الجيش السوداني يستهدف مواقع للدعم السريع في ولاية شرق دارفور