تمكن باحثون في جامعة العلوم والتكنولوجيا النرويجية من تطوير تقنية جديدة تعتمد على الهوائيات قادرة على اكتشاف المركبات العضوية المتطايرة التي تنتج الروائح المختلفة وتحديدها بدقة عالية، مثل رائحة العشب المقطوع حديثا أو أبخرة البنزين أثناء تعبئة الوقود أو الطعام الفاسد، عن المركبات العضوية المتطايرة.

هذه التقنية، التي أطلق عليها الباحثون اسم "الأنف الاصطناعي"، قد تُحدث ثورة في عدة مجالات مثل كشف الغازات الضارة، ورصد فساد الأطعمة قبل أن يصبح ملحوظا.

وقد نشر الباحثون دراستهم في دورية "سينسورز آند أكشويترز بي كميكال" وتصدر في عدد 18 نوفمبر/تشرين الثاني القادم.

تعتمد التقنية الجديدة على شيء موجود مع الجميع تقريبا في هذا العصر وهو الهوائي الموجود عادة في أجهزة الهواتف المحمولة والتلفاز. لكن هذه الهوائيات لا تُستخدم هنا لأغراض الاتصال فحسب، بل أيضا كأجهزة استشعار للمركبات العضوية المتطايرة.

أبرز مايكل شيفينا، نائب رئيس قسم الأبحاث بكلية الهندسة بالجامعة النرويجية للعلوم والتكنولوجيا، والمشرف على الدراسة، أن الدافع الأولي وراء ابتكار ذلك الأنف الاصطناعي مدعوم بالانتشار الفعلي للهوائيات على نطاق واسع، ويقول في تصريح للجزيرة نت: "إذا تمكنا من إضافة قدرات الاستشعار إلى هذه الهوائيات الموجودة دون زيادة التعقيد بشكل كبير، فسيكون ذلك مفيدا للغاية لتطبيقات إنترنت الأشياء".

برز مصطلح إنترنت الأشياء حديثا، ويُقصد به الجيل الجديد من الشبكات التي تتيح التفاهم بين الأجهزة المترابطة مع بعضها البعض، والأجهزة المزودة بأجهزة استشعار، والبرامج والتقنيات الأخرى التي تتصل وتتبادل البيانات مع الأجهزة والأنظمة الأخرى عبر الإنترنت أو شبكات الاتصالات. وما يميز إنترنت الأشياء هو تحرير الإنسان من ضرورة وجوده في المكان للتحكّم، أي أن الشخص يستطيع التحكم في الأدوات عن بعد.

يو دانغ المؤلف الرئيسي للدراسة وبجواره مايكل شيفينا المشرف على الدراسة بكلية الهندسة بالجامعة النرويجية للعلوم والتكنولوجيا (مادس وانغ سفيندسن) أنف إلكتروني فائق أكثر بساطة

الأنف الإلكتروني ليس أمرا جديدا، فهو موجود بالفعل، ويتطلب أنظمته التقليدية عادة أجهزة استشعار متعددة ومواد نانوية مختلفة ومكلفة للكشف عن المركبات العضوية المتطايرة المتنوعة والتمييز بينها. يؤدي هذا التعقيد إلى زيادة في استهلاك الطاقة وحجم أكبر وارتفاع في التكاليف، مما يجعلها أقل جدوى للتطبيقات واسعة النطاق.

يقول شيفينا: "يهدف فريقنا إلى معالجة هذه التحديات من خلال تطوير نظام مستشعر موحد باستخدام تقنية الهوائي"، ويضيف أن "هذا النهج لا يقلل من التعقيد واستهلاك الطاقة فحسب، بل يدمج أيضا وظائف الاستشعار والاتصال، وهو أمر بالغ الأهمية لتقنية إنترنت الأشياء المتنامية".

تعتمد الأنوف الإلكترونية التقليدية على مئات المستشعرات المغطاة بمواد مختلفة للكشف عن الروائح، مما يجعلها معقدة ومكلفة للغاية. ولكن "الأنف الإلكتروني" الجديد يعتمد على هوائي واحد مغطى بمادة واحدة فقط، مما يجعله أبسط وأقل تكلفة مقارنة بسابقيه. ورغم هذا النهج الهادف إلى التبسيط، فإن هذا الجهاز يتمتع بدقة تصل إلى 96.7% في الكشف عن الغازات، وهو ما يعادل أفضل الأنوف الإلكترونية المتاحة حاليا، بل ويتفوق عليها في بعض الحالات.

ويقول يو دانغ، طالب الدكتوراه بقسم التصنيع والهندسة المدنية بالجامعة النرويجية للعلوم والتكنولوجيا، والمؤلف الرئيسي للدراسة، في تصريحات للجزيرة نت: "يميز الأنف الإلكتروني الهوائي بين المركبات العضوية المتطايرة المختلفة من خلال تحليل انعكاس الإشارات الراديوية، التي يتم إرسالها بترددات مختلفة".

تخيل الهوائي كآلة موسيقية، مثل البيانو، حيث ينتج كل مفتاح (تردد) صوتا فريدا (إشارة). عندما يتفاعل مركب عضوي متطاير مع الهوائي، فإنه يغير صوت مفاتيح معينة، تماما كما يؤدي الضغط على زر البيانو إلى تغيير النوتات الموسيقية. تخلق هذه التغييرات "لحنا" فريدا أو نمطا من الانعكاسات لكل مركب عضوي متطاير.

المركبات العضوية المتطايرة هي غازات تنتشر بشكل طبيعي في الهواء، وتتميز هذه المركبات بأنها تتبخر عند درجات حرارة منخفضة، وبالتالي يمكن رصدها حتى لو لم تكن مرئية أو محسوسة. كل الكائنات الحية، بما في ذلك النباتات، تطلق مركبات عضوية متطايرة كجزء من عملياتها الطبيعية، وتُستخدم هذه الروائح أحيانا كوسيلة للتواصل بين الكائنات أو لحماية نفسها من الآفات.

من خلال تحليل الأنماط، يمكن أن يحدد الأنف الإلكتروني الهوائي الرائحة بدقة ويصنف المركبات العضوية المتطايرة المختلفة، حتى تلك التي لها هياكل جزيئية شديدة التشابه. وتسمح هذه الطريقة للأنف الإلكتروني الهوائي بعمل "بصمة" مميزة لكل مركب، مما يتيح الكشف والتحليل الدقيقين.

ويُطلى المستشعر بأكسيد الغرافين، مما يعزز من حساسيته ودقته بسبب مساحته السطحية العالية وخصائصه الإلكترونية الفريدة، التي تتفاعل بشكل مختلف مع المركبات العضوية المتطايرة المتنوعة. ومن خلال تحليل معامل الانعكاس، تعمل خوارزميات معالجة البيانات وتعلم الآلة المتقدمة على تعزيز الدقة بشكل أكبر من خلال التعرف على الأنماط في البيانات المعقدة.

ثورة الأنف الإلكتروني

تم اختبار "الأنف الاصطناعي" على الفاكهة الفاسدة واللحوم في مراحل مختلفة من الفساد، ومن خلال تعديل الخوارزميات التي تُستخدم للكشف عن البصمات الفريدة للغازات المختلفة، يعتقد الباحثون أن هذه التكنولوجيا قد تكون قادرة على ما هو أكثر أهمية.

ويقول دانغ: "تظهر تقنية الأنف الإلكتروني الهوائي إمكانات كبيرة تتجاوز الاختبارات الأولية بالفواكه واللحوم، وخاصة في التشخيص الطبي للكشف عن الأمراض دون الجراحة من خلال تحليل التنفس، حيث تعمل بعض الأمراض على تغيير المركبات العضوية المتطايرة في التنفس".

يمكن تطبيق التقنية أيضا في مراقبة البيئة للكشف عن الغازات والمواد الملوثة الخطرة، والاستفادة من دقتها العالية واستهلاكها المنخفض للطاقة لتقييم جودة الهواء في الوقت الفعلي. وفي مجال سلامة الأغذية، يمكن أن يضمن الأنف الجديد نضارة وجودة الأطعمة المعبأة.

وفي الزراعة، يمكنها الكشف عن أمراض النباتات في وقت مبكر من خلال تحديد المركبات العضوية المتطايرة المحددة من النباتات المصابة، مما يحسن من غلة المحاصيل.

بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تعمل تلك المستشعرات في البيئات الصناعية كنظام إنذار مبكر لتسرب الغازات الخطرة، مما يعزز سلامة العمال. وتسلط هذه التطبيقات الضوء على تنوع قدرات تقنية الأنف الإلكتروني الهوائي في تحديد وقياس المركبات العضوية المتطايرة بدقة عبر مختلف القطاعات.

ويمكن أن تشمل التطورات المستقبلية لتقنية الأنف الإلكتروني الهوائي تعزيز حساسيتها وانتقائيتها من خلال تطوير مواد نانوية أو طلاءات جديدة، مما يسمح باكتشاف المركبات العضوية المتطايرة بدقة أكبر.

كما أن التكامل مع خوارزميات التعلم الآلي المتقدمة من شأنه أن يحسن تحليل البيانات في الوقت الفعلي والتعرف على الأنماط، مما يتيح للتقنية التكيف مع المركبات العضوية المتطايرة الجديدة بشكل ديناميكي بحسب دانغ.

يختتم دانغ حديثه للجزيرة نت قائلا: "إن تصغير الحجم وخفض التكلفة من شأنه أن يجعل التقنية أكثر سهولة في الاستخدام وعلى نطاقات أوسع في الأجهزة الإلكترونية الاستهلاكية وأجهزة مراقبة الصحة الشخصية. كما أن زيادة قدرات الاتصالات اللاسلكية من شأنه أن يسهل التكامل السلس في شبكات إنترنت الأشياء، مما يسمح بمراقبة بيئية شاملة وتطبيقات المنزل الذكي. ومن شأن هذه التطورات أن تعزز دور التقنية كأداة متعددة الاستخدامات وقوية في مجالات مختلفة."

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات المرکبات العضویة المتطایرة إنترنت الأشیاء من خلال تحلیل للکشف عن یمکن أن

إقرأ أيضاً:

خلال الامتحانات النهائية.. إلغاء امتحان العلوم لـ26 تلميذاً بسبب الغش الإلكتروني

أصدر المدير العام للمركز الوطني للامتحانات، السيد أحمد مسعود، القرار رقم (29) لسنة 2025 بشأن إلغاء امتحان مادة العلوم لـ26 تلميذاً من طلبة شهادة إتمام مرحلة التعليم الأساسي (الدور الأول للعام الدراسي 2024-2025)، بعد ثبوت مساهمتهم في وقائع غش إلكتروني.

وجاء القرار استناداً إلى تقرير لجنة الغش الإلكتروني رقم 2025/4 المؤرخ بتاريخ 29 مايو 2025، والذي كشف عن تداول ورقة امتحان مادة العلوم على صفحات التواصل الاجتماعي خلال فترة الامتحان، مما يشكل انتهاكاً واضحاً للوائح الامتحانات المعمول بها.

وأوضح القرار أن إلغاء الامتحان جاء تطبيقاً لأحكام المادة (116) من لائحة تنظيم شؤون التربية والتعليم لمرحلتي التعليم الأساسي والثانوي، الصادرة عن حكومة الوحدة الوطنية بموجب قرار مجلس الوزراء رقم (1013) لسنة 2022.

وشدد المركز الوطني للامتحانات على أن هذه الخطوة تأتي في إطار حرصه على ضمان مبدأ تكافؤ الفرص ونزاهة العملية الامتحانية، والتصدي بحزم لأي محاولات للإخلال بالشفافية والمصداقية في تقييم الطلاب.

وأكد المركز أن الجهات المعنية مطالبة بتنفيذ القرار، الذي يدخل حيّز التنفيذ اعتباراً من تاريخ صدوره في 20 مايو 2025.

آخر تحديث: 29 مايو 2025 - 18:52

مقالات مشابهة

  • "غوغل" تفعل ميزة تلخيص البريد الإلكتروني بالذكاء الاصطناعي تلقائيا في "جي ميل"
  • سحب 700 رخصة لعدم تركيب الملصق الإلكتروني خلال 24 ساعة
  • بسبب الملصق الإلكتروني.. تحرير 700 مخالفة خلال 24 ساعة
  • إصابة عبدالإله العمري في الأنف خلال مباراة الاتحاد.. فيديو
  • ابتكار فستان وردي اللون يمزج بين التكنولوجيا والموضة يضيء ويتحرك تلقائيًا
  • حلمي طولان: الزمالك قادر على حصد لقب كأس مصر
  • أمانة الرياض تطلق خدمة التصريح الإلكتروني المؤقت للذبح
  • خلال الامتحانات النهائية.. إلغاء امتحان العلوم لـ26 تلميذاً بسبب الغش الإلكتروني
  • شاهد الصور.. فتح الطريق رسميًا بين عدن وصنعاء عبر الضالع ولأول مرة المركبات تعبر من مريس إلى دمت
  • محرر صور جوجل الجديد: ذكاء اصطناعي يقترح ويعيد ابتكار الصور