متخصص نفسي: مواقع التواصل الاجتماعي تدفع كثيرين لإيذاء أنفسهم
تاريخ النشر: 30th, October 2024 GMT
لم ترغب ميلاني فيمير -من ألمانيا- في إظهار ذراعيها لفترة طويلة حتى في الأيام الحارة. ومهما كان الطقس، كانت ترتدي أكماما طويلة لتغطي ندباتها.
هذا أول صيف منذ أعوام تذهب فيه إلى العمل وهي ترتدي "تي شيرت"، كما ارتدت ملابس قصيرة الأكمام خلال الخروج خارج العمل. ولم يكن غريبا بالنسبة لها أن الناس كانوا ينظرون إليها وللندبات الكثيرة على ذراعيها، وقالت "لو سألوني فقط ماذا حدث، لكنت حينها سأشعر بالامتنان".
وكانت فيمر (31 عاما) أصابت نفسها بهذه الندبات باستخدام شفرة حلاقة، بعضها عميق، وأخرى أقل عمقا. إذ تعاني فيمر اضطراب الشخصية الحدي، الذي يجعل من يصاب به يعاني تقلبات عاطفية ومزاجية حادة؛ وكثيرون ممن يعانون هذا المرض يلجؤون لإيذاء أنفسهم من أجل تخفيف التوتر.
وقالت فيمر، وهي تتحدث عن أسوأ الأوقات التي مرت بها، "لم أستطع منع نفسي"، ولكنها دائما ما كانت تشعر بالضيق من نفسها بعد ذلك، وتلوم نفسها.
السلوك غير الانتحاري المؤذي للنفس هو المصطلح الذي أطلقه الأطباء على الأشخاص الذين يعمدون إلى إيذاء أنفسهم. البعض ربما يقومون بذلك مرة واحدة، في حين أن هناك آخرين يكررون هذا السلوك المؤذي للنفس.
انفصام الشخصيةولكن الأمر لا يتعلق دائما باضطراب الشخصية الحدي، إذ يقول مايكل كايس مدير العيادة الجامعية للطب النفسي للأطفال والمراهقين والطب النفسي في برن بسويسرا إن "إيذاء النفس تعبير بصورة أساسية عن المعاناة العاطفية الحادة أو الضغط، وبالطبع هذا يمكن أن ينجم في سياق أي مرض عقلي تقريبا". وأضاف أنه يمكن أن يحدث أيضا في حالة الإصابة بالاكتئاب أو انفصام الشخصية.
وأشار كايس إلى أن هذا الاضطراب يؤثر غالبا على صغار السن. وقد توصل بعد العمل على دراسة شملت 9500 من تلاميذ المدارس في ألمانيا إلى أن نحو 18% من الأطفال مروا بالفعل بتجربة إيذاء النفس.
وأوضح كايس أن المشكلة تفاقمت منذ جائحة كورونا، مشيرا إلى أن "القوة الدافعة المحتملة هي مواقع التواصل الاجتماعي".
و غالبا ما يطلع الأشخاص الذين يقومون بالبحث عن محتوى بشأن مواضيع مثل الحزن أو الأزمات، على مزيد من المواد المشابهة، وبعد ذلك ينتهى بهم الأمر بالاطلاع على محتوى يتناول إيذاء النفس والانتحار.
وأوضحت فيمر أنه من السهل للغاية الانغماس في المشاعر السلبية عبر شبكة الإنترنت. وتقول إنه في بعض الأحيان يتباهى أشخاص بكونهم في المستشفى مجددا أو بمدى عمق إصابتهم، وهذا يعني أنهم يحظون بالاهتمام. وأضافت أنه "بعد ذلك، يظهر نوع من المنافسة، والتحدي".
وتحدث كثير من المرضى الذين يزورون المعالج النفسي ساشا زوليجر في عيادة نورمبيرغ عن ملاحظات مماثلة بشأن شبكة الإنترنت، و أعرب زوليجر عن قلقه من أن ذلك قد يدفع البعض لتقليد ما يرونه. وأضاف "في الوقت الحالي، فكرة إيذاء النفس لم تعد بعيدة المنال مثلما كانت منذ 20 عاما. هناك مدونات ومواقع إلكترونية ومنتديات تتحدث عن هذه المسألة، كما تتم صناعة أفلام حولها. ويتحدث الأشخاص عن هذا الأمر ويغنون ويكتبون عنه".
وأوضح زوليجر أن شبكة الإنترنت يمكن أن تساعد أيضا. يمكن للأشخاص العثور على الدعم بصورة أسرع، ليدركوا أنهم ليسوا بمفردهم. وقال إن "بعض الأشخاص يعتقدون حقا في ذلك- وعندما يأتون للعيادة، يندهشون من عدد الأشخاص الذين يعانون المشكلة نفسها".
وشعرت فيمر بهذا الشعور قبل أن تخضع للعلاج. وقالت إن "التواصل مع المرضى كان أمرا مهما بالنسبة لي، بخلاف ذلك، كنت دائما الشخص الغريب. الآن أخيرا هناك شخص ما يشعر بنفس شعوري".
وتوضح فيمر أنها استغرقت وقتا طويلا لكي تصل لهذه المرحلة. فقد أبقت المشكلة سرا لأعوام. وهذا الأمر تغير عندما انتهى بها الأمر في غرفة الطوارئ، بعدما نقلها اثنان من أصدقائها للمستشفى. وقالت إنها أدركت حين ذاك أنها لا يمكن أن تستمر هكذا.
اضطرابات عاطفيةووفقا للدراسة المتعلقة بطلاب المدارس في ألمانيا، فإن كثيرين ممن يعانون اضطرابات عاطفية لا يسعون للحصول على المساعدة بسبب الخجل أو أسباب أخرى. وأوضح كايس أنه من بين من يعانون المشاكل المتعلقة بالصحة العقلية 25% فقط يسعون للحصول على مساعدة متخصصة. وهذا ما يقلقه هو والمتخصصون الآخرون.
وقال "نعلم أن المراهقين الذين يلجؤون لإيذاء النفس غالبا ما تكون لديهم أفكار انتحارية، وفي مرحلة ما تزداد خطورة الإقدام على الانتحار".
وقد قام متخصصون في جامعات ومستشفيات جامعية في ألمانيا بوضع برنامج أونلاين متخصص في تقديم المساعدة السريعة والمرنة للمراهقين والبالغين الصغار.
ويشمل البرنامج 700 شخص، والآن يتم تقييمه لمعرفة إذا ما كان ساعدهم أم لا. وقال كايس، وهو منسق البرنامج، إن البيانات ستكون متاحة بداية 2025.
ومنذ نحو عام، لم تقم فيمر بإيذاء نفسها بالشفرات أو بحرق يديها، فقد تعلمت سبلا أفضل للتعامل مع مشاعرها، بدلا من ذلك، فهي تلعب مع قططها، وتمارس اليوغا وتقرأ كثيرا من أجل إلهاء نفسها. وقالت إن "الندبات لن تختفي أبدا بصورة كاملة". ولذلك لم تعد تعمل على إخفائها. وأضافت "هي تعد جزءا مني"، فالتقبل يعد جزءا من عملية التعافي.
المصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
إعلان الاعتراف بدولة فلسطينية.. منافع يحققها الجميع عدا الفلسطينيين أنفسهم!
تطالعنا نشرات الأخبار بين الحين والآخر بتصدير بعض الدول الأوروبية عزمها المضي قدما نحو الاتفاق على حل الدولتين والاعتراف بالدولة الفلسطينية، والاصطفاف مع الشعب الفلسطيني في تدشين دولته الوليدة. ولقد تفكرت في الخبر مليّا فوجدته سرابا خادعا لا يروي ظمأ ظمآن ولا حاجة مكلوم، "يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا"! وهو الخبر الذي يحلو لبعض الدول استخدامه لتخدير شعوبها الرافضة للمذابح الإسرائيلية والمجازر التي يرتكبها جيش الاحتلال في غزة، وهي مما تشيب لأجلها الولدان، ولربما كانت الدولة المُعلنة الاعتراف بفلسطين إحدى الدول التي عطلت قرار إيقاف الحرب على غزة في مجلس الأمن خلفا للولايات المتحدة الأمريكية!
وهي اللافتة التي تستخدمها بعض الحكومات كقنبلة دخان كي تواري بها سوءة التعاون العسكري واللوجيستي والتجاري مع دولة الاحتلال، كحال الحكومة الفرنسية في هذه الأيام، والتي طلبت جلسة للجمعية العمومية للأمم المتحدة من أجل التمهيد للموافقة على حل الدولتين، وقد كان يكفيها أن توقف التعاون العسكري وتوقف عمليات إمداد الاحتلال بالمعدات والذخائر استجابة للضغط الشعبي حيال المذابح التي تحدث لأطفال غزة، بعيدا عن هذا الشو الإعلامي وهذه البروباجندا المفضوحة.
أصبح خبر الاعتراف بالدولة الفلسطينية وسيلة دبلوماسية وإعلامية ماكرة للإيحاء بأن مشكلة الشعب الفلسطيني في طريقها للحل
إنه الخبر الذي لا يفتر إعلامنا ولا تهدأ صحافتنا العربية من ترديده خلال جلسات الجامعة الناطقة باسم الملوك والأمراء من أجل إعادة السيد "محمود عباس" إلى واجهة الأحداث وتتر النشرات، بعدما أهال الشعب الفلسطيني التراب عليه وعلى المحيطين به، لا سيما موقفه الأخير من محنة التجويع والتعذيب الممنهج لأهل غزة الكرام، ومشاركته في حملة التشويه التي لا يتورع عنها ضد المقاومة، بخلاف تفانيه وإصراره على التعاون الأمني مع الاحتلال ومطاردته لرجال المقاومة في الضفة ورام الله.
لقد أصبح خبر الاعتراف بالدولة الفلسطينية وسيلة دبلوماسية وإعلامية ماكرة للإيحاء بأن مشكلة الشعب الفلسطيني في طريقها للحل! وبعض الدول اللاتينية، والحق أن مواقفها إجمالا أفضل من مواقف كثير من الدول العربية والإسلامية مجتمعة، لربما دعت رئيس السلطة ليفتتح أحد العقارات المستأجرة المسماة بسفارة فلسطين وليتفضل الزعيم بافتتاحها، فيظهر عباس مرتديا الكوفية الفلسطينية وممسكا بمقص الشريط ليفتتح السفارة، ثم يلقي كلمته العصماء عن نضال الشعب وعن تضييق دولة الاحتلال عليه في معيشته ومدخراته وعائداته الضريبية! وهو يلمح بذلك إلى حاجة السلطة الفلسطينية إلى بعض التحويلات من أجل رواتب الموظفين العمومين وجنود السلطة.. إلخ.
وغالبا ما تُلتقط الإشارة التي يلقيها المناضل الكبير، فتجري التحويلات من حكومة الدولة صاحبة الدعوة وما يزال عباس في إقامته بأحد الفنادق الفخمة بعاصمة الدولة المضيفة! قبل قفوله عائدا بسلامة الله إلى رفاقه المسنين في مقر إقامتهم بمدينة البيرة في الضفة الغربية.
للأسف الشديد العالم بين متواطئ تابع لأمريكا، ممالئ لدولة الاحتلال الصهيونية، أو مكتفٍ ببعض بيانات الشجب والإستنكار الباردة، وللأسف الشديدة مرة أخرى فالكوكب الأرضي مُكّبَل اليدين، دولا ومنظمات وعلى رأسها مجلس الأمن الخادم في بلاط الصهيونية العالمية، والذي لا تسري قرارته إلا إذا كانت في مواجهة إحدى دولنا العربية والإسلامية والتي تصطف جميعها دون أن تتخلف أي منها لتوقع بالموافقة على ما يسمى بقرارات الشرعية الدولية الصادرة ضد العرب والمسلمين!
ما هو شكل الدولة التي يخدّرون بها مشاعرنا ويزايدون بها على الشعب الفلسطيني وعلى مقاومته الحرة الأبية؟! ومن ستخدم
وماذا لو اعترفت الأمم المتحدة بدولة فلسطين؟! هل سيوقفون المذابح المرتكبة في حق النساء والأطفال في القطاع؟ وهل ستتوقف عملية التجويع الممنهجة لأهل غزة؟ وهل سيخرج الأسرى الفلسطينيون إلى النور وفي مقدمتهم المئات من الفتيات والنساء الفضليات القابعات في سجون الاحتلال؟! وهل ستتوقف عملية قضم الأراضي الفسطينية في الضفة الغربية على مقربة من مكتب رئيس السلطة الفلسطينية؟! وهل سترفع إسرائيل يدها الآثمة من على مسرى النبي صلى الله عليه وسلم ومعراجه؟! وهل ستقام للدولة اللفسطينية موانئها ومطاراتها وجيشها الذي سيدافع عنها في ظل رفض وتمترس أعضاء حكومة بنيامين نتنياهو ضد إدخال الطعام للمُجوعين من الأطفال والنساء؟!
وما هو شكل الدولة التي يخدّرون بها مشاعرنا ويزايدون بها على الشعب الفلسطيني وعلى مقاومته الحرة الأبية؟! ومن ستخدم حينها سوى رجال السلطة وعائلاتهم وجوازات السفر الدبلوماسية والمزايا الأسطورية والإقامات الفاخرة التي ستعود على أشباههم؟!
كفى استهزاء بالرأي العام العربي والغربي، كفى تلاعبا بمشاعرنا، كفى متاجرة بآألام المعذبين في فلسطين في الداخل وفي الشتات، عيبٌ على المشاركين في مثل هذا الهراء وهذه الملهاة، اصرفوا جهدكم لإغاثة أهل غزة في محنتهم التي تخطت حدود الصبر والتحمل، رغم كراهيتكم للمقاومة ولخلفيتها الإسلامية، لكن ذلك لا يمنع أن تكون لديكم نخوة وكرامة وبقية من رجولة تمنعكم من التواطؤ مع الصهاينة والأمريكان على هذه الدماء وعلى مباركة التجويع القاسية التي لم يعرف لها التاريخ مثيلا.