تجميد الميزانيات بالداخل.. خطوة متقدمة باختراق "السلطات" وتحويل الفلسطينيين لـ"رعايا"
تاريخ النشر: 14th, August 2023 GMT
الداخل المحتل - خاص صفا
بعد أن عملت "إسرائيل" خلال السنوات الأخيرة على سياسة العقاب الجماعي للمستوى الشعبي لفلسطينيي الداخل المحتل، على مواقفهم الوطنية والتحاقهم بركب كل الأحداث على الساحة الفلسطينية، تحولت إلى التركيز على السلطات التي تخدم هذه الفئة من الفلسطينيين، عبر تجميد ميزانيات السلطات المحلية.
وجمد وزير المالية الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريتش، موازنة تقدر بنحو 300 مليون شيكل مخصصة للسلطات المحلية العربية بالداخل المحتل.
كما جمد ميزانية بـ200 مليون شيكل لتشجيع اندماج الفلسطينيين من سكان القدس المحتلة، في المؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية.
ولم يكتف الوزير المتطرف بذلك، فتبعه بقرار تشكيل لجنة "لفحص تحويل الميزانيات للسلطات المحلية العربية"، وما إذا كانت تستحقها أو لا.
ولا يُعد السطو على أموال فلسطيني الداخل، بالسياسة الدخيلة من "إسرائيل" عليهم، فالتجميد الأخير، وإن كان سابقة خطيرة، إلا أنه سبق وأن امتنعت سلطات الاحتلال عن إقرار ميزانيات لهم من الأصل، كما يؤكد مسئولون في تلك السلطات.
ويقدر عدد الفلسطينيين في أراضي 48 حوالي 701 مليون نسمة حتى نهاية عام 2022، فيما يبلغ عدد السلطات المحلية العربية بالداخل 72 سلطة.
إحداث خروقات
ويقول رئيس المجلس المحلي فسوطة والمتحدث باسم اللجنة القطرية في الداخل المحتل، إدجار دكور، لوكالة "صفا": "إن خطوة تجميد الميزانيات عن السلطات المحلية ستؤدي من حيث النتائج حتمًا إلى حدوث خروقات في أداءها".
ويضيف "هذه الخروقات هي ما تريده سلطات الاحتلال، وعلى رأس ذلك وزيري الأمن القومي والمالية المتطرفيْن، أن تخترق قيادات السلطات العربية المحلية، وهذا مؤشر خطير يدل على نوايا لإضعافها أولًا".
وثانيًا-حسب دكور- تريد "إسرائيل" الوصول لإضعاف القيادات القطرية لفلسطينيي الداخل، وهو ما يثبته، استهداف لجنة المتابعة العليا عبر مشروع قانون يستهدف حظرها.
ويشير إلى أن تجميد الميزانيات الذي اتخذه وزير مالية الاحتلال، هو سابقة خطيرة، بالرغم من أنها ليست المرة الأولى التي يتم فيها السطو على أموالها.
ويستدرك "في السابق عانينا من الامتناع عن المصادقة على ميزانيات لسلطات عربية بالداخل، لكن هذه المرة القرار يشمل تجميد ميزانيات جارية سنويًا ومصادق عليها، وهو ما يعكس تصاعدًا خطيرًا في السياسة الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين".
تحويلهم إلى "رعايا"
ولا يستبعد المزيد من الخطوات في تجميد ميزانيات قادمة، قائلًا: "أصعب الحرام أوله، كما قال الشافعي، بالتالي فإن ما سيتلو هذه الخطوة أصعب علينا، لأن هناك تخوفات من ذلك".
وستجد السلطات المحلية التي تخدم المواطن الفلسطيني بالداخل، صعوبات في ممارسة واجباتها، عقب تجميد الميزانيات، خاصة وأن الأموال المجمدة تعود لقطاعات خدماتية أساسية ويومية، ومشاريع وبرامج تخص التعليم والرفاة الاجتماعي، والبيئة والبنية التحتية، وغيرها من الأمور اليومية، حسب دكور.
ومن ذلك، يُجزم الناطق باسم اللجنة القطرية، بأن "إسرائيل تريد تحويل المواطنين الفلسطينيين في الداخل إلى رعايا لديها، فيستغني المواطن عن سلطاته المحلية، وبالتالي تجعله تابعًا لا قضية له ولا قيادات أو مؤسسات تمثله".
سابقة خطيرة
من جانبه، يؤكد رئيس اللجنة القطرية لرؤساء السلطات المحلية في الداخل مضر يونس لوكالة "صفا": "إن الاستيلاء على أموال الفلسطينيين بالداخل، سياسة قديمة، متجددة بمنحنى أخطر".
ويقول "إن الحكومة الإسرائيلية تمتنع منذ سنوات عن إقرار ميزانيات لسلطات محلية عربية، وقد سبق أن واجهنا ذلك باحتجاجات وتوجهنا لمحاكم، وما زالت عدد من تلك الميزانيات ممنوعة من الإقرار".
ويصف القرار بأنه "انعكاس واضح لسياسة عنصرية مقيتة ومتصاعدة تجاه الفلسطينيين بأراضي 48، واستهداف للمجتمع بأكمله، وهي سياسة متجذرة منذ سنوات، لكنها تتصاعد بشكل خطير".
ويحذر من أن تجميد الميزانيات سيؤدي حتمًا لوقف مشاريع وخدمات أساسية، وعدم القدرة على صرف رواتب ومعاشات، بالإضافة إلى وقف برامج تعليمية، وبالتالي عدم القدرة على افتتاح العام الدراسي في معظم البلدات بالداخل.
ويتخذ وزير المالية الإسرائيلي المتطرف، صاحب قرار تجميد الميزانيات، من ملف الجريمة، مزعمًا، لاستهداف السلطات المحلية، وهو ما يصفه القيادي بالتجمع الوطني الديمقراطي في الداخل إمطانس شحادة بأنه "ادعاء فراغ وكاذب".
تقويض عملها وخطورة التبعات
ويقول لوكالة "صفا": "القضية هي محاولة لمعاقبة السلطات المحلية وتقويض سياستها، على خلفية مواقفها الوطنية تجاه الجماهير بأراضي 48".
ويرى أن الحكومة الإسرائيلية تريد من استهداف السلطات المحلية بالداخل، أن تحولها "إلى سلطات خاضعة لسياستها تمامًا، وبالتالي فالقرار اتخذ من منطلق عنصري بحت".
كما أن القرار إشارة ورسالة من الحكومة الإسرائيلية إلى السلطات المحلية، حول مستقبلها، بأنه "لا يكون لهم دور أو موقف في العمل السياسي والوطني، وإلا فإنها ستستهدفهم".
كما أن وزير مالية الاحتلال يريد من قرار التجميد، أن يثبت لمؤيديه أنه يعمل ضد الفلسطينيين بالداخل، لكي تزداد نقاطه بينهم.
ويحذر من أن السلطات المحلية بحال استمر أو ازداد تجميد الميزانيات عنها، ستعيش مرحلة خانقة، تمنعها من أداء دورها تجاه الجماهير، وبالتالي سيتم وقف مشاريع تقليدية وخدمات أساسية، سيدفع ثمنها المواطن الفلسطيني، لكنها قد تؤدي لتداعيات ونتائج عكس ما تريده "إسرائيل"، وهو المواجهة.
المصدر: وكالة الصحافة الفلسطينية
كلمات دلالية: الميزانيات تجميد الداخل رعايا الفلسطينيين السلطات المحلیة الداخل المحتل فی الداخل
إقرأ أيضاً:
الوقاية الدينية والصحية.. حماية المجتمع تبدأ من الداخل
محمد بن علي بن ضعين البادي
في الآونة الأخيرة، شهدنا تصاعدًا ملحوظًا في الأصوات التي تنادي بمنع دخول بعض الجنسيات إلى البلاد، بحجة انتشار أمراض مُعدية في أوطانهم، وهو أمر ظاهرٌ منه الحِرص على الصحة العامة، ويستحق التقدير والمتابعة. ولكن، الخطر الحقيقي لا يكمن في القرارات وحدها، بل في اختزال القضية في البُعد الصحي فقط، وإغفال البُعد الديني والأخلاقي الذي يضمن حماية الإنسان والمجتمع على حد سواء.
المجتمع المسلم لا يدير شؤونه بالخوف أو الإجراءات الصحية وحدها، بل يستند إلى منهج رباني جعل الوقاية قبل العلاج، والسلوك قبل القانون، وتقوى الله قبل كل شيء. فالأمراض مهما كثرت أسماؤها أو تنوعت صورها، لا تنتشر إلا في بيئةٍ خالية من الضوابط الأخلاقية، ومرتعٍ للسلوكيات المنحرفة، وفراغٍ قيَمي.
إن تصنيف النَّاس على أساس جنسيتهم، أو ربط الأمراض بهويات بشرية، لا يعالج جذور المشكلة، بل يخلق وهمًا بالأمان، ويغفل المجتمع عن مسؤولياته الداخلية، ويتساهل فيما هو أخطر وأشد تأثيرًا. فقد انتقل مرض في بيئة تعلن الأمان، وولد خطر من داخل المجتمع نفسه، لا من خارجه.
ويبين لنا هدي النبي صلى الله عليه وسلم المبين في الوقاية من الأوبئة والأمراض، فقد قال صلى الله عليه وسلم: "إذا سمعتم بالطاعون بأرض فلا تدخلوها، وإذا وقع بأرض وأنتم فيها فلا تخرجوا منها." وهذا الحديث يضع مبدًا شرعيًا عظيمًا، قائمًا على منع نقل الوباء، وحفظ الأنفس، وسد أبواب الضرر قبل وقوعه. فلا يجوز شرعًا أن يدخل الإنسان أرضًا يعلم أنها موبوءة، كما لا يحل لمن كان في أرض موبوءة أن ينتقل إلى غيرها، فيكون سببًا في نقل الأذى للآخرين.
وعليه، فإنَّ المسؤولين عن حماية المجتمع مطالبون بمراعاة هذا الأصل النبوي الواضح، خاصة إذا أعلنت دولة ما بشفافية أن لديها أعدادًا هائلة من المصابين بمرض مُعدٍ. فكيف لنا أن نسمح بقدومهم، ونحن نعلم أن الشرع سبقنا بالتحذير، وأوجب حفظ النفس والمجتمع من كل ما يهددهما؟
وفي هذا الوطن المبارك، الذي أنعم الله عليه ببيوت الله العديدة، تتضاعف مسؤوليتنا في توجيه الناس وترسيخ القيم الصحيحة؛ فالمساجد لم تُبنَ للصلاة فقط؛ بل للتعليم والتوجيه، ولتحصين النفوس قبل وقوع الزلل. ومن على المنابر يجب أن يُسمع خطاب صريح وحكيم، يذكّر الناس بخطورة المحرمات، وأن التساهل فيها لا يهدم الفرد فقط، بل يُهدد سلامة المجتمع بأسره. فبالعفة تُحفظ الأجساد، وبالاستقامة تُصان الأبدان، وبالوعي الديني الصادق تُغلق أبواب الفتن والأمراض معًا، ويصبح المجتمع حصينًا بترابط قيمه وسلوكياته.
المطلوب ليس التراخي في الإجراءات الصحية، ولا التهاون في حماية المجتمع؛ بل المطلوب أن يسير الوعي الصحي والوعي الديني جنبًا إلى جنب، دون أن يطغى أحدهما على الآخر؛ فالقرار وحده لا يصنع أمة واعية، والمنع وحده لا يبني حصانة دائمة، أما ترسيخ القيم فهو الضمانة الأبدى.
حماية المجتمع تبدأ من داخله، من تربية الضمير، وإحياء الرقابة الذاتية، وتذكير الناس أن طاعة الله ليست خيارًا ثانويًا، بل هي خط الدفاع الأول عن صحتهم وأخلاقهم وأمنهم المجتمعي. فبالدين تُصان الأجساد، وبالقيم تُحمى الأوطان، ومن أراد وقاية حقة فليبْدأ بإصلاح السلوك قبل التفكير في منع الدخول.