في السادس من يونيو من عام 1982 كانت الدبابات الإسرائيلية قد بدأت اجتياحها البري للأراضي اللبنانية في عملية أطلقت عليها عصابة مناحيم بيجن اسم «سلامة الجليل». استباح الطيران المعادي في جولاته الأولى مكاتب القيادة التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية في بيروت وقواعد فدائييها المتمترسين مع راجمات الكاتيوشا في تضاريس الجنوب.
«مُبحرٌ ماتت بعينيه الطريقْ
مات ذاك الضوء في عينيه ماتْ
لا البطولاتُ تنجِّيه، ولا ذلُّ الصلاةْ
(...)
آه كم أُحرقتُ في الطين المُحمى
آه كم متُّ مع الطين المواتْ».
هكذا نقرأ في قصيدته الأولى «البحار والدرويش» من ديوانه الأول «نهر الرماد» المنشور عام 1957، الذي كتبه بين لبنان وسنواته الثلاث في إنجلترا، بينما كان يعِد أطروحته للدكتوراة في جامعة كامبردج.
لكننا قبل انتحار خليل حاوي، في ذلك التوقيت وبتلك الطريقة، كنا نظن بأن الشعراء لا ينتحرون في العادة إلا لأسباب عاطفية شخصية فقط؛ فسيرُهم حافلة بالانتحارات المدفوعة إما بنِكل الحب في إحدى قصصه الفاشلة، أو في ضباب أزمة روحية وجودية تُلبِّد معالم الحياة في عيونهم بشقاء الشك وانعدام اليقين، أو نتيجة لمضاعفات الكآبة المزمنة التي لا تفسير لها، أو ربما كان انتحارهم حدثا «فنيا» خالصا بعد محاولات بائسة في كتابة القصيدة المنشودة، مع ندرة هذه الفئة من الشعراء التي تؤمن بالشعر إلى هذا الحد الذي يستحق المفاضلة بين الموت والحياة فيفضي إلى الانتحار تحررا من العجز الشعري وكأن الشعراء الذين يموتون من أجل الشعر قد ماتوا حقا!
غير أن انتحار الشاعر هذه المرة كان فعلا سياسيا صارخا، حين فجّرت تلك الطلقة رأسه على وقع أنباء الانهيار الميداني أمام أرتال الغزاة. فالشاعر المرهف الغاضب، ابن الحزب السوري القومي الاجتماعي وتلميذ أنطون سعادة، ما كان ليحتمل بعد خمسة عشر عاما من «النكسة» شعورا مضاعفا بالهزيمة في حياته القصيرة، دون أن يخلو هذا الانتحار السياسي بالضرورة من احتمال آخر لأي من الدوافع الشخصية المذكورة.
الجدير بالانتباه في مسيرة حاوي، شخصا ونصا، يتعلق بالنظر إلى آثار الهزيمة العسكرية والسياسية كفواعل للكتابة الشعرية لدى جيل أو جيلين على الأقل من الشعراء العرب في القرن الماضي؛ فهزائمُنا الكبرى والمتلاحقة لم تتكفل بإعادة رسم خرائط «الشرق الجديد» بعد كل حرب فحسب؛ وإنما بكتابة شعرنا أيضا، شعرنا العربي المحقّب والمكتوب بين ارتدادات الحروب وسقوط العواصم. صحيح أن هزائمنا التي نضحت من مسام شِعر تلك المرحلة مثَّلت ضرورة تاريخية للانقلاب على الثوابت والثورة على التقاليد، لكنها ساهمت في المرحلة نفسها بخلق حداثة مشوهة، مرتبكة، ذات نزعة سياسية تطغى على نزعتها الفنية. فقصيدة حاوي، مثلا، التي بشَّرت حركة الشعر الحر بشاعر يواكب السيّاب ما لبثت حتى رست في القالب الشكلي المعتمد لحداثة الخمسينيات دون أن تطرق مسالك في حداثة الرؤية والمضمون أكثر من بعث الأساطير السورية؛ إلى الحد الذي يجعل الناقد السوري صبحي حديدي في مقالته «خليل حاوي وانكسار الحداثة» يرجِّح كلاسيكية بدوي الجبل على قصيدة حاوي الحديثة إيقاعيا؛ إذ تبدو قصيدة الأول أكثر جرأة «في التقاط حسّ الحديث» على حد تعبير الناقد.
يبقى أن القصيدة الأسطورية قد أغرت شاعرها بنهاية أسطورية مماثلة، ربما حين عجزت القصيدة نفسها عن قول أكثر مما قالت. ولكن ليس أي شاعر من يموت بتلك الطريقة، ليس أي شاعر من يذهب للحتف بكامل إرادته حينما تفشل أدواته في ردع آلة الحرب المتقدمة: «الشاعر افتضحتْ قصيدته تماما» كما رثاه محمود درويش، ولذلك مات انتحر خليل حاوي لأنه لم يكن مستعدا ليعيش في بيروت التي سيسهر الضباط الإسرائيليون في ملاهيها الليلية ويأكلون في مطاعمها أمام الناس ببزاتهم العسكرية، ولأنه لم يكن مستعدا ليشهد اليوم الذي قالوا فيه إن لبنان قد دخل في الزمن الإسرائيلي منذ صورة شارون المهينة في قصر «بعبدا» رافعا قدمه على الطاولة، قبل أن تطرده وزمرتَه إلى ما وراء الحدود ثلةٌ قليلة من الرجال المؤمنين بعد أعوام ثقيلة على الكرامة منذ ذلك العام، عام 1982.
سالم الرحبي شاعر وكاتب عماني
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
فريدة خليل تتوج بذهبية نهائي كأس العالم للخماسي
توجت البطلة المعجزة فريدة خليل لاعبة منتخبنا الوطني للخماسي الحديث بذهبية منافسات فردي السيدات بنهائي سلسلة كأس العالم للخماسي الحديث لعام 2025، والتي تستضيفها مصر على ملاعب الأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري بالإسكندرية خلال الفترة من 4 إلى 6 يوليو الجاري.
وفازت البطلة فريدة خليل بالميدالية الذهبية محققة 1470 نقطة، لترفع فريدة رصيدها من الميداليات في سلسلة كأس العالم لهذا العام إلى 4 ميداليات بواقع ثلاث ذهبيات وفضية.
وجاءت الكورية سيونجمين سيونج في المركز الثاني برصيد 1443 نقطة، والمجرية بلانكا جوزي في المركز الثالث برصيد 1440 نقطة.
واحتلت ملك إسماعيل للمركز الـ 12 محققة 1390 نقطة.
وشارك في مراسم تتويج البطلات روب ستول رئيس الاتحاد الدولي الخماسي الحديث والمهندس شريف العريان نائب رئيس الاتحاد الدولي ورئيس الاتحاد المصري للعبة، وكلاوس شومان الرئيس الشرفي للاتحاد الدولي للخماسي الحديث، والدكتور شادي عبد العزيز أمين صندوق الاتحاد المصري للعبة، والبطل الأوليمبي أحمد الجندي وفيتشيسلاف مالشيف نائب رئيس الاتحاد الدولي واندريا ديلاموري عضو اللجنة الفنية بالاتحاد الدولي.
وبهذه الميدالية ترفع مصر رصيدها من الميداليات في سلسلة كأس العالم لعام 2025 إلى 7 ميداليات، حيث سبق وأن توجت مصر بذهبية السيدات لفريدة خليل وبرونزية الرجال لمهند شعبان في القاهرة، وبذهبية الرجال لمعتز وائل وفضية السيدات لفريدة خليل في جولة المجر، وبذهبية وبرونزية السيدات لفريدة خليل وملك إسماعيل على الترتيب بجولة بلغاريا.
وتقام في تمام الساعة الرابعة عصرا منافسات نهائي فردي الرجال بمشاركة 3 لاعبين مصريين هم مهند شعبان، ومعتز وائل، ومحمد حسن.
ويعد نهائي سلسلة كأس العالم 2025 بالإسكندرية، هو أول نهائي كأس عالم في التاريخ يقام بلعبة الموانع الجديدة والتي حلت محل الفروسية في منافسات الخماسي الحديث عقب انتهاء أولمبياد باريس 2024.
وكانت مصر أول دولة تستضيف أول بطولة رسمية تضم لعبة الموانع على مستوى الكبار، عندما استضافت الجولة الأولى من سلسلة كأس العالم على ملاعب الجامعة الأمريكية بالقاهرة فبراير الماضي.