تتمتع سلطنة عمان بموارد طبيعية وثقافية غنية، مما يجعلها وجهة جذابة للاستثمار، وفي ظل التحديات الاقتصادية العالمية تسعى سلطنة عمان إلى تنويع مصادر دخلها وتطوير بنيتها الأساسية، لتعزيز جذب الاستثمارات الأجنبية والمحلية، كما تسعى إلى إيجاد بيئة استثمارية محفزة من خلال تقديم حوافز تنافسية وتسهيل الإجراءات، مما يسهم في جذب الشركات العالمية إلى السوق العماني، والاستثمار ليس فقط وسيلة لتعزيز النمو الاقتصادي، بل أيضا يسهم في إيجاد فرص عمل جديدة وتطوير المهارات المحلية، بالإضافة إلى ذلك، تركز سلطنة عمان على مجالات متعددة مثل: السياحة، والطاقة المتجددة، والصناعات التحويلية، مما يفتح آفاقًا واسعةً للمستثمرين.

وتواصلت «عمان» مع عدد من الخبراء والمختصين في مجال الاستثمار وتعزيز النمو الاقتصادي في مختلف محافظات سلطنة عمان.

تحسين مناخ الاستثمار

قال الدكتور يوسف بن حمد البلوشي خبير اقتصادي: «لتحقيق النجاح في إدارة ملف جذب الاستثمارات الأجنبية، سبق أن أشرنا -في كتابات سابقة- إلى أنه يجب التعامل مع هذا الملف وفق إطار شمولي وجهود منسجمة، وأن هناك عملًا كبيرًا ينبغي القيام به، وإجراء تغييرات مهمة في مفاصل الاقتصاد، تصب في صالح تحسين مناخ الاستثمار، وتهيئة الظروف المواتية لجذب الاستثمارات، وذلك من خلال: تحسين مستوى الشفافية والوضوح في التشريعات المُنظِّمة لأنشطة الاستثمار، وتبسيط إجراءات الدخول للاستثمار والسياحة، وتعزيز حماية حقوق المستثمرين، وتحسين آليات تسوية المنازعات، وكذلك تحسين إدارة الضرائب والقدرة على التنبؤ بها من قبل المستثمرين، إضافة إلى تحسين وتطوير علاقات الإنتاج والمعاملات بين المستثمرين الأجانب والشركات المحلية، كما يجب اتخاذ تدابير تشغيلية فعّالة ووضع آلية جديدة لجذب الاستثمار من خلال تحديد وتوحيد المرجعية الاستثمارية وتطوير مناهج استباقية لاجتذاب الاستثمارات والاحتفاظ بها وتحسين الآليات المؤسسية لجذب وتوجيه ودعم المستثمرين».

وأضاف البلوشي: «إن جهود جذب الاستثمار الأجنبي لا تقتصر على الحكومة فحسب -ممثلة في وزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار- التي تبذل جهودا ملموسة لاجتذابه، لكن ثمة أدوار مهمة تقع على عاتق غرفة تجارة وصناعة عُمان، ورجال الأعمال العمانيين؛ لأنهم الأدرى بالفرص الاستثمارية في سلطنة عمان، والأقدر على تسويقها، ويتمتعون بشبكة علاقات دولية مع شركاء تجاريين من مختلف الدول، ومن ثم عليهم التواصل معهم وإقناعهم بالاستثمار في سلطنة عمان، وبناء شراكات معهم، من منطلق معرفتهم بتفاصيل مجتمع الأعمال في عُمان، وهنا دعوة لتبني فلسفة جديدة، يكون فيها الجميع سفراء لجذب الاستثمار؛ فالطلبة العمانيون في الخارج واحتكاكهم بالشركات والأصدقاء قادرون على الترويج لعُمان استثماريا، أيضًا السياح العمانيون في الخارج ولقاءاتهم بسيّاح وشركات، بإمكانهم التعريف بالمقومات الاستثمارية لعُمان، ويتعين أيضًا تعظيم الاستفادة من السياح الأجانب الذين يزورون سلطنة عمان، وينبهرون بجمالها، من خلال اطلاعهم على مناخ الاستثمار في عُمان». مشيرًا إلى أننا في أمس الحاجة إلى كل جهد لدفع عجلة الاقتصاد العماني إلى الأمام، والمساهمة في تغطية الفجوة الاستثمارية والتكنولوجية، وذلك يستوجب العمل وفق فكر جديد وخطة واضحة المعالم، لحشد همم الأطراف المختلفة وتوجيهها لتحقيق الأهداف المنشودة.‬

البنية الأساسية

وقال الدكتور قيس السابعي خبير اقتصادي: «للبنى الأساسية تأثير كبير على الاستثمار، فلا بد أن تكون البنى الأساسية حاضرة في جميع مرافق الاستثمار، وتتمثل البنى الأساسية المرتبطة بالاستثمار في المطارات، والطرق، والموانئ، وسكك الحديد، بالإضافة إلى الخدمات اللوجستية والمرافق الطبية، ومن المهم أيضا الاهتمام بهذه المرافق وعدم الاكتفاء بتوفيرها، فما الفائدة من وجود البنى الأساسية وهي لا تؤدي الغرض الذي وجدت لأجله؟ إذ إن البنى الأساسية من أبرز عوامل جذب الاستثمارات، ولكن لا بد أن تكون هنالك متابعة حثيثة وتحديثات مستمرة لها بحيث تكون بالمستوى المطلوب».

وأكد السابعي أن سلطنة عمان شهدت تقدمًا في جانب التسهيلات والحوافز في أكثر الهيئات والوزارات في الفترة الأخيرة، وهذا أمر إيجابي، ولكن الملاحظ أن هذه التسهيلات والحوافز ليست بالقدر الكافي والمطلوب، والملاحظ أيضا أنها بحاجة إلى مزيد من الدراسة والدعم والمراجعة، وبحاجة إلى أتمتة لتكون متواكبة مع طبيعة الاقتصاد العالمي الحديث، كما أنه لا بد من وضع أطر قانونية مدروسة ومجربة لأجل المستثمرين، ومن المهم أن تقدم هذه التسهيلات والحوافز لمستحقيها، أي للمستثمرين الجادين الذين يأخذون هذه التسهيلات بجدية ويوظفونها فيما وضعت لأجله، ولا يسيئون استخدامها».

تشريعات وقوانين

وتقول الدكتورة حبيبة بنت محمد المغيرية باحثة اقتصادية: «بشكل عام فإن تطوير التشريعات والقوانين في تهيئة المناخ الاستثماري، وتحسين بيئة الأعمال، وجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية التي تسهم في النمو الاقتصادي، ورفع القدرة الإنتاجية للقطاعات الصناعية المختلفة، أو استحداث صناعات جديدة تسهم في نقل التكنولوجيا المتطورة للبلد، هو ما تقوم به سلطنة عمان مؤخرًا، وذلك عن طريق سن قوانين وتشريعات لتنظيم البيئة الاستثمارية، وتوجيه الاستثمار الأجنبي نحو قطاعات واعدة بسلطنة عمان، بالإضافة إلى إطلاقها بعض المبادرات مثل «نزدهر»، ومنصة «استثمر بسهولة»، أما في قطاع السياحة، فتكمن أهمية تطوير التشريعات والقوانين في تحسين البيئة الاستثمارية الجاذبة، وتبسيط الإجراءات لتنظيم الأنشطة السياحية، وتقديم خدمات ذات جودة، حيث أصدرت الوزارة القانون السياحي الجديد مواكبا للمتغيرات الحديثة لتحفيز وتطوير وتنظيم الاستثمار في القطاع السياحي، ولتعزيز مكانة سلطنة عمان في القطاع السياحي، سواء على المستوى الإقليمي أو العالمي».

وأضافت المغيرية: «تدرك سلطنة عمان الأهمية البالغة لعملية ترويج وتسويق المقومات السياحية، لذلك كانت وما زالت حريصة على ترويج وتسويق مقوماتها السياحية المتنوعة عن طريق وزارة السياحة وجهات أخرى عبر عدة آليات، كتقديم حوافز ضريبية متمثلة بتخفيض بعض الإعفاءات الضريبية، وتقديم الدعم المالي للمنشآت التي تخدم قطاع السياحة وتطور البنية الأساسية في سلطنة عمان، وتشجيع الشراكات بين القطاع الحكومي والخاص لتعزيز السياحة من خلال إنشاء وتطوير مشاريع تختص بتطوير البنية الأساسية مثل: المطارات والفنادق الكبرى والمنتجات الفاخرة وغيرها من المشاريع، وعلى المختصين في القطاع السياحي السعي لتعزيز استضافة قمم أو معارض أو مؤتمرات استثمارية، بحيث تعرض الفرص السياحية للمستثمرين المهتمين بهذا القطاع، مثل عرض الوجهات والمشاريع السياحية الرئيسية التي تحتاج إلى تمويل، وكذلك عرض الفرص الاستثمارية، وتقديم أبحاث تختص بهذا السوق، وتقديم إحصاءات النمو المتوقعة، والأطر القانونية والحوافز وبيانات السوق، وأيضًا توفير وتحديث هذه البيانات التي يطلبها المستثمر في المنصات المتخصصة وبشكل مستمر، ومن الآليات المتبعة أيضًا في هذا الجانب المشاركة في حملات تسويقية مباشرة تستهدف المستثمرين المؤسسين، وسلاسل الفنادق، ومشغلي السياحة من دول مختلفة ورائدة في مجال السياحة، وتوفير أبحاث وتقارير مفصلة للمستثمرين، وتزويدهم أيضًا بدراسات جدوى شاملة لمشاريع سياحية محددة، بحيث تشمل تحليل الطلب في السوق والمنافسة والعائد على الاستثمار، وهذا الأمر يساعد في تقليل حالة المخاطرة وعدم اليقين لدى المستثمرين، ولا ننسى الترويج للسياحة الثقافية والتراثية، ودعم تنمية السياحة البيئية، وتقديم حوافز لمشاريع السياحة الصديقة للبيئة أو المستدامة كالفنادق الخضراء، وأيضا التركيز على سياحة المغامرات، فبإمكانها أن تجذب المستثمرين المهتمين بهذا النوع من السياحة».

كفاءات محلية

ويردف مصطفى اللواتيا خبير اقتصادي قائلا: «من المهم أن تحرص الحكومة على تدريب وتطوير الكوادر المحلية، فهذا من شأنه أن يساعد على توفير الكفاءات اللازمة للمشاريع السياحية وغيرها، أما عن الكيفية فيقول: هنالك شقان، شق التدريب المحلي، ويقصد به تدريب كفاءات في مهن مهنية، وتكون بذرة في وجود كوادر عمانية متخصصة في عدة مجالات، وهذا هو المهم في المرحلة الحالية، مع الحرص على التسويق الجيد لهذه الكفاءات بهدف جذب الاستثمارات، أما الشق الثاني فيتمثل في ابتعاث الشباب العماني للخارج، ليس بغرض الدراسة، ولكن بغرض التدريب والتأهيل، بحيث يكسب خبرات متراكمة من دول متفرقة ومن ثقافات مختلفة، ولكي يسوق أيضا لوطنه، ويجذب المستثمرين، عن طريق معرفة ما يبحث عنه المستثمر وما يهمه، وإعطائه فرصة المشاركة في اتخاذ بعض القرارات التي تمسه هو كمستثمر بالدرجة الأولى»، ويرى الخبير مصطفى أنه بدلا من تحميل الشركات أعباء مالية كبيرة في سبيل تأهيل الشباب وتدريبه على الحكومة أن تقوم بهذا الدور، لكي تؤمن هذه الشركات أن سلطنة عمان جادة فعلا في رغبتها في جذب الاستثمارات من خلال تقديم الحوافز وتذليل الصعوبات والمعوقات.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: جذب الاستثمارات البنى الأساسیة جذب الاستثمار الاستثمار فی سلطنة عمان من خلال

إقرأ أيضاً:

بحث مجالات التعاون العسكري والأمن الغذائي والصحي بين سلطنة عمان ولبنان

العُمانية: التقى صاحب السمو السيد شهاب بن طارق آل سعيد نائب رئيس الوزراء لشؤون الدفاع بضيافة قصر العلم العامر اليوم معالي اللواء ميشال منسى وزير الدفاع الوطني بالجمهورية اللبنانية، وذلك في إطار الزيارة الرسمية التي يقوم بها فخامة الرئيس العماد جوزاف عون رئيس الجمهورية اللبنانية لسلطنة عُمان.

جرى خلال اللقاء استعراض العلاقات الثنائية الأخوية الطيبة التي تربط سلطنة عُمان بالجمهورية اللبنانية الشقيقة، إلى جانب بحث عدد من الموضوعات ذات الاهتمام المشترك، ومجالات التعاون العسكري القائم بين وزارتي الدفاع للبلدين، وسبل تعزيزها بما يخدم المصالح المشتركة.

كما التقى معالي السيد بدر بن حمد البوسعيدي وزير الخارجية اليوم في قصر العلم العامر بمعالي يوسف رجّي وزير الخارجية والمغتربين بالجمهورية اللبنانية، وذلك في إطار الزيارة الرسمية التي يقوم بها فخامة الرئيس العماد جوزاف عون رئيس الجمهورية اللبنانية إلى سلطنة عُمان.

جرى خلال اللقاء استعراض العلاقات القائمة بين البلدين الشقيقين، وبحث سبل استكشاف مزيد من فرص التعاون وتطويرها في المجالات السياسية والدبلوماسية والاقتصادية والتجارية والثقافية والتعليمية، إلى جانب التطرق إلى إمكانيات الشراكة والاستثمار في مشاريع الأمن الصحي والأمن الغذائي، والربط اللوجستي والنقل، وذلك مواكبة لتطلعات قيادتي البلدين في التنمية المستدامة وتنويع المصالح والمنافع المتبادلة.

كما تبادل الوزيران وجهات النظر حول عدد من المستجدات الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، مؤكدين أهمية استمرار التنسيق والتشاور لتعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة، ودعم الجهود الرامية إلى تكريس الحلول الدبلوماسية عبر الحوار البناء.

حضر اللقاء السفير الشيخ فيصل بن عمر المرهون رئيس الدائرة العربية بوزارة الخارجية، وعدد من المسؤولين من الجانبين.

كما التقى معالي السيد حمود بن فيصل البوسعيدي وزير الداخلية صباح اليوم بضيافة قصر العلم العامر بمعالي العميد أحمد الحجار وزير الداخلية بالجمهورية اللبنانية، وذلك في إطار الزيارة الرسمية التي يقوم بها فخامة الرئيس العماد جوزاف عون رئيس الجمهورية اللبنانية لسلطنة عُمان.

جرى خلال اللقاء بحث مجالات التعاون والتنسيق بين وزارتي الداخلية في سلطنة عُمان والجمهورية اللبنانية وسبل تعزيزها وتطويرها بما يحقق المصالح المتبادلة، وأكد الوزيران على أهمية تكثيف الجهود للتنسيق والتعاون بهدف الارتقاء بالعمل المشترك.

واستقبل معالي الدكتور سعود بن حمود الحبسي وزير الثروة الزراعية والسمكية وموارد المياه، بمكتبه اليوم معالي الدكتور نزار هاني وزير الزراعة في الجمهورية اللبنانية. جرى خلال المقابلة مناقشة أوجه التعاون بين البلدين الشقيقين في مجالات الثروة الزراعية والسمكية وموارد المياه والأمن الغذائي.

وتطرق الجانبان إلى بحث إمكانات التعاون في مجال البحوث والدراسات العلمية وتبادل الخبرات والزيارات بين البلدين بما يسهم في تطوير هذه القطاعات وتعزيز جهود التنمية المستدامة.

كما استقبل معالي الدكتور هلال بن علي السبتي وزير الصحة بمكتبه اليوم معالي ركان ناصر الدين وزير الصحة العامة بالجمهورية اللبنانية، وذلك في إطار الزيارة الرسمية التي يقوم بها فخامة الرئيس العماد جوزاف عون رئيس الجمهورية اللبنانية لسلطنة عُمان. جرى خلال المقابلة استعراض أوجه التعاون الصحي بين البلدين، والفرص المتاحة لتنميتها بما يخدم المصالح المشتركة بين البلدين الشقيقين، كما تمّ بحث فرص تبادل الخبرات والمعارف الطبية، مع التأكيد على أهمية تكثيف الجهود لفتح آفاق أرحب من التعاون والشراكة بين الجانبين. حضر المقابلة عدد من المسؤولين من الجانبين.

مقالات مشابهة

  • مشاريع البنية التحتية الكبرى في سوريا تغري المستثمرين الخليجيين
  • هدى يس: مصر مركز إقليمي لجذب الاستثمارات الأجنبية
  • أحمد السويدي: السياحة والصناعة والطاقة أكثر القطاعات جذبًا للاستثمارات
  • المؤتمر العربي في إدارة المستشفيات يوصي بتعزيز مجالات التعاون في الاستثمارات بالقطاع الصحي
  • الشيبانية تلتقي وفدا من جمعية أكسفورد الدبلوماسية
  • اتفاقية الشراكة الاقتصادية العُمانية - الهندية تعيد رسم ملامح الاقتصاد العماني
  • الرئيس عون اختتم زيارته الى سلطنة عمان وعاد الى بيروت
  • بحث مجالات التعاون العسكري والأمن الغذائي والصحي بين سلطنة عمان ولبنان
  • وزير الصناعة: الصناعات الغذائية أحد القطاعات الصناعية الواعدة وضمن قائمة الـ28 فرصة استثمارية واعدة
  • عون في سلطنة عُمان لتحصين المناخ التفاوضي وبن طارق يؤكِّد الاهتمام بلبنان