سودانايل:
2025-08-02@21:23:58 GMT

ترامب يعود من جديد

تاريخ النشر: 7th, November 2024 GMT

مع عودة ترامب إلى البيت الأبيض، يستعد العالم لتبعات أربع سنوات قد تعيد تشكيل موازين القوى. فوز ترامب يعزز طموحات المحافظين الأمريكيين ويجدد حماسهم لرؤية أمريكا بوجهها التقليدي، بينما يشعل قلق الحلفاء ويحفز الخصوم العالميين على توسيع نفوذهم.

موقف ترامب من القضايا الداخلية
في الداخل، يتمسك ترامب بمواقف قوية تجاه القضايا الاجتماعية، معارضًا سياسات الديمقراطيين الليبرالية مثل دمج حقوق المثليين في المناهج الدراسية.

يدافع عن القيم التقليدية، مما يعزز شعبيته بين المحافظين رغم معارضة النخب الإعلامية والدولة العميقة. اقتصاديًا، يسعى لتعديل قوانين الهجرة للحد من منافسة المهاجرين على فرص العمل، ويعمل على منع نقل المصانع إلى الخارج، بالإضافة للحد من الهجرة غير الشرعية.

ترامب وحرب أوكرانيا: تأثيرات اقتصادية وتحولات في التحالفات
على المستوى الدولي، يجد ترامب نفسه أمام تحديات جديدة نتيجة للصراع الدائر بين روسيا وأوكرانيا. ومع تعزيز التحالف الصيني-الروسي، قد تضطر الولايات المتحدة لمراجعة استراتيجياتها لمواجهة هذا التحالف الذي يهدد الهيمنة الأمريكية. الصعود الاقتصادي للصين وتعاونها مع روسيا يزيد من تعقيد المشهد، مما يستدعي من الإدارة الأمريكية اتخاذ خطوات لاحتواء هذا النفوذ المتزايد.

من أجل تعزيز الاقتصاد الأمريكي، قد يجد ترامب نفسه مجبرًا على وضع حد للحرب بين روسيا وأوكرانيا، مما قد يترتب عليه تقديم تنازلات لصالح موسكو. هذا التحول قد يغير توازن القوى في أوروبا، ويضع الاتحاد الأوروبي في موقف صعب بعد فشله في مواجهات سابقة مع روسيا. انعكاسات هذا القرار قد تستدعي إعادة النظر في سياسات التحالفات الاقتصادية والاستراتيجية، بما يتماشى مع مصالح الولايات المتحدة.

انعكاسات فوز ترامب على الشرق الأوسط
عودة ترامب قد تضاعف تعقيد الأوضاع في الشرق الأوسط، خاصة مع استمرار حرب إسرائيل ضد غزة ومحاولاتها لكسر المقاومة المتمثلة في حماس وحزب الله. على الرغم من الدمار الهائل الذي لحق بالمنطقة، بما في ذلك تدمير البنية التحتية وتهجير الفلسطينيين، فإن الموقف العالمي الإنساني يبدو ضد نتنياهو. إسرائيل قد تسعى لتحقيق انتصارات وهمية على حساب الفلسطينيين في غزة، لكن في المقابل، من المتوقع أن تزداد المقاومة، سواء من حماس أو حزب الله، لمواجهة هذه الضغوط.
موقف ترامب المتوقع هو دعم نتنياهو في مواجهة هذه التحديات، مع السعي لاحتواء التصعيد وتوجيه السياسات الإسرائيلية بما يتماشى مع أجندته. قد يتبنى ترامب استراتيجية لإعادة تموضع إسرائيل في المنطقة، بما يضمن تماسكها على الصعيد الداخلي ودعمها في مواجهة الضغوط الدولية. في ظل التهجير الجماعي للفلسطينيين وإعادة بناء غزة، من المرجح أن تفرض إسرائيل شروطًا جديدة تهدف إلى نزع السلاح من المقاومة الفلسطينية، وهو ما قد يضع حماس في موقف ضعيف.
ومع تزايد الضغوط الداخلية على نتنياهو من المعارضة السياسية في إسرائيل، سيجد نفسه في حاجة إلى الدعم الأمريكي القوي لاحتواء الأزمة، مما يعزز من دور ترامب في توفير هذا الدعم الاستراتيجي، وخصوصًا في المرحلة المقبلة التي تتطلب إعادة تقييم للتوجهات السياسية في المنطقة.

السياسة تجاه إيران في ظل التصعيد الإقليمي
من المتوقع أن يتبنى ترامب سياسة صارمة تجاه إيران في هذا السياق، حيث قد تزداد العقوبات الاقتصادية والضغط الدبلوماسي عليها. يهدف هذا الضغط إلى تقليص قدرة إيران على دعم الجماعات المسلحة مثل حزب الله وحماس في المنطقة، وبالتالي تقليل تأثيرها في الصراع الدائر. إضافة إلى ذلك، ستسعى إدارة ترامب إلى تحييد دور إيران في اليمن ومحاربة تمددها الإقليمي، بما يضمن تقليص أي تهديد للمصالح الأمريكية وحلفائها، مثل إسرائيل ودول الخليج.

سياسات ترامب تجاه إفريقيا: حرب السودان
الصراع في السودان بين الجيش السوداني ومليشيا الدعم السريع يهدد بتحول الوضع إلى حرب أهلية شاملة، مما يؤدي إلى تقويض الاستقرار في المنطقة وتأثيرات مباشرة على دول الجوار التي تشهد تدفق اللاجئين وزيادة النزاعات الإقليمية. في هذا السياق، من المتوقع أن تتخذ إدارة ترامب موقفًا حازمًا تجاه الدول التي تدعم مليشيا الدعم السريع، خاصة تلك التي تقدم دعمًا عسكريًا أو ماليًا لهذه القوات.
الضغط على هذه الأطراف لوقف دعمها قد يسهم بشكل كبير في تهدئة الوضع في السودان وتقليل حدة الأزمة الإنسانية والسياسية. ستعتمد واشنطن في هذا الصدد على فرض عقوبات، أو دعم الجهود الدبلوماسية للضغط على الدول المعنية. قد تسعى الإدارة الأمريكية أيضًا إلى فرض اتفاقيات بين الأطراف المتنازعة لصالح التحول الديمقراطي في السودان، والعمل على تحقيق الاستقرار، مثل دعم حكومة الانتقال المدني.
إضافة إلى ذلك، فإن تصاعد العنف في السودان يوفر مساحة لروسيا والصين لتعزيز نفوذهما في المنطقة، وهو ما يشكل تحديًا مباشرًا للمصالح الأمريكية.
لذلك، سيتعين على إدارة ترامب تبني سياسة تهدف إلى تقليص هذا النفوذ المتزايد وتعزيز المساعدة للأطراف المحلية التي تسعى لتحقيق الاستقرار في السودان، مع التأكيد على ضرورة الحفاظ على سيادة القانون وحقوق الإنسان في البلاد.

التحديات في إثيوبيا وتصاعد حركة فانو
في إثيوبيا، يواجه الجيش تحديًا متزايدًا من حركة "فانو" المسلحة، مما يزيد من تعقيد النزاعات الداخلية في البلاد. في هذا السياق، من المحتمل أن تتبنى إدارة ترامب سياسة تركز على دعم الأمن الإقليمي دون الانخراط المباشر في الصراع، مع السعي لتحييد الأطراف التي تدعم النفوذ الصيني والروسي في المنطقة. هذا التوجه يسعى إلى الحفاظ على المصالح الأمريكية في القرن الإفريقي، وتقليل تأثير القوى المنافسة.

خاتمة
عودة ترامب إلى السلطة قد لا تكون مجرد تغيير رئاسي، بل قد تمثل بداية مرحلة جديدة مليئة بالتوترات والتحولات على الساحة العالمية. من المتوقع أن تشهد السنوات المقبلة تصاعدًا في التحالف بين الصين وروسيا، ما قد يؤدي إلى تراجع الهيمنة الأمريكية في بعض المناطق، مما سيعيد تشكيل التحالفات العالمية ويُحدث تحولًا كبيرًا في ميزان القوى. هذا التحول قد يمهد الطريق لظهور مشهد دولي جديد، حيث سيكون للسياسات الأمريكية دور محوري في تشكيل هذا المستقبل المتغير.

[email protected]  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: من المتوقع أن إدارة ترامب فی المنطقة فی السودان فی هذا

إقرأ أيضاً:

السياسات الأمريكية والعبث بالنظام الاقتصادي العالمي

ترجمة: نهى مصطفى

يمر الاقتصاد العالمي بمرحلة من الاضطراب العميق. فحتى قبل الانتخابات الأمريكية الأخيرة، كان يواجه صدمات جيوسياسية متلاحقة، ويستعد لتحولات تكنولوجية قد تعيد رسم المشهد الاقتصادي بالكامل. أما اليوم، فقد أضيف إلى ذلك مستوى غير مألوف من التغيّر السياسي القادم من أقوى دولة في العالم، مما أدى إلى اهتزازات واسعة، لم تقتصر على الأسواق المالية، بل أصابت أيضًا خبراء الاقتصاد وواضعي السياسات بالتردد والارتباك.

وعلى مستوى أعمق، زعزعت هذه الاضطرابات الأسس التي بُنيت عليها السرديات التقليدية عن الولايات المتحدة. تراجعت الافتراضات المستقرة التي طالما وجهت قرارات الشركات والمستثمرين، وأصبحت القواعد العامة أقرب إلى أوهام قديمة منها إلى بوصلة يُعتد بها. في الوقت ذاته، تراجعت مؤشرات ثقة المستهلكين والمنتجين بشكل حاد، وارتفعت توقعات التضخم إلى مستويات لم تُسجل منذ عام 1981.

في ظل الغموض الراهن، يجد خبراء الاقتصاد صعوبة في التنبؤ بمستقبل الاقتصاد الأمريكي، لكن برز سيناريوهان رئيسيان: الأول يتوقع إعادة هيكلة اقتصادية شبيهة بعهد ريجان وتاتشر، والثاني يرجح ركودًا تضخميًّا شبيهًا بفترة جيمي كارتر.

ومهما كانت النتيجة، ستكون لها تبعات عالمية؛ نظرًا لأن الاقتصاد الأمريكي ظل لعقود في قلب النظام المالي العالمي، والدولار عملة احتياطية رئيسية. لذا، فإن أي تدهور في الوضع الأمريكي قد يمتد أثره إلى بقية العالم، وهو ما دفع كثيرًا من الحكومات إلى محاولة تقليل اعتمادها على سياسات واشنطن المتقلبة. فعلى سبيل المثال، تعمل أوروبا على تعزيز مكانتها الإقليمية، مع بناء علاقات اقتصادية جديدة وأكثر متانة مع أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية. وفي الوقت ذاته، ترى الصين فرصة سانحة لترسيخ مكانتها كقوة اقتصادية عظمى ذات مصداقية. إلا أن هذه الجهود لا تزال تواجه عقبات معقدة؛ إذ لا توجد دولة أخرى تضاهي الولايات المتحدة في الثراء أو القوة لتأخذ مكانها.

مع تصاعد عدم الاستقرار، تحتاج الحكومات والشركات والمستثمرون إلى سرعة ومرونة أكبر، مع توافر رأسمال وقدرات بشرية قادرة على التكيّف. فالمرونة قد تساعدهم على تجاوز الأزمات والخروج أقوى، أما الجمود فقد يُهدد رفاه الأجيال الحالية والمقبلة.

رغم قوة الولايات المتحدة وازدهارها، فإن سياستها الاقتصادية والمالية باتت تشبه أحيانًا ممارسات دول نامية، مع فرض تعريفات جمركية مفاجئة، وقرارات انتقائية تشبه الامتيازات، في ظل عجز مالي متصاعد. وقد بات نهجها أقرب لما شهدته دول أمريكا اللاتينية منه إلى ما ينتظر من أقوى اقتصاد عالمي.

وكلما طال أمد هذا النهج، ازداد خطر تعرّض الاقتصاد الأمريكي لمشاكل تقليدية تواجهها الدول النامية. هناك بالفعل مؤشرات على خروج رؤوس الأموال، وتردد متزايد لدى المستثمرين الأجانب، وقلق متزايد بشأن استقلالية البنك المركزي. فبعد عقود من الهيمنة، سجلت الأسواق الأمريكية أداءً ضعيفًا في مطلع عام 2025. فقد الدولار، الذي كان قويًّا في السابق، جزءًا من قيمته، حتى مع ارتفاع العوائد المرتبطة بحيازته. كما تراجعت السياحة إلى حد كبير. ومن غير المرجح أن يتلاشى هذا الاضطراب قريبًا.

ترشح ترامب في 2024 متعهدًا بإعادة تشكيل الاقتصاد العالمي وسحب الحماية الأمريكية، وهو ينفذ وعوده بلا مؤشرات على التراجع. وقد أدت سياساته، مثل الرسوم الجمركية وضعف الدولار، إلى اضطراب عالمي كبير، في ظل غياب قيادة موثوقة توجه الدول وسط هذه المرحلة الانتقالية المعقدة.

قائمة الشكوك كثيرة ومقلقة، من تأثير الرسوم الجمركية على التجارة والتضخم، إلى قدرة البنوك المركزية، خصوصًا الاحتياطي الفيدرالي، على تحقيق التوازن بين السيطرة على الأسعار وتجنب الركود، وسط توتر متزايد بين ترامب وجيروم باول يهدد استقلالية البنك وثقة الأسواق.

لا أحد يعرف بعد تأثيرات انقطاعات سلاسل التوريد أو ما إذا كانت الدول ستجبر على الاختيار بين الصين وأمريكا. هذا الغموض يربك الحكومات ويعقد قرارات الشركات والمستثمرين، خاصة مع تفكك العلاقات التقليدية بين الأصول، وتراجع موثوقية الملاذات الآمنة، وضبابية مؤشرات العوائد والمخاطر، مما يجعل من الصعب اتخاذ قرارات استثمارية واضحة.

في محاولاتهم لفهم ما قد يحدث، انقسم الاقتصاديون إلى رؤيتين متطرفتين: الأولى، متفائلة بشأن المسار الحالي، تفترض أن إدارة ترامب ستنجح في تقليص حجم البيروقراطية، وإلغاء اللوائح غير الضرورية، وخفض الإنفاق، مما يؤدي إلى قيام حكومة أكثر كفاءة وأقل مديونية، وعودة النمو الاقتصادي. في ظل هذه الرؤية، سيتعافى الاقتصاد من الاضطرابات الراهنة، ويبرز قطاع خاص حر قادر على استثمار الابتكارات التي تعزز الإنتاجية، لا سيما في المجالات التي تتصدرها الولايات المتحدة مثل الذكاء الاصطناعي، وعلوم الحياة، والروبوتات، والحوسبة الكمومية مستقبلًا.

في هذا السيناريو، قد تبقى الرسوم الجمركية الأمريكية مرتفعة، لكن يُتوقع أن تؤدي إلى نظام تجاري أكثر عدالة تُخفّض فيه الدول الأخرى تعريفاتها وتتحمّل مزيدًا من أعباء السلع العامة. تتجاوز هذه الرؤية إصلاحات ريجان وتاتشر، إذ تدعو لإعادة ضبط شاملة للنظامين المحلي والعالمي.

لكن نجاح هذا المسار يتطلب ظروفًا مثالية: نموًا اقتصاديًّا سريعًا لتخفيف الديون، صبرًا من الأسواق تجاه الدولار وسندات الخزانة، وثقة دولية بالتزام واشنطن تجاريًّا رغم التوترات مع الصين. كما يجب أن يكون الاحتياطي الفيدرالي مستعدًا لخفض الفائدة، وهو ما يتطلب حل الخلاف بين ترامب وباول، سواء بالتنحي أو بانتظار انتهاء الولاية في مايو.

في السيناريو المتشائم، قد يحصل ترامب على خفض لأسعار الفائدة، لكن ليس بالطريقة التي يتمناها. في هذا السيناريو، تفشل واشنطن في كبح عجزها المالي، وتتراجع الثقة بمؤسساتها وسط مخاوف متزايدة بشأن سيادة القانون وتجاوزات السلطة. يظهر تخلٍّ تدريجي عن الالتزام بالمعايير الدولية، فيما تبدأ دول أخرى بإعادة تقييم موقعها في النظام العالمي، وتسعى للاعتماد على الذات وبناء تحالفات جديدة، مما يُثير قلق الولايات المتحدة اقتصاديًّا وأمنيًّا.

يعيد هذا السيناريو إلى الأذهان أزمة السبعينيات، حين تسببت صدمات العرض وارتفاع الأسعار وسوء السياسات في ركود عالمي. سيكون المشهد قاتمًا: تكاليف مرتفعة وضعف طلب للشركات، عوائد هشة للمستثمرين، وتراجع في القوة الشرائية والأمان الوظيفي للأسر. قد ينزلق العالم إلى ركود عميق يترك ندوبًا طويلة الأمد على الجيل الحالي والمقبل، وسط ديون متزايدة وتفاوت اجتماعي وأزمات مناخية. وفي ظل الغموض، يبقى كل من السيناريو المتفائل والمتشائم مطروحًا، إلى جانب احتمالات أخرى بينهما.

في بداية عام 2025، أشارت مؤشرات الأسواق إلى احتمالية تقارب 80% لانفراج إيجابي، مقابل 20% لاحتمال تفاقم الأوضاع. لكن هذه النسبة تراجعت إلى أقل من 50% في أوائل أبريل، بعد إعلان ترامب عن رسوم جمركية أعلى بكثير مما توقعت الأسواق. ثم ارتفعت التوقعات مجددًا بنهاية الشهر، مع ازدياد ثقة المستثمرين بأن قرار التأجيل لمدة 90 يومًا سيُفضي إلى رسوم يمكن إدارتها، من دون التسبب في صدمة كبرى للنظام التجاري العالمي.

ومع ذلك، يبقى هذا المزيج هشًّا ومتقلبًا بطبيعته، ومن المرجح أن يظل كذلك في المستقبل القريب. ومهما بلغت تطلعاتها، فقلّة من الجهات -سواء كانت حكومية أو خاصة- تستطيع تحصين نفسها بالكامل من موجات التقلب الاقتصادي المستمرة.

رغم التقلبات، هناك استراتيجيات ممكنة لتجاوز المرحلة، أبسطها المراهنة على استمرار الوضع كما كان. فقد تعافت الأسواق من تصريحات ترامب، وحققت المؤشرات الأمريكية مستويات قياسية، ما يفتح الباب لاحتمال تهدئة نسبية مع استمرار التصريحات والمفاوضات.

في هذه الأثناء، قد تقيد بكين صادراتها في آسيا لتجنّب إثارة قلق الدول من إغراق أسواقها بالسلع الصينية، كما فعلت اليابان قبل عقود عندما فرضت قيودًا طوعية على صادراتها. وقد تُعيد الصين النظر جذريًّا في نموذج نموّها، متخلية عن محركاته التقليدية -كالصادرات والاستثمار الحكومي- لصالح تنشيط الاستهلاك المحلي والاستثمار الخاص. لكن في ظل حالة عدم اليقين السائدة، قد لا تميل الشركات ولا الحكومات إلى المراهنة على تحقق مثل هذه النتيجة المتفائلة.

إذا أصبح الدور الأمريكي في النظامين الاقتصادي والمالي العالمي أكثر ضبابية وفوضوية بطبيعته، فسيكون على صنّاع القرار الاستعداد لعالم أكثر تجزؤًا، تزداد فيه المخاطر من حيث التكرار والحِدة. سنكون أمام واقعٍ يُهيمن عليه تقلب السياسات، واضطراب سلاسل التوريد العالمية، وتوتر أسواق الديون المالية.

وقد تسعى الدول إلى الحد من تعرّضها للمخاطر عبر خطوات تُعمق من الانقسام العالمي. وفي هذا السياق، ستشتدّ المنافسة بين بكين وواشنطن، فيما تحاول قلة من الدول المتأرجحة -مثل البرازيل والهند- الحفاظ على توازن في علاقاتها مع الطرفين. أما الغالبية، فستجد نفسها مضطرة للاختيار.

في ظل هذا الواقع المضطرب، ستحتاج القوى الكبرى إلى تحركات استثنائية. على أوروبا، بقيادة ألمانية أكثر جرأة، التغلب على ترددها بشأن الديون المشتركة وتوسيع صلاحيات بروكسل، مع إطلاق مبادرات دفاعية واقتصادية. الصين مطالبة بقبول التضحية بالنمو قصير الأجل مقابل إصلاحات هيكلية، أما دول مثل البرازيل والهند، فقد يدفعها السلوك الأمريكي المتقلّب إلى كسر الجمود وإطلاق إصلاحات بنيوية. وبالنسبة لأوروبا، قد يشكل هذا الاضطراب فرصة للمضي قدمًا في إصلاحات دراغي، وتعزيز الابتكار والإنتاجية، وتطوير سوق رأسمالية أكثر تجانسًا تُقلّل الاعتماد على الأصول الأمريكية.

رغم أن التغيير الجذري ضروري، فإنه محفوف بالمخاطر، والجمود له كلفته أيضًا. لذلك، قد يلجأ البعض إلى نهج وسط: تقليص انكشافهم على الولايات المتحدة تدريجيًّا وبهدوء، تفاديًا لأي تصعيد. وفي ظل عالم سريع التغير، سيتعيّن على كل جهة -حكومية أو خاصة- تحديد المسار الأنسب لها.

ولمواجهة التقلبات، يجب تعزيز المرونة المالية والتشغيلية والبشرية عبر:

- زيادة السيولة وتنويع سلاسل التوريد والمحافظ الاستثمارية.

- تطوير الكفاءات باستخدام أدوات جديدة، وتحسين الاتصال الداخلي والخارجي، كما ينبغي على صانعي القرار تعزيز قدرتهم على استشراف السيناريوهات المستقبلية، واختبار فعالية استراتيجياتهم، وتحديد مكامن الضعف المحتملة. ويعني ذلك تمكين الوحدات المحلية، والمسؤولين، والأفراد من إعداد الخطط واختبار السياسات بمرونة.

في أوقات عدم اليقين، تزداد قابلية الأفراد للوقوع في التحيزات المعرفية، ومنها «القصور الذاتي النشط» -أي إدراك الحاجة للتغيير، مع التمسك بالسلوك المعتاد. مثال بارز على ذلك شركة IBM، التي رغم إدراكها صعود الحواسيب الشخصية في الثمانينيات واتخاذها قرارًا بتحويل مواردها نحو هذا المجال، فشلت في التنفيذ بسبب تمسك إدارتها بالنهج التقليدي.

النتيجة: تفوقت عليها شركات منافسة، واضطُرت إلى إعادة تشكيل نموذجها لتصبح شركة خدمات، وفقدت ريادتها في قطاع التكنولوجيا.

يشهد العالم حالة غير مسبوقة من انعدام الأمن، مع تراجع استقرار الاقتصاد الأمريكي وضعف التنسيق العالمي، ما يهدد بتفكك النظام التجاري الدولي.

في هذا السياق، على صنّاع القرار التحلّي باليقظة والجرأة، وتجاوز الأدوات التقليدية في إدارة الاقتصاد والأعمال. ورغم صعوبة المرحلة، فإن مواجهة التحديات بمرونة وابتكار، مدعومة بابتكارات قادمة، قد تُمكّن العالم من الخروج من العاصفة أكثر قوة وازدهارًا.

مقالات مشابهة

  • الليلة التي خاف فيها ترامب.. تقرير عبري يكشف كيف أرعبت صنعاء حاملة الطائرات الأمريكية “ترومان”؟
  • الخارجية الأمريكية: اجتماع “الرباعية” في حكم المجهول حتى الآن
  • عقاد بن كوني: نحيي قوات درع السودان التي واصلت التقدم بثبات حتى وصلت إلى إقليم كردفان
  • الركود يطوّق آسيا: الصناعة تتراجع في المنطقة تحت وطأة التعريفات الجمركية الأمريكية
  • تصنيف الدول حسب الرسوم الجمركية الجديدة التي فرضها ترامب (إنفوغراف)
  • وزير الخارجية الأمريكي يطلق تصريحات جديدة عن السودان
  • ما هي الدول التي تغيرت رسومها الجمركية منذ إعلان ترامب في يوم التحرير؟
  • ما هي نسب الرسوم الجمركية الجديدة التي فرضها ترامب؟
  • السياسات الأمريكية والعبث بالنظام الاقتصادي العالمي
  • الرباعية تحتاج إلى رباعية !!!