قال الشيخ الدكتور أسامة بن عبدالله خياط؛ إمام وخطيب المسجد الحرام، إن من دأب المخلصين من عباد الله، ذوي البصائر النيرة، والعقول الراجحة، دوام الأخذ بأسباب السعادة، وكمال الحرص على سلوك مسالك الفوز وسبل النجاة.

دأب المخلصين

وأوضح “ خياط” خلال خطبة الجمعة الأولى من جمادي الأول من المسجد الحرام بمكة المكرمة، أن ذلك  رغبةً منهم في حسن العاقبة وكرم المآل، وكثيرًا ما يعرض القرآن للمدح لهم، والثناء عليهم، بكريم خصالهم، وجميل صفاتهم.

واستشهد بما قال سبحانه: ﴿إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (19) الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنقُضُونَ الْمِيثَاقَ (20) وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ (21) وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَٰئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ﴾.

وبيَّن بعض أوصاف أولي الألباب، وفي الطليعة منها: الوفاء بالعهد الذي قطعه المرء على نفسه، والالتزام بالأوامر والنواهي التي أمر الله بها أو نهى عنها، والوفاء بالعهد الذي بينه وبين الناس، من عقود ومعاملات، وأداء للأمانات، لا يخل به ولا ينكص عنه.

أوصاف أولي الألباب

وأضاف: وكذلك عدم النقض للميثاق الذي وثقه بالله، وأشهد على المضي فيه والاستمرار عليه، لا يحمله على عدم الوفاء أو على النكث به، إغراء المادة وبريقها، أو تلويح بالسراب الخادع.

ونبه إلى أن عهد الله تعالى واجب الوفاء حتمًا، ونقض الميثاق خطيئة كبرى، تنذر بالهلكة وسوء المصير، منوهًا بأن من صفات أولي الألباب الحميدة، صلة الأرحام، والإحسان إليهم، والصبر على ما يصدر منهم من أذى، وما يبدر منهم من جفوة وملام.

واستند لما جاء في الحديث القدسي الذي يرويه النبي -صلى الله عليه وسلم- عن ربه: "قال اللهُ عزَّ وجلَّ: أنا اللهُ، وأنا الرَّحْمَنُ، خَلَقْتُ الرَّحِمَ، وشَقَقْتُ لها اسْمًا مِنَ اسْمِي، فمَنْ وصَلَها وصَلْتُهُ، ومَنْ قَطَعَها قَطَعْتُهُ". أخرجه الإمام أحمد في مسنده وأبو داود والترمذي في سننهما بإسناد صحيح.

وتابع:  كذلك من صفات أولي الألباب الجليلة، الخشية من الله، ومخافة مقامه، والخوف من عذابه، ومن مناقشة الحساب يوم القيامة، فإن "مَن نُوقِشَ الحِسابَ عُذِّبَ". كما جاء في الصحيحين عن عائشة -رضي الله عنها- مرفوعًا، وحري بمَن كان على هذه الحال، أن يستمسك بالحق والهدى، ولا يميل عنهما، اتباعًا لهواه، فيكون ممَّن أثنى الله عليهم بقوله: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّىٰ (14) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّىٰ﴾.

وأشار إلى أن من صفات أولي الألباب التي ينبغي أن يحرص المرء على التحلي بها، الصبر في مختلف دروبه، صبر على طاعة الله، وما يقتضيه من إخلاصٍ وبذل جهدٍ، وصبر عن معصيته -سبحانه-، وما يوجبه من لجمٍ للنفس، وكبحٍ لجماحها، وحجزها عن النزوات والهفوات، وصبر على أقدار الله المؤلمة، وما يستلزمه من رضا واحتساب وتسليم.

العباد يتفاوتون في ذلك

وأفاد بأن العباد يتفاوتون في ذلك؛ فمَن كان أعظم صبرًا واحتسابًا، كان أجزل أجرًا وأكثر ثوابًا ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾، مشيرًا إلى أن من صفات أولي الألباب أيضًا، إقامة الصلاة المكتوبة، بحدودها ومواقيتها، وركوعها وسجودها وخشوعها.

وواصل:  على الوجه الشرعي المرضي، الذي أمر به وبيّنه الله -عزّ وجلَّ- ورسوله-صلى الله عليه وسلم-، دون إخلال بها، أو تشاغل عنها بصوارف الحياة، وكذا الإنفاق مما آتاهم الله من رزق، على مَن يجب الإنفاق عليه، من أهلٍ وولدٍ وقرابات، وعلى مَن يندب الإنفاق فيه من أوجه البر.

وأكمل :  كالصدقة على البؤساء والمحرومين، والإسهام في مشروعات تنتفع بها الأمة، من بناءٍ للمدراس، وإنشاء للمستشفيات، ودور للأيتام، وحفر للآبار، وتمهيد للطرق، وكافة الأعمال التطوعية، مما تنهض بها البلاد، وينتفع بها العباد، مع صدق النية وإخلاص القصد.

ودلل بما قال تعالى:  ﴿وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا﴾، علاوة على درء السيئة بالحسنة، مقابلة للقبيح بالجميل، ومدافعة للشر بالخير، وللأذى بالإحسان، امتثالاً للأدب القرآني، الذي أدّب الله به عباده في قوله -عزَّ اسمه-: ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ﴾.

وأكّد أن المرء إذا ملك نفسه، وألزمها سلوك الجادة، وسار بها في سبيل النجاة وطريق السعادة، ونأى بها عن أسباب التهلكة، وجنّبها مسالك البوار والخسران، فإنه يكون بهذا من أولي الألباب، الذين رفع الله قدرهم، وأعلى منزلتهم، وبيَّن ما أُعدَّ لهم في دار كرامته، ومستقر رحمته، من الجزاء الضافي والأجر الكريم.

واستدل على ذلك بما قال عزَّ مَن قائل: ﴿أُولَٰئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ (22) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ (23) سَلَامٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ﴾.

على العكس من ذلك

ونوه بأن على العكس من ذلك الفريق الصالح، والطائفة الراشدة، والفئة الفائزة، مَن كان على النقيض منهم في جميل صفاتهم، وكريم خلالهم، وهم الذين لا يوفون بعهد الله من بعد تأكيده وتغليظه وتوثيقه عليهم، بل يقابلونه بالنقض والإعراض، ويقطعون ما أمر -سبحانه وتعالى- بوصله من الإيمان والعمل الصالح وصلة الأرحام.

واستطرد:  ويفسدون في الأرض بالكفر والإثم والصد عن سبيل الله، فهؤلاء الذين توعدهم الله بالطرد والإبعاد من رحمته، مع ما أُعدَّ لهم في نار جهنم يوم القيامة من سوء المصير، فقال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَٰئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ﴾. عياذًا بالله من ذلك.

وأوصى  المسلمين  بتقوى الله -عزّ وجلّ- وذكره، وعدم الاغترار بالحياة الدنيا، والعمل على الأخذ بصفات أولي الألباب الأخيار، والحذر من صفات الفجار الأشرار، لتطب حياتهم، وتستقم أحوالهم، ونيل رضوان الله -عزّ وجلّ-.

 

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: خطيب المسجد الحرام إمام و خطيب المسجد الحرام خطبة الجمعة من الحرم المكي

إقرأ أيضاً:

خطيب الجامع الأزهر: النبي كان يأخذ بالأسباب ويصدق التوكل على الله.. فيديو

قال الدكتور إبراهيم الهدهد، من علماء الأزهر الشريف، إن النبي الكريم سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- كان يحتاط ويأخذ بالأسباب لأن من صدق التوكل على الله أن تصدق في الأخذ بالأسباب دون أن تعبد الأسباب أو تعلق النتائج عليها.

بث مباشر.. شعائر صلاة الجمعة من الجامع الأزهر الشريفتقربك إلى الرسول في الجنة.. الصلاة على النبي يوم الجمعة من المستحبات

وأضاف إبراهيم الهدهد، في خطبة الجمعة اليوم من الجامع الأزهر، أن سيدنا يعقوب كان يخشى على أولاده من الحسد فقال لهم خذوا بالأسباب وقال (يَا بَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِن بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ ۖ وَمَا أُغْنِي عَنكُم مِّنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ ۖ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ).

وأشار إلى أن الله يدرب أنبيائه ويربيهم على صدق التوكل على الله، ولذلك أشار النبي إلى ذلك في الحديث لو توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدوا خماصا وتعود بطانا) دون أن يكون لها خطة سوى السعى والأخذ بالأسباب.

وأوضح أن الله تعالى يأمر السيدة مريم عبر وحي الإلهام (وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا) بالرغم من أن حال المخاض والولادة من أشد لحظات الضعف والوهن إلا أن الله لم يرفع عنها الأسباب، فوضعت يدها على جذع النخلة فتساقط عليها الرطب.

وذكر إبراهيم الهدهد، أن من صدق التوكل على الله أن تأخذ بالأسباب حتى لا يتكل العباد والطير تتحرك،  فما عليك إلا أن تأخذ بالأسباب وبعد ذلك تعلق بمسبب الأسباب، لأن حياة الطيبين والصالحين تعلقوا بالله وساروا في الحياة آخذين بالأسباب.

طباعة شارك الدكتور إبراهيم الهدهد علماء الأزهر الأزهر الشريف صدق التوكل على الله التوكل على الله الأسباب النتائج

مقالات مشابهة

  • لماذا أودع الله في بني آدم الغرائز والشهوات؟ خطيب المسجد الحرام يوضح
  • خطيب الأزهر: الهجرة جسدت مزيجا فريدا بين الأخذ بالأسباب وصدق التوكل
  • خطيب المسجد النبوي: الإخلاص مطلوب من العبد في جميع أمور الإيمان أصلًا وفروعًا
  • خطبة الجمعة من المسجد الحرام
  • إمام المسجد الحرام: الله وعدنا مغفرة الذنوب وتكفير السيئات
  • خطيب الجامع الأزهر: النبي كان يأخذ بالأسباب ويصدق التوكل على الله.. فيديو
  • خطيب المسجد الحرام: اللهم عليك باليهود الغاصبين.. وانصر إخواننا في فلسطين
  • نائب أمير منطقة مكة يتشرف بغسل الكعبة نيابة عن خادم الحرمين الشريفين
  • السديس: غسل الكعبة المشرفة سنة نبوية ومناسبة إسلامية بريادة سعودية
  • هل صلاة الجمعة في الزوايا وترك المسجد الكبير حرام ؟.. المفتي يوضح