خطيب الأزهر: الهجرة جسدت مزيجا فريدا بين الأخذ بالأسباب وصدق التوكل
تاريخ النشر: 11th, July 2025 GMT
ألقى الدكتور إبراهيم الهدهد، رئيس جامعة الأزهر الأسبق، خطبة الجمعة اليوم بالجامع الأزهر، وتناول موضوعها "صدق التوكل على الله.. درس عظيم من دروس الهجرة"، بحضور الدكتور محمد الضويني، وكيل الأزهر الشريف، والدكتور محمد عبد الدايم الجندي، أمين عام مجمع البحوث الإسلامية.
. فيديو
أكد الدكتور إبراهيم الهدهد على الأهمية القصوى لحسن التوكل على الله سبحانه وتعالى، مشددًا على ضرورة أن يكون اعتقاد المؤمن بربه راسخًا وثابتًا، لأن الحق تبارك وتعالى قد وضع الأسباب في الكون لجميع مخلوقاته بالتساوي، وذلك لحكمة يعلمها هو سبحانه، ومع ذلك فإن النتائج في كثير من المواقف قد لا تأتي وفقًا للطرق المعتادة للأسباب، فلو كانت النتائج دائمًا مرهونة بالأسباب وحدها، لتحول الكون إلى عبادة لهذه الأسباب، ولكن الله تعالى يُفسد الأسباب أحيانًا، فتأتي النتائج على خلاف ما يريده العباد، وذلك حتى لا يعبد الناس الأسباب نفسها. وبهذا يحقق الله تبارك وتعالى مراده بضد الأسباب، مستشهدا بقوله تعالى: ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ أَنْ أَرْضِعِيهِ ۖ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ﴾، فإلقاء الطفل في اليم يُعد سببًا مؤكدًا للهلاك، ومع ذلك، فقد كان هذا الإلقاء سببًا لبقائه.
وأوضح الدكتور إبراهيم أن الهجرة النبوية الشريفة جسدت مزيجًا فريدًا بين الأخذ بالأسباب وصدق التوكل على الله -سبحانه وتعالى- فقد رأينا النبي صلى الله عليه وسلم يأخذ بالأسباب المتاحة، ومع ذلك، حدثت له أمور فاقت الأسباب المادية، وقد تجلت هذه العناية الربانية في كشف المؤامرة التي دبرها الشيطان متجسدًا في رجل من نجد، حيث أنزل الله تعالى قوله: ﴿وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾، هذا يعني أن الكفار كانوا يدبرون السوء في الخفاء، فكان رد الله تعالى بأن أبطل مكرهم أيضًا في خفاء ليكون الجزاء من جنس العمل، وأن النبي صلى الله عليه وسلم ما كان ليعلم هذه المؤامرة إلا لأنه أخذ بالأسباب على أكمل وجه، فقد رتب الأمور واستعد للهجرة لثلاث سنوات سابقة، هذه كانت أسبابًا ظاهرة، وحتى بعد ذلك، كان صلى الله عليه وسلم يحتاط ويأخذ بالأسباب في خروجه من مكة، فمن صدق التوكل على الله أن نصدق في الأخذ بالأسباب دون أن نعبدها أو نعلق النتائج عليها، وكذلك ما أخبرنا به القرآن في قصة نبي الله يعقوب عليه السلام، الذي كان يخشى على أولاده العشرة الحسد، فقال لهم: "لا تدخلوا من باب واحد، وادخلوا من أبواب متفرقة"، لكنه رغم ذلك لم يعلق النتائج على الأسباب وإنما على الحق سبحانه وتعالى، لذلك قال لهم "إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ"، وهذا يعني أن النتائج ومصير الأمور على الحق سبحانه وتعالى.
وبيَّن خطيب الجامع الأزهر، أن الإنسان لو أخلص في حسن توكله على الله سبحانه وتعالى، لرزقهم كما يرزق الطير، وهو ما أشار إليه سيدنا محمد ﷺ إلى هذا في حديثه الصحيح، حيث يقول: (لو أنكم توكلتم على الله حق توكله، لرزقكم كما يرزق الطير، تغدو خماصاً وتعود بطاناً)، مبيناً أن الحق تبارك وتعالى عندما أمر مريم بنت عمران، عليها السلام، عبر وحي الإلهام والإرشاد بأن تهز جذع النخلة حتى تساقط عليها رطباً جنياً، ﴿وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا﴾، فوضعت يدها على جذع النخلة فتساقط عليها الرطب الجني حتى يتعلم الناس أن القضية في هذا الكون ليست في أسبابه، ولكن القضية في صدق التوكل على الله تبارك وتعالى.
وفي ختام الخطبة، ذكر خطيب الجامع الأزهر، أن قصة الغار عندما قال أبو بكر للنبي صلى الله عليه وسلم: "والله يا رسول الله لو نظر أحدهم تحت قدميه لرآنا"، فرد عليه النبي الكريم: "يا أبا بكر والله لو أدركونا من هنا، لخرجنا من ها هنا"، فنظر أبو بكر إلى حيث أشار إصبع النبي صلى الله عليه وسلم، فوجد بحرًا وسفينة مربوطة بشاطئه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ بالأسباب مع حسن التوكل على الله، ليكون ذلك أسوة للأمة، ودعا فضيلته الجميع إلى ضرورة الأخذ بالأسباب، مع التعلق التام بمسبب الأسباب، لأن حياة الصالحين والناس الطيبين تقوم على مبدأ واحد وهو: أنهم تعلقوا بالله وساروا في الحياة، أي أنهم تعلقوا بالله وأخذوا بالأسباب في حياتهم، مستيقنين بأن الله هو الرزاق ذو القوة المتين.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: الدكتور إبراهيم الهدهد جامعة الأزهر الأزهر الجامع الأزهر خطبة الجمعة النبی صلى الله علیه وسلم الدکتور إبراهیم التوکل على الله الأخذ بالأسباب سبحانه وتعالى الجامع الأزهر تبارک وتعالى
إقرأ أيضاً:
الأزهر للفتوى: العمومة ولاية وتراحم
قال مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، إن العم أب في حياة الأب وبعد وفاته، من حيث الولاية والرعاية والحفظ والحنو؛ سيما إذا كان الأولاد صغارا، وقد ورد في نصوص الشرع ما يدل على أن العم والد؛ قال تعالى: {أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [البقرة: 133]، قال الإمام القرطبي رحمه الله: والعرب تجعل العم أبا كما أخبر الله عن ولد يعقوب أنهم قالوا: نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق، وإسماعيل عم يعقوب.
وقال سيدنا رسول الله ﷺ: «يَا عُمَرُ، أَمَا شَعَرْتَ أَنَّ عَمَّ الرَّجُلِ صِنْوُ أَبِيهِ؟» [أخرجه مسلم]؛ قال الإمام النووي رحمه الله: أي مثل أبيه.
وأكد مركز الأزهر أن نفقة أولاد الأخ المُتوفى الذين لا مال لهم من أبيهم واجبة على العم، قدر الوسع والكفاية؛ لأن قرابته توجب الإنفاق عليهم؛ شريطة عجزهم عن الكسب، وقدرته على الإنفاق؛ يقول سيدنا رسول الله ﷺ: «إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ فَقِيرًا فَلْيَبْدَأْ بِنَفْسِهِ، فَإِنْ كَانَ فَضْلًا فَعَلَى عِيَالِهِ، فَإِنْ كَانَ فَضْلًا فَعَلَى قَرَابَتِهِ، أَوْ عَلَى ذِي رَحِمِهِ، فَإِنْ كَانَ فَضْلًا فَهَا هُنَا وَهَا هُنَا».
وبين مركز الأزهر للفتوى أن قدر الكفاية في نفقة العم القادر على أبناء أخيه الذين لا مال لهم؛ تشمل ما يسد جميع حاجاتهم قدر الكفاية في العادة، قال الإمام النووي رحمه الله: "القريب يلزمه كفايته من كل وجه حتى الدواء وأجرة الطبيب".
وقال الإمام ابن قدامة رحمه الله: "والواجب في نفقة القريب قدر الكفاية من الخبز والأدم والكسوة، بقدر العادة .. لأن ذلك من تمام كفايته".
وأشار مركز الأزهر للفتوى أن إذا كان أبناء الأخ المُتوفى لهم مال يُغنيهم، أو قادرين على الكسب فلا تجب عليهم النفقة، وينفق الوصي عليهم من مالهم قدر كفايتهم في العادة، بما يحفظ عليهم مالهم، ويرعى به مصالحهم.
وأضاف الأزهر للفتوى أن قيام العم على شئون أبناء أخيه المُتوفى -في عمومها- ولاية تقتضي حقوقًا معنوية؛ كحسن تربيتهم، وتوجيه سلوكهم، وحمايتهم وصيانتهم، ومتابعة دراستهم، ورعاية مصالحهم في الصغر، وإرشادهم إلى اختيار الزوج الصالح، والوقوف بجانبهم في دروب الحياة، وعند الحاجة في الكبر.
وأكد الأزهر للفتوى أن حث الشرع الشريف العم على القيام برعاية بنات أخيه وحسن تربيتهن وتوجيههن، وفي قيام العم بهذا الواجب عند فقد الأب عظيم الأجر والثواب؛ سيما وقد اقتضت حكمته سبحانه وتعالى أن يجعل للعم إرثًا شرعيًّا مع بنات أخيه في مال أبيهن، لحِكِم جليلة، منها: كونه أب لهن بعد الأب، والقاعدة الفقهية تقرر: أن الغُنمَ بالغُرمِ.
وبين الأزهر للفتوى أن العمومة ولاية وقرابة وإحسان، يزيد أواصر الرحم، ويحفظ استقرار الأسر.
وأضاف الأزهر للفتوى أن في مقابل واجبات العم تجاه أولاد أخيه، كلف الشرع هؤلاء الأولاد ببره، وبر الأب فيه، وحسن صحبته، وصلة رحمه، وتوقيره، وإكرامه، واحترامه.