الآن أصبح دونالد ترامب الرئيس السابع والأربعين للولايات المتحدة، فعلها الرجل القوى وعاد مرة أخرى للبيت الأبيض، ليصبح الرئيس الثانى فى تاريخ الولايات المتحدة بعد الرئيس جروفر كليفلاند 1893 الذى يتمكن من الفوز بولايتين غير متتاليتين. ترامب لم يفز فقط بالرئاسة وبنجاح كبير كسر كل التوقعات والاستطلاعات، لكنه أيضا أعاد الهيمنة الجمهورية على مجلس الشيوخ، وقد يحصل الجمهوريون على الأغلبية فى مجلس النواب، ليصطبغ كل من البيت الأبيض والكونغرس باللون الأحمر.
سؤال الساعة حتى إعلان النتائج مدفوعا بالدعاية الديمقراطية، كان يدور حول تداعيات فوز ترامب بولاية جديدة، وأنه إلى أى مدى يمكن أن تكون ولاية ترامب الثانية خطرة؟ خاصة فيمت يتعلق بقضايا الداخل الأمريكى، على وجه التحديد تلك القضايا المتعلقة بالحريات والقيم الديمقراطية الأمريكية.
هذا السؤال وطرحه على هذا النحو وبتلك الصياغة كان يقصد به تعميق مشاعر الخوف والهلع والتوجس من جراء عودة ترامب للبيت الأبيض، وهى المشاعر التى عملت الآلة الانتخابية الديمقراطية السياسية والإعلامية على بثها وتعميقها فى نفوس ليس فقط الناخب الأمريكى، لكن العالم أجمع. وكيف أن ترامب يهدد النموذج الأمريكى المثالى للديمقراطية، وأنه سيفسد علاقات الولايات المتحدة التاريخية مع حلف الناتو وقد ينسحب منه بما يفسح المجال لتمدد ونفوذ روسى أوروبيا، وأنه أيضا الرجل الذى سيشعل حربا تجارية مع الصين قد لا يتحملها الاقتصاد العالمى وليس الأمريكى فقط. لكن اتجاهات التصويت التى ترجمتها النتائج التى تشير إلى فوز كبير وساحق جاءت عكس ذلك التيار تماما.
فيما يتعلق بقضايا منطقتنا، وعلى رأسها الصراع العربى الإسرائيلى، كانت الإشارة فى بداية الحملات الانتخابية ضمنية ثم أصبحت مباشرة، إلى أن ترامب هو الرجل الذى نقل سفارة الولايات المتحدة الأمريكية لدى إسرائيل إلى القدس، وهو الرجل الذى أقر بولاية إسرائيل الإقليمية على الجولان السورية، وهو الرجل الذى يتمتع بعلاقة وطيدة مع بنيامين نتنياهو إلى حد إطلاق رئيس الوزراء الإسرائيلى اسم «ترامب هايتس – مرتفعات ترامب»، على مستوطنة إسرائيلية فى هضبة الجولان. كل ذلك كان من أجل الفوز بأصوات الناخبين العرب والمسلمين. لكن فى المقابل لا ننسى أن الشرق الأوسط اشتعل ولم تستطع الولايات المتحدة إطفائه حتى تاريخه فى عهد إدارة بايدن الديمقراطية والتى كانت المرشحة الديمقراطية جزء أصيل منها، بل إن عديد المراقبين كان يشيرون إلى أن هاريس هى الحاكم الفعلى للولايات المتحدة فى ضوء تراجع الحالة الصحية والذهنية للرئيس بايدن.
العالم الآن يعيد ترتيب أوراقه وضبط بوصلته على توجهات ساكن الأبيض القديم الجديد، بدأها نتنياهو بإقالة وزير دفاعه، وتعميق التوجهات اليمينة المتطرفة فى حكومته بتعيين كاتس وجدعون ساعر، وأوروبا أعلنت عن قمة استثنائية غير رسمية فى بودابست، ما يعكس ترقب كبير تجاه الرجل وتوجهاته. ترامب وعد بالسلام والاستقرار فى الشرق الأوسط وأوكرانيا، وقد يكون بالفعل الرجل القوى الذى يحمل مفاتيح الحل ويمتلك قدرة نزع فتيل الأزمات المشتعلة، تصريحات ترامب أثناء إدلائه بصوته وحتى خطاب النصر كان عقلانيا بدرجة كبيرة ويقدم صورة مختلفة عما اعتدناه حتى فى الخطابات الانتخابية، لكن يجب ألا نفرط فى التوقعات، لننتظر ونرى بأى وجه عاد لنا وللعالم ترامب.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: د وليد عتلم الرئيس السابع والأربعين تاريخ الولايات المتحدة الولایات المتحدة الرجل الذى
إقرأ أيضاً:
هل لباس المرأة هو سبب التحرّش.. أم الرجل هو المسئول؟
حين تُطرح قضية التحرّش في مجتمعاتنا، ينقسم الناس سريعاً إلى فريقين؛ فريق يبحث عن شماعة يعلّق عليها الجريمة، وفريق يحاول أن ينزع الغطاء عن الحقيقة العارية. وبين هذا وذاك، تبقى المرأة في مرمى الاتهام، وكأنها المتهمة لا الضحية، وكأن جسدها صار هو الجريمة، لا اليد التي امتدت إليه.
السؤال الحقيقي لا يجب أن يكون “كيف كانت ترتدي؟”، بل “كيف تجرّأ؟ ”.
فالتحرّش في جوهره ليس رد فعل على لباس، بل فعل عدواني مكتمل الأركان، تُرتكب فيه الجريمة بقصد، وتُداس فيه الإنسانية بإصرار، ويُقتل فيه الشعور بالأمان داخل روح الضحية مراراً.
لو كان لباس المرأة هو السبب الحقيقي في التحرّش، لما تعرّضت الصغيرات له.
ولو كان اللباس هو المحرّك، لما تعرّضت له المحجبات والمنقبات.
ولو كان الجسد هو العذر، لما تسلّل المتحرّش إلى البيوت، والمنشآت، وأماكن العبادة، والمدارس.
هذه الوقائع اليومية وحدها كفيلة بإسقاط أكذوبة تحميل المرأة ذنب الجريمة.
الحقيقة المؤلمة التي لا يريد البعض رؤيتها هي أن التحرّش لا يبحث عن جسد؛ بل يبحث عن ضعف يتوهّمه، وعن امرأة يظن أنه قادر على كسرها دون حساب.
إنه ليس انفلات رغبة فقط، بل انحراف في فهم القوة، وسوء في تشكيل الضمير، وخلل في التربية والوعي والردع.
وحين يُحمّل المجتمع المرأة مسئولية ما تعرّضت له، فإنه لا يدافع عن الفضيلة، بل يقتلها.
لا يحمي الأخلاق، بل يمنح المجرم غطاء ً اجتماعيا ً يُعيد من خلاله إنتاج الجريمة بلا خوف ولا وازع.
يصبح المتحرّش في نظر نفسه مبرّرا ً، بينما تُدفع الضحية إلى زاوية الصمت والخزي، وكأنها هي الجانية.
دينيا ً؛ لا خلاف في الأمر، فغضّ البصر فرض، وضبط النفس واجب، واحترام الإنسان أصل لا استثناء فيه.
ولا يوجد في أي رسالة سماوية نص واحد يُسقط عن المعتدي جريمته لأن الضحية لم ترضِ وصاية المجتمع على جسدها.
أخلاقيا ً؛ لا يوجد مقياس يقبل أن يتحوّل جسد المرأة إلى تذكرة اعتداء.
وقانونيا؛ لا يعترف أي نظام حضاري أو إنساني بأي عذر يخفّف جريمة التحرّش تحت أي ذريعة تتعلّق بملابس الضحية.
إن المشكلة الحقيقية ليست في الثياب، بل في ثقافة التبرير.
في تلك المنطقة الرمادية التي يُقتل فيها الحق بالتدريج، ويُعاد تعريف الجريمة، ويتحوّل فيها الجاني شيئاً فشيئاً إلى كائن ملتبس؛ نصفه مجرم، ونصفه ضحية وهمية، بينما الضحية الحقيقية تُترك وحدها في مواجهة الألم.
المرأة لا تطلب امتيازا ً حين تخرج آمنة، ولا تطلب استثناء ً حين تسير بلا خوف، إنها تطلب حقا ًبديهيا ً اسمه الأمان الإنساني.
ولا تكتمل مواجهة ظاهرة التحرّش بالتركيز على الفرد وحده، لأن مسئولية الدولة بأجنحتها المؤثّرة تظل حجر الزاوية في حماية المجتمع.
فالشرطة ليست فقط أداة ضبط، بل رسالة طمأنة وردع في آن واحد ؛؛؛ حين يشعر المتحرّش أن العقوبة قادمة لا محالة، يتراجع كثيرون قبل أن يُقدموا.
والتعليم ليس مجرد مناهج، بل مصنع الوعي والضمير؛ تخرج منه الأجيال وهي تعرف معنى الحُرمة، وحدود الجسد، وكرامة الآخر.
أما الإعلام، فهو أخطر الأجنحة جميعًا؛ لأنه يُشكّل الذوق العام، ويعيد تعريف الرجولة، ويصنع القدوة، إمّا أن يكون سور حماية أخلاقي، أو بوابة مفتوحة لتطبيع الانحراف.
الدولة حين تتراخى في هذه الأدوار، لا تترك فراغا ً محايداً، بل تترك مساحة يتمدّد فيها الخوف، ويتوحّش فيها المجرم، ويصمت فيها الضمير العام.
وحين تقوم بدورها بوضوح وحزم وتكامل، لا تحمي المرأة وحدها، بل تحمي المجتمع من انهيار أعمق وأخطر.
المجتمع الذي لا يحمي نساءه من التحرّش، لا يحمي أبناءه من الانكسار .. لأن الوعي حين يسقط في هذا الاختبار، يسقط في كل ما بعده.
والخلاصة التي يجب أن تُكتب بالحبر الذي لا يُمحى؛ أن المرأة ليست السبب ، واللباس ليس المجرم، والتحرّش لا علاقة له بالإغراء !.. بل هو جريمة كاملة يتحمّلها الرجل المتحرّش وحده، أمام ضميره، وأمام قانونه، وأمام إنسانيته.