طوفان الأقصى وإعلاء الحقيقة التاريخية
تاريخ النشر: 10th, November 2024 GMT
المؤرخ الإسرائيلي الشهير إيلان بابيه (70 سنة) له توصيف دقيق لما يجرى الآن في الشرق الأوسط يقول فيه: "نحن الآن في خضم مسار تاريخي بدأ بالفعل، يمكنك أن تؤجل زوال إسرائيل وزوال الاحتلال، لكنك لا يمكن أن توقفه..".
وبغض النظر عن كون الرجل ضيق حيز التغيير التاريخي الذي يشير إليه وحصره في قصة بقاء إسرائيل وزوالها.
* * *
اليقين المؤكد هو أننا كعرب دخلنا تاريخ الإنسانية بالإسلام، وتكونت على إثر ذلك معادلة أقامت نفسها بنفسها وكان لها مقامها، وهي أن الأمة العربية بالإسلام، تكون في قلب مجرى التاريخ، وبدون الإسلام، هي على هامش كل التواريخ..
وستظهر هذه المعادلة بوضوح بدءا من العصر العباسي الثاني (القرن العاشر ميلادي) وبداية الهجوم الأوروبي على عالم الإسلام ومعه الهجوم التتاري، في الحالتين كانت المعادلة تنصب نفسها قائمة والعكس صحيح تماما، ورأيناه في حطين (1187م) وعين جالوت (1260م)..
وكل حركات التحرر الوطني في المشرق والمغرب العربي كانت منتبهة جيدا لهذه المعادلة.. وذلك عهد قريب لم يبعد عنا بعد.
* * *
وسنرى الراحل ميشيل عفلق (ت: 1989م) المسيحي الأرثوذكسي والمنظر العتيد لحزب "البعث العربي" يعبر لنا عن ذلك فيقول: "الدين في صميم القضية العربية، والمواطن العربي الذي نعمل لتكوينه، لم نرض له أن يكون تكوينا ناقصا أو زائفا، وبدافع من الحب للأمة العربية، أحببنا الإسلام منذ السن اليافعة، وبعد أن اقتربنا أكثر من فهمه، أضحى حبنا لأمتنا يتلخص في حبنا للإسلام".
وسيقول جملة جامعة مانعة شارطة: وإذا "فُهم الإسلام على حقيقته" ستتكرر ملحمته بكل فصولها في واقعنا الحاضر، وإلى أن تختم بالظفر النهائي للحق والإيمان.. كأن الراحل الكريم يتحدث عن "طوفان الأقصى".. فها هي المقاومة تحمل لنا وللشرق وللأمة كلها "فهم الإسلام على حقيقته".
* * *
وسيكون هاما هنا أن نسمع لرأى له وزنه وثقله من داخل المخزن الأكاديمي في إسرائيل، إنه د. داتون هاليفي أستاذ التاريخ بجامعة تل أبيب، والذي سيكتب لنا في موقع يديعوت الأسبوع الماضي كما نقل لنا الأستاذ ياسر الزعاترة على صفحته: مات السنوار، ولكن يبدو أن إسرائيل تساهم في تنفيذ وصيّته، السنوار فَهم بعمق قدرة القيادة المتطرفة على جر مصير أمة كاملة معها.
الحكومة المتطرفة في إسرائيل في هذه الفترة لم تكن فقط السبب وراء هجوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر، بل كانت أيضا فرصته (السنوار) لدفع إسرائيل نحو الهاوية، لقد نجح في ذلك بشكل ممتاز على مدار عام، كان يعلم أن إسرائيل ستتوجه الى الانتقام الوحشي.
وسيتكفل ذلك داخليا وخارجيا بـ"هدم صورة إسرائيل" عن نفسها، وصورتها في العالم الخارجي، حكومة الكارثة، ستفعل كل ما بوسعها لتنفيذ وصية السنوار كما هي، حتى تتفكك إسرائيل!
* * *
ما الذي فعلته المقاومة حتى يحدث كل هذا؟ والشيء الهام حقا، بل والأهم، هو كيف أعدت المقاومة نفسها للقيام بكل هذا..؟
لنعرف ذلك، سيكون علينا أولا أن نستدعى النظام العربي الرسمي من الخمسينيات وحتى يومنا هذا، أولئك الذين كانوا يتحدثون من خارج التاريخ!.. هم الذين اختاروا ذلك، وعن بينة اختاروا ذلك.. لماذا؟ لأن الدخول إلى "مجرى التاريخ" الحقيقي، كان سيترتب عليه ما يقض مضاجعهم كأصحاب سلطان، وهم في واقع الحال يريدون أن يعيشوا بسلطانهم ويتمتعوا بالأبّهة الكاملة (راجع مذكرات خالد محي الدين- "الآن أتكلم").
ذلك أن الدخول ثانية إلى مجرى التاريخ لن يكون إلا عبر نفس الطريق الذي دخلت منه الأمة في "الميلاد الأول"، كما يقول لنا المفكر الراحل مالك بن نبي (ت: 1973م) في كتابه المهم "شروط النهضة". وسيقول لنا فيه جملة من أروع ما قاله في كل كتاباته: "وإنها لشريعة السماء: غيرّ نفسك تُغيّر التاريخ".
* * *
ما وراء الصورة المبسّطة للواقع الحالي، هو أن الشرق الذي تشكّل بعد الحرب العالمية الثانية، كان مقصودا له ومنه أن يكون "خارج التاريخ"، حتى تدخل "إسرائيل" هذا التاريخ.. ليس حبا في اليهود، فتاريخ الكراهية الأوروبية لليهود أشهر من أن يُذكر ويعرَّف.
* * *
دخلت إسرائيل التاريخ على أيدي المقاول الغربي (أوروبي وأمريكي)، وكما قلنا كان لا بد من خروج الشرق من "مجرى التاريخ"، لتكون إسرائيل وأشباه إسرائيل هم تاريخ هذا الشرق.
من التصريحات المتكررة لنتنياهو تشبها بكبار الزعماء في التاريخ، هو أنه يقود حربا لتغيير الشرق الأوسط! والشرق كله فعلا يتجه نحو التغيير، لكنه التغير باتجاه إعلاء "الحقيقة التاريخية".. حقيقة ارتباطه القدري والتاريخي بالإسلام.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الإسرائيلي الغربي إسرائيل الغرب طوفان الاقصي مقالات مقالات مقالات تفاعلي سياسة سياسة رياضة سياسة مقالات رياضة صحافة صحافة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة مجرى التاریخ
إقرأ أيضاً:
كاتبة في الغارديان: تغير حديث العالم عن إسرائيل لن ينقذه أو يغيّر التاريخ
شددت الكاتبة في صحيفة "الغارديان" البريطانية، نسرين مالك، على أن طريقة حديث العالم عن دولة الاحتلال الإسرائيلي تغيرت جراء العدوان المتواصل على قطاع غزة، مشيرة إلى أن "جواء التواطؤ دفعت قادة المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى خطاب جديد. لكن هذا لن يُنقذهم - ولن يُغير مجرى التاريخ".
وتابعت متسائلة في مقال ترجمته "عربي21"، "لماذا الآن؟ هذا هو السؤال. لماذا الآن، بعد 19 شهرا من الهجوم المتواصل الذي كان واضحا للجميع، والذي أعلنته السلطات الإسرائيلية نفسها، هل بدأ توجه الأمور يتغير بشأن غزة؟".
وأضافت أن "التغيير الملحوظ في لهجة قادة المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي الأسبوع الماضي، يُمثل تحولا واضحا عن هراء المخاوف والتأكيدات المتكررة على حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها. الآن، أصبح الخطاب هو أن أفعال إسرائيل "غير مبررة أخلاقيا" و"غير متناسبة تماما"، وأن تهديدات قادتها "بغيضة". بعض هذا يُبشر بالمستقبل".
وبحسب المقال، فقد بلغت الحرب حد الإبادة الجماعية والتطهير العرقي بطرق باتت لا يمكن إنكارها أو تبريرها، أو تحويلها. حاول البعضُ ذلك بجد لمدة عام ونصف، لكنهم الآن لا يستطيعون الوقوف على منبر أو الجلوس على مائدة عشاء والقول، نعم، في الواقع، إن هناك حجة لقتل 100 شخص يوميا، كما كان الحال الأسبوع الماضي. أو أن لدى إسرائيل خطة أخرى غير ما أعلنه قادتها باستمرار بأنها خطة تهجير واستيطان. لقد ولى زمن الحجةِ القائلة بأن الأمر ببساطة يهدف إلى القضاءِ على حماس. إسرائيل، كما اشتكى أحدُ حلفاءِ وسائلِ الإعلامِ البريطانية، قد تركت أصدقاءها في وضع صعب.
ولكن ثمةَ فجوة بين الإدانة والغضب، وما يحدثُ على الأرض، وفقا للكاتبة، فعندما يتعلق الأمر بإسرائيل، تُحطَّم أذرع اللومِ الدولي. طوال الحرب، أصبحت المنظمات الدوليةُ والبعثات الإنسانيةُ ومحاكم العدلِ عاجزة بسببِ عجزِها عن ترجمةِ نتائجِها إلى أفعال. الكلماتُ وحدها لا تعني شيئا. إنها ببساطة ترتدُّ عن قبةِ إسرائيلَ الحديديةِ للإفلاتِ من العقاب.
وتابعت الكاتبة بالقول إن كل يوم، يستيقظ العالم ويواجه قيادة إسرائيلية تنتهك كل قانون من قوانين الأخلاق والمنطق. الضحايا هم المعتدون، والعاملون في المجال الإنساني متحيزون، والجيش الذي يقتل المسعفين العزل هو الجيش الأكثر أخلاقية في العالم. الأعلى هو الأسفل.
وشددت الكاتبة على أن التغيير الأخير في لغة حلفاء إسرائيل الدوليين أمر لافت للنظر. ولكن من الخطر المبالغة في تقدير أهميته. فليس الأمر أن السلطات الإسرائيلية لا تهتم فحسب، بل تستمد القوة من الإدانة. كل هذا يثبت أن البلاد بمفردها ويجب أن تستمر لأنها، كما كانت دائما، يُساء فهمها، ويتم التمييز ضدها، ومحاطة بالأعداء. يبدو التحول وكأنه تقدم كبير فقط بالمقارنة بما حدث من قبل. لفترة طويلة، تم تشويه فعل تسمية ما يحدث في غزة باسمه، بل وتجريمه.
وأشار المقال إلى أنه هناك أشخاص يقبعون في الاحتجاز بتهمة وصف الواقع. إذا كان هناك شيء، فقد شهد العام والنصف الماضيان سلسلة من الاختراقات التي لم تعني شيئا: احتجاجات تاريخية، وتغير جذري في الرأي العام العالمي، وصراع في قلب المؤسسات السياسية والقانونية والأكاديمية الغربية حول الحق في الاحتجاج ضد إبادة جماعية متواصلة. فلسطين، التي كانت قضية هامشية في يوم من الأيام، أصبحت قضية رئيسية تكمن في قلب السياسة والخطاب الغربي. ومع ذلك، طالما رفضت الحكومات ذات النفوذ على إسرائيل التصرف، لم ينقذ أي من ذلك حياة واحدة.
لا يزال هناك شيء في هذه اللحظة يمكن توسيعه إلى شيء ذي معنى. تميل السياسة نحو الجمود - مراعاة التحالفات والوضع الراهن. يتطلب قلب ذلك أزمة حقيقية، ومع ذلك تمكنت إسرائيل من تصعيد حملتها في غزة إلى مستوى تجاوز حتى هذا الحد العالي. تقف الحكومات مكتوفة الأيدي بينما يتضور السكان جوعا، وتشاهد الأرواح تتلاشى أمام أعين الجميع، وترى أضلاع وعيون الأطفال الذابلة، ملطخة بوصمة التواطؤ، وفقا لما ورد في المقال.
وقالت الكاتبة إن حرمان الناس من الطعام، وممارسة هذه السلطة عليهم، ليس حملة عسكرية ذات أهداف استراتيجية تنطوي على أضرار جانبية مؤسفة، بل هو خلق غيتو للعقاب الجماعي. فصل تاريخي فاصل يُكتب الآن. رعاة هذا العمل واضحون، ويدعمونه بشدة، ومع ذلك يبدو الآن منزعجين من الوضع الذي وجدوا أنفسهم فيه. المدة الزمنية تلعب دورا أيضا. لقد طال أمد كل هذا، وبات من المستحيل إجبار الناس على التعود على القتل الجماعي. ولكن قد يكون هذا أيضا هو المرحلة الخاصة من حملة إسرائيل، التي أصبحت أكثر وحشية ووضوحا في نواياها من أي وقت مضى.
وأضافت الكاتب أنه إذا كان هذا الموقف الجديد الذي اتخذه القادة الغربيون يهدف إلى تجنّب الحساب، فهو قليل جدا ومتأخر جدا: لقد سُجِّلَت الحقيقة بالفعل. وإذا كان الهدف هو ردع إسرائيل عن تنفيذ خططها الرامية إلى تقويض الحياة، وإجبار الناس على الرحيل، وتجويع وقتل من تبقى منهم، فإنهم يواجهون قوة ضاربة لا تستخدم سوى البيانات الصحفية. لا تزال الفجوة بين أفعال إسرائيل ورد فعل العالم واسعة جدا بحيث لا يمكن قياسها. لقد أهان رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، فرنسا والمملكة المتحدة وكندا، متهما حكوماتها بالانحياز إلى حماس لمجرد إعلانها أخيرا عن الأمر الواضح: أن على إسرائيل أن تتوقف عن قتل وتجويع الناس.
ولفتت الكاتبة إلى أنه في أي عالم يُعلن عضو في الحكومة أنه ينوي محو ما تبقى من منطقة ويهدف، "بعون الله"، إلى تهجير سكانها، فقط ليكون الرد مجرد تهديدات غامضة "بإجراء ملموس"؟ ما هو الردع المطلوب لمنع وقوع مجازر حيث تذهب طبيبة إلى عملها ثم تعود إلى رفات تسعة من أطفالها العشرة متفحمين، أُبيدوا بضربة واحدة؟
يتطلب الأمر، وفقا للمقال، أكثر بكثير من مجرد مراجعة وتعليق محادثات التجارة المستقبلية بين إسرائيل والمملكة المتحدة. لقد حطمت إسرائيل آليات الاستنكار التي تُعبّر عن الاستياء وتُحفّز الخارجين عن القانون على العودة إلى صفوفها، بل وجعلت من كونها خارجها فضيلة: إن الإجراء المطلوب يستلزم قلب المخاوف والافتراضات الراسخة.
أولا، الاعتقاد المُضحك الآن بأن إسرائيل حليف مُستقر في منطقة مُعادية، وأنها دولة تُشارك القيم الغربية المُتحضرة، ولذا يجب دعمها. ثم، الخوف من حدوث خلاف مع إسرائيل من شأنه أن يُخالف الترتيبات الأمنية والتآزر التاريخي - ففي نهاية المطاف، إسرائيل هي من حققت ذلك بالفعل. لقد قلبت التسويات السياسية والأخلاقية الإقليمية والعالمية رأسا على عقب، ولم يستوعب ذلك حلفاؤها بعد، حسب الكاتبة.
وأشار المقال إلى أنه بمجرد قبول هذه الحقائق، فإن مجموعة الأدوات، التي يتم نشرها بسهولة لمعاقبة الدول الأخرى، موجودة ليتم توظيفها. تظل الولايات المتحدة الطرف الأكثر نفوذا، لكنها ليست اللاعب الوحيد. يشكل الاتحاد الأوروبي حوالي ثلث إجمالي التجارة العالمية لإسرائيل: يجب السعي إلى فرض حظر. يجب فرض العقوبات، ليس فقط على المستوطنين ولكن على السياسيين في الحكومة الذين مكنوهم. يجب مراعاة أحكام المحكمة الجنائية الدولية على القيادة الإسرائيلية. يجب فرض حصار، وهو ما يرسخ عمليا وضع المنبوذ الذي اكتسبته الحكومة الإسرائيلية منذ فترة طويلة من حيث المبدأ.
وقالت الكاتبة إنه حتى في هذه الحالة، لن يكون كل هذا سوى البداية، وهي بداية متأخرة بشكل هائل ومأساوي. يمكن للمرء أن يفسر سبب عدم حدوث أي من هذه الأشياء حتى الآن: الآمال في أن يحافظ الحفاظ على إسرائيل إلى جانبها على قدر ضئيل من النفوذ، والمخاوف من أن التدابير القوية ستشجع إيران، والولاء لمفهوم الديون التاريخية، مخاوف من من أن الانفصال عن إسرائيل سيُبشّر بظهور عالم غير مستقرّ. لكن هذا العالم قائم بالفعل، والجبنُ لم يُسهم إلا في تعجيل ظهوره، بدلا من منعه.
واختتمت الكاتبة مقالها بالقول إن الفلسطينيين، من غزة إلى الضفة الغربية، يدفعون ثمنا باهظا للتقاعس، لكن جرحا عميقا قد أصاب بقية العالم. إن لم يحدث شيء، فإن مرضه الأخلاقي والسياسي سيشمل الجميع.