9 نقاط لفهم تغيير الفئات الكبيرة من العملة السودانية وآثارها الاقتصادية
تاريخ النشر: 13th, November 2024 GMT
الخرطوم- بعد مطالب لخبراء اقتصاد قبل 16 شهراً بتغيير العملة السودانية إثر نهب المصارف وأموال عدد كبير من المواطنين من منازلهم، أعلن بنك السودان المركزي طرح فئتين جديدتين "500 و1000 جنيه" للتداول قريباً.
وأثار الإعلان جدلاً سياسياً واقتصادياً في حين اعتبرته قوات الدعم السريع خطوة تمهيدية ضمن خطة لتقسيم السودان وفصل أقاليمه.
ويعاني الاقتصاد السوداني من معدل تضخم مرتفع اقترب من 200%، ويتم تداول نحو 90% من الكتلة النقدية خارج نظام القطاع المصرفي.
ومنذ حكومة رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك قبل 4 سنوات، تصاعدت المطالب بتغيير العملة من أجل السيطرة على السيولة والتحكم بالكتلة النقدية، ولكن السلطات المالية اعترضت وبررت أن تكلفة طباعة العملة الجديدة تتجاوز 500 مليون دولار.
وأوضح "المركزي" -في بيان الأحد- أن الهدف من طرح الفئة الجديدة هو "حماية العملة الوطنية وتحقيق استقرار في سعر صرفها، ومواجهة الآثار السلبية للحرب الدائرة لا سيما عمليات النهب الواسعة التي قامت بها المليشيا المتمردة لمقار بنك السودان وشركة مطابع السودان للعملة في الخرطوم".
وذكر أن ما حدث نتج عنه انتشار كميات كبيرة من العملات مجهولة المصدر وغير المطابقة للمواصفات الفنية من فئتي 500 و1000 جنيه، الأمر الذي أدى إلى زيادة مستوى السيولة النقدية بشكل واضح وكان له الأثر السلبي على استقرار المستوى العام للأسعار.
غير أن قوات الدعم السريع عدّت -في بيان لها- أن قرار تغيير العملة الذي أعلنه "المركزي" خطوة تمهيدية "ضمن خطة لتقسيم السودان وفصل أقاليمه".
وانتقد بيان الدعم السريع تغيير العملة في ظل انهيار النظام المصرفي في معظم الولايات، داعيًا السودانيين إلى عدم الاستجابة لقرار المركزي، وعدم إيداع أموالهم في المصارف أو التعامل بالفئة الجديدة.
1- هل تأخر بنك السودان في تغيير العملة؟مسؤول كبير في بنك السودان يرى أن تغيير العملة قرار سياسي ويتطلب توفير مئات الملايين من الدولارات، كما أن العملية معقدة فنياً وإدارياً وتتم الطباعة خارج البلاد، لذا فإن الوقت الذي استغرقته ليس طويلاً في ظل ظروف البلاد الأمنية والاقتصادية.
وفي حديث للجزيرة نت، يكشف المسؤول الذي طلب عدم الإفصاح عن هويته أن الأموال التي نهبتها قوات الدعم السريع من المصارف ومطابع العملة بالخرطوم تتجاوز ما يعادل 400 مليون دولار.
2- لماذا اتجه "المركزي" لتغيير فئتي 500 و1000 جنيه فقط؟يقول المسؤول في البنك المركزي إن غالب الأموال التي نهبت من المصارف والشركات ومنازل المواطنين من الفئات الكبيرة، وكذلك الفئات المعرضة للتزوير، وبعض فئات العملة تقل قيمتها عن تكلفة طباعتها وسيتم تغييرها لاحقاً.
يقول مسؤول "المركزي" للجزيرة نت إن الأوضاع الأمنية تمنع نقل العملة الورقية في الولايات المتأثرة بالحرب، ولكن هناك فروعاً للبنك تعمل في ولايتي شمال كردفان والشمالية وهي قريبة من دارفور، وسيشجع البنك التعامل الرقمي في حركة الأموال والتعامل التجاري عبر التطبيقات المصرفية كما ستتم غالب المعاملات الحكومية بالدفع الإلكتروني لتقليل التعامل بالعملة الورقية.
4-ما آثار تغيير العملة والتحديات المتوقعة؟يرى الخبير الاقتصادي هيثم فتحي -في حديث للجزيرة نت- أن القرار ضروري وحتمي في ظل ظروف السودان، ولكنه قد يواجه بصعوبات كثيرة في ظل الحرب وعدم استقرار الأمن، وهو خطوة عاجلة للقضاء على التزوير والحد من السيولة المتاحة في أيدي المضاربين، وذلك بهدف استعادة التوازن الاقتصادي وإدخال الأموال إلى الدورة النقدية الصحيحة.
وحسب الخبير الاقتصادي فإن تغيير العملة يتطلب آليات مصاحبة من أجل تخفيض عرض النقود في الاقتصاد ومكافحة التزوير وتفعيل الدفع والسداد الإلكتروني بخصوص شراء السلع والخدمات فضلا عن وضع ضوابط لاستخدامات النقد الأجنبي.
5- هل سيساهم تغيير العملة في انفراجة بشأن السيولة؟يدعو الخبير فتحي لزيادة كمية الأوراق النقدية من العملة المحلية المتداولة لتعويض الخسارة التي حدثت في القوة الشرائية للمستهلكين خشية حدوث ركود اقتصادي.
وكما هو الحال، فإن انخفاض العرض النقدي في المناطق التي تشهد عدم الاستقرار الأمني ساهم بالتأكيد في انخفاض المبيعات التجارية منذ اندلاع الحرب. وفي المقابل لابد من تعزيز موضوع الشمول المالي بالانتقال إلى تتبع حركة الجنيه إلكترونياً لكي يتم سحب الكتلة النقدية وإيداعها داخل النظام المصرفي، وفق المتحدث نفسه.
يقول وزير الدولة للمالية السابق أحمد مجذوب -في منشور- إن القرار تأخر جداً، مؤكدا أهمية تنفيذه، ويوضح أن تغيير واستبدال العملة إجراء متزامن يتم إعلانه وتنفيذه فى الظروف العادية عند استلام العملات الجديدة، بالسحب التدريجى للعملة الملغاة والتعامل بالجديدة، أو فى الظروف الطارئة يتم الاستبدال الفوري عند إكمال إجراءات طباعة واستلام العملة البديلة.
ويقول إن التأخير في التنفيذ قد يدفع كثيرا من العملاء لاتخاذ إجراءات تحميهم من أي آثار سلبية لإيداع أموالهم لدى المصارف وخاصة المشكوك فيها.
7-كيف يمكن حماية المصارف من الأموال المشبوهة التي أشار إليها بيان "المركزي"؟يوضح الوزير السابق أن البنك المركزي مطالب بإعلان الجمهور عن نوع وخصائص العملة مجهولة المصدر، لأنه لا يقل أهمية عن إجراءات الإلغاء والاستبدال، حتى يراجع كل مواطن ما بحوزته من عملة، وهو يعلم مصدرها الذي استلمها منه.
ويقول: لا أظن أن أجهزتنا الأمنية والاستخباراتية وفنيي البنك المركزي والمصارف لا يعلمون مصدر وصفات هذه العملة.
ويضيف: مما ينبغي الاهتمام به والترتيب له هو كيف تتعامل المصارف مع حاملي هذا النوع من العملات مجهولة المصدر.
8- كيف يمكن تجنب الآثار السلبية لتغيير العملة وهل هي مرتبطة بمدى زمني محدد؟يعتقد مؤسس بنك الثروة الحيوانية بشير آدم رحمة أن أي قرار بإلغاء تداول هذه العملات حاليا سيكون له أثر سلبي على المنتجين لأن الفترة الحالية هي فترة حصاد الموسم الصيفي ودخول الإنتاج إلى الأسواق، فأي نقص في السيولة سيؤدي إلي تدني الأسعار وتضرر المنتجين.
وفي حديث للجزيرة نت، يدعو رحمة بنك السودان لتحديد سقف زمني للإيداع بعدها يعلن البنك المركزي العملة القديمة غير مبرئة للذمة.
9- هل سيزيد ضخ العملة الجديدة بالأسواق من معدلات التضخم المرتفعة أصلاً؟يقترح بشير رحمة على البنك المركزي أن يضخ في الاقتصاد من العملة الجديدة بقدر ما يتم توريده في المصارف من العملة القديمة، وبهذه الطريقة يحافظ على حجم النقود في الاقتصاد بما لا يزيد من الكتلة النقدية التي تؤدي زيادتها إلى التضخم وغلاء الأسعار.
ويعتقد أنه ينبغي معرفة مصدر الأموال التي يأتي أصحابها لاستبدالها حتى لا تستغل العملية في عبور الأموال غير النظيفة للمصارف، ويمكن الاستعانة بالأجهزة الأمنية في ذلك، حسب رأيه.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات قوات الدعم السریع مجهولة المصدر البنک المرکزی تغییر العملة بنک السودان للجزیرة نت من العملة
إقرأ أيضاً:
العقوبات الاقتصادية الأميركية على السودان: شلّ الاقتصاد أم كبح آلة الحرب؟
بقلم: عمر سيد أحمد – خبير مصرفي ومالي وتمويل
مايو 2025
العقوبات من واشنطن إلى الخرطوم… ما بين الحساب والعقاب
في 24 أبريل 2025، أعلنت وزارة الخارجية الأميركية عزمها فرض عقوبات صارمة على السودان بموجب “قانون مراقبة الأسلحة الكيميائية والبيولوجية لعام 1991”، وذلك بعد تأكيد استخدام الحكومة السودانية لأسلحة كيميائية في عام 2024، في خرق صريح لاتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية التي تُعد السودان طرفًا فيها.
القرار، الذي سُلِّم إلى الكونغرس الأميركي مرفقًا بتقرير يؤكد “عدم امتثال السودان”، يُمهّد لتطبيق حزمة من التدابير العقابية، تشمل حظر الوصول إلى خطوط الائتمان الأميركية، وتقييد الصادرات، وتجميد الأصول. ومن المتوقع أن تدخل هذه العقوبات حيّز التنفيذ في أو حوالي 6 يونيو 2025، عقب نشرها في السجل الفيدرالي الأميركي.
ورغم أن هذه العقوبات تأتي ردًا على خروقات خطيرة للقانون الدولي، فإن توقيتها في ظل حرب أهلية طاحنة، وانهيار اقتصادي شامل، وتوسع المجاعة والنزوح، يطرح تساؤلات أخلاقية واستراتيجية حول فاعليتها وجدواها، ومدى تأثيرها الفعلي على النخبة الحاكمة مقارنة بما تلحقه من أضرار مباشرة بحياة المواطنين واقتصاد الدولة.
تجربة السودان السابقة مع العقوبات (1997–2020)
بين عامي 1997 و2020، خضع السودان لعقوبات أميركية شاملة فرضت عليه عزلة اقتصادية ومصرفية خانقة، بتهم دعم الإرهاب واحتضان تنظيمات متطرفة. طالت العقوبات المؤسسات الحكومية والمالية، وحرمت السودان من:
• استخدام النظام المصرفي العالمي المرتبط بالدولار.
• استقبال الاستثمار الأجنبي المباشر أو التمويلات الإنمائية.
• التحديث التكنولوجي والاتصال بأسواق المال.
أدت هذه العقوبات إلى تدهور البنية الاقتصادية، وزيادة الاعتماد على التهريب والاقتصاد الموازي، وهروب الكفاءات ورؤوس الأموال. ورغم الرفع التدريجي للعقوبات في 2017، إلا أن استمرار وضع السودان على قائمة الإرهاب حتى أواخر 2020 أعاق أي تعافٍ جاد، خصوصًا مع تعاقب الأزمات السياسية والانقلابات والحرب الأخيرة.
العقوبات الجديدة – البنود والتوقيت
العقوبات الأميركية الجديدة، التي ستدخل حيز التنفيذ في يونيو 2025، جاءت كرد مباشر على ما وصفته واشنطن بـ”استخدام موثّق للأسلحة الكيميائية من قبل حكومة السودان”. وتشمل:
• حظر التعاملات بالدولار الأميركي.
• تجميد أصول الحكومة والشخصيات المتورطة.
• منع الشركات الأميركية من تصدير تقنيات أو منتجات للسودان.
• حرمان السودان من الوصول إلى التمويل الأميركي أو الدولي المدعوم أميركيًا، خصوصًا عبر خطوط الائتمان أو التسهيلات المالية.
ما يضاعف من أثر هذه العقوبات هو هشاشة الوضع الداخلي، حيث يخوض السودان واحدة من أسوأ حروبه الأهلية، وسط انهيار شبه كامل لمؤسسات الدولة المدنية.
ثالثًا: التأثيرات الاقتصادية المباشرة
1. خروج فعلي من النظام المالي العالمي
السودان اليوم شبه معزول عن النظام المالي العالمي، ومع تنفيذ هذه العقوبات، ستفقد البنوك السودانية القدرة على:
• فتح الاعتمادات المستندية لشراء السلع.
• تنفيذ التحويلات البنكية الرسمية.
• التعامل مع المؤسسات الوسيطة في التجارة الخارجية.
هذا يعني عمليًا إغلاق باب التجارة القانونية، وتوجيه كل النشاطات نحو السوق السوداء أو التهريب.
2. تهديد الأمن الغذائي والدوائي
مع صعوبة الاستيراد الرسمي، تتراجع واردات القمح، الدواء، الوقود، والأدوية المنقذة للحياة. ويؤدي ذلك إلى:
• نقص حاد في الإمدادات الأساسية.
• تضاعف الأسعار نتيجة ارتفاع تكلفة التأمين والنقل.
• توسّع الفجوة في الخدمات الصحية.
3. ضياع موارد الدولة من الذهب
في ظل غياب الرقابة وازدهار اقتصاد الظل، يُقدّر حجم الذهب السوداني المُهرّب بأنه يفوق 50 إلى 80% من الإنتاج السنوي. وقدرت الخسائر من التهريب خلال العقد الماضي بما بين 23 و36 مليار دولار. العقوبات الحالية تدفع بهذا المورد نحو مزيد من التهريب، وتُفقد الدولة فرصة استثمار أكبر كنز نقدي تملكه.
4. تعميق أزمة سعر الصرف
كل هذه التطورات تؤدي إلى:
• تسارع تدهور الجنيه السوداني أمام الدولار.
• تزايد التضخم المفرط.
• انهيار القدرة الشرائية للمواطنين.
رابعًا: من يدفع الثمن؟
رغم أن العقوبات تستهدف النظام السياسي والعسكري، إلا أن من يدفع الثمن فعليًا هو المواطن العادي:
• العامل الذي فقد وظيفته بسبب توقف المصنع عن الاستيراد.
• المزارع الذي لا يجد سمادًا ولا وقودًا.
• المريض الذي لا يحصل على دواء.
• التاجر الذي يُجبر على التعامل عبر السوق السوداء.
خامسًا: العقوبات كأداة سياسية – فعالة أم عقوبة جماعية؟
تاريخيًا، نادرًا ما أسقطت العقوبات الأنظمة القمعية. بل كثيرًا ما زادت من تماسكها عبر:
• خطاب “الحصار الخارجي”.
• عسكرة الاقتصاد.
• قمع المعارضة بحجة الطوارئ.
وفي السودان، حيث الاقتصاد منهار أصلًا، ستدفع العقوبات الناس نحو مزيد من الفقر واليأس، دون ضمان أن تؤدي إلى تغيير حقيقي في سلوك النظام.
سادسًا: أهمية وقف الحرب فورًا
العقوبات في حد ذاتها خطيرة، لكن الحرب تجعلها كارثية. فكل يوم يستمر فيه القتال:
• يُفقد السودان مزيدًا من موارده.
• ينهار الأمن الغذائي.
• يتوسع النزوح والدمار.
وقف الحرب هو الخطوة الأولى والأكثر إلحاحًا للخروج من هذه الدوامة. فبدون وقف إطلاق النار، لا يمكن التفاوض، ولا يمكن الإصلاح، ولا يمكن للعالم أن يستجيب لدعوات تخفيف العقوبات.
الآثار المتوقعة على إعادة الإعمار بعد الحرب
من أبرز التداعيات الخطيرة للعقوبات الأميركية المرتقبة أنها ستُقوّض بشدة فرص إعادة الإعمار بعد الحرب، حتى إذا تم التوصل إلى وقف إطلاق النار أو تسوية سياسية. إذ أن إعادة بناء البنية التحتية المدمرة – من طرق ومرافق وخدمات عامة – تتطلب تمويلات ضخمة، لا يمكن تغطيتها من الموارد المحلية وحدها، خصوصًا في ظل الانهيار الكامل للإيرادات العامة وغياب مؤسسات الدولة الفاعلة. وبما أن العقوبات تشمل حظر الوصول إلى التمويل الأميركي وخطوط الائتمان، فإنها تحرم السودان من أي فرص واقعية للحصول على قروض ميسّرة، أو دعم من المؤسسات المالية الدولية مثل البنك الدولي وصندوق النقد، أو حتى من شركات مقاولات عالمية. كما أن استمرار العقوبات يُعزّز مناخ عدم الثقة في السودان كبيئة استثمارية، ما يدفع المستثمرين للابتعاد عنه، ويطيل أمد العزلة الاقتصادية، وبالتالي يُجمّد أي مسار حقيقي نحو التعافي والتنمية بعد الحرب.
خاتمة: بين المحاسبة والإنقاذ
العقوبات الأميركية على السودان تُعبّر عن موقف دولي حازم ضد استخدام الأسلحة الكيميائية، لكنها في سياق حرب داخلية وانهيار اقتصادي، تتحول إلى عقوبة جماعية تهدد بقاء الدولة ذاتها. المطلوب اليوم ليس فقط التعامل مع العقوبات، بل تغيير المسار السياسي والاقتصادي كاملاً.
وذلك يتطلب:
• وقف الحرب فورًا.
• تشكيل حكومة مدنية ذات مصداقية.
• إصلاح شامل للقطاع المالي والمؤسسي.
• الشروع في مفاوضات مع المجتمع الدولي لرفع العقوبات تدريجيًا مقابل التزامات واضحة بالسلام والشفافية.
فالعالم لن يستثمر في بلد يحكمه الرصاص والتهريب، ولن يخفف عقوبات ما لم يرَ إرادة حقيقية للتغيير. والسودان، برغم الجراح، لا يزال يملك فرصة – لكنها تضيق كل يوم.
o.sidahmed09@gmail.com