تولّي ترامب الرئاسة الأمريكية: هل ثمة فرص؟!
تاريخ النشر: 15th, November 2024 GMT
بقدر ما يظن ترامب أنه يحقق إنجازات، بقدر ما تتسبّب طبيعته الشخصية وطبيعة تطلعاته وأسلوبه في العمل في صناعة الأزمات؛ وبقدر ما يقف في وجهه "المتضررون" ويرفضون الإذعان له ويتعاونون لإفشاله، بقدر ما تنفتح أمامهم الفرص، وترتد سياساته عليه فشلا قي أدائه، وتراجعا وتدهورا في المكانة الدولية لأمريكا، وأزمات وصراعات أمريكية داخلية.
* * *
أحببنا أم كرهنا، فقد فاز ترامب في انتخابات الرئاسة الأمريكية، وسيطر حزبه الجمهوري على مجلسي النواب والشيوخ، وأصبح مطلق اليدين في إدارة الدولة العظمى (حتى الآن) في العالم. وأخذ يشكل فريقا رئاسيا وزاريا أقل ما يقال في معالمه الأولى أنه صهيوني بامتياز، وحسبما ذكر أحد الخبراء، فلو أن بن غفير نفسه قام بالتشكيل لما شكل فريقا أكثر تشددا منه!!
بالتأكيد، سيسعى ترامب مدفوعا بنرجسيته وصهيونيته الإنجيلية وحبه للإنجاز، وعجرفته ومشاعره الفوقية تجاه العرب والمسلمين وحتى تجاه أنظمتهم السياسية وحكامها، إلى العمل كـ"بلدوزر" لحسم الصراع لصالح الاحتلال الإسرائيلي، وفرض تصوره في شطب الملف الفلسطيني، وفرض الهيمنة الإسرائيلية ومعاييرها الأمنية على المنطقة. ولكن، أليس ثمة فرص قد تلوح في الأفق؟!
الطريقة التي يعمل بها ترامب ستكشف بشكل كامل الوجه الحقيقي الاستعماري الاستغلالي الأمريكي، وستُظهر بشكل واضح الخلفيات الدينية الثقافية المتغلغلة في عقلية صانع القرار الأمريكي تجاه الكيان الإسرائيلي وطبيعة الصراع، وستكشف أن مسار التسوية السلمية وحل الدولتين كان تسويقا للوهم، وغطاء لشراء الوقت لمزيد من تهويد الأرض والإنسان
الطريقة التي يعمل بها ترامب ستكشف بشكل كامل الوجه الحقيقي الاستعماري الاستغلالي الأمريكي، وستُظهر بشكل واضح الخلفيات الدينية الثقافية المتغلغلة في عقلية صانع القرار الأمريكي تجاه الكيان الإسرائيلي وطبيعة الصراع، وستكشف أن مسار التسوية السلمية وحل الدولتين كان تسويقا للوهم، وغطاء لشراء الوقت لمزيد من تهويد الأرض والإنسان، وفرض الحقائق على الأرض.
هذا الانكشاف الكامل، سيفتح المجال لصانع القرار الأمريكي والإسرائيلي أن يُظهر أسوأ ما عنده؛ وسيُكرّس حالة الاستقطاب في المنطقة. فمع سقوط الأقنعة سيُفرض على الجميع أنظمة وشعوبا أن ينحازوا إما إلى معسكر الإذعان والانبطاح أو إلى معسكر العزة والكرامة؛ فإما أن يظهروا أسوأ ما لديهم وإما أن يظهروا أحسن ما لديهم، وبالتالي تتجلى حالة "الفسطاطَين". وقد يعطي ذلك الفرصة لتيارات المقاومة وتيارات التغيير في المنطقة أن تستوعب الكثيرين ممن أخذوا يستشعرون أن السكين قد اقتربت من رقابهم، وأنه لم يعد ثمة مجال للنأي بالنفس أو التهرّب من المسؤولية، بمعنى أن حالة التحشيد وبيئات "التفجير" لتسريع "ربيع عربي" جديد ستصبح أكثر قربا ومنالا.
من ناحية ثانية، فإن عدم رغبة ترامب في خوض الحروب وتحمل تكاليفها، عكست رغبته التي أبداها لنتنياهو في إنهاء الحرب على غزة قبل بداية ولايته الرئاسية. وبناء على الطبيعة الشخصية لترامب وخصوصا براجماتيته العالية، وثقته المفرطة بنفسه، ورغبته في سرعة الإنجاز، فإنه إذا بدأ ولايته وكان نتنياهو ما زال غارقا في مستنقع الحرب، سيسعى للتعجيل بإنهائها من خلال دعم استثنائي لنتنياهو وتوفير كافة الإمكانات والغطاءات التي يحتاجها، غير أن نتنياهو إذا فشل في مهمته (كما فشل من قبل)؛ فربما سيحدث تحوّل في موقف ترامب للذهاب لحلول براجماتية، والضغط على نتنياهو لوقف الحرب. وسيصعب على نتنياهو عدم الاستجابة لترامب، بوجود أفضل حليف يمكن تَخيُّله في أمريكا، وهو حليف لا يمكن المزايدة عليه في التشدد. وستخدم البيئة الداخلية الإسرائيلية المستنزفة والمحبطة؛ في الضغط أيضا على نتنياهو.
من ناحية ثالثة، فإن ترامب قد يوفر الغطاء اللازم للصهاينة للتَّغوُّل في تهويد المسجد الأقصى، واقتطاع أجزاء منه، أو بناء كنيس داخل ساحاته.. وغيرها من المشاريع. وهذا خطر عظيم وخط أحمر سيمثل عنصر تفجير في الأمة، وحالة استعداء أوسع للمشروع الصهيوني، ومزيدا من الالتفاف حول مشروع المقاومة؛ التي أثبتت أن طوفان الأقصى له فعلا ما يبرره.
ورابعا، فإن ترامب قد يوفر الغطاء السياسي اللازم للاحتلال الإسرائيلي لضم أجزاء واسعة من الضفة الغربية، وخصوصا مناطق "ج" التي تمثل نحو 60 في المئة من الضفة، والتي تترافق مع مشاريع وضع الفلسطينيين هناك في معازل وكانتونات، تُنهي عمليا السلطة الفلسطينية وأحلام التسوية والدولة الفلسطينية، وتنشئ أوضاعا قاسية للتّسبُّب في تهجير الفلسطينيين، حيث يرغب الصهاينة في تهجير نحو مليونين منهم باتجاه الأردن وغيره.
وهذا الخطر قد يدفع السلطة، أو على الأقل من لا يرتبط بالخط الأمني الذي يخدم الاحتلال، أن يعيدوا حساباتهم، ويدخلوا بشكل جاد في التنسيق مع حماس وقوى المقاومة في إعادة ترتيب البيت الفلسطيني ومواجهة المخاطر الكبرى القادمة.
كما أن الأردن سيتعامل مع هذا الخطر باعتباره يمسُّ أمنه القومي وخطا أحمر، خصوصا أنه يصب في مشاريع التوطين والوطن البديل؛ وهو ما قد يدفعه لاتخاذ مواقف أكثر وضوحا وحسما لإفشال هكذا مشاريع، بما في ذلك وقف التطبيع، وإعادة مراجعة علاقاته مع قوى المقاومة لتأخذ شكلا أكثر إيجابية وفعالية.
من ناحية خامسة، فإن سلوك ترامب الدولي سيستفز قوى دولية كبرى وعلى رأسها الصين، وسيستثير البيئات العالمية التي ترفض العودة إلى أجواء الهيمنة والغطرسة والاستعمار. كما أن أسلوب تعامله مع حلفائه في الناتو والاتحاد الأوروبي لا يخلو من ممارسة ضغوط بغيضة ومستفِزّة؛ مثل زيادة إسهاماتها في ميزانية الناتو، والمساعدة على توفير ظروف أفضل لخدمة الاقتصاد الأمريكي على حساب غيره.
ربما يجد ترامب نفسه قادرا على استخدام إمكاناته في فرض بعض شروطه، لكنه سيصنع الكثير من الأعداء، وسيتثاقل العديد من الأصدقاء في دعمه؛ وقد يضطر عديدون ممن كانوا راضين بالدوران في "الفلك الأمريكي الناعم" أن يبحثوا عن حلفاء آخرين وعن قوى دولية داعمة في مواجهة الغطرسة الأمريكية
وفي هذه الأجواء ربما يجد ترامب نفسه قادرا على استخدام إمكاناته في فرض بعض شروطه، لكنه سيصنع الكثير من الأعداء، وسيتثاقل العديد من الأصدقاء في دعمه؛ وقد يضطر عديدون ممن كانوا راضين بالدوران في "الفلك الأمريكي الناعم" أن يبحثوا عن حلفاء آخرين وعن قوى دولية داعمة في مواجهة الغطرسة الأمريكية. وقد تسعى بعض القوى الكبرى مثل الصين إلى ملء الفراغ، وإلى الدفع باتجاه بيئة دولية جديدة خارجة عن النفوذ الأمريكي وتصبُّ في تراجعه وانحداره.
وسادسا وأخيرا، فإن أسلوب ترامب في فرض رؤيته على الأمريكيين أنفسهم فيما يتعلق بهوية الولايات المتحدة ومنظومة إدارة الدولة، وتركيبها الاجتماعي والسكاني والثقافي.. سيتسبَّب في تأزيم الوضع الداخلي الأمريكي، وإثارة النزاعات، والدفع باتجاه زيادة شعبية فكرة انفصال بعض الولايات عن الاتحاد الأمريكي، وبالتالي إضعاف أمريكا من داخلها؛ وفرض مزيد من بيئات التدهور عليها.
إن مراهنات ترامب وسلوكه الحاد المتطرف، تقوم على فكرة إذعان "الآخر" وقبوله للإخضاع؛ ولكن ماذا لو كان الآخر لديه مشاعر عزة وكرامة واستعدادات للتضحية والمواجهة، ولديه بدائله وخياراته الأخرى؟! إن هذا قد يستفز "الآخر" ليستنفد كل طاقته في إسقاط ترامب ونهجه. والبيئات الفلسطينية والعربية والإسلامية والدولية، لديها الكثير مما تفعله؛ خصوصا إذا ما تكاتفت في مواجهته.
* * *
ما سبق هو فرص محتملة، وليست أكيدة، وقد تُتاح الأجواء لتحقيق بعضها جزئيا أو كليا.. وربما خاب ظننا في بعض القوى التي قد تُفضّل الإذعان وتمرير "عاصفة" ترامب، وترى في الفرص "مغامرة" لا تقوى عليها!! خصوصا في بيئات حكم فاسدة ومستبدة، تخشى من شعوبها أكثر من ترامب وبرنامجه. غير أن ما يعنينا أن نؤكد عليه هو أن ترامب ليس قَدَرا، وأن شعوبنا لديها إمكانات هائلة مذخورة، وأنه قد يتسبّب في أن يكون استنهاضا أكثر من كونه عنصر إذعان.
x.com/mohsenmsaleh1
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه ترامب الإسرائيلي الفلسطيني نتنياهو إسرائيل امريكا فلسطين نتنياهو ترامب مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة رياضة صحافة سياسة سياسة رياضة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة
إقرأ أيضاً:
ترامب يتحرك لإطلاق المرحلة الثانية من خطة غزة ويجمع نتنياهو والسيسي في فلوريدا
طرح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مساراً جديداً في جهوده المتعلقة بقطاع غزة، بعد أن قرر التدخل شخصياً للدفع بخطته قدماً، تمهيداً لإطلاق المرحلة الثانية منها خلال سلسلة اجتماعات يعقدها مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في منتجع مارالاغو بولاية فلوريدا اعتبارا من 29 كانون الأول/ديسمبر الجاري، وسط توقعات بأن تشمل الاجتماعات أيضاً الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.
وأفادت تقديرات بأن ترامب قد يعلن بدء المرحلة الثانية خلال استقباله نتنياهو أو حتى قبل اللقاء بأيام.
وعد ترامب الخطة الأميركية المؤلفة من عشرين بنداً إنجازاً شخصياً، بعدما أقنع نتنياهو بوقف النار، ولو كان هشا، في 10 تشرين الأول/أكتوبر، وبالانسحاب إلى "الخط الأصفر"، إضافة إلى تبادل الأسرى، من الأحياء والأموات، بين إسرائيل و"حماس". ورأى أن التأخر في الانتقال إلى المرحلة الثانية يهدد ما تحقق في المرحلة الأولى.
وأشارت جريدة "النهار" اللبنانية إلى أن انضمام السيسي إلى الاجتماعات المرتقبة شكّل خطوة يتوخى منها ترامب إضفاء طابع إقليمي على التسوية في غزة، خصوصا أن مصر مرشحة للعب دور رئيسي في المرحلة الثانية، سواء عبر المشاركة في قوة الاستقرار الدولية، أو في جهود إعادة الإعمار، فضلا عن كونها وسيطاً مع "حماس" في البحث عن سبل إقناع الحركة بالتخلي عن السلطة والسلاح.
وفي السياق نفسه، جاءت المباحثات الثلاثية في واشنطن قبل أيام بين وفود أمريكية وقطرية وإسرائيلية، في ضوء كون الدوحة إحدى الدول الوسيطة والموقعة على وثيقة إنهاء الحرب في غزة.
ولا يزال البيت الأبيض يأمل في إقناع دولة الاحتلال بالدور التركي ضمن المرحلة الثانية من الخطة الأميركية، رغم رفض نتنياهو لهذا الدور بسبب تدهور العلاقات التركية الإسرائيلية نتيجة الحرب، إلى جانب التنافس على النفوذ في سوريا.
ومثلما جرى إعلان الخطة الأمريكية في حضور نتنياهو في البيت الأبيض في 29 أيلول/سبتمبر، ترددت توقعات بأن ترامب قد يعلن الشروع في المرحلة الثانية بالتزامن مع اجتماعات فلوريدا.
وفي موازاة ذلك، سرت تكهنات عن خطة أمريكية رديفة لإنشاء نموذج أولي للإدارة المدنية في رفح جنوبي قطاع غزة، وهو طرح يتطلب تعاونا مصريا، رغم رفض القاهرة محاولات تجزئة غزة وتقطيع أوصالها أو إقامة مناطق "مزدهرة" وأخرى خاضعة للضغط المعيشي والأمني.
وتساءلت التقارير عما إذا كان البيت الأبيض يراهن على قمة مصرية إسرائيلية في فلوريدا لفتح الطريق نحو المرحلة الثانية.
ولم يقتصر جدول اجتماعات فلوريدا على ملف غزة، إذ شمل أيضا الملف السوري الذي حاول ترامب من خلاله توفير بيئة تساعد "النظام الجديد" في سوريا على تثبيت الاستقرار، وسط استمرار التوغلات الإسرائيلية اليومية في القنيطرة ودرعا وريف دمشق، والتي اعتبرت عاملا يعرقل هذه المساعي.
كما حال الخلاف حول مطالب نتنياهو، وفي مقدمتها نزع السلاح من كامل الجنوب السوري وتقديم إسرائيل نفسها كـ"حامية للأقليات"، دون توقيع الاتفاق الأمني الذي رعته واشنطن.
وبالتوازي، برز تعقيد إضافي في الملف اللبناني، وسط إصرار إسرائيل على مواصلة انتهاكات وقف النار والتهويل باعتداءات أوسع للضغط على الحكومة اللبنانية في موضوع "حصرية السلاح"، في وضع وصف بأنه يدفع لبنان إلى خيارين سيئين: حرب إسرائيلية شاملة أو حرب أهلية.
وربطت حكومة الاحتلال الملف اللبناني بالملف الإيراني، بينما سعى نتنياهو، وفق التقارير، إلى الحصول على دعم من ترامب في فلوريدا لاحتمالات استئناف حرب الأيام الـ12 ضد إيران، عبر توجيه ضربات استباقية تهدف إلى منع طهران من تجديد قدراتها الصاروخية.