رغم مرور نحو 14 سنة على الثورة في تونس وسقوط نظام الرئيس الراحل زين العابدين بن علي، لم تتمكن الحكومات التونسية المتعاقبة من استرجاع الأموال المنهوبة والمهربة بالخارج من عائلة وأقارب الرئيس المخلوع، والتي بتت فيها أحكام قضائية.

وبلغ حجم الأموال المهربة في فترة نظام زين العابدين بن علي، الممتدة من سنة 1987 إلى 2010، حوالي 39 مليار دولار، مثلت 88.

1 بالمئة من الناتج المحلي الخام لسنة 2010، وفق تقرير أصدره المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وهو هيئة رقابية غير حكومية، في 2023.

وكان الرئيس التونسي قيس سعيد هو الآخر قد جعل من هذا الملف رهانا من بين رهانات مرحلة الحكم التي يديرها في البلاد، إذ كرر في خطاباته أن المبالغ المنهوبة في صفقات الفساد تناهز 4.4 مليارات دولار، مستندا إلى تقرير لجنة تقصي الحقائق عن الفساد والرشوة التي تشكلت بعد سقوط النظام السابق في 2011.

في المقابل، ما يزال ملف الأموال المنهوبة يراوح مكانه رغم المحاولات المتكررة لإثارة هذا الملف سواء على المستوى الديبلوماسي أو التشريعي وهو ما يفتح النقاش بشأن الأسباب التي حالت دون استرجاع تونس لأموالها بعد نحو 14 سنة من الثورة.

صعوبات أم تهاون؟

تعليقا على هذا الموضوع، يرى الوزير السابق المكلف بالوظيفة العمومية والحوكمة ومكافحة الفساد، محمد عبو، أنه بالاستناد إلى تجارب بلدان مماثلة عاشت ثورات، فإن استعادة الأموال المنهوبة بالخارج "ليست عملية بسيطة وتتطلب بعض الوقت"، مشيرا إلى تسجيل "تهاون" في هذا الجانب من قبل حكومات ما بعد الثورة.

ويوضح عبو لـ "الحرة" أنه رغم إحداث لجنة أشرف عليها البنك المركزي التونسي بناء على مرسوم حكومي صدر في 2011، إلا أن هذه اللجنة انتهت عهدتها البالغة أربع سنوات ولم تعوض بهيئة أخرى، ليحال إثر ذلك ملف الأموال المنهوبة إلى المكلف العام بنزاعات الدولة، والذي "لا يمتلك الإمكانيات البشرية الكافية" لمتابعة هذه القضية.

بين "أنا يقظ" والخارجية التونسية.. جدل محتدم و"لا حلول" تعيد الأموال "المنهوبة" عاد ملف "الأموال المنهوبة" إلى واجهة النقاش بالأوساط التونسية بعد "تراشق" بالبيانات، بين وزارة الخارجية التونسية والمنظمة الرقابية "أنا يقظ" المتخصصة في قضايا مكافحة الفساد المالي، في أعقاب إعلان الرئيس التونسي عن خطوات جديدة لمواجهة الجرائم الاقتصادية في البلاد.

ويشدد الوزير السابق على أن ملف استرجاع الأموال المنهوبة "استنزف الكثير من الوقت وغاب فيه جانب الاجتهاد من قبل الحكومات المتعاقبة عبر تطويل الإجراءات"، مستطردا "حتى بعد فترة 25 يوليو 2021، ظل هذا الملف مجرد شعار سياسي ولم يشهد أي تقدم أو سير نحو الانفراج".

وفي أكتوبر 2020، أحدث الرئيس التونسي قيس سعيد لجنة خاصة برئاسة الجمهورية لاسترجاع الأموال المنهوبة الموجودة بالخارج بأمر رئاسي، يترأسها وزير الخارجية مهمتها "تقويم مختلف الإجراءات التي تم اتخاذها في هذا الملف واقتراح القيام بكل إجراء من شأنه استرجاع هذه الأموال".

وبعد 5 أشهر من إحداثها أعلنت الرئاسة التونسية عن استرجاع مبلغ بقيمة 1 مليون دولار من البنوك السويسرية، غير أنه في 2022 أعلن الاتحاد الأوروبي رفع التجميد عن أموال سبعة من أفراد عائلة بن علي والمقرّبين منه.

خلل الإجراءات

من جانبه، يرجع الخبير الجبائي لسعد الذوادي الصعوبات التي تواجهها تونس في استعادة الأموال المنهوبة إلى ما يعتبره خللا في الإجراءات منذ بداية إثارة هذا الملف عقب الثورة، وذلك بعدم تفعيل اتفاقية الأمم المتحدة المتعلقة بمكافحة الفساد التي كان من شأنها أن تساعد اللجان التي تم تشكيلها لمتابعة هذا الملف في تونس.

ويضيف الذوادي موضحا لـ "الحرة" أن إثارة قضايا ضد مهربي الأموال في الخارج لدى المحاكم التونسية يعتبر "خطأ جسيما"، على اعتبار أن الدول الأجنبية التي توجد بها تلك الأموال لن تعترف بالأحكام الصادرة في هذا الغرض، مؤكدا في هذا الصدد أن الأموال المنهوبة لا توجد فقط في أوروبا، بل أيضا في الخليج وهي تعد بآلاف المليارات.

بعد "فشل" مبادرات سابقة.. مقترح جديد لتسوية "قضايا الفساد" بتونس شرع البرلمان التونسي في دراسة مشروع القانون المتعلق بالصلح الجزائي والذي يسعى إلى إيجاد تسويات ومصالحة مع رجال الأعمال المتورطين في قضايا فساد، بعد أن واجه مرسوم رئاسي صدر في هذا الجانب، "عقبات" حالت دون بلوغ أهدافه المرجوة.

وشدد على أن بعض تلك الدول "حريصة على الدوس على المعاهدات الدولية وعدم إرجاع الأموال المنهوبة".

ويتابع، في السياق ذاته، موضحا أن عددا من الدول توفر "جنات ضريبية وعدلية"، و"كان يفترض قلب المعادلة بإلقاء عبء تتبع المهربين على تلك الدول بناء على ما تنص عليه الاتفاقيات الدولية، ومن ضمنها اتفاقية الأمم المتحدة سالفة الذكر، لافتا إلى أن تونس "لم تفعل أيضا المعاهدة الدولية المتعلقة بالمساعدة الإدارية المتبادلة، مما عسر إجراءات استعادة الأموال المهربة بالخارج".

ويكشف المستشار الجبائي أن "تعطل" استرجاع الأموال المنهوبة طيلة السنوات الماضية مرده "وجود عديد الثغرات في التشريعات وكذلك المبادرات والتي تم تقديمها".

مشكل آخر يعقد الجهود المبذولة لاستراد الأموال المنهوبة، وفق الذوادي، وهو "تواصل نهب الأموال وتهريبها إلى اليوم"، وذلك بطرق بينها "التلاعب" بفواتير التوريد والتصدير أو من خلال "الشركات الأجنبية الوهمية" التي لا يتجاوز رأس مالها بضع مئات الدولارات.

وسبق لوزير الشؤون الخارجية السابق، نبيل عمار، أن أكد في نوفمبر 2023 أثناء جلسة برلمانية، أن اللجنة المكلفة باسترجاع الأموال المنهوبة الموجودة في الخارج تعمل على وضع خطة عمل ومقاربة جديدة تأخذ بعين الاعتبار النقائص التي حالت دون استرجاع هذه الأموال.

وفي سبتمبر الماضي، دعا وزير الخارجية التونسي محمد علي النفطي، خلال لقائه في نيويورك مع وزير خارجية سويسرا، إلى أهمية تسريع عملية استرجاع الأموال المودعة بالبنوك السويسرية وتكثيف المساعدة القانونية المتبادلة في هذا الجانب.

مساع لاسترداد الأموال

وتشير تقارير إعلامية محلية إلى أن تونس توصلت، بمساعدة دولية من منظمة الأمم المتحدة والبنك الدولي، إلى تحديد الأموال المودعة بالبنوك في الخارج وقدرتها بـ80 مليون دولار أمريكي.

وتمكنت الدولة التونسية من استرجاع 28.8 مليون دولار في أبريل 2013، كانت "مخبّأة في حساب بنكي لبناني" تملكه ليلى الطرابلسي، زوجة الرئيس الرحيل الراحل زين العابدين بن علي.

تونس تعترف بصعوبة استرداد أموالها المنهوبة الصعوبات التي تواجهها تونس في هذا المسار مرتبطة بالبلدان العربية بما فيها دول من الخليج العربي والاتحاد المغاربي.

وفي مارس 2022، أحدث الرئيس قيس سعيد "لجنة الصلح الجزائي" التي تعنى اتفاقات مع رجال أعمال يشتبه في تورطهم في وقائع فساد، بهدف استبدال العقوبة الجزائية بدفعهم إلى التعويض والاستثمار في المناطق الفقيرة.

هذه اللجنة، التي يقر الرئيس ذاته أنها تواجه الكثير من الصعوبات في إنجاز مهامها، لم تصدر بعد أي تقرير يعرض نتائج أعمالها.

المصدر: الحرة

كلمات دلالية: استرجاع الأموال المنهوبة هذا الملف فی هذا بن علی

إقرأ أيضاً:

هجرة رؤوس الأموال من بريطانيا إلى الإمارات.. ملياردير يبيع قصره ويغادر

تشهد المملكة المتحدة موجة غير مسبوقة من هجرة أثريائها ورجال أعمالها نحو دولة الإمارات العربية المتحدة، وسط حالة من القلق المتزايد حيال السياسات الضريبية الجديدة التي تبنتها حكومة حزب العمال عقب فوزه بالانتخابات.

وتجلت هذه الظاهرة مؤخراً في قرار الملياردير النرويجي الشهير جون فريدريكسن، أحد أبرز أقطاب قطاع الشحن البحري، مغادرة بريطانيا نهائياً والاستقرار في الإمارات، في خطوة وصفها مراقبون بأنها "ناقوس خطر" للندن في ظل التآكل المتزايد في جاذبيتها الاستثمارية.

بيع قصر بـ336 مليون دولار
فريدريكسن، الذي صُنِّف ثامن أغنى شخص في بريطانيا بحسب "صنداي تايمز" بثروة تُقدّر بـ13.7 مليار جنيه إسترليني، عرض قصره الفخم في حي تشيلسي الراقي للبيع مقابل 250 مليون جنيه إسترليني (نحو 336 مليون دولار). 

وكان فريدريكسن قد اشترى العقار في عام 2001 مقابل 40 مليون جنيه، لكن قراره المغادرة تزامن مع تصريحات لاذعة هاجم فيها حكومة لندن، قائلًا: "العالم الغربي في طريقه إلى الانهيار... وبريطانيا ذاهبة إلى الجحيم".

السبب الأبرز وراء قرار فريدريكسن، وفق ما أكده بنفسه، هو إلغاء الحكومة لنظام "non-dom"، الذي كان يتيح للأثرياء الأجانب تجنب دفع الضرائب على دخلهم الخارجي. وهو نظام لطالما اعتُبر من عوامل الجذب الضريبي للندن، قبل أن تلغيه وزيرة المالية رايتشل ريفز ضمن حملة تستهدف التهرب الضريبي.

ويُضاف إلى ذلك رفع الضرائب إلى مستويات قد تصل فعليا إلى 67% من الدخل، بعد احتساب الرسوم والمساهمات المختلفة، إلى جانب تشديد ضريبة الميراث، ما أطلق صافرة إنذار في أوساط رجال الأعمال والمستثمرين الذين بدأوا في البحث عن بدائل أكثر أماناً.


الإمارات.. ملاذ ضريبي واستثماري جذاب
في مقابل هذا الواقع، تبرز الإمارات العربية المتحدة كوجهة مفضلة لرؤوس الأموال العالمية، إذ توفر نظاماً ضريبياً مرناً يكاد يكون معدوماً على الدخل وأرباح الأسهم، ولا تفرض ضريبة على الميراث، فضلاً عن خيارات إقامة ذهبية لمدة 10 سنوات مقابل استثمار عقاري يبدأ من نحو 550 ألف دولار فقط.

وبحسب تقديرات مؤسسة Ibis للاستشارات الاقتصادية، يُتوقّع أن يُغادر نحو 16,500 مليونير بريطانيا خلال عام 2025 فقط، في ما يُعدّ أعلى رقم مسجّل لهجرة الأثرياء في تاريخ البلاد. وفي المقابل، نجحت الإمارات خلال عام 2024 وحده في استقطاب قرابة 4,500 مليونير، ومن المرجح أن يتضاعف العدد في السنوات المقبلة.

لا تقتصر جاذبية الإمارات على النظام الضريبي، بل تشمل كذلك بنية تحتية مالية حديثة، ومدناً اقتصادية عالمية مثل دبي وأبوظبي، ونظاماً تعليمياً وصحياً رفيع المستوى، ما يجعلها بيئة مثالية للعيش والاستثمار.

في المقابل، يشهد المشهد البريطاني حالة من الضبابية السياسية، لا سيما مع عودة حزب العمال للحكم، والذي يُعرف بميله لتوسيع تدخل الدولة والحد من الخصخصة. ويرى خبراء أن هذه السياسات تثير قلق الطبقات الثرية، التي بدأت تُحوّل أصولها ومشاريعها إلى دول أكثر استقراراً وانفتاحاً.

ورغم أن قصة فريدريكسن قد تبدو حالة فردية، فإنها في الواقع تُعبّر عن اتجاه عام يهدد البنية المالية البريطانية، ويعيد رسم خريطة النفوذ الاقتصادي في العالم. فمع كل ثري يغادر، تتآكل شبكة الضرائب والعوائد التي تعتمد عليها الدولة، وتتعمّق أزمة الثقة في الاقتصاد البريطاني.

وإذا لم تُراجع الحكومة البريطانية سياساتها الضريبية والاستثمارية خلال وقت قريب، فإن موجة هروب الأثرياء قد تتحول من ظاهرة مؤقتة إلى واقع دائم، يُضعف مركز لندن المالي لصالح عواصم بديلة في الخليج وآسيا.

مقالات مشابهة

  • مكافحة تبييض الأموال وتمويل الارهاب..هذه أبرز الخطوات التي خطتها الجزائر
  • ضربات قاصمة لعدد من تجار العملة في السوق السوداء
  • قرار عاجل من النيابة العامة بشأن المتهم بنشر فيديوهات مخلة
  • الجماز: النصر ينفق ببذخ ويتخلى بخسارة .. فيديو
  • رئيس اللجنة العليا لانتخابات مجلس الشعب محمد طه الأحمد لـ سانا: تم خلال اللقاء مع السيد الرئيس أحمد الشرع أمس، إطلاعه على أهم التعديلات التي أُقرت على النظام الانتخابي المؤقت لمجلس الشعب، بعد الجولات واللقاءات التي قامت بها اللجنة مع شرائح المجتمع السوري
  • لماذا تكره القبائل التي تشكل الحاضنة العسكرية والسياسية للجنجويد دولة 56؟
  • هل يمكن استرجاع حساب المواطن بعد حذفه؟.. البرنامج يجيب
  • هجرة رؤوس الأموال من بريطانيا إلى الإمارات.. ملياردير يبيع قصره ويغادر
  • الرئيس الفلسطيني يشكر المملكة على جهودها التي أسهمت في الالتزام الفرنسي التاريخي بالاعتراف بدولة فلسطين
  • احتجاجات في تونس ضد الرئيس.. واتهامات بتحويل البلاد إلى “سجن مفتوح"