جورج عبد الله.. الماروني الذي لم يندم على 40 عاما في سجون فرنسا لأجل فلسطين
تاريخ النشر: 21st, November 2024 GMT
عندما كانت إسرائيل تغزو بيروت عام 1982، تابعت المجموعات الثورية الفلسطينية والعربية نهجها في ملاحقة العدو خارج حدود المواجهة، ناقلة المعركة إلى قلب أوروبا. من بين تلك العمليات، اغتيل "رجل موساد ودبلوماسي" أميركي في باريس، ووُجّهت أصابع الاتهام إلى اللبناني جورج إبراهيم عبد الله، الذي يقبع في السجون الفرنسية منذ 4 عقود بتهمة قيادة الفصائل الثورية اللبنانية المدافعة عن فلسطين، وبذلك يكون أقدم سجين سياسي في أوروبا.
كانت العملية امتدادا لمرحلة "وراء العدو في كل مكان" التي اختصرتها روايات الأديب الفلسطيني غسان كنفاني (عكا 1936، بيروت 1972) وجسّدتها المجموعات الثورية بقيادة المناضل وديع حداد (صفد 1927، ألمانيا الشرقية 1978)، فحوّلت العالم إلى ميدان مواجهة مع الاحتلال الإسرائيلي، واستقطبت مقاتلين عربا، ورفاقا من اليابان وأوروبا وأميركا اللاتينية، واضعة فلسطين على خريطة النضال الأممي.
"مناضل ولست مجرما"وعادت قضية المناضل الأممي جورج عبد الله إلى الواجهة مجددا مثلما كانت عام 2013، مع توالي الأخبار عن قرب الإفراج عنه بعد قرار محكمة فرنسية بذلك. إلا أن الادعاء الفرنسي، أعلن قبل أيام عزمه استئناف القرار. وفي حال أفرج عنه، يكون عبد الله قد أمضى أكثر من 20 عاما في السجون الفرنسية بعد انتهاء محكوميته، وسط رفض السلطات القضائية المتكرر إخلاء سبيله.
وأمام القضاة، وقف الرجل ذو اللحية الكثّة والنظرة الواثقة مطالبا بحريته للمرة الـ11، قائلا بثبات: "أنا مناضل ولست مجرما"، مؤكدا أن اختياره هذا الطريق كان "ردا على انتهاك حقوق الإنسان في فلسطين"، وبأن ما فعله: مقاومة.
فهو المولود في الثاني من أبريل/نيسان 1951 في قرية القبيات شمال لبنان لعائلة مسيحية مارونية، وقد شهد في مطلع شبابه "نكسة" 1967، حيث ساهمت "هزيمة حزيران" في تشكيل وعي جيل بأكمله تجاه قضايا التحرر والمقاومة.
وفي سن مبكرة، انضم إلى الحزب السوري القومي الاجتماعي، واختار طريق النضال والمقاومة. وبعد خروج منظمة التحرير الفلسطينية من الأردن (1970)، أصبحت بيروت معقلا للثوار والمقاومين، فكانت نقطة تحول حاسمة في مسار حياته، حيث كانت العاصمة اللبنانية مركزا يعجّ بالحركات الثورية، مما كان له الأثر الكبير في تشكيل قناعاته السياسية.
انضم عبد الله لصفوف الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بقيادة الراحل جورج حبش، بعد إصابته في الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1978 (عملية الليطاني). ومع أفراد من عائلته ورفاقه، أسس الفصائل المسلحة الثورية اللبنانية، وبين عامي 1981 و1982، نفذت المجموعة هجمات في أوروبا، أسفرت بعضها عن سقوط قتلى في فرنسا، في إطار دعم القضية الفلسطينية والكفاح ضد الاحتلال.
موت المعلم وولادة المقاتلوبدأ جورج حياته المهنية معلما في مدرسة بمنطقة أكروم بعكار، وفي مقالة وردت بموقع يتبع لحركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح)، تروي بدايات جورج وتكشف عن ارتباطه المبكر بالفدائيين الفلسطينيين، يقول كاتبها إن "ابن القبيات" كان يعرّف نفسه بأنه "كادح وليس من البَكَوات"، مستنكرا الظلم الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني.
وتستعرض المقالة المراحل الأولى لجورج عبد الله ضمن الثورة الفلسطينية، مبينة تأثره بحياة "المخيمات" في لبنان، وكيف كان يجول أزقة مخيم نهر البارد للاجئين الفلسطينيين، مستخدما دراجته النارية، ليوزع مجلة "الآداب" على المهتمين.
وبعد إنهائه الدورات التثقيفية، انضم عبد الله إلى الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين رسميا، ثم انتقل من الشمال إلى منطقة "الجبل" في "مهمة جهادية"، وكان من المفترض أن يعود بعد شهر إلى الشمال، لكنه اختار البقاء، معلنا بذلك نهاية مرحلة "جورج المعلم" وولادة "جورج المقاتل". ومن ثم، أصبح جزءا من الجناح العسكري للجبهة الشعبية، لتصبح الأراضي اللبنانية كلها ساحة قتاله.
وخدم عبد الله في الجنوب، والبقاع، والجبل، وبيروت -بحسب المقالة- لكن بعد اتفاق وقف إطلاق النار الذي عقدته منظمة التحرير الفلسطينية مع الاحتلال الإسرائيلي قبيل اجتياح بيروت عام 1982، انفصل عبد الله عن الجبهة، رافضا التهدئة مع العدو، واتخذ مسارا خاصا به، متأثرا بوديع حداد، وخصوصا بمقولته الشهيرة "وراء العدو في كل مكان"، وانقطعت أخباره إلى حين سماع خبر اعتقاله في فرنسا.
جوازات سفر واعتقاليوم 24 أكتوبر/تشرين الأول 1984، دخل جورج عبد لله مركزا للشرطة في ليون الفرنسية، طالبا الحماية من ملاحقة الموساد الإسرائيلي له. حينها كان يحمل جواز سفر جزائري، بعد أن استخدم جوازات سفر أخرى من مالطا والمغرب واليمن للعبور إلى يوغوسلافيا وإيطاليا وإسبانيا وسويسرا وقبرص.
لكن الأجهزة الأمنية الفرنسية سرعان ما أدركت أن الرجل الذي يجيد اللغة الفرنسية ليس سائحا وإنما هو عبد القادر السعدي، وهو الاسم الحركي لجورج عبد الله.
وعثر في إحدى شققه في باريس على أسلحة بينها بنادق رشاشة وأجهزة إرسال واستقبال.
وفي حوار مع صحيفة "لاديباش" الفرنسية، تحدث إيف بوني، الرئيس الأسبق لجهاز الأمن الداخلي الفرنسي، عن تفاصيل اعتقال جورج إبراهيم عبد الله عام 1984، قائلا: "لم نكن نعلم هويته"، وخلال التحقيق "زعم انتماءه إلى جهاز أمن منظمة التحرير الفلسطينية ووجّه تهديدات للمحققين".
وأضاف بوني أنه لجأ إلى الإسرائيليين للحصول على المساعدة، مما قاد إلى اكتشاف هوية قائد الفصائل المسلحة الثورية اللبنانية، وهي مجموعة ماركسية مدافعة عن فلسطين. ومع ذلك، أكد بوني أن الأدلة ضد عبد الله لم تكن قوية، إذ اقتصرت تهم بتزوير الوثائق وحيازة أسلحة ومواد متفجرة.
كان جورج على صلة بسوريا آنذاك، بحسب التحقيق، كذلك على تواصل مع حركات وشخصيات صُنّفت "إرهابية"، مثل تنظيم "العمل المباشر" في فرنسا، و"الألوية الحمراء" في إيطاليا، إضافة إلى علاقته بكارلوس الفنزويلي وفصيل الجيش الأحمر في ألمانيا.
مقاتل عربي لا يندمفي عام 1986، أصدرت محكمة ليون حكما بالسجن لمدة 4 سنوات على جورج عبد الله بتهم "التآمر الإجرامي وحيازة أسلحة ومواد متفجرة". وفي العام التالي، مثل أمام محكمة الجنايات الخاصة في باريس، إذ وُجهت إليه تهم بالتواطؤ في اغتيال الأميركي تشارلز راي "ورجل الموساد" ياكوف بارسيمينتوف في 1982، بالإضافة إلى محاولة اغتيال ثالثة في 1984.
وبينما تمسك عبد الله بنفي التهم، قال إنه "مجرد مقاتل عربي"، أصدر القضاء حكما بالسجن المؤبد رغم أن النائب العام كان قد طالب بعقوبة أقل، تصل إلى 10 سنوات.
في مذكراته، أشار المحامي جورج كيجمان إلى أن عبد الله "أهان الجميع" في المحكمة، ووصفهم بـ"الخنازير والإمبرياليين القذرين"، مما استدعى طرده من القاعة. ورأى محاميه السابق جاك فيرجيس في الحكم "إعلان حرب"، مما دفع إلى تشكيل لجنة دعم فورية تطالب بالإفراج عنه فورا.
ومنذ عام 1999، عندما أصبح مؤهلا لإطلاق سراحه، وتم رفض جميع طلبات عبد الله للإفراج عنه، باستثناء طلب واحد، كان مشروطا بترحيله، وهو ما لم ينفذه وزير الفرنسي الداخلية آنذاك، مانويل فالس.
في عام 2022، قال محاميه جان لويس شالانسيه في تصريح لوكالة الصحافة الفرنسية: "إنه في حالة فكرية جيدة. لا يزال متمسكا بمواقفه، ويواصل القراءة بشكل مكثف، ويبقى مطلعا على الأحداث في الشرق الأوسط".
ويرى محامو ومؤيدو جورج عبد الله أن استمرار احتجازه هو نتيجة لتأثيرات سياسية ودولية خارجية. في عام 2013، صادقت المحكمة الفرنسية على إطلاق سراحه بشروط، كان من بينها ترحيله إلى لبنان. لكن، رغم هذا القرار، "تدخلت سفارتا الولايات المتحدة وإسرائيل في مجريات القضية"، مما أثّر بشكل كبير على سير المحاكمة وأدى إلى تراجع السلطات الفرنسية عن قرارها. هذه التدخلات، وفقا لمحاميه، تُعتبر جزءا من حملة سياسية منسقة تهدف إلى إبقاء عبد الله في السجون الفرنسية.
ردت الفصائل الثورية اللبنانية على اعتقال جورج عبد الله بخطف مدير المركز الثقافي الفرنسي في طرابلس، جيل سيدني بيرول، مطالبة بصفقة تبادل، وتم التوصل إلى اتفاق لتحرير بيرول وعبد الله، إلا أن فرنسا أخلفت وعدها وأبقته في السجن.
يروي إيف بوني، الرئيس الأسبق لجهاز الأمن الداخلي الفرنسي لصحيفة "لا ديباش" تلك اللحظة، قائلا: "كنت خارج البلاد حين طلبت باريس مني العودة بسرعة للتفاوض على تبادل الأسرى. في ذلك الوقت، كان عبد الله متهما بمخالفات بسيطة، ولم يكن هناك ما يثبت تورطه في أي جريمة كبيرة. فوافقت على الصفقة دون أي اعتراض من وزارة الداخلية".
يضيف بوني، "ما لبثت الأمور أن تغيرت فجأة. ففي الوقت الذي تم فيه تحرير بيرول، أخبروني أنهم اكتشفوا في أحد مخابئ الفصائل الثورية اللبنانية السلاح الذي استخدم في قتل تشارلز راي وياكوف بارسيمينتوف. هذا الاكتشاف غيّر مسار القضية تماما، وتجاهلت العدالة الاتفاق الذي أبرمته. قالوا لي ببساطة: حكمه قد صدر".
ويختتم بوني حديثه: "شعرت بخيبة أمل شديدة. لقد قدمت وعدا إلى الذين بذلوا جهودا في هذه القضية، ولكن السلطات السياسية تركتني أواجه الموقف وحدي".
غزة لن ترفع راية الاستسلام"لن تحمل غزة أبدا راية الاستسلام… ولن تتمكن الصهيونية أو أي قوة إجرامية أخرى من كسر إرادة المقاومة فيها"، بهذه الكلمات عبر المعتقل جورج عبد الله في رسالته التضامنية مع الشعب الفلسطيني، الذي يواجه حرب إبادة في غزة والضفة الغربية. البيان أُلقي خلال مظاهرة نظمت في مرسيليا الفرنسية بتاريخ 25 فبراير/شباط الماضي، حيث عبّر المحتجون عن دعمهم لصمود الفلسطينيين في وجه الاحتلال.
وأشار عبد الله في رسالته إلى أنه "لا ينبغي أن ننسى أبدا أن جذور النضال الفلسطيني انبثقت من أعماق مخيمات اللاجئين في غزة، والضفة الغربية، والأردن، ولبنان.. هذه المقاومة تحمل وعد التحرر وتصون إرث الفدائيين".
يرى أنصاره في العالم أنه رمز حي للنضال والمقاومة، فهو الذي اعتبرته الكاتبة الفرنسية آني إرنو، الحائزة جائزة نوبل للآداب عام 2022، "ضحية قضاء الدولة الذي يلحق العار بفرنسا". كما يعتقد إيف بوني أن الاستمرار باعتقاله يعد "انتقاما سياسيا"، وأنه قد يكون له الحق في اعتبار ما فعلته الفصائل الثورية اللبنانية "مقاومة"، لأنها جاءت في أعقاب مجزرة صبرا وشتيلا، داعيا إلى إنصافه.
خلال 73 عاما من حياته، أمضى جورج عبد الله 15 عاما في ميادين المقاومة و40 عاما في السجون، ثابتا على قناعاته. وفي زنزانته، يعلّق صورة مكتوب عليها "اقترب اللقاء يا فلسطين"، متمسكا بالقضية التي كانت وستظل بوصلة نضاله دون اعتذار أو ندم، بل ويرى أن إطلاق سراحه "أمام الإبادة التي يرتكبها الإسرائيليون والأميركيون" في غزة، "مجرد تفصيل".
تجسد قضية جورج عبد الله الذي حمل رقم (N° 2388/A221) في سجن لانيميزان رمزا لظلم فرنسا ضد مناضل تعتقله منذ 40 عاما، وقد يبقى حتى وفاته ما لم يطلق سراحه في ديسمبر/كانون الأول المقبل كما أمرت المحكمة، رغم استحقاقه الحرية منذ عام 1999.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات جورج عبد الله عبد الله فی عاما فی
إقرأ أيضاً:
محاولات .. بين يدي وسمها ورسمها للدكتور نادر الكساسبة
محاولات .. بين يدي وسمها ورسمها للدكتور نادر الكساسبة
#بسام_الهلول
ان مااصطلح عليه الإعلامي الفذ في موقعه( محاولات)..الذي شرفني بعميم فضله في باكورة افتتاحيته ولم يك وقوع ( المحاولات) هاته من العفو اختيار رسمها ووسمه وانما يدل على اطلاع الدكتور نادر على ثقافة الاخر وخاصة ماورد عند كتاب الثورة الفرنسية امثال ( فلتير) وجان جاك روسو عندما نظروا في واقع الجماهير ذات اصل ( الجلوا) ومن الطريف هنا ان شبابنا الاردني يدخنون ( الجلواز) ظنا منهم ان يأخذوا بلباب المراهقات فتجده قد وضعه امامه وقد رسم على صندوقه( صورة الجلواز) ونسي انها اصول الشعب الفرنسي التي تدل عليها في مستواها الدلالي انها ( الغجرية) او( النورية).. في عرفنا القولي فهم( الجولوا). عفوا بعد هذا الاستطراد تأتي مفتتحات القول في رسمها ووسمها عند الكاتب والإعلامي الفذ دكتور نادر وما اصطلح عليه من ( محاولات).. وكما قلت انفا ان ورود هذا المصطلح والذي لايتبادر للعوام وأرباع المثقفين انها لم تختر بعناية فمسردتها حسب المصطلح الجمعي عند جماعة ( الجولوا). فهذا النوع من الكتابات او القراءات انما قام به فلاسفة فرنسا تحت هذا الباب عندما ينخرم العقد الاجتماعي بين السلطة والجماهير ينهض الفلاسفة كما نهض من قبل ( فلتير) وغيره من منظري الثورة الاجتماعية ابان ذلك فكل كتاباتهم ونداءاتهم انما هي دليل احتجاج على انخرام هذا العقد والتنويه به عندما صرخ ( هوجو) ان سجن مواطن فرنسي اكثر من عشرة أعوام بان سرق رغيفا ولا غرو ان تأتي هذه الصيحات في عالم يتهدد المتكرشون ضعفة خلق الله لم يغب عن الكاتب صورة( جان فلجان). وهو يطرق ابواب المتخمين بباريس باحثا عن رغيف وهو ( المعادل الموضوعي) بشخص الكاتب التلبس بشخص مفهومي اذ لاقيمة لاي خطاب ان لم يحمل في طياته( شخصا مفهوميا ) الامر الذي يجعل من عنونة( محاولات)Assai ان تناوش اصبع فلتير وهوجو وروسو فيما نثروه من اوجاع السواد عند انخرام عقدها مع السلطة هذه المساحة هي التي تستدعي شخص المحاولات المفهومية الحضور
سألني الدكتور نادر الكساسبة من انت؟ فقلت نحن الزجاج المحطم الذي سقط م ن يد متخمة فيركض النادل سيدتي لاتثريب عليك هناك صحو ن اخرى وسنجمعه عند نهاية ساعة الريفيون( اليقظة)..فداء لك ؛ ياااااه دكتور هل نحن متل هاته من تشظى صحنها فأقبل النادل على عجل يربت على أكتافها في ( منو كتير)…والأهم ان لاتغيب ابتسامة ساعة اليقظة فالصحون مرة اخرى كثيرة لا تبتأسي سيدتي ( منو كتير)…ايصدق فينا ما قالته ( صاحبة الحفل)…( منو كتير)….سلام عليك( باختين )… وعلى ارنست همنغواي وانت تؤنس اليتامى والأيامى وهم بفرح الوعد الذي غابت جذوته عند كثير من ابناء ذلك التراب لازالت كلمات العزاء التي صرفتها لأبيهم وقد عاد وقد قضم( الشارك) شباكه ( يااوتيلو لاتثريب عليك يدمر الانسان ولكنه لايهزم)..ذكرني الدكتور نادر في لقائه عندما كنت وعنان الحياة علي صبي واحمد يغلبه النعاس وهو واقف وبعد وهن الليل ليل الفرزدق وناره الموقدة التي عجزت ان تطلع على الافئدة في مصنع الزجاج وصاحبه من( الفحيص).. ولا زالت صرخات المعلم( ابو جورج) رحمه الله ينادي ( نوّس نوّس يازفت من جحيم نار صهر الزجاج ، لقد اصبح الزجاج ماء واحمد يغالب اصبعه( الخنصر) كي يحك أذنه إلا ان السهاد غلبه فبقيت( خنصره) واقفة ع بوابة اذنه فلم يسطع ادخالها اذ غلبه النعاس وكاد ان يسقط لولا ان تداركه الله كما تدارك صالح بثمود .. بان امسكت بحجزه حيل بينها وبين ان يسقط على فرن الزجاج هي نفسها وقعت لي عندما كنت اتناول وجبة السحور بان غلبني النعاس وبقيت اللقمة في فمي بعد ان اقلعت شوطا بمضغها فتدخلت والدتي فأخرجتها من فمي فاستيقظت مفزوعا وظننته ابو جورج يصيح بي ( نوّس)..( نوّس)..وكأني به( أقلّ اللوم …عاذلي)..من يغفر لنا إذا زادت درجة حرارة صهره !!!! الذي يغفر لنا عندما تعلو فعلة كأس الفوتكا وما تصنعه برأسه فيعود ( ابو جورج) رحيما بنا انها الخمرة عند فرحها وقد اخذت نشوتها فيعود ( باكيا) مستغفرا زلته ومن جلبة صوته( نوّس نوّس..هلكتنا). حنانيك ابا جورج ساعة لوثة الخمرة وهو يصطلي جذوتها لحظة المعصية هي نفسها تشكل توبة وغفرانا من ان نزيد من جذوة النار التي يصطلي بها الزجاج حتى لو زدنا فأنه متسامح معنا في زلتنا كيف جمع( بالضم). لأبي جورج عندما تلعب الخمرة بأمنينته يغفر لنا زلتنا عندما يأخذنا النعاس وننسى درجة حرارة صهر زجاجه يالها من عزاء نتكفف لحظة نشوته فيبكي وينسى كم كنا انذاك متل هاته الصحون والأواني المهشمة التي نصبها في أتون صهرها نتذكر حفل ( اليقظة) عندما تغادرنا السنة القديمة وتنسلخ من أعمارنا نستقبل الدقائق الخمس بعد ان تدلف السنة المنصرمة بما حملت من صيحات ابو جورج حيث تدق الساعة بعد( موهنها).. مثل ساعة زيارة ذئب وهو ( يعسل باتجاه الفرزدق ( موهنا فأتاني).. ( نكن يا ذئب مثل من يصطحباني ).. ( تعش ياذئب ). ان عاما ميلاديا جديدا بدأ يغادر عيسى عليه السلام وما انصرم من ميلاده فتضحك النهايات مؤذنة بالبدء بل ساعة( اليقظة) الريفيون).. هاهي بقايا صحونهم التي سقطت من ايديهم تعود الينا مرة اخرى وندخلها نارا تصلى وينزلها المعلم في قوالب تعود اليهم( انية للحفظ ) يحفظ فيها لحم الأضاحي بعد نشره تحت حرارة الشمس فيصنع منه المغاربة( قديدا……… …… ما يذكر بقولة الرسول صلى الله عليه وسلم( لاتثريب عليكم إنما أنا امرأة كانت تأكل القديد بمكة…
اختاه اما رايت اننا القديد ننشر على حبال هذا الواقع الممتد من الماء إلى الماء يفرحون بنا يوم الاضاحي وبعدها نقدد على هذا الشرك تقلبنا الايادي ميمة وميسرة فلا غير من لدنا ولا نكير