وعلى الرغم من التوجهات الأميركية المتجددة لتصعيد الأعمال الحربية على الحديدة تحت حجة وقف هذه الهجمات، فإن المعطيات والوقائع على الأرض تكشف أن هذه الرؤية تتسم بالعشوائية وعدم الاستناد إلى تحليل دقيق للواقع العسكري.

إن الدعوات الأميركية لشن هجوم بري على الحديدة تطرح تساؤلات جدية حول جدوى هذه الاستراتيجية.

فالمنطق العسكري يقول إن استهداف السفن في المياه الإقليمية لم يكن يوما مرتبطا بموقع جغرافي معين، بل كان مرتبطا بالقدرة على استهداف الأهداف البحرية عبر تقنيات متنوعة.

إذ إن أنصار الله لم يعتمدوا في استهداف السفن على الزوارق المسيرة إلا بعد شهور طويلة من استخدام صواريخ وطائرات مسيرة أُطلقت من مختلف المناطق اليمنية.

وبالتحديد، منذ بداية هجمات أنصار الله على السفن التجارية، تم استهداف 153 سفينة خلال الأشهر السبعة الأولى من المواجهات، ولم يحتاج المهاجمون إلى الزوارق المسيرة في تلك الفترة. بل كانت الهجمات تتم عبر صواريخ مجنحة وطائرات مسيرة أُطلقت من 12 محافظة يمنية. وهذا يثبت أن استهداف السفن لا يعتمد على الحديدة أو على منطقة معينة في البحر الأحمر، بل هو جزء من استراتيجية عسكرية شاملة تتوزع فيها العمليات من عدة مواقع في اليمن.

واليوم، وبعد مرور أكثر من عام على بداية هذه الهجمات، بلغ إجمالي السفن المستهدفة 202 سفينة، منها اثنتان فقط استُهدِفتا عبر الزوارق المسيرة في البحر الأحمر أما بقية السفن، فقد تم استهدافها بصواريخ وطائرات مسيرة، وصواريخ باليستية متطورة انطلقت جميعها من مختلف المناطق اليمنية، باتجاه مسرح العمليات البحري الذي يشمل البحر الأحمر وخليج عدن والبحر العربي والمحيط الهندي وحتى البحر الأبيض المتوسط. هذه الوقائع تؤكد أنه لا توجد علاقة حتمية بين الهجمات على السفن وبين الحديدة بشكل خاص.

يستند التحليل العسكري إلى الوقائع الميدانية، ولا يمكن تجاهل المعطيات التي تؤكد أن الهجمات على السفن لن تتوقف في حال شن حرب برية على الحديدة. بل إن النتيجة ستكون كارثية، حيث ستجد المملكة العربية السعودية نفسها في مواجهة ردود فعل عسكرية عنيفة من قبل أنصار الله، سواء في البحر أو على الأرض وفي حال تم تنفيذ الهجوم البري على الحديدة، فمن المتوقع أن تكون هناك زيادة في الهجمات على السفن السعودية والنفطية، التي تشكل جزءا رئيسيا من الاقتصاد السعودي. ومن الممكن أن يكون الرد الحوثي على أي تصعيد في الحديدة جزءا من استراتيجية عسكرية أوسع تشمل استهداف المنشآت النفطية الحيوية للمملكة

وبالتالي حدوث ازمة عالمية في اسواق الطاقة بالعالم

علاوة على ذلك، فإن ما يبدو أنه اقتراح عسكري عشوائي يتجاهل تماما حقيقة أن أنصار الله يمتلكون القدرة على استهداف السفن باستخدام تقنيات أخرى لا تعتمد على موقع جغرافي معين.

لذلك، يمكن الاستنتاج بأن إشعال حرب على الحديدة لن يؤدي إلى توقف الهجمات على السفن، بل سيؤدي إلى تصعيد أكبر في المواجهات، وسيضر بمصالح الأطراف المتورطة في هذا النزاع، وعلى رأسها السعودية التي تساهم بشكل مباشر في دعم القوات المعادية في اليمن.

هذه المعطيات العسكرية تؤكد أن الرهان الأميركي على استهداف الحديدة كوسيلة لوقف الهجمات على السفن هو رهان خاطئ. بل إن التصعيد العسكري في هذه المنطقة قد يؤدي إلى نتائج عكسية، إذ ستزيد الضغوط على المملكة العربية السعودية التي قد تجد نفسها في مواجهة تهديدات متعددة، سواء كانت في البحر أو على الأرض.

في النهاية، يعكس الموقف الأمريكي تجاه الحديدة فشلا في فهم تعقيدات الواقع العسكري اليمني، ويجسد عجزا في قراءة التفاعلات الاستراتيجية على الأرض. وإذا كانت الولايات المتحدة تظن أن الهجوم على الحديدة سيقيد قدرة أنصار الله على استهداف السفن، فهي بذلك تقامر بمصالحها الإقليمية وتضع الأمن السعودي والاقليمي في خطر أكبر.

وما كان من المفترض أن يكون خطوة نحو وقف الهجمات البحرية عبر وقف العدوان الاسرائيلي على غزة قد يتحول إلى تصعيد عسكري شامل، مع ما يترتب عليه من عواقب كارثية على الأمن الإقليمي، لا سيما بالنسبة للمملكة التي تعتبر أكبر مصدر للنفط في العالم.
- عرب جورنال / كامل المعمري -

المصدر: ٢٦ سبتمبر نت

كلمات دلالية: الهجمات على السفن استهداف السفن على الحدیدة على استهداف أنصار الله على الأرض فی البحر

إقرأ أيضاً:

خسائر مؤلمة وثمن باهظ.. كواليس المواجهة الأمريكية - اليمنية في البحر الأحمر

30 سفينة وذخائر بـ1.5 مليار دولار
منذ أواخر عام 2023، شاركت نحو 30 سفينة حربية أمريكية – أي ما يعادل 10% من إجمالي الأسطول الأمريكي – في عمليات قتالية ضد اليمن، أطلقت خلالها الولايات المتحدة ذخائر تقدّر قيمتها بنحو 1.5 مليار دولار، بحسب مسؤول أمريكي.

خصم عنيد بتكتيكات بدائية متطورة
رغم انطلاقها من مناطق جبلية نائية في واحدة من أفقر دول العالم، أثبت اليمنيون أنهم خصم أكثر صعوبة وتعقيدًا مما توقعته القيادة الأمريكية، حيث اعتمدوا على الطائرات المسيّرة منخفضة التكلفة والصواريخ الباليستية المضادة للسفن – وهي المرة الأولى التي تُستخدم فيها تلك الأسلحة في نزاع بحري فعلي.

وتُشير التقارير إلى أن اليمنيين استخدموا تكتيكات متطورة، من بينها الهجمات الليلية، وإطلاق قذائف تحلق على ارتفاع منخفض فوق سطح البحر لتجنب رصدها، ما حدّ بشكل كبير من قدرة أنظمة الدفاع الأمريكية على التصدي.

خسائر مباشرة.. مقاتلات وغواصات وطائرات ريبر

من أبرز الخسائر الأمريكية: إسقاط أكثر من 12 طائرة "ريبر" مُسيّرة، تصل قيمة الواحدة منها إلى 30 مليون دولار. وسقوط مقاتلة من طراز F/A-18 سوبر هورنت في البحر، قيمتها 67 مليون دولار، بعد فشل الهبوط على حاملة الطائرات "هاري إس ترومان" – ثالث حادثة مماثلة خلال أقل من خمسة أشهر.

 جغرافيا معقدة تصب في مصلحة اليمنيين
البحر الأحمر، بعرض لا يتجاوز 200 ميل في أوسع نقاطه، يُعد بيئة مثالية لهجمات اليمنيين، حيث تكون السفن الأمريكية مكشوفة وقليلة المناورة. ووفقًا للخبير الاستراتيجي بريان كلارك، فإن مجرد وجود حاملة طائرات في هذه المنطقة "يجعلها هدفًا سهلًا".

ضغوط تشغيلية وتحذيرات من إنهاك البحرية
قيادات عسكرية وأعضاء في الكونغرس الأمريكي أعربوا عن قلقهم من "الضغوط التشغيلية غير المسبوقة"، محذرين من تأثيرها على الجاهزية العسكرية، خصوصًا في ظل سحب الموارد من العمليات المخصصة لردع الصين في آسيا وتأخير أعمال صيانة السفن الحربية.

اما نائب الأدميرال براد كوبر فأكد أن حاملة الطائرات "دوايت دي أيزنهاور" أمضت سبعة أشهر في البحر دون سوى زيارة واحدة للميناء، في مؤشر واضح على مستوى الاستنزاف.

"هدنة هشّة" بترتيب من ترامب
في مايو الماضي، أعلن الرئيس دونالد ترامب التوصل إلى هدنة مؤقتة مع اليمنيين، تقوم على وقف متبادل لإطلاق النار بين الطرفين. لكن الاتفاق لم يشمل جميع الجبهات، حيث استمر اليمنيون في إطلاق الصواريخ الباليستية على إسرائيل، حتى بعد مغادرة القطع الأمريكية للبحر الأحمر.

AF

مقالات مشابهة

  • إسرائيل تقصف ميناء الحديدة في غرب اليمن
  • البحرية الإسرائيلية تدخل على خط المواجهة.. هجوم نوعي على ميناء الحديدة غرب اليمن
  • جيش الاحتلال ينذر 3 موانئ في اليمن بالإخلاء تمهيدا لاستهدافها
  • خسائر مؤلمة وثمن باهظ.. كواليس المواجهة الأمريكية - اليمنية في البحر الأحمر
  • حين يصمت الجميع وتنطق صواريخ أنصار الله “غزة ليست وحدها”
  • مجلة الجيش الصيني: على البحرية الصينية أن تتعلم من معارك البحر الأحمر
  • كبريات شركات الشحن: لا يزال ممر البحر الأحمر محظورا رغم الإجراءات الأمريكية (ترجمة خاصة)
  • بحرية الصين تؤكد تعلمها من الدروس التي تجرعها الأمريكان على يد اليمن في البحر الأحمر
  • (صحيفة): تصاعد النفوذ الصيني في اليمن يثير قلقاً دولياً
  • إعلام أمريكي: الصراع مع اليمنيون في البحر الأحمر استنزف الذخائر وأرهق الطواقم