حديث عبد الحي الأخير هل يعد تكفيراً للبرهان؟

صلاح شعيب

 

ما هي دلالات تسريب حديث عبد الحي يوسف عن البرهان، وإلى أي مدى يكتسب أهميته السياسية أثناء الحرب، وهل هو بالضرورة يعبر عن وجهة نظره أم طائفة من الإخوان المسلمين، وكيف يفهم حديثه على ضوء صراعات الإسلاميين التي خرجوها بأنها ملمح من الخلاف الشوري، وإلى أي مدى تكشف تناقضات الشيخ في تفسيراته العلمانية لوقائع الصراعات السياسية، أو هل يستند عبد الحي على الفقه الإسلامي في السياسة أم يغلب مصلحته وتنظيمه بالبراغماتية التي هي أس النهج العلماني في قراءة تجليات علاقات البشر السياسية؟

هذه الأسلة دارت في ذهني ليس من أجل البحث فقط عن مخارج لتعرية فكر عبد الحي السياسي الذي يستخدمه دائماً في المتاجرة بالدين، وإنما قصدت أيضاً بحث العلامات الناتئة – Connecting the dots – كما يعتمد خبراء التحليل البوليسي للتوصل إلى الوكر الذي انطلقت منه الجريمة.

وهذا النهج من التحليل يمنحنا القدرة العقلية في عالم السياسة لفهم العلاقات بين الحقائق، أو الأحداث المختلفة، حتى تتمكن من معرفة موقف عبد الحي، وتنظيمه، بشكل كامل.

فعبد الذي فلقنا أكثر من مرة في تفصيل الدين على قماشة السياسة، بناءً على مصلحة الحركة الإسلامية، نشط قبل أيام مغرداً أنه يجوز نشر صور “الهلكى” رغم قوله إن الأصل في هذا هو المنع. أي وفقاً لحسابات السياسة يمكن تطويع المنكر الديني ضد حسابات احترام النص الديني لجسد الميت. وها هو يعود الشيخ الفاخر مرة ثانية ليضمن في حديثه مواقف جديدة متناقضة لمواقف سابقة اتخذها. ومنها قوله إن فض الاعتصام أثلج صدرهم ليعود ليهاجم حميدتي والبرهان المسؤولين عن ذلك الجرم من موقع مسؤوليتهما عن أمن البلد، ومواطنه. وكذلك يحتاط آنذاك لمهاجمة البرهان لسعيه إلى التطبيع مع إسرائيل، ويجد الآن أن الزمن مناسب للخروج عن ذلك الصمت الذي ادخره ليخدم حراكه السياسي لاحقاً. إنه هو عبد الحي الذي لا يخجل من أن يتحدث في الفيديو عن حرب الكرامة التي أوقدها حزبه وجاء البرهان المتواطئ ليستطرد في معانيها التي تشرحها قناة طيبة عبر محلليها الذين يدفع لهم الشيخ مرتباتهم، وفي ذات الوقت يوظف القناة لتمرير أجندته الفقهية التي تخدم دين الحركة الإسلامية والبرهان اللا متدين على حساب دين السودانيين المسلمين.

عبد الحي يريد، بعد ربطنا العلامات الناتئة بعضها بعضاً الذي أعملناه، أن يصل مع متحدثيه إلى حقيقة أن الحركة الإسلامية التي تخترق مكتب البرهان أكبر من أن تقع وسط أحابيله الماكرة الساحرة في اللعب بالتناقضات، والمتناقضين. ومن ناحية ثانية يريد بإسقاطاته لأكثر من موضوع التأكيد بأن البراغماتية التي جعلتهم يؤيدون جيش البرهان علنياً ضد الدعم السريع تحتاط لما يمكنهم من قلب ظهر المجن يوماً للبرهان متى ما أراد الفكاك من هذا الرباط الحذر مع الإسلاميين أثناء الحرب.

يمكن النظر أيضا لحديث عبد الحي بوصفه محاولة ابتزاز للبرهان – إذا وافق على تسريب هذا التسجيل للرأي العام – بأنه لا دين له، وهل هذا لا يعني أنه كافر أشد، أو ملحد. ولذلك فالرئيس إذن غير مؤهل بأن يكون على سدة السلطة في بلد مسلم، وذلك ما يستدعي إسلاميي الجيش الذين اخترقوه تغييره بقائد له دين واحد على الأقل. وهو عبد الحي لا ينطق على هواه فما يقوله فهو إما فتوى ما برح حديثه خلاصة جهد فقهي، أو هو ينطق عن هواه فعندئذ فهو يقايس آراءه مثلنا، وليس الشيخ بمعصوم ما يجعل تفكيره بلا وحي. وعليه عبر هذين الاحتمالين أن يرجح هو واتباعه حقيقة آراءه: أعلى هواها أم لا تأتي على الهوى السياسي؟!

ربط العلامات الناتئة قادنا أيضا للقول إن عبد الحي يعنيها. فهو لاحظ تحركات الرباعية الجديدة التي أعقبت “مباشرة” زيارة البرهان الأخيرة لنيويورك والرياض، وتفاهمه مع الاميركان هناك والذي راه سرياً بلا بيان مشترك للرأي العام.، وهنا نحن آخذون في الاعتبار تصريحات توم بريليو بعد لقائه البرهان، والذي أشار بعد اللقاء إلى تفاهم الجانبين، وكذلك تصريحات الأميركي كاميرون هديسون الذي أوضح أن هناك سعي من واشنطن لتحقيق السلام والاستقرار في السودان بعد لقائه قائد الجيش في مهربه. ولا ننسى هنا التحركات الغربية التي جمعت بين الكتلتين المتعارضتين: تقدم وأطراف من المشتركة وقوى سياسية مؤيدة للحرب في جنيف هذا الأسبوع.

فمن خلال المتابعة لردود فعل الإسلاميين الأخيرة لهذه التحركات المحلية والإقليمية والدولية لإيقاف الحرب لاحظنا أن هناك هجوما مبطناً ضد البرهان يتعلق بصمته عن هذه التحركات، وعدم إبدائه أية نية لتطمين قاعدته الاسلاموية بان الحرب ستستمر. بل إن البرهان صرح قبل أسبوعين بطريقته الملتوية بأن الحرب أرهقت السودانيين ما يشيء بأن تصريحات ياسر العطا – حليف جماعة البراء – حول قدرة الجيش للقتال لمدى مئة سنة غدت مراهقة سياسية لم تصمد أمام الضغوطات التي يواجهها البرهان لإيقاف الحرب.

شيخ عبد الحي ومن خلفه الحركة الإسلامية لا يثقون بطبيعة حال علاقتهم المتأرجحة مع البرهان في قدرة قيادة الجيش على الصمود في موقفها برغم اتفاق الجانبين على خطوات كثيرة ما بعد الانقلاب، وكذلك بعد الحرب.

فعبد الحي الذي يعصر مشاعره السياسية بالدينية ليخرج للرأي العام بما يسميه الفتوى السياسية المكيفة فقهياً يهدف دائماً إلى تجيير طاقة مسلمي السودان لصالح مصلحة دنيوية خاصة بالإسلاميين عن طرق الجيش، وهنا يصبح البرهان كما لو أنه كافر كما استبطن الشيخ في فتواه. فالذي لا دين له إنما كافر بالأديان جميعها بالضرورة وليس الإسلام فحسب. فالبرهان من خلال موقعه لقيادة مسلمين في حرب مقصودة لاستعادة أمجاد الحركة الإسلامية يبقى امراً متناقضا لدى أمراء الحركة الإسلامية. على أن كل هذا الخواء الداعشي يمثل قمة نهج البراغماتية الدينية التي تقول بأن الأصل في المنع يعني تلفيق الحق بالباطل.

الوسومالأخوان المسلمون البرهان الحركة الإسلامية عبدالحي يوسف

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: الأخوان المسلمون البرهان الحركة الإسلامية عبدالحي يوسف

إقرأ أيضاً:

البيت الأبيض ينشر فحوى وثيقة الضمانات التي وقعها الوسطاء في شرم الشيخ

وقد نشر البيت الأبيض فحوى وثيقة الضمانات التي وقعها الوسطاء في شرم الشيخ بشأن إشاعة السلام والازدهار في المنطقة بعد توقيع "اتفاق وقف الحرب في غزة".

ونصت الوثيقة على أن الدول الموقعة ترحب بالالتزام التاريخي الحقيقي والتنفيذ من قبل جميع الأطراف لاتفاق السلام الذي تم التوصل إليه برعاية الرئيس الأميركي دونالد ترامب، والذي وضع حدا لأكثر من عامين من المعاناة العميقة والخسائر، ويفتح فصلا جديدا للمنطقة عنوانه الأمل والأمن والرؤية المشتركة للسلام والازدهار.

كما أكد الموقعون على دعم وتأييد جهود الرئيس ترامب لإنهاء الحرب في غزة وتحقيق سلام دائم في الشرق الأوسط. والعمل معا على تنفيذ هذا الاتفاق بطريقة تضمن السلام والأمن والاستقرار والفرص لجميع شعوب المنطقة، بما في ذلك الفلسطينيون والإسرائيليون.

وأشارت الوثيقة إلى أن السلام الدائم هو ذلك الذي يتمكن فيه كل من الفلسطينيين والإسرائيليين من الازدهار مع ضمان حقوقهم الإنسانية الأساسية، وحماية أمنهم، وصون كرامتهم.

 كما أكدت أن التقدم الحقيقي يتحقق من خلال التعاون والحوار المستمر، وأن تعزيز الروابط بين الدول والشعوب يخدم المصالح الدائمة للسلام والاستقرار الإقليمي والعالمي.

كما تعهد الموقعون بالعمل على حل النزاعات المستقبلية من خلال الحوار الدبلوماسي والمفاوضات، لا من خلال القوة أو الصراع المطول. وأشاروا إلى أن الشرق الأوسط لا يمكنه أن يتحمل دورة مستمرة من الحروب الطويلة، أو المفاوضات المتعثرة، أو التطبيق الجزئي والانتقائي للاتفاقيات.

وأشارت الوثيقة إلى الطموح لتحقيق التسامح والكرامة وتكافؤ الفرص لكل إنسان بغض النظر عن العرق أو الدين أو الانتماء الإثني، وكذلك العزم على القضاء على التطرف والتشدد بجميع أشكاله.

كما أشارت الوثيقة للسعي إلى رؤية شاملة للسلام والأمن والازدهار المشترك في المنطقة، تقوم على مبادئ الاحترام المتبادل والمصير المشترك. وفي هذه الروح، ترحب بالتقدم المُحرَز في إقامة ترتيبات سلام شاملة ومستدامة في قطاع غزة.

وكذلك أكدت على التعهد بالعمل الجماعي لتنفيذ هذا الإرث واستدامته وبناء أسس مؤسسية تزدهر عليها الأجيال القادمة معًا في سلام.

وعُقدت في مدينة شرم الشيخ المصرية الاثنين قمة تحت عنوان "قمة شرم الشيخ للسلام" لإنهاء الحرب في قطاع غزة، وتعزيز جهود إحلال السلام والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، وذلك برئاسة مشتركة للرئيسين المصري عبد الفتاح السيسي والأميركي دونالد ترامب، وبمشاركة أكثر من 31 من قادة الدول والمنظمات الإقليمية والدولية.

وأتت القمة في أعقاب اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه مؤخرا بين حركة حماس وإسرائيل، برعاية أميركية، وبمشاركة قطر ومصر وتركيا.

ومن الزعماء والقادة الذين شاركوا في القمة إلى جانب الرئيسين المصري والأميركي، كل من أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، وملك الأردن عبد الله الثاني، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ورئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، ورئيسة الوزراء الإيطالية جورجا ميلوني، ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر.

وشملت بنود الاتفاق وقف الحرب بشكل دائم، وتبادل الأسرى، وإدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة، إضافة إلى تشكيل إدارة فلسطينية انتقالية لإدارة شؤون القطاع.

ويُنتظر أن تسهم القمة في تثبيت التهدئة وإطلاق مرحلة جديدة من إعادة الإعمار، بما يمهد لإحياء مسار السلام الشامل في المنطقة.

والخميس الماضي، أعلن ترامب توصل إسرائيل وحماس إلى اتفاق على المرحلة الأولى من خطته لوقف إطلاق النار وتبادل أسرى، إثر مفاوضات غير مباشرة بين الطرفين في شرم الشيخ، بمشاركة قطر وتركيا ومصر، وبإشراف أميركي.

وكالات

مقالات مشابهة

  • البيت الأبيض ينشر فحوى وثيقة الضمانات التي وقعها الوسطاء في شرم الشيخ
  • برلماني: كلمة الرئيس السيسي في قمة شرم الشيخ تثبت أن مصر الضمير الحي للأمة
  • القدس.. الحرب التي لا تنتهي!
  • مجلس كنائس مصر يهنئ العالم باتفاق السلام الذي ينهى الحرب في غزة
  • صالح الجعفراوي صوت غزة الذي صمت برصاص الغدر
  • ما الذي سيدمّر أميركا في صراع النظام العالمي الجديد؟
  • طبيب غزاوي للوموند: هذه هي المعركة التي تنتظرنا بعد انتهاء الحرب
  • حماس: الحركة لن تحكم غزة بعد الحرب
  • عاجل.. مصدر بحماس: الحركة لن تحكم غزة فى المرحلة الانتقالية بعد انتهاء الحرب
  • قيادي في حماس: الحركة لن تشارك في مراسم توقيع الاتفاق مع إسرائيل