عندما قامت ثورات الربيع العربي اتخذت الثورة السورية والثورة الليبية الطابع المسلح بفعل عوامل كثيرة؛ لعل أهمها طبيعة النظام القمعي المتسلط في الدولتين، (القذافي على رأس السلطة في ليبيا منذ العام 1969 ونظام البعث في سوريا حيث عائلة الأسد منذ نفس التاريخ تقريبا)، وكلا النظامين كانت له طبيعته الوحشية العنيفة.
في عام 2015 شددت التنظيمات المسلحة ضرباتها على قوات الأسد وتمددت في أنحاء سوريا حتى باتت تسيطر على قرابة 85 في المئة من الأراضي السورية، وأصبح نظام الأسد قاب قوسين أو أدنى من السقوط، ولكن سرعان ما تراجعت فصائل الثورة السورية حتى اضطرت الكثير منها إلى عقد اتفاقات مع قوات النظام وأخلت أماكنها وانتقل معظمها إلى الشمال في محافظة إدلب التي أصبحت مكتظة بالنازحين والفصائل.
تعددت أسباب هذا التراجع، فكان منها التدخل الروسي بسلاح الطيران وهو الذي غير المعادلة، يليه التدخل الإيراني وجلب المليشيات الشيعية من باكستان وأفغانستان وحزب الله في لبنان. وكان من أسباب التراجع أيضا تعدد أفكار وأيديولوجيات فصائل الثورة والتناحر الداخلي فيما بينها وتقاتلها على مناطق النفوذ، وبالكاد هي اتفقت على مواجهة نظام الأسد واختلفت فيما سوى ذلك.
ومن أهم أسباب هذا التراجع أن هذه التنظيمات كانت تعتمد في تسليحها على دعم بعض الدول العربية والغربية، وهي دول ليس من مصلحتها أن تسيطر هذه المجموعات على سوريا، فاتفقت إرادة أمريكا والناتو وروسيا وإيران على خطورة سيطرة هذه المجموعات على سوريا فتراجعت الدول العربية الداعمة وبدأت تصل حبال الود مع النظام من جديد، واستثمرت أمريكا في مجموعات الأكراد وأعطتها مناطق النفط في سوريا وزودتها بكم هائل من السلاح رغم اعتراض تركيا.
كل هذه العوامل جعلت هذه الفصائل تتقهقر سريعا وتفقد ما انتزعته من أراض من قوات النظام.
هذه الفصائل تحاول الآن استغلال طوفان الأقصى وما حدث لحزب الله اللبناني وانشغال إيران في حروب المنطقة، ولهذا فتحت جولة جديدة من القتال ضد نظام المجرم بشار.
هذه الجبهة في هذا التوقيت ستصب في صالح الكيان ونتنياهو بالدرجة الأولى، وقد لا تعود بفائدة تذكر على الفصائل في سوريا.
فهي من ناحية، ستخفف التغطية الإعلامية للحرب في غزة وتأخذ جانبا من الأنظار إلى الشمال، ولن تعدم إيران الوسيلة لجلب مقاتلين من أفغانستان أو من باكستان وربما من العراق، وهنا قد يتسع الصراع ويأخذ منحى آخر.
ثم إن تسليح هذه الفصائل يأتي من الدول الداعمة وهي دول ليس من مصلحتها انتصار الثورة في سوريا وإلا لساعدتها في 2015 وكانت على أبواب دمشق، ومن يملك السلاح هو من يوجه القرار.
كذلك تعدد مشارب وأفكار هذه الفصائل التي تعد بالعشرات وسهولة التحريش بينها مما قد يمنعها من تحقيق أي إنجاز.
ثم إن حسم المعركة مع المشروع الصهيوأمريكي إنما هو في فلسطين، فلو فشل هذا المشروع في فلسطين فسيتراجع في كل المنطقة، وهذا المشروع في الحقيقة هو الذي يقف عائقا أمام حصول الشعوب على حقوقها الاقتصادية والسياسية حتى تبقى ضعيفة ممزقة تابعة.
وفي الخلاصة فإن رأيي -والله أعلم- أن هذه الجبهة التي فتحتها قوى المعارضة في سوريا سيكون لها أثرها العكسي على طوفان الأقصى، وربما لن تحقق هذه الفصائل ما تصبو إليه.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مدونات مدونات الثورة سوريا الأسد الإيراني إيران سوريا الأسد الثورة طوفان الاقصي مدونات مدونات مدونات مدونات مدونات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة هذه الفصائل فی سوریا
إقرأ أيضاً:
المتقون.. النموذج الصحيح للإيمان الصادق
السيد القائد /عبد الملك بدر الدين الحوثي
{والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ} [البقرة: الآية4]، إيمانٌ بما أنزل الله، إيمان إذعان وقبول ووثوق وتصديق ويقين، فحملوه فكرة ورؤية ونظرة وتقييمًا، وحملوه- أيضًا- موقفًا واتجاهًا عمليًا في هذه الحياة، والتزامًا عمليًا فيما يفعلون وفيما يتركون، {وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ}؛ لأنهم يؤمنون بوحدة المسيرة الدينية، ويؤمنون بالله “سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى” أنه الذي رعى عباده بالهداية على طول تاريخهم، أنه الرحيم، الحكيم، العظيم، الذي أوصل هديه والدلالة لعباده على ما فيه فلاحهم، وسعادتهم، وفوزهم، وخيرهم، في كل الأجيال، وعلى مرِّ الزمن، ليست المسألة أنه خلى عباده حتى قال: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ} [القمر: من الآية1]، وجاء لهم برسول وكتاب. |لا|، منذ أن خلق آدم، وجعله في موقع التكليف، وأوصله إلى تلك الجنة، بدأ يرشد، بدأ ينبه: [هذا خطر عليك، هذا مصلحة لك، هذا فلاح لك، هذا خسارة عليك، {فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ}[البقرة: من الآية38]، {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً}[طه: من الآية124]، ينبه على مرِّ التاريخ، وقدَّم الهداية لعباده، وإيمان بأن مسيرة الرسل والأنبياء والكتب الإلهية مسيرة واحدة، تنطلق من أصلٍ واحد، من توجهٍ واحد إلى الله “سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى”.
{وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ}، واليقين بالآخرة مسألة مهمة جدًّا؛ لأن حالة الإقرار حالة قائمة في واقع كل المنتسبين للإسلام، ولكن الذي يميّز المتقين هو اليقين بالآخرة الذي ترك أثرًا عظيمًا في أنفسهم من الخوف من الله، والرغبة إلى الله “سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى”، فكانوا في توجههم في هذه الحياة متجهين نحو طاعة الله، نحو الحذر من معصية الله، نحو القيام بمسئولياتهم، وعندهم هذا الدافع النفسي الكبير: خوفًا ورغبة، خوفًا ورجاءً، دافع نفسي كبير وعظيم، هل يؤثر على الناس في كل اتجاهاتهم في هذه الحياة إلا الخوف والرغبة، الخوف والطمع، الخوف والرجاء، فهم إلى الله “سُبْحَـانَهُ وَتَعَالَى” في إيمانهم به ويقينهم بالآخرة على هذا المستوى، وعند الزلل يُنيبون ويتوبون ولا يصرّون على المعصية أبدًا.
{أُوْلَـئِكَ}، بهذه الصفات البارزة والرئيسية، التي يتبعها بقية الصفات، {عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ}[البقرة: الآية5]؛ لأنهم اتجهوا في حياتهم، في مواقفهم، في مسيرة حياتهم وهم يعتمدون على ذلك الهدى، يعودون إليه، يسترشدون به، يستلهمون منه ما يفيدهم في روحيتهم، وما يدلهم في الطريق وعلى مواصلة الطريق. الآخرون من حولهم هذا له مشروعه، هذا له فكرته، هذا له رؤيته، من هناك وهناك وهناك، وهم لم يعتمدوا آراءهم، ولا أهواءهم، ولا رغباتهم، ولا شهواتهم، ولا مزاجهم، واتجهوا إلى البحث عمَّا يريده الله منهم، عمَّا يأمرهم به الله، عن المسئوليات التي يحددها الله لهم، فاعتمدوا على ذلك، والله “جلَّ شأنه” يمنحهم هو هدايةً بهذا التوجه إليه، {وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}، هم في النهاية الفائزون. يقول المفسرون وأهل اللغة عن تفسير الفلاح: أنه الظفر بالخير، ويقولون عنه: أنه الفوز بالبُغْيَة، يعني: الوصول إلى ما تبتغيه، إلى ما تريده، إلى ما تؤمِّله، إلى أهدافك العظيمة والسامية.
البشر بشكلٍ عام في هذه الحياة يخرجون من هذه الحياة إما بربح وإما بخسارة، إما بفوز وإما بخسارة، عاقبة أمرهم الحتمية هي هذه: إما أن يكون كسبك في هذه الحياة، سعيك في هذه الحياة، مسيرتك في هذه الحياة توصلك إلى الفوز، وإما أن تخرج بك إلى الخسارة، والله “جلَّ شأنه” قال في كتابه الكريم: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ *وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}[سورة العصر].
فالإنسان في هذه الحياة إما أن يكون من المفلحين، الناجحين، الفائزين، وإما أن تكون النتيجة هي الخسارة “والعياذ بالله”، الإنسان مهما حصل عليه في هذه الحياة وهو خارجٌ عن خط الهداية مآله ونتيجته أن يخسر كل شيء، وأن يتجه إلى عذاب الله الذي هو خسران أبدي، أما هم ففلاحهم في الدنيا فيما يتحقق في هذه الدنيا، وفلاحهم وفوزهم العظيم في الآخرة.