عربي21:
2025-06-13@12:20:48 GMT

أين تقف تركيا من التطورات الأخيرة في سوريا؟

تاريخ النشر: 2nd, December 2024 GMT

في تقييم أي حدث سياسي مهم أو عملية عسكرية بارزة يُنظر إلى الدوافع والمنطلقات والأهداف، كما ينظر إلى التصريحات والإشارات والأحداث، وينظر إلى التوقيت والسياق والظروف، وإلى الفواعل المؤثرة والمتداخلة وتشابك العلاقات، وإلى النتائج والتبعات والارتدادات سواء بسواء.

تمثل عملية "ردع العدوان" التي أطلقتها المعارضة السورية وتحديدا ما تسمى "إدارة العمليات العسكرية" ضد قوات النظام وحلفائه في حلب؛ تطورا مهما بل هو الأبرز في المشهد السوري منذ سنوات عديدة، وليس من المبالغة القول إنه أحد أهم التطورات في المنطقة برمتها منذ عملية طوفان الأقصى وأحد هزاتها الارتدادية.



ورغم الديناميات الداخلية المعروفة، من قبيل المواجهات السابقة بين النظام والمعارضة، واستمرار استهداف النظام لإدلب (المنطقة الوحيدة الباقية من مناطق خفض التصعيد)، وتكدس المدنيين فيها، إلا أن الظروف الإقليمية والدولية ذات حضور ملموس -دائما- في المشهد السوري من حيث التأثر والتكيف والاستثمار.

من هذه الزاوية، من المهم النظر لمواقف القوى الإقليمية والدولية المنخرطة في القضية السورية بنفس القدر الذي تبحث فيه الديناميات الداخلية، إذ لطالما كان لهذه القوى تأثيرات مباشرة وغير مباشرة عليها منذ اندلاع الثورة في 2011، بل كانت هي المحدد الرئيس لمساراتها في السنوات الأخيرة.

وتعد تركيا من الدول المهمة لاستطلاع أين تقف من هذه التطورات الجذرية والمتسارعة من حيث النظرة والموقف والدور والمصالح المتأثرة. فهي دولة جارة لها حدود مشتركة على طول 911 كلم، فضل عن وجودها العسكري في الداخل السوري، إضافة لوجود ملايين السوريين المقيمين على أراضيها.

عملية "إدارة العمليات العسكرية" في الشمال السوري تحقق مصالح واضحة لأنقرة، بالضغط على الأسد لإعادة النظر في المسار السياسي الداخلي، وفي تطبيع العلاقات معها، وتغيير موازين القوى في سوريا بشكل يرجح كفتها ويجعلها هي -لا الميليشيات المدعومة أمريكيا- من يملأ الفراغ الذي قد تتركه إيران والمليشيات المحسوبة عليها
الأهم مما سبق، أن أنقرة إحدى الأطراف الضامنة لوقف إطلاق النار في سوريا ومناطق خفض التصعيد الأربع التي استحالت مع هجمات النظام إلى منطقة واحدة في إدلب، بل اضطرت لتفكيك عدة نقاط مراقبة في الشمال السوري بسبب محاصرة قوات النظام لها. وعلى مدى السنوات الماضية لم يسجل المسار السياسي تقدما ملحوظا، ووضع النظام مسار اللجنة الدستورية في الثلاجة، مستمرا في هجمات على إدلب أثارت مخاوف عدم الاستقرار من جهة وموجات جديدة من اللاجئين من جهة أخرى.

أضيفت لذلك دعوات أردوغان المتكررة للأسد لتطبيع العلاقات وفتح صفحة جديدة بين البلدين، والتي وُوجهت أحيانا بالتجاهل وأحيانا أخرى بشروط مسبقة، مثل الانسحاب من الأراضي السورية ووقف الدعم للمعارضة السورية المسلحة.

علاوة على كل ذلك، يركز الخطاب الرسمي التركي منذ أشهر على فكرة أن العدوان "الإسرائيلي" الذي بدأ في غزة وامتد للبنان مرشح للاستمرار في سوريا وصولا لتركيا، التي قال أردوغان إن القوات "الإسرائيلية" تبعد عنها ساعتين ونصف فقط، فضلا عن الإشارة لإمكانية استهداف الأراضي التركية مباشرة.

دفع ذلك للتقدير بأن تتجه أنقرة لخطوات ملموسة تجاه هذا التهديد، وقد توقعنا في مقالات وأوراق سابقة أن تكون إحداها عملية عسكرية في الشمال السوري لمكافحة الكانتون الذي تديره قوات سوريا الديمقراطية أو لزيادة مساحة نفوذها في شمال غربي سوريا. كما أنها بدأت الحديث الرسمي عن ضرورة حل المسـألة الكردية الداخلية تحت عنوان "تمتين الجبهة الداخلية".

تضاف لذلك تطورات دولية وإقليمية، في مقدمتها انخراط حزب الله و"محور المقاومة" في جبهات الإسناد لغزة وتراجع حضورهم نسبيا في سوريا، فضلا عن الخسائر التي تكبدوها والعلاقات المتوترة مع النظام وما يعنيه ذلك من فرصة لملء الفراغ، لا سيما مع وجود خطة أمريكية- غربية لحصار المحور وقطع طرق إمداده. ومنها كذلك فوز ترامب وما يمكن أن يعنيه ذلك لأنقرة من فرص (الانسحاب من سوريا؟) وتهديدات (ترسيخ "الدويلة الكردية"؟) محتملة، لا سيما على هامش الحرب المستمرة في المنطقة.

يعني كل ما سبق أن عملية "إدارة العمليات العسكرية" في الشمال السوري تحقق مصالح واضحة لأنقرة، بالضغط على الأسد لإعادة النظر في المسار السياسي الداخلي، وفي تطبيع العلاقات معها، وتغيير موازين القوى في سوريا بشكل يرجح كفتها ويجعلها هي -لا الميليشيات المدعومة أمريكيا- من يملأ الفراغ الذي قد تتركه إيران والمليشيات المحسوبة عليها، وما يضعها كذلك في موقف تفاوضي أفضل مع إدارة ترامب القادمة.

بهذا المعنى، فتركيا ليست معارضة للعملية من حيث المبدأ، بل راضية بها وربما منحتها ضوءا أخضر لم يكن موجودا سابقا قبل نضوج الظروف سالفة التفصيل إقليميا ودوليا، لا سيما وأن العملية فتحت الباب على إمكانية استعادة مناطق مثل تل رفعت ومنبج التي سيطرت عليها قسد على عكس التفاهمات السابقة بين أنقرة وكل من موسكو وواشنطن؛ وظلت الأولى تلوح بعملية محتملة لإخراجها منها، وهو ما حصل في عملية "فجر الحرية" التي شنها "الجيش الوطني السوري" المعارض.

رغم كل ذلك، من الصعب القول إن تركيا ترغب في رؤية صراع صفري جديد في سوريا أو استمرار المعركة حتى النهاية، حيث إنها ركزت خطابها السياسي في السنوات القليلة الأخيرة على فكرة أنَّ تراجع المواجهات العسكرية ينبغي أن يترجم لحل سياسي يرضي جميع الأطراف وينهي الصراع بشكل كامل. ذلك أن فتح حرب شاملة وصفرية في سوريا قد ينتج عنه سيناريو الفوضى الذي تتوجس منه أنقرة؛ لناحية تأثيره السلبي على اقتصادها وإضراره بأمنها القومي واحتمالات تفعيل ودعم مشروع "الدولة الكردية"، وخصوصا مع التصريحات "الإسرائيلية" المتكررة التي أشارت للمليشيات الكردية في سوريا كحليف وشريك. ترى أنقرة أنه ما زال بالإمكان ضبط التطورات واستعادة الهدوء دون تصعيد موسع، والرجوع نحو مسار سياسي داخلي أي سوري- سوري وآخر إقليمي- دولي بين كل من الولايات المتحدة وإيران وروسيا وتركيا، وبشكل أكثر تحديدا ضمن تفاهمات ثنائية بين موسكو وأنقرة، ولكن هذه المرة بوضع تفاوضي أفضل للأخيرةكما أن ذلك من شأنه توتير علاقاتها المتحسنة حديثا مع عدد من الدول العربية، وهو ما لا تريده بالتأكيد، فضلا عن نظرتها السلبية أو أقله المتوجسة لهيئة تحرير الشام -الركن الرئيس في "إدارة العمليات العسكرية"- التي لا تملك نفوذا كبيرا عليها على عكس "الجيش الوطني السوري".

كما أن تركيا لا تريد استعادة منطق الأزمات والمواجهة مع روسيا أو الولايات المتحدة، بل لعلها رأت في العملية مشكلة يمكن أن تؤدي لحل أزمة بعد إعادة طرحها على الطاولة، ولذلك فقد كانت التصريحات الرسمية التركية متحفظة في تأييد العملية -وإن حمّلت مسؤولية تدهور الأوضاع للنظام- وأكدت على ضرورة استعادة الهدوء والحل السياسي.

وعليه، ترى أنقرة أنه ما زال بالإمكان ضبط التطورات واستعادة الهدوء دون تصعيد موسع، والرجوع نحو مسار سياسي داخلي أي سوري- سوري وآخر إقليمي- دولي بين كل من الولايات المتحدة وإيران وروسيا وتركيا، وبشكل أكثر تحديدا ضمن تفاهمات ثنائية بين موسكو وأنقرة، ولكن هذه المرة بوضع تفاوضي أفضل للأخيرة. ولذلك، فقد كانت قنوات الاتصال مفتوحة مع كل روسيا وإيران، حيث أجرى وزير الخارجية هاكان فيدان اتصالا هاتفيا مع نظيره الروسي سيرغي لافروف، وسيستقبل اليوم الاثنين نظيره الإيراني عباس عراقجي.

ختاما، رغم سرعة وضخامة التطورات الميدانية في الأيام الثلاثة الأولى للعملية، ما زال من العسير التوقع الدقيق لمساراتها ونتائجها ومآلاتها، ومدى ارتباطها و/أو تأثرها بمشاريع إقليمية ودولية أخرى، أمريكية في المقام الأول. فقد مرت لحظة الصدمة وبدأت جميع الأطراف بإجراء تقييماتها واتصالاتها وتنظيم خطواتها المستقبلية، ما يترك الميدان العسكري والسياسي مفتوحا على سيناريوهات عديدة؛ سيكون من بين أهم العوامل المؤثرة فيها وترجيح أحدها مواقفُ الأطراف الإقليمية وتفاهماتها المحتملة وتحديدا الثلاثي التركي- الروسي- الإيراني، فضلا عن الجانب الأمريكي الغائب الحاضر في الخلفية وفي قلب الأحداث.

x.com/saidelhaj

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه ردع العدوان تركيا سوريا الأسد فجر الحرية سوريا الأسد تركيا فجر الحرية ردع العدوان مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة إدارة العملیات العسکریة فی الشمال السوری فی سوریا فضلا عن

إقرأ أيضاً:

فادي صقر: لم يعف عني أحد لكن هل يقبل ثوار سوريا بشركاء خدموا الأسد؟

أكدت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية أن اللجنة العليا للسلم الأهلي في سوريا تثير عاصفة من الجدل والغضب في أوساط أنصار الثورة السورية الذين يوجهون انتقادات كبيرة إلى السلطات الانتقالية بخصوص الملفات العالقة، ويتحدثون عن تواطؤ مع رموز النظام السابق على حساب العدالة المنتظرة.

وأضافت الصحيفة في تقرير لها أن حدة الغضب الشعبي ازدادت بعد تداول أنباء عما وصف بأنه تورط اللجنة في التنسيق مع فادي صقر القيادي السابق في مليشيا "قوات الدفاع الوطني" الموالية للأسد، والذي تتهمه منظمات حقوقية بالضلوع في مجازر مروعة، أبرزها مجزرة حي التضامن في دمشق عام 2013، وحصار المناطق التي ثارت ضد نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2الرئيس السوري: لن أسمح بالمساس بالسلم الأهليlist 2 of 2مقبرة جماعية في سوريا تحوي 100 ألف جثة على الأقلend of list

ووقعت مجزرة التضامن في شارع نسرين بحي التضامن في مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين بالعاصمة السورية دمشق في الأول من أبريل/نيسان 2013، ولم تكتشف إلا بعد نحو 9 سنوات من وقوعها حينما نشرت صحيفة غارديان البريطانية في 27 أبريل/نيسان 2022 مقطعا مصورا قالت إن مجندا في مليشيا موالية للنظام سرّبه، ويظهر إعدام مسلحين من النظام السوري 41 مدنيا، بينهم 7 نساء وعدد من الأطفال.

لكن صقر نفى مسؤوليته عن المجزرة، وقال في بيان لصحيفة نيويورك تايمز "عُينت بعد أحداث التضامن، ولم أحصل على عفو من أحد، إذا وُجد دليل ضدي فليُقدّم للقضاء، أنا مستعد للمثول أمام أي محكمة قانونية".

إعلان

توازن

وفي مؤتمر صحفي عقدته اللجنة أول أمس الثلاثاء حاولت تبرير سياساتها بتأكيد ضرورة "تحقيق التوازن بين العدالة والاستقرار"، مشددة على أن "مصالحة حقيقية لن تتحقق دون إشراك شرائح من النظام السابق".

من جانبه، قال عضو لجنة السلم الأهلي حسن صوفان إن "المشاركة مع بعض رموز النظام ضرورة أمنية لمنع الانفجار"، مضيفا "نفهم ألم الناس وغضبهم، لكن مسؤوليتنا هي حماية ما تبقى من سوريا"، وذلك حسب ما أبرزته نيويورك تايمز.

وتضيف الصحيفة الأميركية أن اللجنة -التي شُكّلت بهدف رأب الصدع المجتمعي بعد نحو 14 عاما من الحرب- تسوّق لنفسها كمبادرة للتعايش وإعادة ترميم اللُّحمة الوطنية، لكن منتقديها يرون فيها أداة لتبييض صفحة الجلادين، ولا سيما بعد الإفراج المفاجئ خلال عيد الأضحى الأخير عن عشرات من عناصر النظام السابق بدعوى "عدم ثبوت تورطهم في جرائم حرب".

ونقلت الصحيفة عن الناشط رامي عبد الحق -وهو أحد الداعمين البارزين للثورة ضد نظام الأسد- قوله "ما انتظره الشعب بعد سقوط الأسد هو محاسبة المجرمين، لا منحهم الغفران المجاني".

وأضاف عبد الحق "نشعر وكأننا خُدعنا مرتين، مرة حين سفك النظام دماءنا، ومرة حين نُسيت هذه الدماء باسم السلام".

الإفلات من العقاب

وتتابع "نيويورك تايمز" أن حقوقيين يرون أن التساهل مع من يوصفون بـ"المجرمين السابقين" يعزز ثقافة الإفلات من العقاب وينذر بتكرار الكارثة.

كما عبّر أهالي المفقودين والمعتقلين السابقين عن استيائهم، مطالبين بالكشف عن مصير أحبائهم لا "مكافأة الجلادين بالمناصب".

وبحسب الصحيفة، يقدّر عدد من خدموا في الأجهزة الأمنية والمليشيات التابعة للأسد بنحو 800 ألف شخص، مما يجعل محاكمتهم كلهم شبه مستحيلة.

وتضيف أن ذلك يطرح سؤالا جوهريا كما صاغه فادي صقر قائلا "هل يمكن لثوار الأمس أن يقبلوا بشركاء من معسكر العدو السابق؟".

إعلان

وتشدد "نيويورك تايمز" على أن سوريا اليوم تقف عند مفترق حاسم، بين عدالة تعيد الكرامة للضحايا، وسلام هش قد ينفجر في أي لحظة إذا بُني على رمال النسيان بدلا من أسس المحاسبة.

مقالات مشابهة

  • من لبنان إلى سوريا.. تفاصيل أكبر العصابات التي تطوّق الحدود
  • إسرائيل تكشف أهداف عملية «الأسد الصاعد» ضد أهداف عسكرية في إيران
  • فادي صقر: لم يعف عني أحد لكن هل يقبل ثوار سوريا بشركاء خدموا الأسد؟
  • باحث إسرائيلي: تركيا تملأ فراغ إيران وتعيد تشكيل تحالفات الشرق الأوسط
  • بقايا من الذاكرة.. معرض فني يوثّق الوجع السوري
  • إسرائيل تشن عملية عسكرية في سوريا وتعتقل فلسطينيين
  • جدل غير مسبوق في سوريا بسبب قضية العفو وفادي صقر.. ما القصة؟
  • الطيران السوري يستأنف الرحلات الجوية المباشرة إلى تركيا
  • 4500 طن من الذهب “تحت الوسائد” في تركيا!
  • دعوات إسرائيلية لإعادة تقييم الموقف من النظام السوري الجديد.. هل تُفتح صفحة جديدة؟