حقاً لقد هان السودان على الكيزان..! فقد كتب احد الإنقاذيين من قادة "الحركة الإظلامية" والناشطين فيها قائلاً إن (ندى القلعة أنفع للحركة الإسلامية وللسودان من عبد الحي يوسف)..!
جاء ذلك رداً على المعركة الكلامية البائرة بين عبدالحي يوسف والبرهان في وقت يموت فيه السودانيين قتلاً وسحقاً واغتيالاً وغيلة وتشريداً وجوعاً وقهراً ومهانة.
ما قاله هذا الكادر الاخونجي يعد بحق (تتويجاً) للمقولة النظرية عن عصر وسلطة التفاهة (المديوكراسي) التي قال بها الفيلسوف الكندي "آلان دونو"..! وهي مقولة في العلم السياسي كان الناس يحسبونها مجرد مصفوفة من الأحوال والأوضاع السيئة التي يمكن أن يحل بعضها بدولة ما.. فإذا بالكيزان وقادتهم وبرهانهم وكباشيهم وانقلابهم يجسّدونها بالفعل، ويجعلون من بلانا دولة خاسرة تطفح فيها التفاهات ويتقلد أمرها لفيف من شخوص فقراء في المعرفة..عُراة من الفضائل..معوزين من المسؤولية ومفلسين في الوعي و(مقشِّطين في الأمانة) ومدقعين في قيم النزاهة والشرف والضمير..!
إنها ديكتاتورية التفاهة التي توصف بأنها سلطة الجهل التي يصل إلى قمتها أشخاص يوسمون بتدني الفهم وسوء التقدير وانعدام المواهب وضعف المهارة وسوء النوايا..وكل ما يمكن وصفه بالرديء الدنيء..!
إنها كما يقول آلان دونو: (الكتلة البلهاء) والقوقعة الحاضنة التي تحوي داخلها يرقات وطحالب في جوف السياسات المنحرفة التي توفرّ احتمالات تناسلها على شروط من التدني تخدم هيمنة التفاهة..!
جوقة من الكائنات اللزجة التي تتعلق بذيول السلطة مع إفراط في العنف..حيث تفتقر لأي وازع من إنسانية أو ضمير..ولا تستطيع الانفصال من حالة الشبق السلطوي والنهم الحاد للاستعلاء والتماهي مع الغرائز غير السويّة تعويضاً عن الانكسارات النفسية..إنهم جهلة موتورون غاضبون من مهانتهم يكذبون على أنفسهم وعلى الناس ولا يلقون بالاً لمعرفة الناس بوضاعتهم..يتكالبون على السلطة في حين لا يملكون مقوماتها ويتهافتون على الفساد تهافت الذباب على الجيف..!
العجيب في الأمر أن هذا الكادر الاخونجي الأسلامجي "كثير السجود" انتهى إلى القول بأن ندى القلعة أنفع للسودان مما يقوم به عبدالحي..!
هذا اختيار غريب يذكرك بحكاية لص الزراعة الذي "يحترم البغال" لأنها تساعده في حمل العلف المسروق..!
إنهم يريدون إغراقنا في هذه التفاهات في المفاضلة بين عبد الحي وندى القلعة..! وكلاهما (غارق في الإسفاف) يسئ إلى مهنته والى ما نذر نفسه له..! والمفسّرون من أئمة الفقه يقولون في معنى (بعوضة ما فوقها) أن ما فوقها يعني ما يفوق البعوضة في الصغر وقلة الشأن والضآلة..!
ثورة ديسمبر العظمى التي تضاهي بل تتجاوز أنبل الثورات الإنسانية في التاريخ يحاول الكيزان إلهاء الناس عنها بانقلابهم المشؤوم وحربهم الفاجرة حتى ننتهي إلى هذا الحضيض ويصبح أمرنا مفاضلة بين مفتي يجيز قتل ثلث الشعب من اجل بقاء سلطة انقلابية مُغتصِبة ويفتي بشرعية قتل المدنيين الأبرياء بالطائرات (لأنو مافي طريقة غير كده)..وبين مطربة غوغائية لا تحدث الناس عن المعاني السامية التي تحملها الفنون..بل تغني لمن لا يهمه الأمر بأن حاكم الإقليم الفلاني في نيجيريا (مبسوط منها)..في حين لم تفسر لمستمعيها سبب انبساطه..!
سوف تنتصر الثورة بقيمها السامية وشبابها الأوفياء وبوصية شهدائها الأبرار..ولن يفلح زواج الفساد والجهل والقتلة والفاسدين في وأدها....الله لا كسّبكم..!
مرتضى الغالي
murtadamore@yahoo.com
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
بلال قنديل يكتب: مش من حقك
في وقت بقينا كلنا فيه عايشين وسط زحمة الناس وزحمة الآراء، بقى الطبيعي انك تلاقي حد بيتكلم عنك، وحد بيحكم على تصرفاتك، وحد تاني بيحاول يغيرك عشان تبقى على مزاجه. بس الحقيقة البسيطة اللي الناس ناسيينها انك انت مش مرآة لحد، ومش تابع لحد، ومش من حق أي انسان يفرض عليك طريقة تعيش بيها حياتك.
مش من حقك تقوللي ألبس ايه، ولا أمشي ازاي، ولا أتعامل مع مين، ولا حتى احلم بإيه. مش من حقك تحطني في قالب انت شايفه مناسب ليك. انا حر، وعندي عقلي، وبعرف افكر، وعندي تجارب ووجع ومواقف خلتني ابقى الشخص اللي قدامك دلوقتي.
لو شايفني غلطان، من حقك تنصحني، لكن مش من حقك تفرض عليا قرارك وتعتبر انك بتعمل كده لمصلحتي.
فيه ناس بتفتكر ان القرب معناه السيطرة، وان الحب معناه التحكم، وان النصيحة لازم تكون أوامر. وده اكبر غلط. لان اقرب الناس ليك المفروض يكونوا اكتر ناس بيدوك مساحة تتنفس وتغلط وتتعلم. مش اقرب الناس هما اللي يقفلوا عليك ويحاسبوك على كل نفس.
الناس بقت تحب تتدخل، بقت تحب تسأل وتلاحق وتتابع، مش بدافع الاهتمام الحقيقي، لكن بدافع الفضول، او الاحساس بالتفوق، او حتى الهروب من مشاكلهم. والمشكلة الاكبر انهم لما ما يسمعوش اللي يرضيهم، يبتدوا يوجعوا بالكلام، ويحكموا، ويسيئوا.
المجتمع اللي عايز الكل نسخة واحدة، مجتمع مريض. ومفيش تطور ولا ابداع ولا راحة نفسية في بيئة مافيهاش حرية شخصية. لما تكون كل خطوة محسوبة عليك، وكل قرار لازم ياخد عليه الناس رأي، ساعتها تبقى مش عايش، انت مجرد آلة بتنّفذ اللي يرضي الناس.
محتاجين نرجع نفهم تاني يعني ايه احترام خصوصية، يعني ايه نسأل نفسنا قبل ما نتكلم: هو ده شغلي؟ هل انا مؤهل احكم؟ هل اللي بعمله هيبني ولا هيكسر؟ لأن الكلمة اللي بتطلع مش بترجع، والتدخل اللي مش في مكانه ممكن يبوّظ حياة بني آدم.
في النهاية، كل واحد فينا ليه حكاية، وليه وجع، وليه اختيارات. فلو مش هتدعم، اسكت. ولو مش هتفهم، متحكمش. مش من حقك تكون انا، ولا تكون صاحب القرار في حياتي. خليك في حالك، وخلي غيرك في حاله. كده بس نقدر نعيش في سلام حقيقي.
"احترم خصوصية غيرك، زي ما بتحب الناس تحترم خصوصيتك، لأن الاحترام الحقيقي بيبدأ من هنا."