دائمًا ما تنتهي الأبحاث والتجارب الغريبة بنتائج غير متوقعة، وواحدة من أغرب التجارب وأكثرهم مجازفة بالأموال وحتى الحياة، يستعد باحثون من مركز أبحاث الفيزياء الأوروبي سيرن، الموجود بالقرب من جنيف، للقيام بواحدة من أكثر الرحلات العلمية خطورة، إذ يخططون لنقل حاوية من المادة المضادة في شاحنة تعبر أوروبا.

وعلى الرغم من ندرة المادة المضادة لكونها الأكثر تكلفة على الأرض، إذ تشير التقديرات إلى أن تكلفة إنتاج جرام واحد منها قد تصل إلى عدة تريليونات من الدولارات، ولا يمكن تصنيعها إلا في مختبرات فيزياء متطورة جدًا مثل مركز أبحاث سيرن، فضلًا عن أن انفجارها يمكن أن يحدث إشعاعات كهرومغناطيسية، لكن الاستعداد لهذه الرحلة يجري على قدم وساق لتوفير هذه المادة وتحميلها في شاحنة نقل تعبر أوروبا، وفق صحيفة الجارديان البريطانية.

محملة بأخطر وأغلى مادة في العالم.. التجهيز لشاحنة الرعب في هذا المكان

البروفيسور ستيفان أولمر، العالم في سيرن قال عن التجهيز لـ الشاحنة المحملة بالمادة المضادة أن التعامل معها أمر بالغ الصعوبة، فإذا ما لامس المادة المضادة المادة العادية، فإن كليهما يتلاشى، فتنطلق منهما موجة قوية من الإشعاع الكهرومغناطيسي، ولا يمكن تخزين المادة المضادة بأمان إلا من خلال الجمع بعناية بين مجموعات من المجالات الكهربائية والمغناطيسية القوية في أجهزة خاصة، موضحًا: «هذا الأمر يجعل تحريكها صعبًا للغاية، على الرغم من أننا الآن قريبون من القيام برحلتنا الأولى، المادة المضادة لديها الكثير لتخبرنا به، ولهذا السبب نقوم بهذا».

يؤكد علماء مركز أبحاث سيرن أن نقل المادة المضادة سوف يكون سابقة علمية، وإن كان الأمر يشبه قصة خيالية، بالنسبة للمادة المضادة نفسها فإن الجرام الواحد منها يساوي 62 تريليون دولار، في حال خسر العلماء الشاحنة أو تعرضت لحادث فإن الخسائر ستكون كبيرة جدًا ماديًا، فضلًا عن الانفجارات القوية من الإشعاع الكهرومغناطيسي.

محاولة نقل المادة المضادة في رواية قديمة

ففي رواية الإثارة «ملائكة وشياطين» لدان براون ـ والتي تحوَّلت إلى فيلم بطولة توم هانكس في عام 2009 ـ سرقت العصابات المتطرفة علبة من المادة المضادة من سيرن وحاولوا تدمير الفاتيكان بها، ويصر العلماء على أن احتمال حدوث انفجار مماثل في الحياة الحقيقية أمر بعيد الاحتمال، إذ أن كميات المادة المضادة التي تحملها لن تكون كافية لإحداث انفجار ذي طبيعة يمكن التعرف عليها.

ويريد العلماء دراسة هذه الجسيمات لأنهم يعتقدون أنها قد تحمل الحل للغز أساسي، يقول أولمر: «نعتقد أن الانفجار الأعظم أنتج نفس الكميات من المادة والمادة المضادة، وكان من المفترض أن تدمر هذه الجزيئات بعضها البعض، لتترك كوناً مكوناً من الإشعاع الكهرومغناطيسي فقط وليس أكثر من ذلك».

ولهذا السبب، يرغب علماء الفيزياء في دراسة الاختلافات بين الجسيمات التي تشكل المادة والمادة المضادة، وقد توفر هذه الاختلافات أدلة حول سبب سيطرة المادة على الكون، كما قالت عالمة سيرن باربرا ماريا لاتاكز لمجلة نيتشر: «نحن نحاول أن نفهم سبب وجودنا».

تتكون المادة من جسيمات دون ذرية مثل البروتونات والإلكترونات، في حين تتكون المادة المضادة من جسيمات تشمل البروتونات المضادة والبوزيترونات، ويوجد مصدر رئيسي للنوع الأخير من الجسيمات في سيرن في جهاز يُعرف باسم مُبطئ البروتونات المضادة، حيث يتم توليد البروتونات المضادة وجمعها ودراستها.

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: المادة المضادة علماء الفيزياء الفيزياء المادة المضادة

إقرأ أيضاً:

فكر المكان.. مكان الفكر

ما زال عملاق الفكر الثقافي العربي إدوارد سعيد المتوفي عام 2003 موجودا بقوة في حياتنا، نحن الذين نبحث باستمرار عن الحقيقة التاريخية والإلهام الأدبي والانفتاح الذهني وتفكيك المركزية الثقافية الاستعمارية الأوروبية، وصدق ورصانة البحث التاريخي والانتصار لعدالة قضيتنا. كان سعيد رائدا لدراسات ما بعد الاستعمار وناقدا أدبيا واسع الاطلاع ولا تزال كتبه وخاصة (الاستشراق) تفعل فعلها في الأوساط الجامعية والثقافية الغربية والعربية. تعرفت وجها لوجه على الراحل الكبير قبل عشرين عاما، وتلقيت على يديه درسا سريعا في الشارع، منتصف تسعينيات القرن الماضي عبر عبارات صادمة قالها لي وهو يجلس بسيارة واقفة أمام إشارة ضوئية، برام الله: (أنا لست قديسا يا بنيّ أنا مجرد باحث عن الحقيقة ومقاتل في جيشها، فلا تراني أبعد من ذلك، ربما أكون مخطئا أو مبالغا أو متحيزا، كن ابن الحقيقة بطريقتك)، كنت قد انحنيت على النافذة وقلت له بما معناه: أنت وفيروز ومحمود درويش وجهنا الحضاري والإنساني، نحن نحبك، فلم يرتح كثيرا لنبرة التقديس كما سمّاها في كلامي، أسابيع طويلة وأنا أفكر في عباراته لي، تعلمت منها كثيرا وصرت أحرص على أن أكون واقعيا وموضوعيا لا انفعاليا وعاطفيا في تفسيري لظواهر ثقافية وتاريخية في بلادنا والعالم. غيّرني لقاء الرصيف السريع، وأثّر على منهجي في التفكير، وجعلني أذهب إلى كتبه بحماسة عاقلة.

وقع في يدي قبل فترة كتاب سيرة غيرية عن سعيد (إدوارد سعيد أماكن الفكر) صادر عن المجلس الأعلى للثقافة والفنون في الكويت عام 2022 مؤلفها، هو الأمريكي تيموني برنن وهو أحد طلاب أدوارد سعيد ويعمل أستاذا للأدب المقارن والدراسات الثقافية في جامعة مينسوتا، مترجم الكتاب الذي يقع في أكثر من 500 صفحة من القطع الكبير هو محمد عصفور.

يكتب الأستاذ محمد شاهين في مقدمة الكتاب: (هذه المقدمة لن تفي المؤلف تيموني حقه لكني أود أن أضيف ملاحظات عامة فهذه الأسطر أولا وقبل كل شيء ألقت الضوء على سيرة سعيد خارج المكان وأضاءت كثيرا من الأماكن التي كانت بحاجة إلى التأويل، وفي الوقت نفسه ملأت الفراغ الذي كان سعيد نفسه ينوي ملأه بكتابة جزء ثان من السيرة وكأن المؤلف تيموني أخذ على عاتقه أن يشارك، صاحب السيرة في كتابة ما حالت الظروف دون إنجازه عندما كان على قيد الحياة).

هذا الكتاب ليس بالضبط سيرة غيرية عادية، هو لا يتحدث عن تفاصيل أو محطات حياة سعيد بشكل خاص، هو يركز على الأمكنة التي أنتجت إبداعه وغربته والتي شكّلت عقله النقدي الكبير، وهناك أيضا تركيز على شخصيات مهمة أثّرت على فكره وحوّلت عينيه إلى آفاق واسعة، كما أن هناك شخصيات تأثرت به، وآمنت بمنهجه الفكري واستلهمت منه طرق تحليله للعالم والكتب والتاريخ.

ضم الكتاب 12 فصلا، تبدأ بفصل الشرنقة ثم عدم الاستقرار والتلمذة في مدارس الصفوة والعميل السري وقبل أوسلو وعقل الأغيار ومن سايغون إلى فلسطين وفي مواجهة الآلهة الزائفة وبضع أفكار بسيطة والعالم الثالث يتكلم وشعبان في أرض واحدة والسباق مع الزمن.

ثمة هوامش جدا مهمة كمراجع للباحثين والمهتمين ويحتوي الكتاب على صور قديمة وجديدة لسعيد وأسرته وأصحابه وزملائه. على الغلاف الأخير، كتب الباحث الدكتور الشهير وليد الخالدي واصفا الكتاب بأنه يقدم صورة إدوارد سعيد بكل أبعادها، ويكشف الزوايا العديدة لحياته وأعماله التي يجلها الأقربون ويضيف الخالدي: إن تيموني برنن مؤلف الكتاب يعطينا فيه صورة رثائية مرهفة لشخصية من أبعد شخصيات القرن العشرين تأثيرا.

ليس عن أماكن الفكر هذا الكتاب فحسب، هو أيضا عن فكر الأماكن.

رحم الله إدوارد سعيد.

مقالات مشابهة

  • محمد بن راشد يشهد إطلاق البرنامج الوطني “الإمارات مركز عالمي للتجارة”
  • محمد بن راشد يشهد إطلاق البرنامج الوطني «الإمارات مركز عالمي للتجارة»
  • قرار عاجل بشأن صاحب الشقة المسؤول عن ليلة الرعب بفيصل
  • مايكروسوفت تفاجئ العالم.. تحويل جذري يضع ويندوز في مركز قوة الذكاء الاصطناعي
  • هل يمكن أن تستمر أوروبا المُجَزَّأة في الازدهار
  • فكر المكان.. مكان الفكر
  • جون أفريك: من هم لاكوراوا الذين يزرعون الرعب في نيجيريا؟
  • تنفيذي الشرقية يناقش التجهيز لانتخابات مجلس النواب ورفع درجة الإستعداد لمواجهة سقوط الامطار
  • طفرة علمية: مادة تستخلص اليورانيوم من البحر بكفاءة أعلى بألف مرة
  • أخطر مادة على الأرض .. من يملك اليورانيوم حول العالم