مخاوف أميركية من تحرك تركيا لملء الفراغ بعد سقوط الأسد
تاريخ النشر: 12th, December 2024 GMT
واشنطن- يتفق أغلب المعلقين الأميركيين على أن الإطاحة الدراماتيكية بالنظام السوري على أيدي قوات المعارضة قبل أيام ستكون لها تداعيات عميقة، ليس فقط على سوريا، بل الخريطة الإستراتيجية للشرق الأوسط وعلى مصالح أميركا وحلفائها في المنطقة.
وفي الوقت الذي أشار فيه المعلقون إلى تركيا كونها أهم فائز جيوإستراتيجي مباشر مما تشهده سوريا، حيث تتناولها الآراء في دهاليز واشنطن على أنها اللاعب الخارجي الأكثر نفوذا داخل سوريا بشّر بعض كبار أعضاء الكونغرس بأن سقوط نظام الأسد ربما يدفع إلى مزيد من التوترات في العلاقة المتوترة بالفعل بين واشنطن وأنقرة.
ووجدت الدولتان نفسيهما مرارا وتكرارا على خلاف في سوريا، وأعرب بعض المشرعين الأميركيين عن مخاوفهم بشأن احتمال توسيع نطاق الهجمات التركية على القوات الكردية المدعومة من الولايات المتحدة.
وتدرك واشنطن أن دعم تركيا هيئة تحرير الشام -وهي الجماعة المصنفة من قبل الولايات المتحدة "إرهابية" وأطاحت بنظام الأسد- يمكن أن يمنح أنقرة فرصة كبيرة لتوسيع نفوذها داخل سوريا.
"الرابح الأكبر"بدوره، يعتبر الخبير العسكري في المجلس الأطلسي ريتش أوتزن في مساهمة على موقع المجلس أن "تركيا هي الدولة الوحيدة التي يبدو أن لديها إستراتيجية رابحة لسوريا: معارضة الأسد أثناء التفاوض مع داعميه، واستضافة اللاجئين، ودعم المعارضة سياسيا وعسكريا، ومحاربة وحدات حماية الشعب التركية -وهي فرع من جماعة حزب العمال الكردستاني المناهضة لتركيا- في شمال سوريا".
إعلانويضيف أن أنقرة تتمتع الآن بنفوذ اقتصادي ودبلوماسي وعسكري لا مثيل له في عملية تحقيق الاستقرار وإعادة الإعمار، وتحظى بقبول لدى أعداد كبيرة من السوريين.
من جانبه، علق بول سالم نائب رئيس معهد الشرق الأوسط في واشنطن على الموقف التركي من التطورات السورية، وقال إن "تركيا هي الرابح الإقليمي في هذا التطور باعتبارها الداعم الرئيسي لهيئة تحرير الشام، الجماعة التي قادت عملية الإطاحة بالأسد، وتركت التأثير الأكبر على المتمردين المنتصرين وجماعات المعارضة، وسيكون الانخراط مع أنقرة مفتاحا في الجهود الإقليمية والدولية لمساعدة السوريين على هندسة انتقال ناجح".
وكانت تركيا -التي تشترك في حدود طولها 900 كيلومتر مع سوريا- داعمة رئيسية لجماعات المعارضة التي تهدف إلى الإطاحة بنظام بشار الأسد منذ اندلاع الثورة السورية في عام 2011.
وتقول الباحثة في معهد الشرق الأوسط مليحة بنلي ألتونيشيك إنه "ونظرا إلى دعمها الطويل الأمد لقوى المعارضة قد ترى تركيا نفسها في وضع متميز في سوريا الجديدة، لكن الوضع سيظل يشكل تحديات لأنقرة، ومع وجود حدود مشتركة طويلة، وعدد كبير من اللاجئين السوريين، والانتشار العسكري التركي في أجزاء من شمال سوريا، ووجود وحدات حماية الشعب الكردية لا تزال سوريا بلا شك واحدة من أهم القضايا بالنسبة لأنقرة".
وعلى عكس العديد من الجهات الفاعلة الإقليمية الأخرى توجد تركيا على الأرض في سوريا بالآلاف من قواتها في مناطق شمالية قريبة من المناطق التي سيطر عليها المتمردون لسنوات، وذلك يمنح أنقرة ميزة كبيرة في فهم ما يحدث حتى لو بدا أنها لم تتوقع أن يمضي استيلاء المتمردين على البلاد بهذه السرعة.
وبصفتها اللاعب الوحيد الذي استمر في دعم قوى المعارضة منذ بداية الأزمة السورية قد ترى تركيا نفسها في وضع متميز في سوريا الجديدة.
وفي الواقع، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في رده الوحيد حتى الآن على التطورات في سوريا إن "تركيا على الجانب الصحيح من التاريخ كما كانت بالأمس".
إعلانلكن الوضع في سوريا سيستمر في تشكيل تحديات لتركيا، ولن يكون من السهل إدارة انتقال ناجح ومنظم في بلد عانى لسنوات طويلة من الحرب، ولا تزال تركيا قلقة أيضا بشأن كيفية استجابة وحدات حماية الشعب الكردية لهذه التطورات.
دعوات للتحجيممن جانبه، اعتبر خبير شؤون العلاقات الأميركية التركية في مجلس العلاقات الخارجية ستيفن كوك أن تركيا هي "الجارة الوحيدة التي يحتمل أن تستفيد من سقوط الأسد"، موضحا أن أردوغان قطع طريقا طويلا في سوريا، وفي الأسابيع الأخيرة أيد ضمنيا الإطاحة بالأسد عن طريق القوة.
كما أضاف أن لدى أنقرة الآن فرصة لتشكيل النظام الذي سيخلف نظام الأسد في دمشق، وهو هدف قديم للحكومة التركية منذ ابتعادها عن بشار الأسد عام 2011، لكنه اعتبر أن "مشكلة تركيا في سوريا قد تكمن في عدم تعاون هيئة تحرير الشام معها".
وذكر كوك أن من السمات المتكررة للتدخلات التركية في الشرق الأوسط أنه "بغض النظر عن مدى إصرار أردوغان على التقارب الثقافي بين تركيا والعالم العربي -خاصة بين حزب العدالة والتنمية الحاكم والإسلاميين في جميع أنحاء المنطقة- فقد أظهر الرئيس التركي عدم قدرته على فهم السياسة المحلية والإقليمية".
وأضاف أنه "قد يكون هناك قدر معين من الرضا عن الذات في أنقرة من مسار التطورات في سوريا ما بعد الأسد، لكن ليس من الواضح على الإطلاق ما إذا كان أردوغان ومستشاروه مستعدين تماما للواقع الجديد في سوريا".
وفي الوقت الذي تدرك فيه واشنطن احتمال تكرار الاشتباكات بين تركيا وفصائل سورية -من بينها المقاتلون الأكراد الذين تصفهم الحكومة التركية بـ"الإرهابيين"- طالب عدد من المشرعين الأميركيين بالعمل على تحجيم النفوذ التركي داخل سوريا في مرحلة ما بعد الأسد.
وقال السيناتور الجمهوري ماركواين مولين من ولاية أوكلاهوما إنه "لا يعتقد أن الولايات المتحدة لديها دور تلعبه في تقرير ما إذا كانت قوات المعارضة التي أطاحت بالأسد ستبقى في السلطة".
إعلانومع ذلك، أقر مولين بأنه من مصلحة الأمن القومي للولايات المتحدة منع تركيا من القضاء على القوات الكردية التي تحتجز أكثر من 10 آلاف من مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية في مخيمات اللاجئين بجميع أنحاء البلاد.
الأكرادوفي تعليق له على التطورات السورية، قال مولين إن "هناك بعض المخاوف، فالأكراد يحتجزون سجناء، ونحن ندرك ذلك جيدا، ونريدهم أن يستمروا في الاحتفاظ بهم".
وأضاف "أعتقد أنه يجب أن نكون قلقين بشأن ما ستفعله تركيا مع الأكراد أكثر مما ستفعله بشأن النظام الجديد في سوريا، هذه ديناميكيات مثيرة للاهتمام".
ويتفق مع مولين جاره من الولاية نفسها السيناتور جيمس لانكفورد الذي صرح بأنه "يجب أن ندافع عن الأكراد بصفتنا حلفاء لهم، ونحن بحاجة إلى إرسال بيان واضح جدا إلى الأتراك بأننا نقف مع الأكراد ونؤمن بفرصتهم بالحصول على الحرية".
أما السيناتور الجمهوري من ولاية داكوتا الشمالية كيفن كرامر فقال إن "تورط تركيا في سوريا غريب، وعلينا ألا نصمت إذا شنت تركيا حملة متصاعدة ضد الأكراد".
وفي ندوة صحفية، رد المتحدث الرسمي باسم مجلس الأمن القومي جون كيربي على سؤال بشأن معضلة علاقات بلاده مع الأكراد وتركيا، وقال "إن الأتراك لديهم حق مشروع لمكافحة الإرهاب، ولديهم أيضا الحق في التعامل معه، ولهم أيضا الحق في الدفاع عن مواطنيهم وأراضيهم ضد الهجمات الإرهابية".
وأضاف كيربي أن الأكراد "تعرضوا لتلك الأنواع من الهجمات الإرهابية في الماضي غير البعيد، لذلك نحن ندرك أن لديهم هذا الحق، وهم حليف مهم في حلف الناتو".
وأكد أن لدى الإدارة الأميركية "اهتماما بملاحقة تنظيم الدولة، وهذا يعني الشراكة مع قوات سوريا الديمقراطية، وسيستمر ذلك، وحيثما يتداخل هذان الهدفان أو يتعارضان سنجري -كما فعلنا- المحادثات المناسبة مع الأتراك بشأن كيفية تحقيق هاتين النتيجتين".
إعلانالمصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
اكتشاف أثري تحت الركام.. ما مصير القرى الأثرية بعد سقوط نظام الأسد؟
عثر الأهالي في مدينة معرة النعمان على مدافن رومانية وبيزنطية تعود لأكثر من 2000 عام، وذلك في الحيين الشمالي والجنوبي أثناء إزالة ركام القصف الجوي والمدفعي، وكانت المدينة قد تعرّضت لحملة قصف عنيفة عام 2019، انتهت بتهجير سكانها وتدمير معظم مبانيها، بما في ذلك المتحف الأثري الشهير الذي نُهب بالكامل من قِبل قوات النظام السابق.
بالقرب من المدينة تقع قرى أثرية مثل شنشراح وسرجيلا، وهي مدن رومانية قديمة كانت مقصدا للسياح قبل اندلاع الثورة. غير أن هذه المواقع تحولت خلال السنوات الأخيرة إلى مراكز عسكرية، وتعرضت لعمليات حفر وتخريب للبنى التحتية الأثرية، كما أصبحت ساحة قتال واسعة أدت إلى تدمير أجزاء منها.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2من غرناطة إلى تستور.. كيف أعاد الموريسكيون بناء حياتهم في شمال أفريقيا؟list 2 of 2فلسطين في ثلاثة كتب باللغة البرتغالية.. نافذة للقارئ البرازيلي على القضية الفلسطينيةend of listيقول أحمد عنان، مسؤول في دائرة آثار إدلب، في حديث خاص لـ"الجزيرة نت"، إن سوريا تمتلك إرثا حضاريا يمتد لآلاف السنين، وكانت من أبرز مراكز الحضارة في العالم. لكن هذا التراث لم يسلم من التعديات، سواء من قِبل قوات النظام والمليشيات الموالية لها أو نتيجة الفوضى في بعض المناطق.
وأوضح عنان أن العديد من المواقع الأثرية تعرضت للتخريب والنهب، بالإضافة إلى التنقيب العشوائي واستخدام الحجارة الأثرية في البناء وتجريف المواقع لأغراض زراعية، ورغم الظروف الصعبة، واصلت دائرة آثار إدلب جهودها لحماية التراث، من خلال توثيق المواقع وتقييم الأضرار، والتنسيق مع الجهات المحلية لرصد المخالفات ضمن الحرم الأثري.
إعلانوأشار إلى توقيف عدد من المواطنين وكتابة تعهدات بحقهم بعد تعديات على مواقع أثرية، مؤكدا أن العمل يواجه صعوبات كبيرة، أبرزها نقص الكوادر ووسائل النقل بعد فصل معظم العاملين السابقين من قِبل النظام.
تزخر سوريا بعشرات المواقع الأثرية التي تعكس غناها الحضاري والتاريخي، وتعد من أبرز الكنوز الثقافية في العالم، ففي شمال البلاد، تنتشر المدن المنسية، وهي 7 باركات أثرية تعود إلى العصور الرومانية والبيزنطية، خمس منها تقع في محافظة إدلب واثنتان في حلب.
كما تحتضن إدلب مدينة إبلا القديمة، ومتحف معرة النعمان، والجامع الكبير في معرة النعمان، ومتحف إدلب الوطني، إلى جانب معالم المدينة القديمة، وقلعة حارم، والشغر، وسرمدا. أما حلب، فتتميز بقلعتها الشهيرة ومتحفها العريق، إضافة إلى معبد عين دارة قرب عفرين.
وتضم دمشق القديمة معالم فريدة مثل قلعة دمشق، وأسواق الحميدية، وخان أسعد باشا، إلى جانب المدرسة الظاهرية ومتحف الطب. وفي حمص، تبرز قلعة الحصن إحدى أعظم الحصون الصليبية، إلى جانب مسجد خالد بن الوليد.
أما في قلب البادية السورية فتقع آثار تدمر الشهيرة، في حين تحفل محافظات حماة واللاذقية وطرطوس بكنوز مثل قلعة ومتحف مصياف، وأفاميا، وأوغاريت، وقلعة صلاح الدين، وقلعة المرقب، وجزيرة أرواد. كما تزخر المنطقة الجنوبية بمدن تاريخية كبرى مثل بصرى، وشهبا، وماري، ودورا أوروبوس، بينما تنتشر في الشرق قلعة جعبر وسور الرقة، فضلا عن عشرات التلال الأثرية المنتشرة في محافظة الحسكة، التي تعود إلى حضارات موغلة في القدم.
أشار عنان إلى أنه كانت هناك خطة موجودة قبل "التحرير" لإعادة تأهيل متحف إدلب، وتوثيق المواقع باستخدام نظام GIS، وتحديث قانون الآثار. لكن المعارك أعاقت التنفيذ. ومع تعيين وزير جديد للثقافة، وُضعت حماية الآثار ضمن الأولويات، وشاركت وفود من منظمات دولية في جهود الدعم، كما شاركت المديرية العامة للآثار في معارض دولية كإيطاليا.
إعلانودعت المديرية جميع الموظفين السابقين الراغبين بالعودة إلى العمل لترميم الكادر البشري. أما بخصوص القطع المسروقة، فأكد عنان أن سوريا عضو في اتفاقيات دولية تلزم الدول بإعادة الآثار المسروقة، وتعمل المديرية على توثيق المفقودات وتعميمها عبر الإنتربول.
ساهم الفقر والفراغ الأمني في انتشار التنقيب العشوائي وبيع القطع في السوق السوداء، ما جعل الآثار موردا ماليا لبعض الجماعات المسلحة.
في حديث للجزيرة نت، كشف الباحث ومدير مركز آثار إدلب أيمن النابو عن انتهاكات واسعة طالت المواقع الأثرية، متهما الأجهزة الأمنية والمليشيات بعمليات تهريب منظمة، ومشيرا إلى ضعف أداء المديرية العامة للآثار والمتاحف.
وأوضح أن حماية المواقع قبل الثورة كانت تعتمد على الأجهزة الأمنية وليس المؤسسات الثقافية، ما أدى إلى مركزية مفرطة وغياب الرؤية المهنية. وبعد الثورة، تحولت تلك الأجهزة إلى مليشيات تُعنى بتهريب الآثار تحت أنظار المديرية، التي فقدت صلاحياتها، باستثناء بعض مراكز المدن الكبرى حيث يمكن إثارة الإعلام.
وأشار النابو إلى أن المواقع ذات الشهرة العالمية فقط حظيت باهتمام رسمي، في حين تُركت آلاف المواقع، لا سيما الطينية أو العائدة لفترات الشرق القديم، عرضة للإهمال والنهب. وكشف عن سرقات طالت متاحف حماة وتدمر والرقة، حيث وصلت بعض القطع إلى إدلب ولبنان وحتى متاحف في تل أبيب.
وأكد أن تهريب كل قطعة يعني فقدان جزء من الهوية الوطنية، وأن التنقيبات العشوائية أفرزت مكتشفات مهمة لكنها نُهبت دون توثيق علمي.
وانتقد النابو منظمة اليونسكو التي تعاملت فقط مع النظام بوصفه "الجهة الشرعية"، متجاهلة الفرق العاملة في مناطق المعارضة، مؤكدا أن أغلب مشاريعها اتسمت بالفساد، خاصة تلك التي أشرفت عليها "الأمانة السورية للتنمية".
وختم النابو بالتعبير عن أمله في أن تخرج المديرية العامة للآثار من عباءة النظام السابق، وأن تتبنى رؤية قائمة على المهنية الثقافية والإدارية، لحماية التراث السوري بوصفه هوية وطنية وواجهة مشرفة لسوريا المستقبل.
جدير بالذكر أن هناك محاولات حكومية لتوثيق المواقع والقطع الأثرية رقميا باستخدام تقنيات الواقع الافتراضي والـGIS، بهدف الحفاظ على المعلومات في حال تعرضت المواقع للتدمير الكامل. هذه المبادرات ما زالت في بداياتها، لكنها تمثل أملا في الحفاظ على "الذاكرة الرقمية" للتراث السوري.