ما تداعيات الوضع في سوريا على اقتصاد العراق؟
تاريخ النشر: 14th, December 2024 GMT
رغم أن العراق يواجه تحديات اقتصادية كبيرة نتيجة الاضطرابات التي تشهدها المنطقة، مثل الأزمة السورية الأخيرة وسقوط نظام بشار الأسد، فإن تأثير هذه الأزمات على الاقتصاد العراقي ظل محدودا، وفق خبراء.
ويعزو الخبراء ذلك إلى عوامل عدة من بينها الأسواق البديلة والمخزون الإستراتيجي، مؤكدين أن الاقتصاد العراقي قد يشهد استقرارا و تحولا إيجابيا في المستقبل القريب، ولكن ضمن بيئة إقليمية متأزمة سياسيا واقتصاديًا.
وأكد المتحدث باسم وزارة التجارة العراقية، محمد حنون، أن الأسواق العراقية تشهد انسيابية كبيرة في المواد الغذائية ولا تعاني من أي نقص.
وقال في حديث للجزيرة نت إن اعتماد بلاده الأساسي ليس على سوريا بل على دول الجوار مثل إيران وتركيا والسعودية ودول أخرى.
وفجر الأحد الماضي، 8 ديسمبر/كانون الأول الحالي، نجحت فصائل المعارضة في دخول العاصمة السورية دمشق بعد الاستيلاء على مدن حلب وحماة وحمص في الشمال والوسط، مما دفع بشار الأسد إلى الفرار من البلاد وإنهاء 5 عقود من حكم عائلته.
وبشأن التبادل التجاري مع سوريا، أشار حنون إلى أنه كان محدودا جدا نتيجة للظروف الأمنية التي كانت تعيشها سوريا خلال الفترة التي تَلَتْ عام 2011، موضحا أن العملة المعتمدة كانت الدولار الأميركي منذ عام 2003، ولكن بسبب صعوبة التحويلات المالية نتيجة الحصار الاقتصادي، لجأ التجار إلى إيداع قيمة البضاعة في بنوك بالمنطقة وأخرى آسيوية.
إعلان توقف الشراء من سورياوأوضح المسؤول الحكومي أن الضبابية في المشهد السياسي السوري دفعت التجار إلى التوقف عن شراء واستيراد المواد الغذائية والمنزلية لحين استقرار الوضع.
ولفت إلى أن البضائع السورية فقدت حصتها السوقية في العراق بشكل كبير خلال السنوات الماضية، وحلت محلها بضائع من تركيا وإيران ودول الخليج والصين، وذلك بسبب صعوبة التداول المالي وارتفاع أسعار البضائع السورية على خلفية زيادة أسعار المحروقات في سوريا.
وأكد حنون أن العراق يتطلع إلى استقرار الوضع السياسي في سوريا لتقييم إمكانية زيادة حجم التبادل التجاري وبناء علاقات اقتصادية متينة.
شراكات واسعةبالمقابل أكد المتحدث الرسمي باسم غرفة تجارة بغداد رشيد السعدي أن الأزمة التي تمر بها سوريا أثرت بشكل كبير على السوق العراقية، وخاصة في قطاعات السياحة والزيارات الدينية والتبادل التجاري.
وقال في حديث للجزيرة نت إن ميزان التبادل التجاري يميل لصالح سوريا، حيث يستورد العراق كميات كبيرة من الخضار والفواكه والمستلزمات الأخرى والمنسوجات.
وقدر السعدي حجم التبادل التجاري بين العراق وسوريا بـ3 مليارات دولار سنويًا تشمل التجارة عن طريق المنصة الرسمية والتجارة عبر السوق الموازية أو ما يعرف بالسوق السوداء.
وأوضح أن العراق لديه شراكات واسعة مع سوريا، فبعد عام 2003، فتحت سوريا أبوابها للتجارة مع العراقيين واستقبلت عددًا كبيرًا من المواطنين، الذين انخرط العديد منهم في التجارة أثناء إقامتهم هناك، وخاصة رجال الأعمال الذين عقدوا صفقات وشراكات وأنشؤوا معامل ومصانع، وامتدت أعمالهم وشركاتهم داخل العراق أيضا.
وأكد السعدي أن البضائع الواردة من سوريا إلى العراق كانت غزيرة جدًا للفترة من عام 2003 حتى سقوط نظام بشار الأسد.
وأوضح السعدي أن العراق يستورد المواد الإنشائية والمواد الزراعية، مثل الأسمدة والمبيدات من سوريا، كما أشار إلى أن الأزمة السورية الأخيرة وسقوط نظام الأسد، أثرت على قطاع السياحة والطيران والنقل البري نتيجة لإغلاق الحدود.
وتطرق السعدي إلى ملف تصدير الغاز من حقول عكاز في الأنبار، الذي اعتبره موضوعًا مهمًا ضمن خط التصدير إلى أوروبا.
إعلانوأضاف أن العراق لديه خط تصدير نفط عبر بانياس السورية، وهو خط مهم جدًا يتطلع العراق إلى إعادة تشغيله والاستفادة منه في تصدير النفط.
ويربط خط النفط الذي افتتح عام 1952 بين حقول النفط العراقية في كركوك وسط البلاد وميناء بانياس الواقع شمال غربي سوريا، وبقي يعمل سنوات طويلة قبل أن يتعرض لأضرار جسيمة خلال الغزو الأميركي للعراق عام 2003.
وكان باسم العوادي الناطق الرسمي باسم الحكومة العراقية قال في 17 يوليو/تموز 2023 "يفكر العراق بإحياء خط تصدير النفط الذي يمر بميناء بانياس، إذ يبحث العراق عن منافذ جديدة لتصدير النفط، وإننا نرى بأن العراق اليوم بات على استعداد لمناقشة أمر إعادة تأهيل خط النفط المار بين كركوك وبانياس، مع سوريا".
يذكر أنه في عام 2007 اتفق العراق مع سوريا على إعادة تأهيل هذا الخط، إلا أن العقد الذي أبرم مع شركة سترويترانس غاز التابعة لمجموعة غازبروم الروسية، ألغي في عام 2009 بسبب ارتفاع التكاليف ولأسباب أخرى.
انفراجة في الأيام المقبلةوأكد السعدي وجود اتصال مستمر مع رجال الأعمال في مختلف المحافظات السورية، الذين أفادوه بعودتهم إلى العمل وفتح محلاتهم وأسواقهم وشركاتهم، وأن الوضع يشهد استقرارا يوما بعد يوم.
وأشار إلى وجود مشاورات ومداولات مستمرة مع رجال الأعمال السوريين، متوقعا انفراجة في الأيام القادمة وعودة الوضع إلى ما كان عليه، خاصة بعد التطمينات التي قدمتها القيادة السياسية في سوريا للدول الأخرى.
وأشار السعدي إلى أن بعض التجار عوضوا مستورداتهم -التي كانت تأتي من سوريا- عن طريق إيران وتركيا وذلك لتعويض النقص في السلع، خاصة المواد الغذائية والفواكه والخضار.
وبخصوص العملة المستخدمة في التبادل التجاري مع سوريا، أوضح السعدي أنها الدولار، رغم العقوبات الأميركية.
بدوره أوضح الخبير الاقتصادي صفوان قصي، أن الوضع الحالي في سوريا سيساهم في استقرار السوق العراقية، حيث إن معظم التجار العراقيين يمتلكون مخزونًا كافيًا من المنتجات السورية لتلبية الطلب المحلي لفترة قادمة، مشيرا إلى أن هذا الوضع الجديد سيؤدي إلى انخفاض الطلب على الدولار في السوق السوداء.
إعلانوقال قصي، في حديث للجزيرة نت إن الاستيراد المنظم بين العراق وسوريا كان محدودا في السنوات السابقة، إلا أن المنتجات السورية، خاصة المواد الغذائية والمنظفات، كانت موجودة بشكل كبير في الأسواق العراقية شأنها في ذلك شأن البضائع الإيرانية نتيجة رخص أسعارها وانخفاض تكاليف نقلها عبر الحدود بسبب التقارب الجغرافي.
وتوقَّع زيادة الاستيراد في المستقبل، خاصة مع وجود مصالح مشتركة بين البلدين في إدارة المياه وتأمين الاستقلال الغذائي.
وأوضح أن فتح الحدود بين البلدين قد يشكل بعض المخاطر في الوقت الحالي، إلا أنه يتوقع زيادة حجم التبادل التجاري في المستقبل، خاصة وأن العراق يمتلك خطوط أنابيب لنقل الغاز والنفط يمكن أن تعبر الأراضي السورية لتصل إلى دول الاتحاد الأوروبي، منوهًا إلى أن هذا الأمر سيساهم في زيادة إيرادات العراق وتقليل الاعتماد على الدولار.
وأعلن الفريق أول الركن قيس المحمداوي نائب قائد العمليات المشتركة بالعراق، في 30 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي إغلاق حدود بلاده بشكل كامل، تزامنا مع الأحداث التي تشهدها الجارة سوريا.
وتوقع قصي عدم ارتفاع أسعار السلع حيث ستظل المنتجات السورية متاحة في الأسواق العراقية، مشيرا إلى أن العراق منفتح على التعاون التجاري مع دول أخرى مثل الأردن وتركيا ودول الخليج لتغطية أي نقص في السلع.
وبين أن عودة العلاقات التجارية بين العراق وسوريا إلى طبيعتها ستؤدي إلى زيادة تدفق الدولار إلى السوق النظامية وانخفاض التحويلات المالية إلى سوريا، حيث يتوقع عودة الكثير من السوريين المقيمين في العراق إلى بلادهم والذين يتجاوز عددهم 300 ألف شخص.
وشدد على أن الطلب على الدولار سينخفض بشكل كبير مع بناء نظام ديمقراطي في سوريا، مما سيمكن المجتمع الدولي من إعادة النظر في التعامل بالدولار داخل سوريا، مؤكدا أن هذا الأمر سيساهم في زيادة حجم التبادل التجاري بين البلدين وتنظيم التعاملات المالية.
إعلانو أشار قصي إلى أن الفرصة مواتية لتحسين العلاقات التجارية بين العراق وسوريا وبناء تكتل اقتصادي في المنطقة لمواجهة المنافسة الإيرانية والتركية.
وأعلن وزير التجارة أثير الغريري، أن احتياطيات القمح الإستراتيجية في البلاد تكفي لأكثر من 6 أشهر من الاستهلاك، مشيرا بحسب تصريح للوكالة الرسمية "واع" إلى أن "العراق لديه مخزون إستراتيجي من جميع المواد الغذائية وخاصة من محصول الحنطة".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات حجم التبادل التجاری بین العراق وسوریا المواد الغذائیة العراق لدیه بشکل کبیر أن العراق من سوریا مع سوریا فی سوریا إلى أن عام 2003
إقرأ أيضاً:
ماذا يعني سعي بريطانيا لرفع ردعها التسليحي؟ وما تداعيات ذلك؟
يثير التوجه البريطاني نحو تحديث منظومة الردع النووي تساؤلات بشأن دلالاته العسكرية والسياسية في مرحلة تبدو فيها القارة الأوروبية أمام تحولات إستراتيجية ضاغطة، ولا سيما مع تضعضع الثقة الأوروبية بالمظلة الأميركية وتفاقم التهديد الروسي.
ويبدو أن لندن تسعى إلى ترميم الفجوة التي خلّفها انسحابها من الاتحاد الأوروبي عبر تثبيت حضورها العسكري في سياق أوروبي قلق، وبناء تحالفات مستدامة تعزز مكانتها داخل الناتو دون الارتهان المطلق لقيادة واشنطن.
ونقلت صحيفة "تايمز" عن مصادر تأكيدها أن بريطانيا دخلت في محادثات مع الولايات المتحدة لشراء مقاتلات قادرة على حمل رؤوس نووية تكتيكية، في خطوة وصفت بأنها الأوسع نطاقا في تطوير منظومة الردع البريطانية منذ الحرب الباردة.
وبحسب الصحيفة، فإن هذا التوجه يندرج في إطار مراجعة إستراتيجية شاملة أطلقتها الحكومة البريطانية بهدف تعزيز جاهزية البلاد في مواجهة ما تعتبره تهديدا متعاظما من جانب روسيا، في ظل استمرار الحرب بأوكرانيا.
إعادة تموضعووصف الخبير العسكري والإستراتيجي العميد إلياس حنا هذا التحرك بأنه يمثل إعادة تموضع ضمن بيئة دولية متقلبة، مشيرا إلى أن أوروبا خضعت لصدمة كبرى منذ اندلاع الحرب الأوكرانية، وأضحت ساحة اختبار لأنواع جديدة من التهديدات والأسلحة.
إعلانوأشار حنا خلال مشاركته في برنامج "ما وراء الخبر" إلى أن التوازن الردعي في القارة بات مهددا، خصوصا مع امتلاك روسيا قرابة ألفي رأس نووي تكتيكي مقابل 200 فقط لدى الولايات المتحدة، مؤكدا أن السلاح التكتيكي لم يعد هامشيا، بل بات أداة مركزية في العقيدة الدفاعية الجديدة.
وأوضح أن السلاح النووي التكتيكي يختلف من حيث المدى والقدرة التدميرية، لكنه يظل بالغ الخطورة، إذ إن أصغر هذه القنابل يعادل في طاقته التدميرية أضعاف عدة لما دمرت به هيروشيما، مما يضاعف تعقيد المشهد الأمني.
ويضيف حنا أن بريطانيا تفتقر إلى "ثالوث الردع" الذي يجمع بين القدرات الجوية والبحرية والبرية لإطلاق السلاح النووي، وهو ما يجعل صفقة الطائرات خطوة لتعويض هذا القصور، ولا سيما أن المنظومة البريطانية الحالية تعتمد فقط على الغواصات.
تراجع هيكلي
بدوره، يرى الدكتور حسني عبيدي أن التحرك البريطاني ينطوي على محاولة لاستعادة المكانة العسكرية التقليدية لبريطانيا، في وقت تعاني فيه القوة العسكرية البريطانية من تراجع هيكلي شمل البحرية وسلاح الجو، بحسب تقارير رسمية متكررة.
وأشار عبيدي في حديثه لـ"ما وراء الخبر" إلى أن بريطانيا تسعى من خلال هذه الصفقة إلى تحقيق أكثر من هدف، أبرزها توطيد العلاقة الإستراتيجية مع واشنطن، وتعزيز الجاهزية الدفاعية أمام أي تغير محتمل في الموقف الأميركي في حال فوز دونالد ترامب مجددا في الانتخابات.
واعتبر أن استيراد مقاتلات "إف-35" المتطورة -التي تشارك بريطانيا في تصنيعها- يمثل ردا تقنيا مباشرا على مراجعات أمنية دعت إلى تحديث الترسانة العسكرية البريطانية بما يتناسب مع تحولات المشهد الأوروبي والدولي.
ورغم هذا التوجه البريطاني فإن العميد حنا يرى أن أوروبا -ومن ضمنها بريطانيا- لا تزال تعاني من فجوة جاهزية خطيرة، مشيرا إلى أن الأسلحة التقليدية لا تزال عماد المعارك، وأن نقص الذخائر بات أزمة عامة كشفها الصراع في أوكرانيا.
إعلان التحديات الديمغرافيةوأضاف حنا أن الدول الأوروبية تدرك الآن أن الاعتماد الكلي على المظلة النووية الأميركية لم يعد خيارا مضمونا، وأن على هذه الدول إعادة ترتيب موازناتها وتعزيز صناعاتها الدفاعية ومعالجة التحديات الديمغرافية المرتبطة بنقص التجنيد.
أما الدكتور عبيدي فيرى أن السياق الأوروبي الأوسع يشير إلى سباق تسلح غير معلن، إذ رفعت ألمانيا بالفعل مخصصاتها الدفاعية، في حين تعمل دول أخرى على تعزيز قدراتها، وإن بقيت فرنسا أكثر تحفظا في هذا المسار حتى الآن.
وأوضح أن أوروبا تشهد اليوم "انتكاسة دفاعية" بعدما فشلت محاولات خلق مظلة أوروبية مستقلة، الأمر الذي أدى إلى مزيد من الارتهان للولايات المتحدة، في وقت تُظهر فيه واشنطن إشارات مستمرة تدعو الأوروبيين إلى تحمّل مسؤولياتهم الأمنية.
ويضيف عبيدي أن الإشكالية الأعمق تكمن في أن الردع النووي بحد ذاته لا يعني بالضرورة الرغبة في استخدام السلاح، بل توجيه رسالة إستراتيجية إلى الخصم، لافتا إلى أن الردع كان ولا يزال صمام أمان لعدم الانزلاق نحو حروب شاملة.
حرب تقليدية
ويؤكد العميد حنا أن روسيا تدرك هذه المعادلة، لكنها في الوقت ذاته تستخدم خطابها النووي غطاء لحربها التقليدية، محذرا من أن أي تغيير في موازين القوى سيستدعي إعادة رسم للعقائد العسكرية داخل الناتو وخارجه.
وفي ضوء هذه المعطيات، يذهب عبيدي إلى أن التوجهات الحالية قد تقلل فرص التوصل إلى حلول دبلوماسية، إذ تؤدي إلى تصاعد انعدام الثقة، وتفرض أعباء اقتصادية ضخمة قد تؤثر على أولويات الشعوب، وتغذي صعود التيارات المتطرفة.
ومع استمرار الانقسام في التصورات الدفاعية داخل أوروبا تبدو الحرب في أوكرانيا مرشحة لمزيد من التصعيد، في وقت تحذر فيه تقارير إستراتيجية من اتساع الصراع خارج أوكرانيا ليطال البنى التحتية الحيوية كما لوحت بذلك بريطانيا مؤخرا.
إعلانوفي ظل هذه الظروف يخلص حنا إلى أن أوروبا رغم خطواتها التصعيدية لا تزال عاجزة عن بناء عقيدة ردع موحدة، وهو ما يجعلها في موقع هش رهينة لتحولات السياسة الأميركية من جهة، ولاحتمالات التهور الروسي من جهة أخرى.