قال الدكتور أحمد زايد، مدير مكتبة الإسكندرية، إن مشروع الحداثة الذي نشأ في الغرب يعاني من أزمة كبيرة ويعاني من "وهن أخلاقي". 

وأوضح أن هناك ما يمكن أن نطلق عليه "أخلاقيات ما بعد الحداثة"، حيث تسود المجتمعات المفككة، ويفتقر الناس إلى الروابط الاجتماعية مع تفشي الفردية.

كشف زايد خلال ندوته بجامعة القاهرة عن مشواره البحثي الذي يهدف إلى معالجة قضية غياب الأخلاق في الخطاب العام والحضور المحدود لها في الواقع.

 

وأضاف أنه بسبب هذا الوضع، يمكن القول إن الحداثة الغربية أضعفت مفهوم "مبدأ الواجب" لصالح "مبدأ المصلحة" الذي طرحه ميكافيللي، مشيرًا إلى أن هذا الأمر يؤدي إلى أن الأخلاق تصبح أحيانًا "سائلة"، وأحيانًا "لزجة". 

وأوضح أن أكبر مثال على ذلك هو موقف الغرب من قضية فلسطين منذ عام 1948.

أخلاقيات براءة الذمة 

وأضاف زايد أن الغرب يتبنى "أخلاقيات براءة الذمة"، حيث يدافع في خطابه عن الديمقراطية وحقوق الإنسان وحقوق الطفل والمرأة، ويؤسس المنظمات الأممية مثل اليونسكو، ويعزز مبادرات لمحاربة الفقر والجريمة والهجرة غير الشرعية. ومع ذلك، أشار زايد إلى أن الأرقام تكذب ذلك، حيث إن الفقر في العالم في ازدياد، ومعدلات الهجرة واللجوء تتفاقم.

ورأى زايد أن الغرب، الذي أنتج مفكريه وفلاسفته الحداثة التي نقلت الإنسانية وطورتها، هو نفسه المسؤول عن الحقبة الاستعمارية، والتورط في جريمة جلب الزنوج من إفريقيا، وكذلك إقرار العنصرية وزرع إسرائيل في المنطقة.

وتابع: فإن العالم يعاني من "وهن أخلاقي" أدى إلى تشظي الإنسان وتفكك الروابط الاجتماعية، وزيادة الهلع الاجتماعي.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: فلسطين مدير مكتبة الإسكندرية الدكتور أحمد زايد المزيد

إقرأ أيضاً:

عندما تطالب الأقلية بتغيير الأغلبية: تأمل في معنى التعايش

في عالم يتغير سريعا، وتتشابك فيه الهويات، تُطرح أسئلة صعبة عن العلاقة بين الأقليات والأغلبية. هل من حق الأقلية المطالبة بحقوقها؟ قطعا نعم، لكن هل يجوز لها أن تطالب بتغيير هوية المجتمع بأكمله لتنسجم مع رؤيتها؟

في الغرب، حيث يعيش ملايين المسلمين كأقليات دينية وثقافية، تشكلت خلال العقود الأخيرة تجارب تعايش معقولة، رغم التحديات. المسلمون في فرنسا، على سبيل المثال، يُقدّر عددهم بأكثر من خمسة ملايين (حوالي 8.6 في المئة من السكان)، لكنهم يواجهون تضييقا قانونيا، كحظر ارتداء الحجاب في المؤسسات العامة والتعليمية منذ عام 2004. وفي دول أوروبية أخرى، كالدانمارك والنمسا، سُنّت قوانين تقيد بناء المساجد أو تضع رقابة صارمة على المؤسسات الإسلامية.

ورغم هذه الضغوط، فإن الأغلبية الساحقة من المسلمين في الغرب تلتزم بالقانون وتؤدي واجباتها المدنية، وتطالب بحقوقها عبر القنوات القانونية والدستورية، دون أن تسعى لفرض رؤيتها على المجتمع العام. إنها تجربة أقلية واعية، تحاول أن توازن بين هويتها الدينية ومواطنتها المدنية، في سياق ثقافي مختلف.

والمسلمون كأقليات لا يوجدون في الغرب فقط. في الهند، أكبر ديمقراطية في العالم، يُشكّل المسلمون قرابة 200 مليون نسمة (أكثر من 14 في المئة من السكان)، لكنهم يواجهون منذ سنوات حملة تصاعدية من الإقصاء والتمييز، تغذيها بعض القوى السياسية اليمينية. وقد سجلت تقارير موثوقة، مثل تقارير هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية، تزايدا في جرائم الكراهية، وخطاب التحريض، وسحب جنسية بعض المسلمين، بل وتهميشهم في التعليم والإعلام.

وفي الصين، الوضع أكثر مأساوية؛ إذ تخضع أقلية الإيغور المسلمة في إقليم شينجيانغ لسياسات قمعية واحتجاز جماعي في معسكرات إعادة تأهيل، بحسب تقارير الأمم المتحدة ووسائل إعلام دولية عديدة.

وفي بعض دول أفريقيا الوسطى، تعرض المسلمون لعمليات تهجير وقتل جماعي في صراعات طائفية عنيفة، وسط غياب تام للحماية الدولية.

في المقابل، وفي عدد من الدول العربية والإسلامية، توجد أقليات دينية أو طائفية أو عرقية، تطالب بحقوقها، وهذا مشروع ومفهوم، لكن المشكلة تظهر حين تنتقل هذه المطالب من العدالة والتمثيل والمساواة إلى السعي لتغيير هوية الأغلبية، أو حين تُوظَّف قضايا الأقلية سياسيا خارج البلاد، ما يهدد السلم المجتمعي.

في بعض الحالات، تسعى أطراف من هذه الأقليات إلى تصوير الأغلبية بأنها "معادية للديمقراطية"، أو "رافضة للتعددية"، فقط لأنها لم تتنازل عن ثوابتها الدينية أو الثقافية. وهذا -للأسف- يفتح باب التدخلات الخارجية، والاستقواء بالخصوم، بدلا من المعالجة الداخلية المتزنة.

ومع ذلك، من المهم التنبيه إلى أن الأقليات في العالم العربي ليست واحدة، وهناك نماذج مشرقة لأقليات وطنية بنّاءة، تتعايش وتُسهم في المجتمع، دون أن تسعى لفرض رؤاها أو التشكيك في هوية الأغلبية. المشكلة ليست في الأقليات، بل في بعض الأفراد أو الجماعات المتطرفة داخلها؛ كما هو الحال في كل طيف مجتمعي.

إن نموذج الأقلية الواعية، كما يقدمه المسلمون في كثير من دول العالم، يبرهن على أن التعايش لا يحتاج إلى تطابق، بل إلى احترام متبادل. لم يطالب المسلمون في الغرب بتغيير قوانين البلاد أو إلغاء رموزها الثقافية، بل طالبوا بمساحة تحفظ كرامتهم وهويتهم، ضمن الإطار القانوني. وهذا ما يجعل تجربة المسلمين مثالا مهما في كيف تعيش الأقلية بانسجام مع محيطها، دون أن تذوب أو تصطدم.

من المهم أن ندرك أن التعايش الناجح لا يقوم على فرض طرفٍ لرؤيته، ولا على تنازل الأغلبية عن هويتها لإرضاء الأقلية، بل على التزام الجميع بقاعدة ذهبية: نختلف ونتعايش، لا نتشابه ونتصادم. ففي مجتمعات التعدد، حيث لا يشبه أحدٌ الآخر تماما، يصبح الاحترام المتبادل والتفاهم المتبادل هما القاعدة الوحيدة للبقاء المشترك.

مقالات مشابهة

  • خمسة جرحى في هجوم روسي على كييف
  • مساعدات الإمارات إلى غزة تضامن إنساني والتزام أخلاقي
  • سمر الشهوان: المواطَنة الصّلبة والحداثة السائلة!
  • أفضل سورة للرزق بعد صلاة العصر.. اقرأها الآن لتودع الفقر والشقاء
  • مكتبة مصر العامة تحقق قفزات في الأنشطة الثقافية والتدريبية| تفاصيل
  • عندما تطالب الأقلية بتغيير الأغلبية: تأمل في معنى التعايش
  • مهند يحوّل إعاقته إلى مشروع للمأكولات البحرية في قلب الإسكندرية
  • زاخاروفا: التسوية السلمية في أوكرانيا لم تكن قط على أجندة الغرب
  • كيف خسر الغرب معركة النفوذ في البحر الأحمر قبل أن تبدأ؟ تعرف على ابرز الحسابات الخاطئة
  • استمرار ارتفاع درجات الحرارة على مناطق الغرب واعتدالها بدءًا من يوم الأحد