سوريا ما بعد الأسد.. الشرع يصر على وحدة سوريا وروسيا تجلي بعض دبلوماسييها
تاريخ النشر: 16th, December 2024 GMT
أعلنت القيادة العامة للإدارة السياسية في سوريا أن القائد العام للإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع أجرى مباحثات في دمشق مع مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا غير بيدرسون، الذي وصل إلى العاصمة السورية دمشق في أول زيارة له لسوريا بعد إسقاط نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد.
وأكد الشرع خلال اللقاء أهمية وحدة سوريا وإعادة الإعمار وإعادة تأهيل المؤسسات لبناء نظام قوي وفعال.
في غضون ذلك، واصلت إسرائيل شن غارات ضد مواقع عسكرية سورية في عدة مناطق بمحيط العاصمة دمشق.
كما قالت روسيا إن طائرة خاصة أقلعت من قاعدة حميميم الجوية في سوريا وعلى متنها بعض الدبلوماسيين من روسيا وروسيا البيضاء وكوريا الشمالية.
المصدر: الموقع بوست
إقرأ أيضاً:
بين قوى إقليمية ودولية أين تتجه البوصلة السورية؟
رفع العلم الأمريكي من قبل المبعوث الأمريكي لسوريا توماس باراك في مبنى إقامة السفير له دلالة كبيرة وسريعة لتطبيع العلاقات الأمريكية مع الإدارة السورية الجديدة بعد 14 سنة من القطيعة مع نظام الأسد المخلوع، فهي نقطة تحول كبرى بعد لقاء الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالرئيس أحمد الشرع برعاية سعودية، ومباركة تركية، وتحفظ مكتوم من قبل إسرائيل وإيران.
لكن هذا التحول المفاجئ في موقف الإدارة الأمريكية لم يأت بطيبة الرئيس ترامب، أو بإرضاء رغبة الأمير محمد بن سلمان الذي أغدق عليه بكرم، ولا بجهد تركي وتمهيد الطريق أمام الرئيس أحمد الشرع الذي كان بالأمس مطلوبا من الإدارة الأمريكية، وبجائزة 10 ملايين دولار لمن يلقي القبض عليه، بل هي نتيجة لمجموعة عوامل اجتمعت في ظروف مواتية زمانا ومكانا. فسقوط نظام الإجرام الأسدي كان ضرورة ملحة لأسباب متعددة.
فمن ناحية كان من الضروري التخلص من الهيمنة الإيرانية وميليشياتها الطائفية في سوريا وعلى رأسها «حزب الله» التي تهدد دولة الاحتلال من ناحية، وإضعاف موقف إيران في معالجة ملفها النووي في حال أي عملية تفاوضية لاحقة من ناحية أخرى، خاصة وأن إسرائيل كانت وعلى مدى عدة سنوات تقوم بقصف مواقعها في سوريا، في محاولة لقطع خط الإمدادات لحزب الله عبر سوريا، وقد تضررت مطارات وموانئ سوريا التي كانت تستقبل الشحنات الإيرانية الموجهة لحزب الله.
وقد كشفت الأحداث بعد عملية طوفان الأقصى أن حزب الله كان مخترقا وبنك معلوماته السرية كانت مكشوفة لإسرائيل عبر وسائل مختلفة وخاصة بتطبيقات الذكاء الاصطناعي وتجنيد أكثر من عنصر من عناصره الذي كان يزود الموساد بكثير من المعلومات وقد تم إلقاء القبض على أحدهم واعترف بذلك.
وبإسقاط نظام الأسد تسقط الحلقة الوسطى في محور طهران ـ بغداد ـ دمشق ـ بيروت، وهذه الضربة القاسية لطهران أرغمتها مع كل ميليشياتها على الرحيل من سوريا وأن تترك وراءها خسائر كبيرة تقدر بأكثر من 50 مليار دولار لن تسترد منها دولارا واحدا لأنها تعرف أن دمشق ستطالبها بفدية دماء السوريين الذين كانوا ضحية لهجمات هذه الميليشيات، وعلى رأسها حزب الله الذي سيطر على مناطق عديدة في وادي بردى والقلمون والقصير، ولم تفتح إيران إلى اليوم أي قنوات تواصل مع الإدارة الجديدة حتى أن وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي قال: «لسنا في عجلة من أمرنا للتواصل مع دمشق».
العامل الثاني الذي لا يقل أهمية بالنسبة لواشنطن وهو الملف الروسي ووجود قواعده ونفوذه في سوريا (قاعدة حميميم، والقاعدة البحرية في طرطوس) وخاصة أن موسكو دخلت في حرب مدمرة مع أوكرانيا والتي تعتبر بالنسبة للغرب ولأوروبا بشكل خاص مصدر تهديد مستمر وتعمل جاهدة في دعم أوكرانيا في وجه الغزو الروسي، ففي حال سقوط النظام الأسدي سيضع موسكو في موقف جديد مع الإدارة الجديدة، يمكن أن يهدد استمرارية تواجده العسكري في سوريا، وهذا ما دفع روسيا توجيه دعوة لوزير الخارجية السوري أسعد الشيباني لزيارة موسكو.
وبعد محادثات حثيثة مع الإدارة الجديدة التي طالبت بتسليم بشار الأسد اللاجئ في روسيا، واستعادة الأموال المنهوبة، رفضت موسكو تسليم الأسد لكنها انفتحت على تزويد سوريا بالقمح والنفط واستعادة بعض الأموال، وتسعى للحفاظ على شعرة معاوية مع الإدارة الجديدة التي كانت تقصفها بالأمس في مناطق سيطرتها في إدلب، وقتلت الآلاف من السوريين أيضا.
لم تقم الأنظمة السورية المتعاقبة منذ الاستقلال بأي اتصال مباشر مع تل أبيب لغاية العام 1965 حيث كان تعتبر أي سوري يتواصل مع العدو الصهيوني، أو يزور إسرائيل خائنا وتطبق عليه قوانين الخيانة العظمى، حيث أثيرت بعض الشكوك حول بعض المصادر التي تشير أن حافظ الأسد عندما كان قائدا للقوات الجوية قام بزيارة إلى بريطانيا بحجة إجراء فحوصات طبية وهناك تم لقاء بينه وبين وفد إسرائيلي، وكانت فضيحة الجاسوس ايلي كوهين قد هزت سوريا في نفس هذه الفترة.
وجاء البلاغ رقم 66 في بداية حرب النكسة في 1967 والذي طلب فيه الأسد الذي أصبح وزيرا للدفاع بانسحاب الجيش السوري من الجولان بحجة أن الجيش الإسرائيلي قد وصل إلى مدينة القنيطرة وهو لم يصل بشهادة مئات الضباط (ومنهم والدي الذي كان في القنيطرة) وبهذا الانسحاب تمكنت إسرائيل من احتلال مرتفعات الجولان بالكامل التي كان يعتبر حصنا طبيعيا منيعا، فعادت الشكوك لتكون أكثر واقعية خاصة بعد اتفاق فصل القوات التي حازت فيه إسرائيل على معظم أراضي الجولان.
وانتشر شعار بين السوريين وخاصة بعد الثورة يتهمون الأسد بالخيانة: «باع الجولان ابن الحرام»، وقد أظهر الأسد بعد تطبيع مصر علاقاتها مع إسرائيل بأنه حامي القضية الفلسطينية بتشكيل جبهة مناهضة للتطبيع وتجميد عضوية مصر في الجامعة العربية رغم أنه قام بحرب لا هوادة فيها ضد الفلسطينيين ومنظمة التحرير في لبنان انتهت بطرد المقاومة من لبنان في العام 1982.
وحسب الرئيس المصري الراحل حسني مبارك فإن رئيس الوزراء الإسرائيلي اسحق رابين عرض على الأسد الانسحاب من كامل الجولان مقابل التطبيع مع تل أبيب لكنه رفض العرض، ومع الوريث بشار الأسد لم يتغير الوضع كثيرا لكن كان هناك أحاديث كثيرة تشير إلى محادثات تحت الطاولة بين النظام وإسرائيل.
هذا الوضع تفاقم مع قيام الثورة السورية بعد أن استنجد الأسد بإيران وميليشياتها، وروسيا التي أهداها قاعدة حميميم مقابل ضرب الشعب السوري الثائر، لكن تواجد إيران وميليشياتها في سوريا لم يرق لإسرائيل الذي رأت فيه تهديدا لها فقامت بمئات الغارات الجوية على القواعد الإيرانية دون أي رد من الجانب السوري رغم الأضرار الجسيمة التي تعرضت لها منشآت سورية متعددة، وبدأ الشك يخامر القيادات الإيرانية بتعاون مخابراتي سوري إسرائيلي بتسريب المعلومات عن أماكن تواجد الإيرانيين واجتماعاتهم التي كانت تستهدف لحظة بلحظة، ورفض الأسد إجراء أي تحقيق طلبته إيران وخاصة بعد استهداف قنصليتها في دمشق.
وطرح تساؤل كبير بعد سقوط النظام الأسدي وفي يوم الاحتفال بالنصر بقصف إسرائيل للمربع الأمني المجاور لساحة الأمويين، حيث كانت الاحتفالات، والذي يضم كل ملفات المخابرات المركزية السورية بما فيها ملفات العلاقات السورية الإسرائيلية. ثم توالى القصف لكل مراكز الجيش السوري وقواعد الطيران والموانئ، ورغم أن الرئيس السوري أحمد الشرع قد صرح أكثر من مرة بأنه لا يرغب في فتح جبهات قتال مع أحد، ولا يريد أن يقوم بعمليات انتقام من أي جهة كانت إلا أن إسرائيل حاولت بحجة حماية الدروز التدخل في سوريا وقامت باحتلال عدة مناطق في الجولان ضاربة عرض الحائط اتفاق فصل القوات 1974 وكانت تمني النفس بالتحريض على حرب أهلية تنتهي بتقسيم سوريا حسب تصريحات أكثر من مسؤول إسرائيلي.
وقد كشفت مصادر مطلعة لوكالة رويترز مؤخرا، عن إجراء سوريا ودولة الاحتلال الإسرائيلي اتصالات مباشرة وجها لوجه ربما بوساطة إماراتية بعد زيارة الشرع لأبو ظبي ولقائه بالرئيس محمد بن زايد، وأشارت الوكالة إلى أن الاتصالات المباشرة تمثل تطورا كبيرا في العلاقات بين الجانبين وتمهد لاتفاق عدم الاعتداء حسب ما نصح به الموفد الأمريكي لسوريا، ورغم أن الإدارة الجديدة سلمت مقتنيات الجاسوس إيلي كوهين لإسرائيل كعربون حسن نية لم يثنها عن استمرارية اعتداءاتها وقصف المواقع العسكرية السورية بحجة وجود أسلحة تهدد أمنها القومي.
قامت تركيا ومنذ بداية الثورة وبعد استقبالها ملايين اللاجئين السوريين، باستقطاب بعض الفصائل السورية المسلحة، ومنها هيئة تحرير الشام، وقد عملت حثيثا مع فصائل مسلحة لمواجهة قوات سوريا الديمقراطية، وفي الوقت نفسه العمل مع هيئة تحرير الشام لإسقاط النظام الأسدي رغم أنها كانت توحي بأنها تبحث عن تطبيع علاقاتها معه حسب رغبة موسكو وطهران، وقامت بالتخطيط والدعم معها لبدء عملية تحرير سوريا التي بدأت بمدينة حلب وانتهت بدمشق في بيوم النصر في 8 ديسمبر 2024.
وصرح ترامب أنه ترك لتركيا حرية تطوير علاقاتها بالإدارة السورية الجديدة.
وهكذا نرى أن بوصلة سوريا الجديدة تتجه شمالا نحو تركيا وغربا نحو أوروبا وأمريكا، وجنوبا نحو المملكة العربية السعودية، وكل الزيارات المتعاقبة للمسؤولين في هذه الدول الثلاث تؤكد ذلك، بعد أن كانت في عهد الأسد تتجه إلى موسكو وطهران بشكل أساسي، وبذلك تدخل سوريا في انقلاب جذري في علاقاتها الإقليمية والدولية.
القدس العربي