قراءة نقدية لرواية “عورة في الجوار” للكاتب السوداني أمير تاج السر
تاريخ النشر: 16th, December 2024 GMT
قراءة نقدية معاصرة لرواية "عورة في الجوار" للكاتب السوداني أمير تاج السر، التي صدرت مؤخرا , و يمكني التركيز على الأبعاد السردية والرمزية التي تتقاطع مع التحولات الاجتماعية والسياسية في السودان، مستندا إلى أدوات النقد السردي المعاصر
مثل تحليل البنية السردية، الخطاب الثقافي، والرمزية. من خلال بعض المحاور التي يمكن تناولها هكذا
تحليل البنية السردية وتداخل الأزمنة
الرواية تنقل القارئ بين الماضي والحاضر عبر أسلوب سردي متعدد المستويات.
السؤال السردي الرئيسي: كيف يُظهر السرد تعقيدات التنقل بين الهويات الاجتماعية في الريف والمدينة؟
التداخل الزمني و يعود السرد إلى وقائع تاريخية مثل الثورة المهدية والمجاعات ليضع الحاضر في سياق ممتد عبر الزمان.
رمزية الكلب والعنوان
رغم أن غلاف الرواية يظهر صورة كلب، إلا أن هذه الصورة تتخذ بعداً رمزياً مرتبطاً بالحرية والتنقل. يُطلق على البطل "كلب الحر"، في إشارة ضمنية إلى انتماءه المتنقل وغير المستقر.
الرمزية المزدوجة الكلب قد يكون رمزاً للحرية وأيضاً للتيه، مما يعكس حالة الشخصيات في ظل التغيرات الاجتماعية والسياسية.
عنوان الرواية: "عورة في الجوار" يوحي بإشكاليات مكشوفة في المجتمع، سواء على مستوى الفرد أو المجتمع بأكمله، وهو ما يعكسه السرد من خلال الصراعات القبلية والسياسية.
التحولات الاجتماعية والسياسية كفضاء سردي
الرواية تقدم صورة غنية للتحولات التي طرأت على المجتمع السوداني، خاصة في فترة الثمانينات.
التغير الثقافي و يُرصد الغزو الثقافي القادم من المدن، كظهور فرق الموسيقى الغربية، وتحولات المرأة الريفية، مما يعكس صداماً بين التقليدي والحديث.
التحولات السياسية و الرواية تتناول تأثير الانقلابات العسكرية، وصراعات الأرض، في إطار سياسي يعكس تداخلات السلطة مع الحياة اليومية.
الفكاهة السوداء وفانتازيا الريف
الفكاهة السوداء و تكشف الرواية عن المعاناة بأسلوب ساخر، حيث تُوظَّف الفكاهة لتسليط الضوء على القضايا السياسية والاجتماعية، وهو ما يُضفي عمقاً على النص.
فانتازيا الريف أن الريف هنا ليس مجرد خلفية مكانية، بل هو شخصية سردية تنبض بالأساطير والصراعات، مما يمنح النص بُعداً أسطورياً.
اللغة السردية وعلاقتها بالهويات
لغة الرواية وهنا خلط رائع يجمع بين الفصاحة والتعبيرات المحلية، مما يعكس جدلية الريف والمدينة.
تأثير الهوية السودانية و الكاتب هنا يتجلى في استخدام الحكايات الشعبية، الأساطير، وحتى استعادات الأحداث التاريخية كالمهدية، مما يجعل الرواية مرآةً للمجتمع السوداني.
قراءة مقارنة ما بين الواقعية السحرية والحداثة
يمكن مقارنة الرواية بتيارات الواقعية السحرية اللاتينية، حيث يتم الجمع بين الواقعي والفانتازي لإنتاج سرد يعكس تعقيد الواقع. كما أن الرواية تستفيد من تقنيات سردية حداثية، مثل تعدد الأصوات والتناص مع التاريخ.
رواية "عورة في الجوار" تسير في درب النقد الاجتماعي والسياسي بطريقة فنية ساخرة، تجمع بين خصوصية التجربة السودانية وعمومية القضايا الإنسانية. من خلال التحولات السردية والرمزية، تقدم الرواية تحليلاً
دقيقاً للصراع بين التقليد والحداثة، وتجسد التحديات التي تواجه المجتمعات الريفية في ظل التغيرات الكبرى.
[email protected]
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
اليمن.. وطن أكلته الحروب وأنهكته الصراعات
خالد بن سالم الغساني
اليمن عند مفترق تاريخي يزداد تشعبًا وقتامة مع مرور الوقت، حيث تتشابك أنواع المعاناة، وتتقاطع مسارات الصراع لتخلق واقعًا مركبًا أصبح من الصعب لأي جهة داخلية أو خارجية احتواؤه. وعلى الرغم من أن جذور الأزمة تعود إلى عقود من الاختلالات والتركيبات البنيوية، فإن السنوات الأخيرة دفعت بالبلاد وإنسانها نحو حافة الانهيار، وجعلت مواطنيها يعيشون في دائرة مغلقة من الجوع والضيق والقلق وانعدام الأمن والاستقرار.
الإنسان اليمني، المعروف بصبره وصلابته، والمتمسك بالأمل مهما اشتدت عليه الظروف وازدادت المحن والمعاناة، أصبح اليوم محاصرًا بثلاثية ثقيلة: الفقر الممتد، وانهيار الخدمات على اختلافها، والاصطفاف والاقتتال الذي يعني غياب الأمن والاستقرار. ملايين يعيشون بلا كهرباء، ولا مياه نظيفة، ولا منظومة صحية قادرة على التعامل مع أبسط الأزمات، فيما ترتفع أسعار الغذاء والدواء إلى مستويات غير مسبوقة حتى بالمقاييس اليمنية. المدارس تتراجع إمكاناتها، والمستشفيات شبه خالية من التجهيزات، والطرقات باتت شاهدًا على اتساع رقعة الاضطراب، بين مناطق تتبدل فيها السيطرة أو تتقلص فيها سلطة الدولة، والمطارات والموانئ مغلقة.
ومع تفاقم الوضع الاقتصادي، تآكلت الطبقة المتوسطة التي كانت تمثل صمام أمان اجتماعي مهم. كثير من الأسر التي كانت تعيش بكرامة أصبحت اليوم تعتمد على التحويلات من الخارج أو على مساعدات لا تكفي لتأمين أساسيات الحياة. وبدلًا من أن يكون الشباب قوة دافعة للتنمية، أصبحوا رهائن الاقتتال والبطالة والظروف المعيشية القاسية، ما يخلق بيئة مساعدة على مزيد من الانفجارات على المدى الطويل. وحتى أولئك الذين يبحثون عن الاستقرار خارج الوطن يواجهون تحديات الهجرة، والتشتت الأسري، والضياع بين المنافي.
أما الأرض اليمنية، التي كانت مزيجًا من الجبال الخصبة والسهول الساحلية والموانئ الحيوية، فأصبحت تعاني مما هو أبعد من الدمار المباشر، الطرق الزراعية تعطلت، والحقول هجرت، ومناطق كانت تغذي الأسواق المحلية والخارجية أصبحت شبه خالية من الإنتاج. تراجع الزراعة يعني تراجع الأمن الغذائي، وارتفاع أسعار السلع يعني مزيدًا من الضغط على المواطن. كما أن البنية التحتية المتهالكة تزيد من صعوبة نقل البضائع، وترفع كلفة التجارة، وتغلق أبواب الرزق أمام آلاف الأسر.
وتسببت حالة عدم الاستقرار في تشكل جغرافيا سياسية جديدة، تتوزع فيها السيطرة بين مناطق وإدارات مختلفة، لكل منها رؤيتها الخاصة وطريقتها في إدارة شؤونها. هذا التوزع لا يقتصر على الخريطة العسكرية فقط، بل يتسرب إلى تفاصيل الحياة اليومية، فهناك قوانين مختلفة، خدمات متفاوتة، مستويات معيشية متباينة، وضرائب أو جبايات تختلف من منطقة لأخرى. ومع مرور الوقت، يترسخ هذا التمايز، ما يهدد بتوسع الشرخ الاجتماعي ويمهد لاحتمالات تقود إلى انفصال فعلي، حتى دون إعلان رسمي.
هذا الواقع المأساوي الداخلي لا يبقى محصورًا داخل الحدود اليمنية، بل يمتد تأثيره إلى دول الجوار التي تتابع ما يجري بقلق متزايد. فاستمرار الأزمة يعني استمرار الضغوط الأمنية على الحدود، وزيادة احتمالات التسلل غير القانوني وتجارة السلاح، وتصاعد الأخطار المتعلقة بالملاحة في البحر الأحمر وباب المندب، وهي مناطق تمثل شريانًا اقتصاديًا حيويًا للعالم، وليس فقط للمنطقة. كما أن التوترات الاقتصادية والإنسانية في اليمن تنعكس على دول الجوار من خلال موجات النزوح والبحث عن فرص العمل.
دول الجوار تجد نفسها مضطرة للتعامل مع سيناريوهات معقدة: اليمن المُمزق جغرافيًا وسياسيًا يشكل تحديًا مباشرًا لأي رؤية للاستقرار الإقليمي؛ سواء للأمن الحدودي، أو لحركة التجارة، أو لمشاريع الربط الاقتصادي التي تعتمد على وجود دولة مستقرة وقادرة على إدارة مواردها. وفي حال استمر الاتجاه نحو التشظي، فقد يظهر في جنوب الجزيرة كيان غير مستقر، وآخر في الشمال يواجه ضغوطًا داخلية وخارجية، ما سيجعل المنطقة بأكملها أمام احتمالات مفتوحة، قد تزيد من الأعباء الأمنية والاقتصادية على الجميع.
ومع ذلك، لا يزال الأمل قائمًا، وإنْ بدأ بعيدًا؛ فخيار التماسك ممكن إذا توفرت إرادة سياسية تتجاوز المصالح الضيقة، وإذا كان هناك دعم إقليمي ودولي يركز على المصالحة الشاملة والتنمية بدلًا من إدارة الأزمات فقط. الشعب اليمني، رغم معاناته، ما زال يملك القدرة على النهوض إذا حصل على فرصة عادلة للسلام، والوقت كفيل بأن يعيد تشكيل المشهد إذا اتجهت الأطراف نحو التهدئة الحقيقية والتفاهم البنّاء.
اليمن اليوم يقف بين طريقين، طريق يعيد له مكانته كجسر حضاري بين الشمال والجنوب والشرق والغرب، وطريق آخر يأخذه نحو مزيد من الضياع والانقسام. لكن المؤكد أن مستقبل هذا الوطن سيحدده في النهاية صمود الإنسان اليمني وإصراره؛ فهو جوهر هذا البلد وروحه التي لا تنطفئ، والقوة التي يمكنها أن تعيد جمع ما تفرّق، ثم صدق جيرانه وحرصهم على المساعدة في بناء يمن موحد آمن مسالم وقوي.
رابط مختصر