لجريدة عمان:
2025-06-01@17:33:31 GMT

الأزمة التي تحتاج إليها ألمانيا

تاريخ النشر: 17th, December 2024 GMT

تُـعَـد ألمانيا النموذج المثالي لكل ما يشوب الاقتصاد الأوروبي من عيوب؛ فالناتج المحلي الإجمالي في طريقه إلى الانخفاض للعام الثاني على التوالي. والصناعات الكثيفة الاستهلاك للطاقة مثل الكيماويات والأعمال المعدنية في حالة ركود. كما أعلنت شركات وطنية كبرى، مثل Volkswagen وThyssenKrupp، عن تخفيضات غير مسبوقة في الوظائف وإغلاق مصانعها.

دأبتُ لفترة طويلة على الزعم بأن أفضل طريقة لفهم هذه المشكلات أن ننظر إليها باعتبارها نتيجة سلبية لنجاح ألمانيا الاقتصادي السابق والركائز المؤسسية التي قامت عليها الإنجازات السابقة. وتشكل الوعكة الاقتصادية الألمانية الحالية دليلا آخر على هذا. في أعقاب الحرب العالمية الثانية -فترة من الاضطرابات والأزمات لكنها أيضا كانت فترة من التجديد والفرص- طورت ألمانيا الغربية آنذاك مجموعة من المؤسسات الاقتصادية والسياسية التي تناسبت بشكل مثالي مع الظروف في ذلك الوقت. وللاستفادة من براعتها القائمة في التصنيع عالي الجودة، وضع صنّاع السياسات برامج ناجحة للتدريب المهني والتلمذة الصناعية، والتي نجحت في توسيع المعروض من الميكانيكيين والفنيين المهرة. لاستغلال التجارة العالمية المتنامية بسرعة واختراق أسواق التصدير العالمية، ضاعفت الصناعة الألمانية من إنتاج المركبات الآلية والسيارات والسلع الرأسمالية، وهي المجالات التي طورت فيها ميزة نسبية واضحة.

في الوقت ذاته، أنشأت ألمانيا الغربية نظاما ماليا قائما على البنوك لتوجيه الأموال إلى الشركات المهيمنة في هذه القطاعات. ولضمان الانسجام في شركاتها الكبرى والحد من الارتباكات في أماكن العمل، طورت نظاما للمشاركة في اتخاذ القرارات الإدارية، والذي أعطى ممثلي العمال مدخلات في قرارات كبار المسؤولين التنفيذيين. وأخيرا، للحد من السياسات الـمُـعَـطِّـلة، وعلى وجه التحديد لكبح جماح ذلك النوع من التطرف السياسي والتفتت البرلماني الذي طارد ألمانيا في الماضي، وُضِـع نظام انتخابي نسبي يسمح لكل أحزاب التيار السائد بأن يكون لها صوت، مع مراعاة العتبة 5% كحد أدنى للتمثيل البرلماني (للحد من نفوذ الأحزاب الهامشية).

كانت النتيجة السعيدة لهذا التوافق بين المؤسسات والفرص هي «Wirtschaftswunder»، «معجزة النمو الاقتصادي» في الربع الثالث من القرن العشرين، عندما تفوقت ألمانيا الغربية على منافسيها من الاقتصادات المتقدمة الرئيسية (باستثناء اليابان).

من المؤسف أن هذه المؤسسات والترتيبات ذاتها أثبتت أن تعديلها أمر بالغ الصعوبة عندما تغيرت الظروف. أصبح التركيز على التصنيع عالي الجودة ينطوي على مشكلات معقدة مع صعود منافسين جدد، بما في ذلك الصين، ومع ذلك ظلت الشركات الألمانية مُـوَظَّـفة بشكل كبير في خدمة هذه الاستراتيجية.

كان مبدأ المشاركة في اتخاذ القرار سببا في إحباط محاولات تغيير تنظيم محل العمل، ناهيك عن إغلاق المصانع غير الاقتصادية. لم يكن تمويل الشركات البادئة في قطاعات جديدة الميل الطبيعي للبنوك الـمُـحافِظة التي اعتادت التعامل مع الزبائن الراسخين المنخرطين في خطوط أعمال مألوفة. كما أسفر النظام الانتخابي النسبي مع العتبة 5% عن نتائج غير مرضية وائتلافات غير مستقرة عندما انتقل الناخبون إلى التطرف، فأصبح حزب البديل من أجل ألمانيا على اليمين وتحالف العقل والعدالة (Sahra Wagenknecht Alliance) على اليسار لكسب التمثيل البرلماني، في حين تُـرِكَ المنتمون إلى الحزب الديمقراطي الحر (Free Democrats) الأكثر اعتدالا عُـرضة لخطر الاستبعاد.

والحلول، كما يبدو، واضحة؛ زيادة الاستثمار في التعليم العالي والإقلال منه في التدريب المهني العتيق الطراز حتى تتمكن ألمانيا من أن تصبح رائدة في مجال الأتمتة (التشغيل الآلي) والذكاء الاصطناعي. وتطوير صناعة رأس المال الاستثماري بما يجعلها قادرة على خوض المجازفات التي لا ترغب البنوك في تحمّلها. واستخدام سياسات الاقتصاد الكلي لتحفيز الإنفاق بدلا من الاعتماد على أسواق التصدير الخاضعة للرسوم الجمركية. وإعادة النظر في نظام المشاركة في اتخاذ القرار والنظام الانتخابي النسبي المختلط الذي لم يَـعُـد مجديا.

أخيرا، وليس آخرا، تخفيف «مكابح الديون»، والتي تشكل إرثا آخر من الماضي يحد من الإنفاق العام. هذا من شأنه أن يسمح للحكومة بزيادة الاستثمار في البحث والتطوير والبنية الأساسية، وهما عاملان حاسمان في تحديد النجاح الاقتصادي في القرن الحادي والعشرين. قد يكون تصوّر مثل هذه التغييرات سهلا، لكن تنفيذها ليس كذلك. فالتغيير صعب دائما، بطبيعة الحال. لكنه صعب بشكل خاص عندما يسعى المرء إلى تعديل مجموعة من المؤسسات والترتيبات التي يعتمد نجاح تشغيلها، في كل حالة، على تشغيل مؤسسات وترتيبات أخرى. تشبه محاولة تنفيذ مثل هذا التغيير استبدال جهاز نقل الحركة في سيارة فولكس فاجن بينما المحرك يعمل. على سبيل المثال، تشعر البنوك الألمانية، التي تعتمد على علاقاتها القائمة مع الزبائن، بأكبر قدر من الارتياح عندما تقرض شركات راسخة تعمل بطرق راسخة.

في المقابل، تعمل هذه الشركات على نحو أفضل عندما تكون لديها علاقات طويلة الأمد مع البنوك التي يمكنها الاعتماد عليها في التمويل. والاستعاضة عن هذه الشركات القائمة بشركات بادئة من شأنها أن تجعل البنوك التي تفتقر إلى الخبرة التي تتمتع بها صناديق رأس المال الاستثماري في مأزق عميق. وإذا أقدمت على الإقراض رغم ذلك فإنها تعرض نفسها لخطر الإفلاس. وإذا استعضنا عن البنوك بصناديق رأس المال الاستثماري، التي لا تهتم كثيرا بشركات ثني المعادن الثقيلة الحركة، فسوف تفقد هذه الشركات القدرة على الوصول إلى التمويل الخارجي الذي تعتمد عليه.

هذه هي طبيعة الجمود المؤسسي في ألمانيا. الخبر السيئ إذن هو أن الأمر ينطوي على تناقض خطير بين الوضع الاقتصادي الحالي في ألمانيا وإرثها المؤسسي، وأن هناك عقبات كبرى تحول دون تغيير هذا الإرث لإعادة تنظيمه بما يتماشى مع الوضع الحالي. أما النبأ السار فهو أن الأزمة التي تدفع إلى إعادة التفكير الشامل في هذا الإرث المؤسسي قد تؤدي إلى كسر الجمود. ولعل هذه هي الأزمة التي تحتاج إليها ألمانيا.

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

«غرفة دبي» تعزز وصول الشركات المحلية إلى العالمية

دبي (الاتحاد)
 تواصل غرفة تجارة دبي، إحدى الغرف الثلاث التابعة لغرف دبي، جهودها الاستراتيجية لتعزيز التوسع الخارجي للشركات الإماراتية من دبي نحو العالم، وذلك عبر مبادرتها الرائدة «آفاق جديدة للتوسع الخارجي» التي أطلقتها في 2023 لدعم دخول الشركات المحلية إلى الأسواق العالمية، وتوسيع حضورها التجاري والاستثماري خارج الدولة.
ووصل عدد البلدان التي نظمت غرفة تجارة دبي بعثات تجارية إليها إلى نحو 20 دولة في مختلف أنحاء العالم لا سيما آسيا وأفريقيا، وذلك منذ انطلاق المبادرة في بدايات 2023.
وأطلقت غرفة تجارة دبي هذه المبادرة في إطار استراتيجيتها لتعزيز التنافسية الاقتصادية لدبي، وتماشياً مع أهداف أجندة دبي الاقتصادية D33 ومبادرة «دبي جلوبال» التي تسعى إلى مساعدة شركات دبي على استكشاف فرص تجارية جديدة عبر 30 سوقاً ذات أولوية.
ونظمت غرفة تجارة دبي في عام 2023 سبع بعثات تجارية في إطار المبادرة التي واصلت زخمها في عام 2024، حيث نظمت غرفة تجارة دبي بعثات تجارية إلى 8 دول، شملت إندونيسيا، وفيتنام، والسنغال، والمغرب، وتركيا، وصربيا، وتنزانيا، وأوغندا، كما نجحت الغرفة في العام ذاته في دعم توسع 114 شركة محلية إلى أسواق عالمية جديدة، بنمو بنسبة 48% مقارنة بـ 77 شركة محلية تم دعم توسعها في عام 2023. وفي عام 2025، نظمت غرفة تجارة دبي في إطار المبادرة 4 بعثات تجارية إلى أنغولا وموزمبيق، والفلبين وتايلاند، دعمت خلالها عشرات الشركات في دبي للبحث عن فرص التوسع الخارجية، منها 19 شركة ضمن البعثة إلى موزمبيق و20 شركة إلى أنغولا، و17 شركة إلى الفلبين و20 شركة إلى تايلاند.
وأكدت غرفة تجارة دبي التزامها بدعم تطلعات أعضائها للتوسع نحو الأسواق ذات الأهمية الاستراتيجية حول العالم، من خلال توفير الدعم اللازم وتسهيل الوصول إلى الفرص التجارية والاستثمارية، مما يسهم في تعزيز مكانة دبي كمركز عالمي للأعمال والتجارة.
وقال سالم الشامسي، نائب رئيس العلاقات الدولية في غرف دبي إن مبادرة «آفاق جديدة للتوسع الخارجي»، تهدف إلى تمكين الشركات في دبي من دخول أسواق دولية واعدة، وهو ما أثبتته التجربة خلال العامين الماضيين، حيث شكلت البعثات التجارية التي نظمتها المبادرة نقطة الانطلاق الأولى نحو الخارج بالنسبة للعديد من الشركات المحلية في إمارة دبي.
وأوضح أن هذه البعثات تعد خطوة نوعية لتعزيز شبكة الشركات العاملة في دبي، ودعم توسع المنتج المحلي في الخارج.وقال عدد من المسؤولين في الشركات المشاركة في البعثات التجارية التي تنظمها غرفة تجارة دبي، إن مبادرة «آفاق جديدة للتوسع الخارجي»، باتت من أبرز الأدوات الفعالة لربط المصنعين في دولة الإمارات بالأسواق الدولية.وأكدوا أهمية المبادرة في تعزيز حضور المنتجات الوطنية في الأسواق العالمية، خاصة في قطاع السلع الاستهلاكية السريعة التداول، مشيرين إلى أن مشاركتهم في البعثات ضمن وفد رسمي يمثل دبي يعطي انطباعاً أقوى لدى الشركاء المحتملين، ويعزز من فرص عقد شراكات استراتيجية مستدامة.

أخبار ذات صلة ارتفاع عدد الشركات المدرجة في بورصات الصين إلى 5420 شركة «ديوا»: 83 موظفاً معتمداً في برنامج «خبراء التميز والتقييم المؤسسي»

مقالات مشابهة

  • السوداني:تبرعنا إلى لبنان (20) مليون دولار رغم الأزمة المالية التي يمر بها العراق
  • عدم دستورية إلزام المحكمة بنظر دعوى محالة إليها من جهة أخرى غير مختصة
  • آخر تحديث.. سعر الدولار الآن داخل البنوك
  • «غرفة دبي» تعزز وصول الشركات المحلية إلى العالمية
  • الأسرة في تركيا تحتاج أكثر من 81 ألف ليرة شهريًا لتفادي الفقر!
  • عماد الدين حسين: حماية المستهلك مهمة لكنها تحتاج دعما وتشريعا أفضل
  • تجربة الشركات الأمنية الخاصة في كينيا ومعضلة الأمن
  • محافظة الجيزة تحتاج إلى نائب رئيس حي ومركز ومدينة ..تعرف على الشروط
  • الشركات الروسية تغزو السوق في مصر
  • كل ما تحتاج معرفته عن DeepSeek.. تطبيق الدردشة الذكي الصيني المثير للجدل