مبادرة الحزب الشيوعي السوداني لوقف الحرب واسترداد الثورة تمثل طرحًا سياسيًا عميقًا وطموحًا، يعكس قراءة دقيقة لجذور الأزمة السودانية وسبل معالجتها. تنطلق المبادرة من رؤية تُبرز أهمية وحدة الجماهير كعامل رئيسي لتحقيق التحولات الديمقراطية، مستندة إلى تجارب سودانية سابقة كأكتوبر 1964 وأبريل 1985 وثورة ديسمبر 2018.


تصف المبادرة الحرب الحالية بأنها أداة تُستخدم لتصفية الثورة وعرقلة أهدافها، مشيرة إلى دور اللجنة الأمنية، قوات الدعم السريع، والحركة الإسلامية في إشعال الصراع وتعميق الأزمة. وتؤكد أن الحل الجذري لا يمكن أن يأتي إلا من خلال حراك شعبي واسع ومستقل، مع رفض الاعتماد المفرط على التدخلات الخارجية.
محاور التحليل السياسي
المبادرة تركز بشكل خاص على تنظيم الجماهير، خاصة النازحين واللاجئين، باعتبارهم أصحاب المصلحة المباشرة في إنهاء الحرب وتحقيق التغيير الديمقراطي. ويُبرز الحزب أهمية النقد الذاتي للقوى السياسية والمدنية، داعيًا إلى مراجعة شاملة للأخطاء السابقة، بما في ذلك الفشل في مواجهة عسكرة الدولة وهيمنة الميليشيات. كما يرفض الحزب الاصطفاف مع أي طرف من أطراف النزاع العسكري، مؤكدًا أن هذه الحرب لا تخدم سوى مصالح القوى المتنفذة داخليًا وخارجيًا.
الموقف من الإسلاميين ومبشري فشل المبادرة
تواجه المبادرة رفضًا واضحًا من بعض الأطراف الإسلامية التي تُشكك في جدواها، وتعتبرها محاولة مستحيلة التطبيق أو عودة إلى الطروحات الاشتراكية القديمة التي تجاوزها الزمن. الإسلاميون الذين طالما ناهضوا طرح الحزب الشيوعي يرون في المبادرة فرصة لتأكيد فشل القوى المدنية في معالجة القضايا الوطنية الكبرى. ومع ذلك، يرد الحزب على هذه الانتقادات بإبراز أن فشل الإسلاميين أنفسهم في إدارة الدولة خلال العقود الماضية هو الذي قاد السودان إلى الأزمات الحالية.
يرى الشيوعيون أن المبادرة ليست فقط إطارًا لإنهاء الحرب، بل خطوة ضرورية لاستعادة مشروع الثورة ومواجهة الأيديولوجيات التي عرقلت بناء دولة المواطنة والعدالة الاجتماعية. ويركز الحزب على بناء تحالف جماهيري يضع مصلحة الشعب فوق المصالح الحزبية أو الأيديولوجية، ما يضعه في مواجهة مباشرة مع الإسلاميين الذين يحاولون الترويج لفشل أي مساعٍ تُقصيهم من المشهد.
التشابه مع طرح "تقدم"
من بين النقاط المثيرة للجدل حول المبادرة ما وُصف بتشابهها مع طرح حزب "تقدم"، الذي يُركز أيضًا على إعادة هيكلة الجيش ورفض العسكرة السياسية. ومع أن الطرحين يتقاطعان في بعض الأهداف، فإن هناك اختلافات جوهرية. "تقدم" يُعرف بنهجه البراغماتي وسعيه إلى تسويات سياسية مرنة تشمل جميع الأطراف، بما فيها الإسلاميون، على عكس الحزب الشيوعي الذي يعتمد خطابًا راديكاليًا أكثر حدة في رفض أي شراكة مع الإسلاميين أو الميليشيات المسلحة.
التحديات أمام المبادرة
تواجه المبادرة تحديات متعددة أبرزها-
• الانقسامات السياسية الداخلية: يتطلب نجاحها توافقًا واسعًا بين القوى السياسية والمدنية، وهو أمر صعب في ظل التباينات الحالية.
• المصالح الدولية والإقليمية: تتعارض المبادرة مع مصالح قوى خارجية تستفيد من استمرار الصراع، مما يعقد تنفيذها دون ضغط شعبي كبير.
• القدرة على مواجهة الخطاب الإسلامي: الإسلاميون يشنون حملة إعلامية قوية لتشويه المبادرة، ما يتطلب من الحزب الشيوعي بناء استراتيجية اتصال فعالة لتوضيح أهداف المبادرة وكسب التأييد الشعبي لها.
• التوازن العسكري المختل: إعادة هيكلة الجيش وحل الميليشيات تستلزم قوة سياسية واجتماعية ضاغطة لا تزال بعيدة عن التحقق في الوضع الحالي.
النقد والردود الشعبية
بينما يرى البعض أن المبادرة تعبر عن طموحات الشعب في استعادة الثورة، يصفها آخرون بأنها طوباوية وغير واقعية. هذه الانقسامات الشعبية تنبع جزئيًا من إرث الحروب الأيديولوجية بين الحزب الشيوعي والإسلاميين، الذين يروجون لفشلها كجزء من معركتهم مع القوى المدنية.
مبادرة الحزب الشيوعي السوداني تُعد محاولة جادة لوقف الحرب واسترداد الثورة، بطرح يعتمد على العمل الجماهيري وتحقيق العدالة الاجتماعية. ورغم التحديات الكبيرة، فإنها تفتح باب النقاش حول الحلول الوطنية الممكنة، وتُبرز الحاجة إلى تحالف سياسي مرن وحراك شعبي واسع لمواجهة المصالح الضيقة التي تعيق التحول الديمقراطي.
في مواجهة الانتقادات، يبقى نجاح المبادرة مرهونًا بقدرتها على كسب التأييد الشعبي وإثبات أنها بديل حقيقي وقابل للتنفيذ في ظل تعقيدات المشهد السوداني الحالي.

zuhair.osman@aol.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الحزب الشیوعی

إقرأ أيضاً:

برلماني: مبادرة مصر معاكم تُترجم التزام الدولة تجاه أسر الشهداء

أشاد النائب علي الدسوقي، عضو مجلس النواب، بتصديق الرئيس عبد الفتاح السيسي على إطلاق مبادرة "مصر معاكم" لصالح الأبناء القصر من أسر الشهداء والضحايا من القوات المسلحة والشرطة والمدنيين، مؤكدًا أن المبادرة تعكس حرص الدولة المصرية على ترسيخ مبادئ العدالة الاجتماعية والوفاء الوطني في صورتها الأسمى.

وأوضح الدسوقي، في تصريح خاص لـ"صدى البلد"، أن المبادرة تمثل نقلة نوعية في الدعم الاجتماعي، لأنها لا تقتصر على تقديم المساعدة الفورية، بل تستهدف تأمين مستقبل الأبناء القصر من خلال استثمار المبالغ المخصصة لهم بما يضمن تحقيق أعلى عائد مالي يُصرف عند بلوغهم سن الرشد، مما يُمكّنهم من بدء حياتهم بكرامة واستقلالية.

أحمد موسى: رؤية الرئيس السيسي لمنع انتشار السلاح النووي يجب أن تتحول لموقف عربي إسلامي دوليالرئيس السيسي يوفد مندوبًا للتعزيةالرئيس السيسي يؤكد ضرورة تنمية موارد صندوق تكريم الشهداء والمصابينالرئيس السيسي يصدق على إطلاق مبادرة مصر معاكم لرعاية أبناء الشهداء القصر

وأشار عضو مجلس النواب إلى أن الشراكة المؤسسية بين البنك المركزي وصندوق مصر السيادي وشركة مصر لتأمينات الحياة في تنفيذ المبادرة، يعكس الجدية في تحويل المبادئ إلى نتائج ملموسة على الأرض، ويُظهر كفاءة الدولة في توظيف مواردها لصالح الفئات الأحق بالحماية والرعاية.

وأكد أن هذه المبادرة ليست فقط دعمًا ماديًا، بل رسالة معنوية سامية لأسر الشهداء، مفادها أن مصر لا تنسى أبناءها، وأن من قدموا أرواحهم من أجل الوطن سيظل ذووهم محل تقدير ورعاية مستمرة من مؤسسات الدولة.

وأضاف أن مبادرة "مصر معاكم" تعكس توجّهًا استراتيجيًا نحو الاستثمار في الإنسان، وترسيخ منظومة حماية اجتماعية قائمة على التمكين الاقتصادي، وليس فقط الإعالة.

واختتم الدسوقي تصريحه بالإشادة بالرؤية الرئاسية التي لا تتوقف عند حدود الحاضر، بل تمتد لبناء مستقبل آمن لأبناء الوطن، مشيرًا إلى أن البرلمان سيدعم كافة الجهود التشريعية والتنفيذية لإنجاح هذه المبادرة وتوسيع مظلتها مستقبلًا.

طباعة شارك الرئيس عبد الفتاح السيسي علي الدسوقي مجلس النواب صالح الأبناء القصر القوات المسلحة

مقالات مشابهة

  • رئيس صحة الشيوخ: مصر معكم مبادرة إنسانية تعكس وفاء الدولة لأبناء الشهداء
  • "فلاورد" تحتفي بـ"يوم الأب" عبر مبادرة إنسانية بالتعاون مع "جمعية إحسان"
  • مبادرة احتواء تزور مركز الوفاء لدعم ذوي الإعاقة بالبريمي
  • الشرقية.. مبادرة "عيدنا انتم" تُسعد 200 مستفيد في المرافق الصحية
  • مستقبل وطن : مبادرة مصر معاكم تعكس رؤية إنسانية واستثمارية لرعاية أبناء الشهداء
  • بعد إعلان تطبيقها.. ما هي خيارات الدوام التي توفرها مبادرة صيف دبي المرن للموظفين؟
  • تحليل رقصة صواريخ إيران التي أرهقت خورازميات ثاد
  • «المعاشات» تُطلق مبادرة لإعفاء أصحاب عمل من المبالغ الإضافية
  • «الموارد البشرية دبي» تعمّم مبادرة «صيفنا مرن» 2025
  • برلماني: مبادرة مصر معاكم تُترجم التزام الدولة تجاه أسر الشهداء