سودانايل:
2025-07-29@16:01:06 GMT

هل كانت ديسمبر نصف ثورة؟

تاريخ النشر: 19th, December 2024 GMT

بعد ست سنوات من تفجر ثورة ديسمبر ثم انتكاس مشروعها، هل يمكننا أن نقول ما قاله زعيم الثورة الصينية (من يقوم بنصف ثورة كمن يحفر قبره بيده) ؟، خاصة وأن الانقلاب العسكري عليها واندلاع الحرب، يمثلان الحصاد المر والسم الزعاف الذي تجرعه الثوار الشجعان، الذين تصدوا لطغيان رصاص الدكتاتور بصدورهم العارية، دون أن يرتعد لهم بدن أو تنهار عزيمتهم، حتى أسقطوا طاغيتين (البشير وبن عوف) في غضون أربعة وعشرين ساعة، في تصميم عنيد وإرادة قوية، ألهمت الثائرين في بلدان الجوار كيفية انتصار القلوب النابضة بحب الأوطان على السلاح، ولقنتهم الحكمة البليغة من ان القاتل الحقيقي هو الصمت عن قول الحق وليس الطلق الناري، هل يعقل أن ثوار وثورة بهذه القيم النبيلة تبيعها نخبة سياسية فاشلة، وثّق لفشلها أحد رموزها في سفر شهير عنوانه (النخبة السودانية وإدمان الفشل)، لقد باع الثورة للعسكر زعيم حزب المؤتمر السوداني إبراهيم الشيخ، يوم ان أمسك بيد الجنرال وقدمه للثوار في ساحة الاعتصام أمام بوابة القيادة العامة للقوات المسلحة، فابتلع الثوار الطعم وعلموا لاحقاً أنهم بيعوا بثمن بخس للجنة الأمنية لنظام الطاغية، وأن رجل الأعمال زعيم الحزب المشبوه في علاقاته التجارية مع النظام البائد، قد ارتكب خطيئة الدماء السائلة من فجر يوم مجزرة فض الاعتصام حتى لحظة انسكاب هذا المداد، لقد تحققت النتيجة الحتمية للمعادلة الصريحة التي قدمها الزعيم الصيني – الثورة الناقصة هي الطريق السالك للقبر، فلم تتعظ النخبة من تجارب الفشل السابقة، ولم تتعلم من إخفاقات الأجداد، فتسببت في سفك دماء الأحفاد، فتدفق سيل الدماء المسفوحة من رقاب الشباب وما يزال، وآخر هذه الدماء المسفوكة تمثلت في المجازر المرتكبة بحق عضوية لجان المقاومة في الأحياء، وهم يقدمون الطعام للعجزة والمسنين الذين لم يقدروا على الفرار من جحيم الحرب.


السودانيون حالمون ومنهم العاطفيين، منذ أكتوبر حتى ديسمبر، يحتفون بالأهازيج ويلونون شوارع النصر برايات الفرح الأسطوري احتفاءً بثوراتهم، لكنهم ليسوا بشديدي البأس في إعمال سيف الشرعية الثورية في بتر رؤوس الطغيان، كما هو حال ثوار جميع الثورات، فثوارنا تجدهم يرأفون بمن بطش بهم وسفك دمهم وانتهك عرضهم واغتصب ارضهم، فعلى الرغم من الظلم والعدوان المؤكد للمنظومة البائدة والفاجرة، إلّا أنهم لم يتركوا ثورتهم تكتمل بالخلاص من الطغاة، كما تخلص الشعب الروماني من الدكتاتور شاوسسكو وقرينته، ولأول مرة تعتمد ثورة (وطنية) على المؤسسات القضائية والعدلية لذات الحكومة الفاسدة التي أسقطتها، في محاكمة نفس الرموز الحكوميين الفاسدين والمجرمين، الذين وضعوا القوانين والنظم لتلك المؤسسات، لقد تعاملت الحكومة الانتقالية التي جاءت بها ثورة ديسمبر بلامبالاة سافرة، لا تتناسب وحجم التضحيات التي قدمها الثائرون، فعقدت جلسات محاكمات لرموز النظام البائد في حلقات درامية مسجلة، من داخل قاعة المحكمة التي هي الأقرب في هيئتها لمحاكم مسرحيات عادل إمام الكوميدية، فكثيرون من أبناء الشعب تعرضوا للاعتقال والتعذيب داخل بيوت الأشباح، التي أسسها المتهمون الماثلون أمام المحكمة المهزلة، التي يدخل لبهوها هؤلاء المتهمون الكبار بكامل زيهم (الوطني) الناصع البياض، يتضاحكون ويصدرون النكتة من كبيرهم الذي اعتاد على فعل ذلك، حينما كان حراً طليقاً، قبل أن يلج الفندق ذا الخمس أنجم (السجن)، كانت سلسلة محاكمات رموز فساد الحكم الاخواني بمثابة المسلسل اليومي المخصص لإمتاع المشاهدين، حقيقة كانت ديسمبر نصف ثورة وربما ربعها، لأنها امسكت بالعصا من منتصفها، ولم تجرؤ على إعمال سيف الشرعية الثورية المفرق بين الحق والباطل، لذلك انتقم فلول النظام البائد من المدنيين عامة في الحرب التي اشتعلت نسبة لتراخي حكومة الثورة.
الحرب أرّخت لاندلاع ثورة مسلحة حقيقية في الخامس عشر من ابريل قبل عام ونصف، حين حاول فلول النظام البائد العودة بكامل عدتهم وعتادهم للاستيلاء على الحكم، بمحاولتهم اليائسة والفاشلة في إزاحة القوة العسكرية الوحيدة التي تضامنت مع مشروع التغيير الذي أعلنته ديسمبر، وفي ظل الانقسام الذي أحدثته الحرب بين المكونات الاجتماعية والسياسية، لن يجد ثوار ديسمبر بد من الانخراط في صفوف هذه القوات العسكرية الرافضة لعودة الحرس القديم، حتى يستأصلوا الوجود الكارثي لكادر النظام البائد، القوات العسكرية المحاربة بكل ضراوة لكتائب البراء بن مالك الداعشية المختطفة للجيش، القوات العسكرية الداعمة لاتفاق الإطار الذي أدى لتفجر الحرب بسبب تعنت قادة الجيش المخطوف، الرافضين لإبعاد المؤسسات العسكرية عن الشأن المدني، فلكي يحقق الديسمبريون أهداف ثورة ديسمبر – الحرية والسلام والعدالة – لا مفر لهم من أن يضعوا يدهم على يد القوات الوطنية التي تحارب الفلول الآن، الرافعة لشعار الديمقراطية والحكم المدني، فالنصف الآخر للقمر لا يكتمل إلّا باكتمال تضافر الجهود، والاصطفاف مع ثوار ابريل، الرافعين لشعار ثنائية النصر والشهادة، ولتمام النصف الآخر لبدر الثورة من الضروري العلم، بالجهة الضامنة لاستشراف قيم الحرية بعد انقضاء أجل الحرب، وهي القوات المؤمنة بالسلام والعدالة الاجتماعية.

إسماعيل عبد الله
[email protected]  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: النظام البائد

إقرأ أيضاً:

كاتب بريطاني: إبادة غزة كانت متوقعة نظرا لخطاب صراع الحضارات والإسلاموفوبيا لسنوات

حذر كاتب بريطاني من الخطر الذي تمثله طريقة تغطية وسائل الإعلام البريطانية وخصوصا تلك المحسوبة على اليمين، بما في ذلك النهج المعادي للمسلمين أو تكرار الحديث عن الحرب مع روسيا أو الصين.

وتحدث الكاتب والصحفي بيتر أوبورن عن انتشار مصطلحات مثل صراع الحضارات أو محاولة نزع الإنسانية عن الآخرين، مشيرا إلى أنه كان يتوقع حصول إبادة جماعية مثلما يحصل الآن في غزة، نظرا لتصاعد خطاب الإسلاموفوبيا والعداء للإسلام خلال السنوات الماضية.

وأضاف أوبورن خلال ندوة بعنوان "هل نتجه لحرب عالمية ثالثة"، نُظمت ضمن تجمع الجلسة السنوية (Jalsa Salana) للطائفة الأحمدية في بريطانيا: "لننظر إلى اللغة تجاه المسلمين من صحف مثل تلغراف أو التايمز أو الصن، وكذلك الأحزاب البريطانية مثل حزب المحافظين"، موضحا أن هذا الخطاب يستند إلى العنصرية والعداء للإسلام.

وتحدث أوبورن عن التعددية الثقافية، وضرورة القبول بوجود "بريطاني مسلم" أو "بريطاني أسود" مثلا، في حين أن الإعلام البريطاني بطريقة صناعته للخبر ومحور تركيزه يؤثر على الرأي العام، "فإذا سألت الناس عن التهديد الرئيس فسيكون الإسلام"، مشيرا إلى أن الصحف اليمينية تروج بأن "المسلمين يكرهون البلد".

ويأتي حديث أوبورن بعد أيام من نشر نتائج استطلاع أجرته مؤسسة "يو جوف" (YouGov) في بريطانيا، وأشارت إلى أن 53 في المئة من المستطلعة آراؤهم يرون أن الإسلام غير متوافق مع القيم البريطانية، مقابل 25 في المئة فقط رأوا عكس ذلك.

كما عبّر 41 في المئة من البريطانيين عن اعتقادهم بأن للمهاجرين المسلمين تأثيرا سلبيا، بينما لم تتجاوز النسبة 15 في المئة تجاه الهندوس، و14 في المئة تجاه السيخ، و13 في المئة بالنسبة لليهود، و7 في المئة بالنسبة للمهاجرين المسيحيين. وفي المقابل، رأى 24 في المئة فقط وجود تأثير إيجابي للمهاجرين المسلمين.

ولفت أوبورن من جهة أخرى؛ إلى "الانهيار" في النظام الدولي، ومن ذلك العقوبات التي تتعرض لها المحكمة الجنائية الدولية والمدعي العام كريم خان الذي تعرض للتهديد والضغوط فقط "لأنه يقوم بعمله"، بعد إصدار مذكرات اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف جالانت على خلفية اتهامهما بجرائم حرب في غزة.

ورأى أن القادة الغربيين يدمرون النظام الدلي الذي أرساه أصلا قادة غربيون مثل رئيس الوزراء البريطاني وينستون تشرشل وغيره.

ولفت أوبورن إلى تكرار كبار المسؤولين في الغرب الحديث عن الحرب مع روسيا أو الصين، رغم أن هذه الدول لا تشكل تهديدا للهيمنة الأمريكية وفق تقديرها، مرجعا ذلك ما وصفها بـ"صناعة الحرب" في العالم.

وحمّل وسائل الإعلام الرئيسية في بريطانيا مسؤولية خلق شعور بوجود تهديد، "المسلم مثلا يشعر بأنه مهدد، أو يتم خلق شعور بالتهديد الصيني أو بإمكانية وقوع حرب، وهذا خطير ويضع الناس تحت الخوف، وهي الأجواء التي أدت للحرب العالمية الثانية".

وأشار أوبورن إلى الحديث عن الحرب في غزة باعتبارها "صراعا بين الحضارات، وأن الإسرائيليين يقومون بالمهمة بالنيابة عنا (الغرب)"، إضافة إلى "نزع الصفة الإنسانية" عن مجموعات من الناس. وقال إن هذا كان يحدث في عهد حزب المحافظين ويحدث الآن أيضا مع حزب العمال.

ورأى أن "فشل المجتمع الدولي تجاه غزة خلق ضميرا عالميا جديدا وإدراكا لفشل الغرب وضياع القيم العالمية التي تم ترسيخها على مدى عقود"، مستبعدا في الآن ذاته احتمال التوجه لحرب عالمية ثالثة.

لكنه لفت إلى أن هذا لا يتعلق بالغرب فقط، بل بالمنطقة العربية أيضا، مشيرا إلى أن منع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي؛ شيخ الأزهر أحمد الطيب من الحديث في قضية رفع الحصار عن غزة، بحسب أوبورن.

من جانبه، أشار السكرتير الإعلامي للطائفة الأحمدية، عابد خان، إلى ضعف الأمم المتحدة وشرعيتها وافتقادها للقوة في يدها، وقال إن الوضع اليوم بات أكثر خطورة وأصبح احتمال نشوب حرب عالمية جديدة "حقيقيا"، وهو ما يذكر بأجواء الحرب العالمية الثانية في ظل فشل عصبة الأمم آنذاك.

وحذر من الانزلاق نحو تطبيق القانون الدولي على مجموعة محددة أو دين معين، مشددا على قضية "العدالة" في تطبيق القانون الدولي.

وأشار خان أيضا إلى المنحى السلبي الذي تتخذه كبرى وسائل الإعلام البريطانية في تغطيتها لقضايا المسلمين، موضحا أنها تركز على الجوانب التي يمكن أن تشكل عامل إثارة لكنها لا تعطي الاهتمام للجوانب التي يمكن أن توصف بأنها إيجابية. وذكر حادثة في هذا السياق، وقال إنه في إحدى المرات تواصل مع وسائل إعلام لتغطية وقفة تحث على السلام، لكنه لم يجد تجاوبا، في حين أن إحدى الصحفيات أبلغته "نصف ساخر ونصف حقيقية" بأنه لو كانت المناسبة لحرق العلم البريطاني لكان الأمر يستحق التغطية.

ويشار إلى أن الجلسة السنوية للطائفة الأحمدية (Jalsa Salana) تقام في مزرعة خاصة بمنطقة ريفية في مقاطعة هامبشاير جنوب إنكلترا، وهي بمثابة اجتماع ضخم لأتباع الطائفة من مختلف أنحاء العام. ويتوقع المنظمون أن يشارك أكثر من 40 ألف شخص في هذه المناسبة التي تستمر لثلاثة أيام (حتى الأحد)، وتتضمن ندوات وكلمات وأنشطة دينية، بحضور زعيم الطائفة ميرزا مسرور أحمد، الذي يطلقون عليه لقب "الخليفة"، وهو الخامس منذ تأسيس الطائفة.


مقالات مشابهة

  • حمزة: هذه الدورة تعكس إرادة الدولة السورية في العودة القوية إلى واجهة الاقتصاد الإقليمي والدولي
  • حمزة: دورة هذا العام تأتي بعنوان وطني خاص، فهي أول دورة تقام بعد تحرير دمشق من النظام البائد، وبرعاية كريمة من فخامة الرئيس أحمد الشرع ما يمنحها رمزية سياسية واقتصادية كبرى
  • طالبة سورية تعدل مشروع تخرجها في هولندا لتسهم بإعادة إعمار حي جوبر الذي دمره النظام البائد
  • الأمن الداخلي في حلب يلقي القبض على اللواء الطيّار في النظام البائد عماد نفوري
  • فضيحة مدوية.. شاهد ما الذي كانت تحمله شاحنات المساعدات الإماراتية التي دخلت غزة (فيديو+تفاصيل)
  • الإخوان والحكم قبل الثورة.. كيف فهم البنا شرعية النظام الملكي؟ (2)
  • اعتراف صادم.. جوجل أضاعت 35 ثانية كانت كفيلة بإنقاذ ملايين الأرواح في زلزال تركيا
  • كاتب بريطاني: إبادة غزة كانت متوقعة نظرا لخطاب صراع الحضارات والإسلاموفوبيا لسنوات
  • لماذا تكره القبائل التي تشكل الحاضنة العسكرية والسياسية للجنجويد دولة 56؟
  • كانت ستجنب العراق ويلات الحرب.. الكشف عن مبادرة عربية رفضها صدام حسين