رحيل بيكر عالم الاجتماع الأميركي الشهير عن 95 عاما
تاريخ النشر: 18th, August 2023 GMT
توفي الأميركي هاورد بيكر، المتخصص في علم الاجتماع الحديث عن 95 عاما، على ما أعلنت زوجته أمس الخميس.
وقالت المصورة ديان هاغامان "توفي هاوي بسلام في 16 أغسطس داخل منزله في سان فرانسيسكو في كاليفورنيا".
وفي عمله الأكثر شهرة "آوتسايدرز" (1963)، أعاد هاورد تعريف الانحراف كنتيجة للتفاعلات الاجتماعية، إذ ليست أفعال الفرد بحد ذاتها ما تصنّفه على أنه عاصٍ بل نظرة الآخرين.
كان هاورد بيكر موسيقياً أيضاً. وقال لصحيفة "نيويوركر" في حديث يعود إلى العام 2015 "لطالما أردت أن أصبح عازف بيانو".
وأدرك بيكر، الذي أكمل دراسته في شيكاغو، أنه يستطيع في الوقت نفسه العمل كباحث والتزام المجال الموسيقي. وكانت نوادي الجاز مجال دراسته الأول.
وتوصّل، من خلال الملاحظات، التي استخلصها في مجال موسيقى الجاز التي كانت تعتبر وقتها فقاعة خاصة بأشخاص غريبي الأطوار، إلى تحليل يتمثل في أنّ الأفراد الذين يُنظر إليهم على أنهم غير مندمجين بصورة كبيرة في المجتمع هم في الواقع مندمجون جداً في مجموعتهم الفرعية المنتمين إليها.
وكان لبيكر كتابات عن عالم الفن كذلك.
ومع أنه كان أستاذاً في جامعة "نورث وسترن" الشهيرة قرب شيكاغو، فإن أعماله كانت تحظى باهتمام تحديداً في أوروبا خاصة فرنسا التي كان يزورها باستمرار خلال مراحل حياته الأخيرة.
وكتبت الرابطة الفرنسية لعلم الاجتماع عبر موقع "اكس" (تويتر سابقاً) الخميس "غادرنا عالم اجتماع عظيم جداً". أخبار ذات صلة
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: عالم اجتماع وفاة هاورد بيكر
إقرأ أيضاً:
في عالم «باني» لا وجود للصندوق أصلا!
صُدمنا بأنّنا نعيشُ اليوم في عالم «باني»، عالمٍ هشٍ وقلقٍ وغير نمطي، عالمٍ ليس فيه ما هو مُتماسكٌ وصلب، عالمٍ لا يُنْتجُ يقينًا، بل يُراكم جملة من الاحتمالات، فتبدو الحقيقة فيه مؤقتة، والهوية سائلة، والمعنى عُرضة للانهيار والتبدل بصورة لا محدودة، لا سيما في ظل تحولات سياسية واقتصادية واجتماعية متسارعة! والأشد فزعًا: «لا يمكننا الإمساك بهذا العالم الهُلامي، إذ لم يعد يُنْتجُ نفسه داخل تجربتنا البشرية بل خارجها»!
يمكنُ للعين الفاحصة اليوم أن تُراقب عالم «باني» من حولنا، لكن كيف لبيئات العمل أن تُقلل من الفجوة بين التوقع والواقع؟ كيف نغدو أكثر مرونة وفاعلية؟ لا سيما أنّ بيئات عملنا -في غالبها- تنهلُ قيمها من مستنقع «المجاملات» الفظ، فقد ترفعُ من لا قيمة له، وقد تُسقط في الحضيض من يسوقه الشغفُ اللامحدود فيذبل ويذوي!
ما يحدثُ الآن: أجزاءٌ من المجتمع الوظيفي تُلقى عليه الأعباء وأجزاءٌ أخرى منه تبقى خارج العجلة! وللأسف نحنُ حتى اللحظة الراهنة لا نُعول على «إجادة» في خلق أي دافعية ملموسة أكثر من كونها ترفعُ مقدار التحايل والالتفاف عليها!
والسؤال الأكثر حرارة: كيف سنعدُ الجيل الجديد من الموظفين إن كانت الدراسات تشيرُ إلى أن ٤٠٪ من المهارات الحالية سيتم التخلي عنها؟ كيف سننمي منطقة التحليل الاستراتيجي جوار تقوية عضلة الحدس الأشد عمقًا، التي تطلبها بيئات العمل الحديثة؟
تعرضتُ إلى هذه الأفكار وهذه الأسئلة في الأسبوع الأول لي في الأكاديمية السلطانية للإدارة، كنا جميعا أسفل شلالٍ من المعلومات المُنهمرة، وكان أهم ما علق برأسي أننا غالبا ما ننشغلُ -في مؤسساتنا- بالتفتيش عن حلول ولكننا نفشلُ في تحديد المشاكل، نفشلُ في تحديد الأسئلة الأكثر دقة بشأنها، وذلك على نقيض الحكمة التي تقول: إن كانت لديك ساعة لإنقاذ العالم فاشتغل ٥٩ دقيقة في تحديد المشكلة وفي الدقيقة الأخيرة نفذ الحل.
لم أكن، في الحقيقة، لأظن أنّ سماتنا الشخصية تحملُ تأثيرًا مُذهلًا على بيئات عملنا، كما لم يخطر لي بأنّنا على قدر واسع من الاختلاف في الإحاطة بالمشكلات التي تُقابلنا كل يوم. فقد يكون أحدنا «مُحركًا» وآخر «مُحللًا» وثالثًا «مُعبرًا» ورابعًا «ودودًا». بعض المسؤولين يختارون الطريق الأيسر بالتخلي عن المختلفين، وبعض آخر يبذلون جهدًا لاستثمار سمات الاختلاف على نحو غير متوقع، ففي المحك الصلب لا نستطيعُ التخلي عن أحدهم، إنّهم يلعبون أدوارهم بصورة مُذهلة ما إن نعرف كيف نفعل ذلك بحزم ودقة.
لقد أُخضعنا - في البرنامج- لتجارب شديدة الغرابة كمحاكاة تسلق جبل إيفرست أو محاكاة تفكيك قنبلة قبل أن تنفجر، أو مقاتلة وحوش وهميين، لنتبصر في نقاط قوتنا وهشاشتنا في آن وعلى نحو مُلهم. لقد كنتُ خائفة من التجربة خشية أن يُلقي الفريق اللوم عليّ، وهنالك من كان يستأثرُ برأيه، بينما لعب بعضٌ آخر دور المحلل المُحنك أكثر من اللازم فانفجرت القنبلة وافترستنا الوحوش! وبقدر ما قد تبدو التجربة مُسلية وعبثية، إلا أنّها تُجردُ سلوكياتنا وتجعلنا أمام مرايا جديدة: من نحن؟ ومن هو الآخر بالنسبة إلينا؟
ما إن أصل إلى البيت، حتى أعيد ربط تلك الألعاب بأدوارنا في نسيج مؤسساتنا، فنحنُ تحت الضغط والخوف من الخسارة لسنا ما نحن عليه في الأوقات الآمنة، إننا نتغير! وآنذاك قلتُ في نفسي: ماذا لو كنتُ أقل حذرًا؟ ماذا لو كنا نُصغي لبعضنا؟ ماذا لو امتلكنا الثقة بمن كنا نظنهم الحلقة الأضعف؟ هل كانت ستتغير النتيجة؟
جذبتني أيضا فكرة إمكانية تطور عقلية النمو في مؤسساتنا بشكل أفقي -حيثُ يغدو الجميع مرئيين- إذ نجد أغلب المؤسسات الحكومية تمضي في شكل رأسي، فيستحوذُ أعلى الهرم سلطة القرار في كل صغيرة وكبيرة، مما يُفوتُ علينا فرصة أن يتمكن موظفٌ بسيط من تمرير أفكاره شديدة النبوغ والتفوق في سلسلة بيروقراطية عقيمة!
لقد كان حقل التعلم شاسعًا ولا يمكن الإحاطة به هاهنا، ولكني سأنتهي بهذه الجملة: في السابق كانت النظريات تدعو للتفكير خارج الصندوق، بينما الدعوة الآن تذهبُ إلى التفكير وكأنّه لا وجود للصندوق أصلًا!
هدى حمد كاتبة عُمانية ومديرة تحرير «نزوى»