لجريدة عمان:
2025-12-14@18:52:34 GMT

في عالم «باني» لا وجود للصندوق أصلا!

تاريخ النشر: 6th, July 2025 GMT

صُدمنا بأنّنا نعيشُ اليوم في عالم «باني»، عالمٍ هشٍ وقلقٍ وغير نمطي، عالمٍ ليس فيه ما هو مُتماسكٌ وصلب، عالمٍ لا يُنْتجُ يقينًا، بل يُراكم جملة من الاحتمالات، فتبدو الحقيقة فيه مؤقتة، والهوية سائلة، والمعنى عُرضة للانهيار والتبدل بصورة لا محدودة، لا سيما في ظل تحولات سياسية واقتصادية واجتماعية متسارعة! والأشد فزعًا: «لا يمكننا الإمساك بهذا العالم الهُلامي، إذ لم يعد يُنْتجُ نفسه داخل تجربتنا البشرية بل خارجها»!

يمكنُ للعين الفاحصة اليوم أن تُراقب عالم «باني» من حولنا، لكن كيف لبيئات العمل أن تُقلل من الفجوة بين التوقع والواقع؟ كيف نغدو أكثر مرونة وفاعلية؟ لا سيما أنّ بيئات عملنا -في غالبها- تنهلُ قيمها من مستنقع «المجاملات» الفظ، فقد ترفعُ من لا قيمة له، وقد تُسقط في الحضيض من يسوقه الشغفُ اللامحدود فيذبل ويذوي!

ما يحدثُ الآن: أجزاءٌ من المجتمع الوظيفي تُلقى عليه الأعباء وأجزاءٌ أخرى منه تبقى خارج العجلة! وللأسف نحنُ حتى اللحظة الراهنة لا نُعول على «إجادة» في خلق أي دافعية ملموسة أكثر من كونها ترفعُ مقدار التحايل والالتفاف عليها!

والسؤال الأكثر حرارة: كيف سنعدُ الجيل الجديد من الموظفين إن كانت الدراسات تشيرُ إلى أن ٤٠٪ من المهارات الحالية سيتم التخلي عنها؟ كيف سننمي منطقة التحليل الاستراتيجي جوار تقوية عضلة الحدس الأشد عمقًا، التي تطلبها بيئات العمل الحديثة؟

تعرضتُ إلى هذه الأفكار وهذه الأسئلة في الأسبوع الأول لي في الأكاديمية السلطانية للإدارة، كنا جميعا أسفل شلالٍ من المعلومات المُنهمرة، وكان أهم ما علق برأسي أننا غالبا ما ننشغلُ -في مؤسساتنا- بالتفتيش عن حلول ولكننا نفشلُ في تحديد المشاكل، نفشلُ في تحديد الأسئلة الأكثر دقة بشأنها، وذلك على نقيض الحكمة التي تقول: إن كانت لديك ساعة لإنقاذ العالم فاشتغل ٥٩ دقيقة في تحديد المشكلة وفي الدقيقة الأخيرة نفذ الحل.

لم أكن، في الحقيقة، لأظن أنّ سماتنا الشخصية تحملُ تأثيرًا مُذهلًا على بيئات عملنا، كما لم يخطر لي بأنّنا على قدر واسع من الاختلاف في الإحاطة بالمشكلات التي تُقابلنا كل يوم. فقد يكون أحدنا «مُحركًا» وآخر «مُحللًا» وثالثًا «مُعبرًا» ورابعًا «ودودًا». بعض المسؤولين يختارون الطريق الأيسر بالتخلي عن المختلفين، وبعض آخر يبذلون جهدًا لاستثمار سمات الاختلاف على نحو غير متوقع، ففي المحك الصلب لا نستطيعُ التخلي عن أحدهم، إنّهم يلعبون أدوارهم بصورة مُذهلة ما إن نعرف كيف نفعل ذلك بحزم ودقة.

لقد أُخضعنا - في البرنامج- لتجارب شديدة الغرابة كمحاكاة تسلق جبل إيفرست أو محاكاة تفكيك قنبلة قبل أن تنفجر، أو مقاتلة وحوش وهميين، لنتبصر في نقاط قوتنا وهشاشتنا في آن وعلى نحو مُلهم. لقد كنتُ خائفة من التجربة خشية أن يُلقي الفريق اللوم عليّ، وهنالك من كان يستأثرُ برأيه، بينما لعب بعضٌ آخر دور المحلل المُحنك أكثر من اللازم فانفجرت القنبلة وافترستنا الوحوش! وبقدر ما قد تبدو التجربة مُسلية وعبثية، إلا أنّها تُجردُ سلوكياتنا وتجعلنا أمام مرايا جديدة: من نحن؟ ومن هو الآخر بالنسبة إلينا؟

ما إن أصل إلى البيت، حتى أعيد ربط تلك الألعاب بأدوارنا في نسيج مؤسساتنا، فنحنُ تحت الضغط والخوف من الخسارة لسنا ما نحن عليه في الأوقات الآمنة، إننا نتغير! وآنذاك قلتُ في نفسي: ماذا لو كنتُ أقل حذرًا؟ ماذا لو كنا نُصغي لبعضنا؟ ماذا لو امتلكنا الثقة بمن كنا نظنهم الحلقة الأضعف؟ هل كانت ستتغير النتيجة؟

جذبتني أيضا فكرة إمكانية تطور عقلية النمو في مؤسساتنا بشكل أفقي -حيثُ يغدو الجميع مرئيين- إذ نجد أغلب المؤسسات الحكومية تمضي في شكل رأسي، فيستحوذُ أعلى الهرم سلطة القرار في كل صغيرة وكبيرة، مما يُفوتُ علينا فرصة أن يتمكن موظفٌ بسيط من تمرير أفكاره شديدة النبوغ والتفوق في سلسلة بيروقراطية عقيمة!

لقد كان حقل التعلم شاسعًا ولا يمكن الإحاطة به هاهنا، ولكني سأنتهي بهذه الجملة: في السابق كانت النظريات تدعو للتفكير خارج الصندوق، بينما الدعوة الآن تذهبُ إلى التفكير وكأنّه لا وجود للصندوق أصلًا!

هدى حمد كاتبة عُمانية ومديرة تحرير «نزوى»

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

الاحتلال يرفض تحديد سقف زمني لعملياته بالضفة.. ويقر بعنف المستوطنين

نقلت شبكة "بي بي سي" عن مسؤول عسكري إسرائيلي قوله إن الاحتلال يتبنّى في الوقت الحاضر "استراتيجية جديدة" في الضفة الغربية كما وصفها، تقوم على استهداف قدرات المسلحين الفلسطينيين الموجودين هناك، قبل أن تتشكّل لديهم نية لتنفيذ هجمات، بحسب تعبيره.

ويأتي ذلك في ظل ارتفاع ملحوظ في وتيرة التحركات الأمنية والعسكرية لقوات جيش الاحتلال الإسرائيلي في الضفة خلال الأسابيع والأشهر الماضية، والتي يُرجّح أن تستمر، ولا سيما مع مزاعم اكتشاف الجيش أسلحة في مناطق مختلفة هناك بشكل شبه يومي، على حد قوله.

المسؤول العسكري قال إن مناطق مثل طوباس وطولكرم وجنين تُشكل، وفق تقييمه، تعد "بؤراً مركزية" للنشاط المسلح ، وهو ما يبرر شن عمليات بشكل "استباقي"، مشيرًا إلى اعتقال أعداد كبيرة ممن وصفهم بالمطلوبين، إلى جانب فرار آخرين باتجاه ما سمّاها المناطق المفتوحة "بعد انهيار مراكز نفوذهم داخل المخيمات"، وتابع المسؤول الإسرائيلي الذي رفض الكشف عن اسمه في إحاطة مع الـ"بي بي سي" نيوز عربي بالقول إن الجيش "غير مستعد لإنهاء العمليات قريبًا.

وتقول مصادر عسكرية إسرائيلية لـ"بي بي سي" إن الضفة الغربية شهدت في عام 2023 مستوى مرتفعًا من العمليات، شمل إطلاق نار وعمليات طعن ودهس، حيث سُجّل نحو 870 هجومًا خلال العام، وهو من أعلى المعدلات في السنوات الأخيرة.

ما سر توقيت إطلاق الاحتلال عمليته في طوباس وطمون؟
ورغم الإعلان عن انتهاء العملية العسكرية في طوباس وطمون، إلا أن الجيش لا يزال ينفّذ عمليات في مناطق أخرى، ويقول إنه يواصل محاولاته للعثور على أسلحة في مدينتَيْ جنين وطولكرم، حيث بدأت إسرائيل عملية عسكرية واسعة مطلع عام 2025 إلى جانب مناطق أخرى في الضفة الغربية.

وتابع المسؤول العسكري الإسرائيلي قائلًا إن: "إمكانية التصعيد الواسع لا تزال قائمة، خصوصًا مع ارتفاع مستوى ما وصفه بـ"الاحتكاك والاشتباك اليومي"، موضحًا أن الجيش "غير مستعد للسماح بظهور بؤر تسلح جديدة"، ما يعني أن العمليات التي توصف في بعض التقارير بـ"الاستباقية" لن تتوقف قريبًا.

كان الجيش الإسرائيلي قد أعلن نهاية الشهر الماضي، تنفيذ عملية عسكرية في مناطق بشمال الضفة الغربية هي الأكبر منذ سنوات تحديداً في طوباس وطمون، أما عن سبب اختيار التوقيت الحالي لتنفيذ هذه العملية، رغم قوله إن سببها يعود إلى تحركات شرع فيها المسلحون منذ بداية العام الجاري، فأجاب المسؤول الإسرائيلي بأن هذا النوع من العمل العسكري يحتاج وقتًا طويلًا للتخطيط وجمع المعلومات.

تبرير عنف المستوطنين
وخلال الإحاطة، سألت الـ"بي بي سي" المسؤول العسكري الإسرائيلي عن أعمال العنف التي يقوم بها المستوطنون في الضفة الغربية، حيث أجاب زاعمًا: "الجيش لا يميّز بين الخارجين عن القانون، سواء كانوا يهودًا أم فلسطينيين"، لكنه أقرّ بأن حجم الاعتداءات التي ينفذها المستوطنون أصبح أكبر من أي وقت مضى، موضحًا أن وجود "نحو 500 ألف مستوطن مقابل 2.5 مليون فلسطيني" يخلق بيئة "قد تؤدي إلى انفجار كبير إذا لم يتم ضبط الوضع"، من دون توضيح الأساليب التي يمكن أن تُعتمد لذلك.

وشهدت الضفة الغربية خلال العامين الماضيين ارتفاعًا غير مسبوق في هجمات المستوطنين ضد الفلسطينيين، وفق بيانات الأمم المتحدة ومنظمات حقوقية. ففي عام 2023 سُجّل أكثر من 1190 اعتداءً، قبل أن يقفز العدد في عام 2024 إلى نحو 1420 هجومًا استهدف أشخاصًا وممتلكات فلسطينية، وترافق هذا التصعيد مع توسّع النشاط الاستيطاني في مناطق مختلفة من شمال الضفة الغربية وجنوبها، إضافة إلى زيادة عدد حالات تحويل التلال والأراضي الزراعية الفلسطينية إلى نقاط استيطانية جديدة.

هجمات المستوطنين.. جزء من نمط متصاعد من "العنف المنهجي"
ووفق بيانات مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA)، أدى عنف المستوطنين خلال العامين الأخيرين إلى استشهاد ما لا يقل عن 28 فلسطينيًا وإصابة أكثر من 1450 آخرين، بينهم مزارعون وناشطون وصحفيون. كما تسبب في تهجير ما لا يقل عن 2800 فلسطيني من عشرات التجمعات الريفية، نتيجة الاعتداءات المباشرة أو الضغط المستمر على السكان.

تقول منظمات حقوقية دولية إن وتيرة هذه الهجمات، إلى جانب "محدودية المحاسبة القانونية" للمتورطين فيها، تجعلها جزءًا من نمط متصاعد من "العنف المنهجي" المرتبط بالتوسع الاستيطاني في الضفة الغربية، ويعتبر المجتمع الدولي، جميع المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية غير شرعية بموجب القانون الدولي، وبالأخص المادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة، التي تحظر نقل سكان القوة المحتلة إلى الأراضي المحتلة. وقد أعلنت الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي ومعظم الدول الأعضاء في مجلس الأمن الدولي، أن التوسع الاستيطاني يشكل "عقبة أساسية" أمام حل الدولتين، وتقويضاً لأي عملية سياسية مستقبلية.

مقالات مشابهة

  • تحديد موعد قرعة كأس آسيا 2027
  • تحديد جلسة نظر استئناف فادي خفاجة على حكم حبسه 6 أشهر بتهمة سب وقذف
  • الحوار الإقليمي للصندوق الأخضر يبحث أولويات التمويل المناخي
  • بمشاركة العراق .. تحديد موعد ومكان قرعة كأس آسيا 2027
  • الأونروا”: فصل الشتاء يفاقم الأوضاع المعيشية المتردية أصلاً للناس في ‎غزة
  • مختصة: الاستعداد المبكر للتخصص مهم.. والطالبات أكثر حرصا على تحديد مسارهن الأكاديمي
  • الاحتلال يرفض تحديد سقف زمني لعملياته بالضفة.. ويقر بعنف المستوطنين
  • تحديد موعد انطلاق الدور الثاني من مواجهات كأس العراق للصالات
  • «جلسة تحديد المصير».. سلوت يجتمع مع محمد صلاح اليوم
  • تحديد عطلة القطاع الخاص بمناسبة رأس السنة الميلادية