بوابة الوفد:
2025-05-08@11:15:16 GMT

بين الكتابة المحفوظية والإبداع المتفرد

تاريخ النشر: 18th, August 2023 GMT

بين الإبداع والعلم علاقة لا تنفصل، نقاط التقاء قد تكون غير مرئية للبعض، لكنها تكمن فى تفاصيل طبيعتيهما: الأدب والعلم، ويحفل التاريخ الإبداعى بأسماء أعلام طرقوا كلا المجالين وربما هجروا الطب أو الهندسة أو غيرهما تفرغا للكتابة، فمن ينسى يوسف إدريس، ونوال السعداوى وغيرهما، على أن الأمر قد تحول لظاهرة قُتلت بحثا ونالت حظا وافرا من الدراسة والمناقشة.

 

وتمثل تلك الظاهرة وبقوة روائية ماهرة، حين تكتب تجبرك سطورها على الإنصات حتى النهاية، جزلة اللغة، واقعية الفكرة والحدث، حد إثارة الدهش، لها من الأعمال ثلاث روايات ومجموعة قصصية، «عين عابد» عن دار الفؤاد 2018، «كنا يوما» المثقف 2020، «بعد التخلى» الهيئة المصرية العامة للكتاب 2021، صاحب العمر القصير» ميتابوك 2023، ومجموعتها القصصية الوحيدة «سبقها إليه»، مع دار الدار 2016.

بدأت الكاتبة والمهندسة نهلة عبدالسلام مشوارها الإبداعى بكتابة الخواطر وهى فى سن الحادية والعشرين، ثم تلتها مرحلة كتابة الشعر والنصوص الحرة، ثم انتقلت إلى القصة القصيرة فالرواية. 

واليوم، أحاول الاقتراب أكثر من روايتها «بعد التخلى»، والتى طالعتها مؤخرا..

بعد التخلى.. ترى ماذا بعد التخلى، بل التخلى عن من أو عن ماذا؟ أهو تخلى والدين عن ابنتيهما، أم تخلى زوجة عن زوجها العاجز، أم زوج عن زوجته العاقر، أم تخلى أحدهم عن مبادئه وفطرته وحياته وجذوره التى نشأ منها، أم تخليه عن صنعته التى شب عليها، أم تخلى الصحة عن الجسد وهجرها له،  أم.. أم..

هو التخلى والهجران الذى يكون بعده إما انتصار أو انهزام وانكسار.

تدور رواية «بعد التخلى» فى إطار اجتماعى صرف، يمكننا اعتبارها رواية أجيال، فهى تنتقل بنا بين جيل وآخر لعائلة مصرية، وبين أزمنة مختلفة، تتردد بين الأحفاد والأجداد، ثم تنتقل إلى الأبناء، وتعود ثانية إلى الأجداد، ورغم كثرة الانتقالات بين الأجيال والأسر المختلفة وبين الحكايات المتعددة والتى تتقاطع فى نقاط وأحداث عدة، إلا أن الانتقال يبدو سلسا لا يشوبه 

ملل، ولا تعكره توهة.. فالكاتبة كأنها كانت تشحذ جل تركيزها أثناء الكتابة حتى تتحرر خيوط الأحداث ولا تتشابك بتعقيد مربك. 

وهكذا تستخدم الكاتبة لغة سردية شائقة، تتفاعل مع الشخوص وتنقلنا من شخصية لأخرى بسهولة ويسر، فى لغة جزلة رصينة، فيما يأتى الحوار مفاجئا لى شخصيا، فكأن الكاتبة قد عايشت شخصياتها واقعيا واستمعت لتعبيراتهم ومفرداتهم وأسلوبهم فى الحكى، الذى يختلف كليا عن عصرنا هذا، فهو يتناسب تماما مع الزمن الذى تجرى به الأحداث، ويتطابق مع ثقافة الطبقة الاجتماعية التى تصفها، بل إن حوار النساء معا ومكايدتهن كأنه حوار فى شريط سينمائى يدور أمام أعيننا.. وهو ما يجعلك تلهث لهثا خلف الأحداث علك تدرك نهايتها.

تعتمد نهلة فى روايتها كثيرا على خاصية الفلاش باك، أو الاسترجاع، وهو وإن عده البعض عيبا فى تكنيك أى كتابة، إلا أنه هنا يتم بسلاسة تحسد عليها، ليتحول من عنصر منفر إلى عامل جذب قوى، كما تعمد الكاتبة إلى تأصيل الحوار بعدد ضخم من الأمثلة الشعبية التى تضرب فى التراث الشعبى للمجتمع المصرى، كما أنها تنهل من معين التأريخ الفنى الغنائى والسينمائى، لنخرج من روايتها بكم لا بأس به من المعلومات الفنية، وكأنها بحث ضخم يتردد بين التوثيق الاجتماعى لفترات زمنية متلاحقة مختلفة، وبين الإرث السينمائى والغنائى وتأثيره الأبرز فى سيكولوجية الشخصية المصرية، ممثلة فى شخوص الرواية، لتتماس فى سمتها العام واعتمادها على تتابع الأجيال والإغراق المجتمعى للأحداث، مع ذلك الإبداع المحفوظى الأثير، على أن قلم نهلة عبدالسلام يبقى فارقًا ومختلفًا باقترابه المدهش من عالم المرأة، واختراقه لحواجز ذلك العالم، ثقافة ومسكوتًا عنه، لتؤكد لنا مع كل سطر أنها تستحق أن تتبوأ يوما مكانة مميزة بين مبدعينا مصريًّا وعربيًّا.

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: نبضات يوسف إدريس

إقرأ أيضاً:

السيد رشاد بري.. ضيف برنامج «سفير بلا سفارة» على القناة الثالثة

حول مسيرة الكاتب والمفكر د.السيد رشاد برى، صاحب الطرح الفكرى والإبداعى القادر دائما على الإدهاش. يقدم برنامج سفير بلا سفارة على شاشة القناة الثالثة بالتلفزيون المصرى حلقة متميزة. يستعرض من خلالها 5 محاور أساسية تشكل أهم ملامح تلك المسيرة، بداية من محور الشاعر الذى قدم عبر دواوينه الأربعة شاعرية متعددة الرؤى، وضعته فى سياق خاص على خارطة المشهد الشعرى المصرى وتأثير منابعه الأولى فى مدينته أخميم، وهى واحدة من أعرق مدن محافظة سوهاج بجنوب مصر لمحافظة سوهاج، ومحور الناقد الأدبى الذى طرح رؤى نقدية مهمة من خلال مؤلفاته النقدية

ومنها "الصوت والصدى"وقراءات فى المشهد السردى"و"الصوت والصدى، وتجليات القصيدة الليبية"، ومحور الناقد التشكيلى وماطرحه عبر مؤلفاته فى هذا المجال مثل كتبه:"زهرة المندلية" وضوء وظل، وكتابه الموسوعى موقد النور كمال الجويلى عصر من الفن والنقد الذى يستعرض فيه معطيات مائة عام، إضافة إلى إسهامه فى عدة موسوعات فى مجال الحرف التراثية منها: المشغولات المعدنية، والمشغولات الحجرية، وموسوعة النخيل، وحرف حلايب وشلاتين

وفى ملمح الكاتب الصحفى عن رحلته الصحفية حتى وصل إلى منصب نائب رئيس تحرير مجلة الأهرام العربى بمؤسسة الأهرام العريقة وأهم مؤلفاته وكتبه فى مجال الإعلام ونصائحه للإعلاميين الشباب، فيما يستعرض البرنامج فى الملمح الخامس جهوده البحثية فى عدة مجالات من أبرزها الإعلام والاقتصاد الإبداعى، وحرف وفنون التراث، وأهم المؤتمرات التى ترأسها أو شارك فيها، وتأثير رحلاته خارج مصر على رؤيته العامة

حيث قدم للمكتبة العربية عشرات الدراسات وأوراق العمل، وأكثرمن ستة وعشرين مؤلفا فى مختلف مجالات الإبداع والمعرفة.. وأهم الجوائز والتكريمات، وكيف استطاع تحقيق التوازن بين كل تلك الروافد الفكرية والإبداعية، لتنصهر فى سبيكة إبداعية فكرية واحدة اثمرت ذلك النهر من العطاء متعدد الروافد.. البرنامج فكرة وإخراج المخرجة المبدعة لمياء صبرى، والإعداد والتعليق الصوتى للكاتبة المتفردة إيمان طلعت، ومدير التصوير الفنان إسلام عبد اللطيف، ومدير الإنتاج الأستاذ أحمد رمزى، والمونتاج الأستاذ هشام حسين، ويضم الفريق الفنى كلا من الأستاذين غريب محمود وأحمد رمضان.. وتبث الحلقة فى الخامسة والربع مساء الأربعاء على شاشة القناة الثالثة.

مقالات مشابهة

  • نهيان بن مبارك يكرّم الفائزين من طلبة المدارس والجامعات بـ«كأس التخيّل والإبداع»
  • راجح داوود: غياب التجديد يجعل الفن مجرد تقليد فاقد للروح والإبداع
  • د.حماد عبدالله يكتب: فاقد الشىء لا يعطيه !!
  • ملتقى "بالِتّه".. حوارٌ من الألوان والإبداع في مدرسة عاتكة بنت زيد
  • محافظ دمياط يشارك بتجربة للنحت على الخشب
  • جميلة القاسمي: الكتابة الإلكترونية والذكاء الاصطناعي من أبرز ملامح العصر الحالي
  • انطلاق فعاليات مؤتمر إجادة لتعزيز تطوير الموارد البشرية والإبداع المؤسسي في سلطنة عُمان
  • «حاميها حارميها».. مافيا السوق السوداء تسيطر على تذاكر القطارات
  • السيد رشاد بري.. ضيف برنامج «سفير بلا سفارة» على القناة الثالثة
  • الكتابة بالقلم أفضل من النقر على لوحة المفاتيح للأطفال