(كلمة الدكتور عبد الله علي إبراهيم في ندوته بطيبة برس بالخرطوم
تاريخ النشر: 1st, January 2025 GMT
(كلمة الدكتور عبد الله علي إبراهيم في ندوته بطيبة برس بالخرطوم وقفة عيد الاستقلال 31-12-2008 التي أعلن فيها ترشيحه لانتخابات رئاسة الجمهورية، فبراير 2009)
(في عشية عيد الاستقلال لعام 2009 دعوت لمؤتمر صحفي بمكاتب طيبة برس بزعم أنني سأقدم محاضرة بعنوانها. ولكن كنت رتبت نفسي لإعلان مفاجأة وهو ترشيح نفسي لرئاسة الجمهورية.
سمعت أول ما سمعت بنبأ قرب خلاص السودان من الاستعمار وأنا في وضع منذر بسوء العاقبة. فقد كنت صبياً بالمدرسة الوسطى "قالب هوية": رأسي مدلدلاً وأقدامي في الهواء على حائط من بيوت حلة المحطة بمدينة عطبرة. وأنا على هذا الوضع الاستثنائي جاء رجل من أقصى المحطة مهرولاً يذيع نبأ توقيع اتفاقية فبراير 1953 بين بريطانيا ومصر التي منحت الحكم الذاتي للسودانيين. ووجدت في هذا الوضع، الذي تلقيت فيه نبأ استقلالنا، رمزاً لسوء منقلب هذا الحادث السعيد حتى أصبح فينا "عيد بأية حال عدت يا عيد". ولكن أكثرنا عض على هذا المنجز الوطني الوسيم بالنواجذ مثمنين استعادتنا لإرادتنا الوطنية بغض النظر عن سوء استخدامنا لها. فالعودة إلى مربع الاستعمار (أو تشهي العودة له) عيب شؤم لأنه استبدال للحق والحرية بالباطل وهو العبودية. والأصل في الإرادة الوطنية هو حق الخطأ. حتى قال الرئيس نايريري للغرب إن لنا سرعتنا الخاصة فلا تعجلوا بنا.
وفي شرط الإرادة الوطنية والحرية قمنا بما نكاد أن نبلغ الآن به بر الأمان رغم مر الشكوى من الاستقلال. فقد توافرت الآن الأسس الواجبة لبناء وطن حر مستقل تظلله الإلفة السودانية. فالاتفاقات الناجزة (نيفاشا) والتي تحت النظر والمراجعة والاحتجاج (أبوجا والشرق والقاهرة) توجت ما اسميته من قبل ب "إعادة التفاوض" في بلدنا. وهو إجراء ضروري لنتحول بالبلد من مستعمرة فصَّلها الاستعمار على مقاسه وغرضه "قميص عامر" إلى وطن يسعد فيه السودانيون كافة بمنزلة المواطن لا الرعية. ونحن نقف بهذه الاتفاقات على أكتاف عالية سبقت مثل ثورة أكتوبر بتعبيرها الجنوبي المسؤول ومفاوضات المائدة المستديرة في 1965، واتفاقية أديس أبابا في 1972، وسائر المفاوضات من بعد ذلك بين الدولة وخصومها ومن بين الجماعات السودانية فيما بينها.
ومن حقنا تهنئة أنفسنا كسودانيين على أمرين. اولهما الشجاعة التي جاءت بها كل قوى الشعب السوداني بما في ذلك الجماعات المهمشة بأشواقهم جمعاء إلى مائدة المفاوضات تباعاً وبإلحاح وصبر وعزيمة حتى صرنا كلنا على علم بظلاماتنا. فكل شيء في الضوء وهذا سبيل الحلول والمواثيق التي تبقى وتلم شعث الوطن. أما ثاني ما نستحق التهنئة عليه فهو أننا لم نمل التفاوض وصار فينا عادة. وحتى الذي استكبر عاد مكرهاً لطاولته: أباها ممعوطة فقبلها بصوفها. وما نريد اعتياده هو شرف الالتزام بالميثاق الوطني لا نهبط به إلى درك الحزبيات والجهويات وما أدريك. وعادة التواثق مما يحمل عليه الناكث لأن في السياسة من يراوغ حتى تنسد عليه السبل.
كدنا بما توافر لنا من مواثيق أن نرى الضوء في نهاية النفق. وكل ما أصابنا من ضر فادح هو من مستحقات بناء الأوطان الخيرة المتآلفة بلا استثناء. فلنتفاءل بالخير نجده. ولا نستبق التطورات الدقيقة الحرجة القادمة لتشطيب بناءنا الوطني بالنذر البائسة. فليس بوسع سياسي أن يرشو شعبنا لانتخابه كما يروج البعض من شرفات لوج السياسة. فهذا تبخيس لإرادة شعبنا سواء جاء ممن طلب شراء الذمم، أو من صدق أن هذا ممكن الحدوث. شعبنا فوق هذه الصغائر. ومن تلك النذر قولهم أنه ربما طاف بنا طائف الجارة كينيا في انتخاباتها الأخيرة. وهذه استنتاج فاسد لأنه لم يقم على مقدمات منطقية. فلو كانت فينا جرثومة الفتنة الانتخابية لحدثت بعد انتخاباتنا في 1954 بعوارها الكثير. ولكن بلدنا محروس. ومن النذر أيضاً قولنا أن تقرير المصير الجنوبي هو باب وشيك حتمي للانفصال. وهذا باطل من وجهين. أولهما: طالما كان الانفصال خياراً فلماذا هذا الترويع به أصلاً؟ لماذا نرتعب من ممارسة لحق مكفول؟ علماً بأنه، من الجهة الأخرى، لم يثبت من تاريخنا أن كان الجنوب على هذا المزاج إلا من قلة ستظل عليه قبل الاستفتاء وبعده ولا تثريب عليها.
لذا كانت الانتخابات القادمة هي عقدة المسألة للخروج من نفق طال. وعلينا أن نستعد لها بأفضل مما نفعل. فأكثرنا ما زال يراوح عند استباق نتائج الفرص الذهبية المتوافرة لبناء السودان المتآخي الديمقراطي. فتهجم عليه نذر الشؤم خشية أن يتفرق السودانيون أيدي سبأ. وبالنظر إلى ما علقته من أهمية على الانتخابات القادمة للم شتات الوطن، ولطويلة، فإنني أنظر بجد وقوة إلى نتائجها على مستوى رئاسة الجمهورية خاصة. فمتى أَمَّنا زعامة صالحة ضمنا استثماراً أكيداً للفرص الغراء التي بمتناولنا حتى ننهض بالسودان ونشفي جراحه فيكون الوطن المتآخي السالم المسالم السعيد . . . " الفوق" الذي به هتفنا حتى انشرخ الحلق. وقد استخرت بشأن تبعتي شخصياً تجاه هذا التشهيل الطيب للانتخابات وتوصلت إلى ما يلي:
أصالة عن حقيقة في نفسي وامتثالاً لرغبة العديد من الأصدقاء ومريدي الخير لنا أنقل إليكم عودتي بصورة نهائية للسودان لاستئناف شاغلي العام وشغلي في وطني وبين أهلي. قال ولي في "طبقات ود ضيف الله" حين استبان الحق: "البضوي اليضوي بين أهله". وسأبعث برسالة بعد لقائي هذا بكم إلى مخدمي وهو شعبة التاريخ بكلية الآداب والعلوم بجامعة ميسوري بالولايات المتحدة أطلب منها إحالتي إلى المعاش الذي بلغت سنيه الاختيارية. وليس هنا موضوع تفصيل فضل هذه الجامعة وأمريكا بعامة عليّ. وسيجي يوم شكرهم جميعاً تباعاً.
وبعد تفكر طويل فيما ينبغي لي عمله في جولتي الأخيرة هذه في العمل العام قدرت أن أفضل ما بوسعي القيام به هو أن أشٌرف برئاسة الجمهورية في هذه المنعطف الولود الخصيب من تاريخنا الذي سيتشكل فيه بلداً للسودانيين جميعاً. وبناء عليه فيسعدني أن تنقلوا عني ترشيح نفسي لانتخابات رئاسة الجمهورية القادمة في سبتمبر من هذا العام، أو متى وقعت.
من أمثل؟
للإجابة على سؤال "من أمثل؟" أعود إلى ذكرى من الطفولة. عدت ظهيرة يوم من أيام 1947 من روضة مدرسة كمبوني بعطبرة. ووجدت ركباً من العمال متجهاً صوب مكتب مدير السكة الحديد. فسرت في ذيل الموكب فضولاً. وعلمت لاحقاً أن ذلك كان أول موكب أراد به العمال الضغط على الحكومة للاعتراف بهيئة شئون العمال، أو نقابة السكة الحديد لاحقاً. ثم اخترت لاحقاً بوعي أن أكون في الحلف الاجتماعي السياسي الذي نشأ حول النقابة وإنسانيتها. وهي إنسانية عمت القرى والحضر متواشجة مع إنسانية القبيلة والطائفة ومغطية عليها. وكانت لها أمجادها وعثراتها. فقد نهضت بثورة أكتوبر 1964 وابريل 1985 وابتنت تحالفات سياسية اجتماعية ستراودنا أبداً. من الجهة الأخرى، كان لهذه الإنسانية عثراتها. ونذكر عرضاً تمترسها خلف مصطلح "القوى الحديثة" حتى تنصلت عن الأرياف وتركتها نهباً لتكتيكات العنف. ومن عثراتها ضيقها بالهزائم ومحاولاتها المتكررة لتجديد ثوراتها بالانقلاب والانقلاب المضاد حتى أصابها الإنهاك. وسيكون كل ذلك موضوع نظرنا لعودة إنسانية النقابة إلى معترك السياسة بعد جلاء الطغم المسلحة التي سادت الحكم والمعارضة في العقود الأخيرة.
كنت في ذيل موكب لهذه الإنسانية طفلاً ثم كنت بعضها شاباً ثم في وسطها كهلاً. وأريد منكم في شيخوختي أن تعينوني أن أكون على رأسها مجاهداً برئاسة الجمهورية لنصلح البلد ونسعد أهله وغمارهم خاصة.
وماذا أطلب بالتحديد؟
لن أفصل في برنامجي لا منعاً للإطالة فحسب، بل لأنني أخشى أن يكون قولي مكروراً أنسج من قماشة الأزمة ذاتها في طلب مستحيل لتفكيكها والشفاء منها. فقد سمعت الأمريكيين يقولون إنك لا تحل شِبكة ما وكل زادك هو نفس الفكر الذي ورطك فيها أول مرة. ويقول أهلنا الملوية من البهم ما بتحل رقبتها. فلكي نوفق إلى الحل الصواب (لا المسكنات وجراحة التجميل وعدي من وجهك) رأيت ان تكون مناسبة ترشيحي باباً لفتح باب الحوار الوطني على مصراعيه حول أدق وأعصى متاعبنا بروح سمح وأريحية تشترط الآخر لسداد الفكرة والاستنارة. لقد انقطع حبل هذا الحوار دائماً لتطوع نفر منا باحتكار الرأي وفرضه بانقلابات عسكرية-مدنية متساوقة. فجعلوا من رأيهم عقيدة بينما تعصب معارضوهم وجعلوا من رأيهم غبينة. وأصبحنا جميعاً وقلوبنا شتى.
والتزم من جانبي بما يلي:
- أن أسعى ومن تبعني بإحسان إلى عقد حوارات موثقة مع كافة طوائف المواطنين والجاليات باختلاف لغاتها ومواقعها لبلوغ إقليم الوجع فيهم ومكنون حكمتهم. وشرط هذا الإجراء الحرية والعزيمة. فنسأل ولاة الأمر في حكومة الوحدة الوطنية وحكومة الجنوب والولايات أن يتفاءلوا باستئنافنا الحوار الوطني وأن ييسروا ولا يعسروا. وسيجدوننا في مقاس كثافة تبعة مثل النهوض بمثل هذا الحوار وتمام الذوق السياسي متى اختاروا قبولنا. وسيروا صدق عزائمنا إن هم لجوا عن سواء سبيل الحرية.
غير أنني أبادر بمؤشرات عامة حول تصوري للحكم في ظل رئاستي للجمهورية:
1- استئناف تحرير الدولة من موروث الاستعمار الذي لا مكان فيه لمواطنة مستحقة التكريم. فقد بقينا في ذل وضعية "الأهالي" حتى في ظل الاستقلال لأن ولاة امرنا لم يجدوا سوى القدوة الاستعمارية في الحكم فناسبتهم. فالأهالي هم من يدفعون الضريبة عن يد صاغرين بغير تمثيل انتخابي حقيقي في كيان الحكم. وعليه فلا حق لهم في مساءلة الخاصة الحاكمة في إنفاق تلك الضريبة. وقد انتهى بنا هذه إلى سفه حكومي طال مداه ووجب لجمه بشرع الشعب.
2- أن يستتب دوران الحكم بالانتخاب ويتنزل أدنى فأدنى من الولاة حتى أصغر قائم بالولاية العامة. وفي هذا ترسيخ لمبدأ مساءلة ولي الأمر باقتران الوظيفة العامة وخلعها بالجمهرة لا بسلطان علوي.
3- أن يمتثل السلطان العسكري والشرطي والنظامي للإرادة المدنية مجسدة في ممثلي الشعب المنتخبين.
4- أن تعنى الدولة باللغات غير الرسمية عناية تأذن للمتحدث بها أن يبلغ الدولة بأشواقه وظلاماته في المحاكم ومفوضيات الأراضي والنزاعات. فهذه اللغات المتروكة هي مستودع أوجاع ورغائب في الحياة الحرة السعيدة رمينا بها على قارعة الحكم في طلبنا لإدارة الشعب رغماً عنه. فتحرر الصفوة من الشعب وسفهها هو وجه من وجوه قمع اللسان المظلوم.
ولغاية ترشيد الحكم ولجمه بإرادة المواطنين وتصريفهم سأطلب من الجهات المختصة أن تضع في متناول حملتي الانتخابية ما يلي:
1- كل التقارير المتعلقة بالمواجهات التي تمت بين الدولة والشعب أو الشعب والشعب مثل واقعة الضعين وسوبا والمهندسين وبورتسودان وكجبار والمناصير وغيرها.
2- سأطلب كل بيانات عمليات الخصخصة والتصرف في رئات المدن وأراضي المواطنين بولاية الخرطوم وغيرها.
3- سأطلب تقارير دقيقة عن شركات الدولة الباطنة وسير أدائها ودخلها ومنصرفها.
وغايتي من ذلك لا مجرد المحاسبة، بل بذر بذرة التعافي والعدالة الانتقالية على بينة وعلى مرأى من الشعب وبإذن منه. وأدعو من هنا أهل العلم والاختصاص أن يستعينوا بهذه الحصيلة وثمرة أبحاثهم الخاصة لترتيب بيت الدولة على الامتثال للشعب.
اتوقف هنا قليلاً لوصف التزام سياسي وروحي هو ميثاقي خلال رئاستي للدولة، أو كجزء من الحركة الاجتماعية السياسية التي نرمي إلى استنهاضها خلال الانتخابات لتمكث في الأرض وتنفع الناس. كانت عمتي أمنة بت حجر قد رعت طفلة تركتها بنتها القسمة شافعة ورحلت عن دنيانا. وكانت تسميها "البنت الأمانة". والتزم كرئيس للجمهورية أن تكون من بين مسؤوليتي المباشرة، وتحت نظري تماماً، الجماعات الأمانة التالية من ذوي الحاجات الخاصة، أو من ضحايا اضطراب الحكم وسفهه منذ الاستقلال: وأحصرهم في (1) العرجى والمكاسير والعجزة والعجائز والمفرطين في القصر والمتعففين من الفقراء والمساكين.
(2) اصحاب المعاش الذي أفرطنا في فرضه على العاملين بالإحالة استغناء عن الوظيفة فابتلوا بموارده الشحيحة وهم في زهرة أعمارهم. وكذلك المحالون للصالح العام. ولن يخرجوا عن أمانتي حتى تتهيأ الدولة لعودتهم إلى أضابيرها عوداً كريماً.
(3) قدامى المحاربين من العسكريين والحركات التي ناهضت الحكومة المركزية حتى نستقر على سياسة حكومية مثلى تعتبر خدمتهم الوطنية، وتعتبر بها.
(4) قدامى المحاربين من قادة العمل النقابي وما جرى مجراه ممن خدموا جمهورهم ووسعوا ماعون الديمقراطية من أسفل.
(5) ضحايا اضطرابات السياسة السودانية وعنف الدولة والعنف المضاد.
وهذه أمانة أنا محاسب بها أمامكم سياسة وامام الله تقوى واحتساباً. وأنا على يقين شديد أن ديوان الزكاة سيعينني، جهازاً وفقهاً، على هذا الابتلاء السيادي. وسأسن من القوانين ما يٌفَعِل تقوى "فضل الزاد" بإسقاط جُعل من الضريبة على أهل الخير والسالفة.
إنني متفائل بأن مسعاي هذا سيكلل بالنصر. فالفلاح معقود على ناصية الخير. والخير أردت. وثقتي في شعبي عامة كبيرة وفي الكادحين فيه كدحاً بالذات. ولكنني حريص بذات القدر بأن تكون حملتي الانتخابية مناسبة لاستثارة حركة سياسية اجتماعية باسم "القائمة الوطنية للنهضة" (قون) تتفتق عن عبقرية شعبنا المعهودة. وسنفصل في ذلك في حينه. فأرجو أن أتوجه عبركم هنا للسودانيين جميعاً ليباركوا خطوتي هذه وينصروها. فإن لم تكن ممن قبلني ظاهراً وباطناً فباركها لأنها تصب في نهر التحول للديمقراطية. وأوصي من سمع عنا خيراً أن يذيعه ومن سمع منا غير ذلك أن يتأوله على حسن القصد ويعفو عفواً وعافية ويطلب لنا المغفرة.
[email protected]
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: على هذا
إقرأ أيضاً:
الحمد لله الذي جعلنا يمنيين
قد يقول قائل، أو يتساءل متسائل لماذا اخترت هذا العنوان لموضوع المقال هذا؟
أقول له مجيبا: لأسباب عديدة ووجيهة سوف أحاول قدر الإمكان أن أسردها في عدة نقاط
أولا: إن اليمن متمسك بدينه وأخلاقه ومروءته وإيمانه متمسك بالقرآن الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد. وهو أيضا متمسك بالسنة الصحيحة التي تتفق مع القرآن
واليمن قد اختاره الله سبحانه وأثنى عليه، وقال عن رجاله الثابتين على الموقف الحق في مرحلة التراجع والارتداد عن خط الإسلام الأصيل، ومسار القرآن الصحيح قال تعالى : فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ .وهم أهل اليمن
والرسول صلوات الله وسلامه عليه قد وضع لأهل اليمن وسام عز ومنحهم شهادة فخر ستبقى موضع اعتزاز إلى يوم القيامة وذلك عندما قال: الإيمان يمان والحكمة يمانية.
فحق لي وعمر قد ناهز على المائة عام أن أعتز باليمن وأن أحمد الله أن جعلني يمنيا وكيف لا أعتز بنسبتي لليمن، وقد أخبر رسول الله عما يجول في خلدي، ويجيش في صدري من مشاعر فياضة عندما قال عن أهل اليمن ودورهم الإيماني، وشجاعتهم المذهلة التي أغاظت العدو وأسرت الصديق، وساندت المستضعفين في غزة فقد قال رسول الله: الأَزْدُ أَزْدُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ يُرِيدُ النَّاسُ أَنْ يَضَعُوهُمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يَرْفَعَهُمْ، وَلَيَأْتِيَنَّ عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يَقُولُ الرَّجُلُ: يَا لَيْتَ أَبِي كَانَ أَزْدِيًّا يَا لَيْتَ أُمِّي كَانَتْ أَزْدِيَّةً « أي يمنية ونسبتي أو نسبة أي يمني لليمن مصدر الاعتزاز بهذه النسبة مقترن أو مرتبط بمستوى التمسك بما يريده الله من عباده،
ثانيا: إن اليمن هو الوحيد الذي يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر وبتعاطف مع المظلومين وعلى رأسهم فلسطين وغزة، والناس والعالم كله يتفرج على هذه المذبحة التي لم يشهد لها التاريخ مثيلا يوما بعد يوم، وساعة بعد ساعة، وشهرا بعد شهر، وعاما يتلوه عام، والعالم كأنه في غيبوبة، أو كأنه ميت لا حياة له وبالأخص الأعراب من العالم العربي والعالم الإسلامي الذين هم معنيون قبل غيرهم في الدرجة الأولى إذ أن القتلى مسلمون وأبناؤهم الذين يذبحون كل يوم هم أبناؤهم وما كان يحق لأحد أن يتفرج على هذه المذبحة التي يرتكبها اليهود الكفرة الفجرة الظلمة أحفاد القردة والخنازير، ما كان ينبغي ولا يجوز لأحد أن يتفرج على كل هذه المآسي والجرائم والمجازر في غزة
وأنا أعتقد- والله أعلم- أن هؤلاء المتفرجين قد ألبسوا أنفسهم العار الأبدي إلى أبد الآبدين والعياذ بالله.
ثالثا: إن اليمن لا يؤمن بما يؤمن به الآخرون بوجوب طاعة ولي الأمر إذا كان فاسقا كافرا جاحدا ظالما فاسقا يبدد أموال المسلمين، ويبذر بها شرقا وغربا، ويتفرج على المؤمنين المسلمين وهم يذبحون من الوريد إلى الوريد كل يوم، هذه الزعامة أو الرئاسة التي تقلدها هؤلاء الظالمون الفاسقون لو كان لها لسان تنطق لنطقت بلعنهم، ووجوب الخروج عليهم، ولرفعت شكواها، وعبرت عن ألمها إلى الجن قبل الإنس، الجن الذين قالوا بعد سماع القرآن: إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ. ومن لا يكون راشدا وهو في موقع الحكم فلا شرعية له، ولا طاعة، لأنه سفيه في رأيه، وتصرفه، وسياسته وكفى بقول الجن حجة على الإنس الذين يؤمنون بطاعة ولي الأمر السفيه والأشد كفرا ونفاقا، فالزعامات المتفرجة على غزة، والتي لا تتحرك مشاعرها، ولا يؤنبها ضميرها ولا تقوم بواجبها كما أرادا الله لا يجب طاعتها بل يجب الخروج عليها وقتالها وهذا ما سطره، وأسسه الإمام الحسين رضوان الله عليه، وقام به، وعمده بدمه وروحه حتى لا تبقى للحكام الظالمين شرعية، وهو المبدأ الذي أحياه الإمام زيد بن علي رضوان الله عليه من بعد كربلاء بسنوات قليلة فسنوا سنة حسنة ومباركة لا يعرف قيمتها إلا المؤمنون الأحرار، أما عبيد الدنيا، وأسرى الخوف فهم على دين ملوكهم ورؤساءهم حتى لو كانوا من أظلم الظالمين، وأفسق الفاسقين، ولو كانوا يشربون الخمر في جوف الكعبة، أو على صعيد عرفة كما هو معروف من فتاوى الوهابية، وثقافة السلفية وفي كتبهم التي أوصلت الأمة أن هذا المستوى من الذل والقهر والخزي والجبن أمام حفنة من اليهود الذين كتب الله عليهم الذلة والمسكنة.
إن هؤلاء الرؤساء والزعماء والملوك هم أظلم وأطغى من ملوك وزعامات الأمس والواجب بل أوجب الواجبات هو الخروج عليهم لا طاعتهم، ومن يجب طاعته هو ولي الأمر المؤمن المسلم المجاهد الذي يأمر المعروف وينهى عن المنكر الصادق في أقواله وأفعاله الشجاع المقدام الغيور على حرمات الله عندما تنتهك، والمجيش للجيوش عندما يعربد اليهود، ويرتبكون المجازر هذا هو الذي يحق له أن يتولى أمر الإسلام والمسلمين ويستحق أن يسمى بولي الأمر ومن تنطبق عليه الأوصاف المذكورة في هذه المرحلة هو المتولي للأمر في اليمن وهو القائد التقي الحيدري/ عبد الملك بن بدر الدين الحوثي حفظه الله ونصره، ولأنه يحمل المؤهلات القرآنية والإيمانية يجب على كل فرد من أهل اليمن أن يطيعه ويسانده، ولا أقصد بكلامي هذا كل اليمنيين، ولا أوجهه لتلك المجموعة التي خرجت من تلقاء نفسها التي أخرجها حقدها، وكبرها، وذنوبها، وركونها إلى الظالمين من أعراب نجد ووقعوا في شر أعمالهم في أحضان الطغاة، وفي أحضان عبيد العبيد، ويدرك الكيسون الفطناء جيدا أنه لا زالت بعض الخلايا الخبيثة والخيوط الشيطانية، والنفوس المريضة والجاحدة في الداخل وهؤلاء غير معول عليهم، إنما المعول على من عرفوا كلمة الحق والصدق، وحملوا لواءها بجد، وتحركوا في الساحة ولهم تأثير وحضور في إحقاق الحق، ونصرة المظلومين، والوقوف في وجه الظالمين هؤلاء هم من تجب مولاتهم واحترامهم ومن يعول عليهم، ويجب الاعتزاز بهم.
رابعا: إن اليمن بقيادته العظيمة الشجاعة المباركة هو الشعب الوحيد الذي تصدى لأطغى طغاة العالم وعلى رأسهم أمريكا وإسرائيل ومن دار في فلكهما لقد قال قائد اليمن بالحرف الوحد: لأمريكا وإسرائيل قفا عند حدكما وإلا فسوف تأتي إليكم الصواريخ المحمدية والعلوية.
خامسا: إن اليمن بقيادته هو الوحيد الذي برز إلى حيز الوجود وتظاهر لما يقارب العامين وهو يتحدى العالم بكله ويؤيد المظلومين ويناصرهم ويساندهم بكل ما يستطيع ويحتج على الظلمة الفجرة ولا يبالي بهم ولقد سمع العالم كله مظاهراتهم الأسبوعية التي استمرت 22 اثنين وعشرين شهرا هذا هو الشعب اليمني وهذه هي قيادته القيادة المخلصة المؤمنة الصادقة.
سادسا: إن اليمن هو الوحيد الذي لا يكل ولا يمل ومستمر دائما وأبدا في المظاهرات وفي التصدي للظلم ولا يبالي بالاعتداءات عليه ولا يعرف الهزيمة ولا يعرف الخوف بل كأنه شرب الموت شهدا عسلا مصفى، اليمن هو الذي برز إلى حيز الوجود وأخاف أكابر الظلمة في الدنيا بكلها ذلك هو اليمن وما أدراك ما اليمن؟ ولهذا آثرت واخترت أن يكون عنوان مقالي وموضوعي هو اليمن وأفتخر وأعتز بأنني يمني للأسباب الوجيه التي أوردتها وسيعجب بهذا الكلام من يعجب ممن لازالت فطرتهم سليمة، وقلوبهم نقية، وستضيق الأرض بما رحبت بتلك القلوب المقلوبة، والصدور المتكبرة التي لا يعجبها إلا ما يعجب الحكام الجائرين، ولا ترتاح إلا لما ينشرح له صدور أكابر المجرمين والمنافقين المتفرجين على غزة وفلسطين والله المستعان.
سابعا: إن الصواريخ اليمنية هي التي أخرست اليهود ومضاداتهم وأسكتتهم وتجاوزت كل تقنياتهم، ومرت من فوق رؤوسهم وهم ينظرون إليها نظر المغشي عليه من الرعب والرهبة والموت، هذه اليمن وما أدراك ما اليمن الذي لم يتفرج قائدها وشعبها وجيشها كما تفرج الأخرون، وقعدوا مع القاعدين من الخوالف والجبناء والمثبطين.
اليمن لم ولن يتفرج على الظلم مع المتفرجين، ولن يهدأ له بال وهو يرى الظلم في الأرض وسيكون شوكة في حلوق الظالمين والمستكبرين، وسيكون ضد الفجرة والكفرة وضد المنافقين واليهود والنصارى هذا هو اليمن.
فعلى كل إنسان أن يعرف من هو اليمن وإلا فسوف يموت قهرا وكمدا.
ثامنا: إن اليمن وجيشه وقيادته قد التحموا وشكلوا جبهة واحدة أمام العدو وأمام الظلمة وأمام الطغاة، ولهذا فلن تستطيعوا ولن يستطيع العدو أن ينفذ إلى اليمن حتى لو حشر الجن والإنس لن يقدر على اليمن بحال من الأحوال بإذن الله.
هـذا هو اليمن الذي بوأه الله هذه المكانة، وشرفه بهذا الموقف التاريخي وعلى الظلمة وعلى القتلة أن يموتوا بغيظهم، والذين يسارعون إلى جهنم عليهم أن يصمتوا إلى الأبد فأمامهم اليمن الذي لا يخاف في الله والحق لومة لائم كما وصف الله رجاله الذين وعد بالإتيان بهم عندما يرتد المسارعون المطبعون في هوى وهاوية التولي لليهود والنصارى، اليمن الذي ترعاه عناية الله، وهو معتصم بالله لن يتزحزح ولن يخاف من أحد إلا من الله.
ويجب أن يفهم الجميع أن قدرة الله فوق قدرة الظلمة والطغاة ولن يستطيع أحد أن يغالب الله، ويقف أمام قدرته القاهر، وقوته الغالبة، وسننه الماضية واليمن مع الله والله معه وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء الله.
تاسعا: أن اليمن هو الوحيد الذي علماؤه لم يكونوا مرتبطين بالسلطة، إنما ارتباطهم بالله الذي بيده كل شيء وهو على كل شيء قدير ولعلكم قد سمعتم وشاهدتم علماء السلطة في السعودية وغيرها الذين ينتاب المسلم الخجل عند سماعهم ورؤية وجوههم المنافقة المكفهرة التي تتزيا بزي العلماء، وتظهر بمظهر العلم ويسميهم الناس بالعلماء وهم بحق كما وصفهم الإمام زيد بعلماء السوء، وأقول في الأخير حسبنا الله ونعم الوكيل، ولا أدري كيف سيكون موقفهم وجوابهم بين يدي الله، وبأي وجه سيلقونه، والحجة عليهم أعظم، وهم عند الله ألوم.
عاشرا : الشعب اليمني هو الشعب الوحيد الذي يأس من مجلس الأمن والأمم المتحدة ومن الجامعة العربية ومن كل التجمعات، لأن هذه التجمعات هي من صنع أمريكا، ولهذا لم يعرها الشعب اليمني اهتماما، ولم يقتنع بشعاراتها البراقة، ولم تنطل عليها، عناوينها الكذابة، ووضع تقاريرها تحت قدميه هـــــــــااااااااذا هو الشعب اليمني.
وأخيرا: اتجه إلى السعودية والإمارات وأقول لهم: إذا بقي فيكم ذرة من الذوق، أو مثقال خردلة من الفهم فيجب أن تفهموا أن الأمن يجب أن يكون للجميع، والحرب يجب أن تكون على الجميع والقتال آت بدون قيد ولا شرط، وإن كنتم تعتقدون أو تظنون بأن الشعب اليمني سيرضخ للضغوط الاقتصادية التي تمارسونها أو أنه سيجوع كما هو الحال في غزة فإن الشعب اليمني سيجعلها ثورة عارمة، وسيتحول إلى بركان جارف يكتسحكم، ويقلب الأمور على رؤوسكم الزجاجية، فيجب أن تفهوا أن السن بالسن والعين بالعين والجروح قصاص هذا ما يجب أن تفهموه ويكون في حسبانكم وكفاكم حصارا وتآمرا وخرابا في اليمن فقد قتلتم أبناءه، وخربتم بيوته وطرقاته، والآن أتظنون أنكم في سلامة وأمان لا وألف لا، لن تكونوا في سلامة وأمان ومنأى من غضب اليمنيين هذا ما يجب أن تفهموه الفهم الصحيح قبل فوات الأوان، وقبل أن تذوقوا وبال جرائمكم بحق الشعب اليمني، والعاقبة للمتقين وصدق الله أحكم الحاكمين القائل: فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ.