الكمان السوداني: صنو النغم الحنين، وحلم توطين الصناعة
تاريخ النشر: 2nd, January 2025 GMT
الكمان السوداني: صنو النغم الحنين، وحلم توطين الصناعة
صلاح شعيب
الكمنجة السودانية ساهمت بقدر وافر في تشذيب الغناء في بلادنا بما جعلها أكثر قدرة على ترجمة التحديث اللحني منذ مرحلة الثلاثينات تقريباً. فالمؤرخون في المجال يشيرون إلى أن الكمان ظهر في أول مرة في مشهد الإبداع مع ظهور جيش كتشنر، حيث كانت فرقته الموسيقية العسكرية تعزفها.
وكذلك يؤكد باحثون أن فرقة دفاع السودان استفادت من وجود إنجليز مهرة يحسنون استخدام الكمان، وبالتالي وُظفت الآلة ذات الأربعة أوتار في تقديم المارشات العسكرية في مرحلة من مراحل التاريخ الموسيقي العسكري.
ولكن العازف الرائد السر عبدالله يعد من الأولين في تطوير استخدامها في الألحان السودانية. إذ اصطحب الفنانين سرور وكرومة إلى القاهرة، وسجل معهم أغنياتهم عبر أسطوانات الفونوغراف. ورغم هذا الدور الرائد فإن ما وصلنا من سيرة العازف السر، وعن مراحل تطوره ومساهماته اللاحقة قليل، ولم نجد مباحث تدلنا حول ما إذا كان قد ألف مقطوعات موسيقية كما كان هذا حال معظم الذين أتوا بعده، وأنتجوا مقطوعات موسيقية كثيرة. بعد جهد السر تواصل اهتمام الشباب في ذلك الزمان بآلة الكمان في محاولة لتعلّمها، ومن ثم تكثيف توظيفها في الفرق الغنائية السودانية.
ولعل من الأسماء المهمة التي برزت في تحصيل المعرفة الفردية بهذه الآلة الساحرة وجدنا أدهم إبراهيم – صاحب الأدهمية – وبدر التهامي في المجال، ولاحقاً ازدانت الأوركسترا السودانية بوجود عازفين مهرة ساهموا في تطوير تقنيات العزف بأساليب جديدة. كما أن الحداثة الموسيقية التي سمت مرحلة نهاية الأربعينات وضعت الكمان في مقدمة الآلات المهمة في تنفيد العمل إن لم تكن هي الآلة الأكثر سيطرة على غالب الجوقة بجانب الإيقاع، والعود، والجيتار، والأكورديون، والآلات الخشبية والنحاسية لاحقاً. واحتل الكمان مكانته في الموسيقى السودانية الحديثة لقدرته الفيزيائية، آخذاً بألباب المستمعين الذين ألفوه بعد أن بذل الرائد حسن الخوض دوراً في منح صوت الكمان نكهة سودانية خاصة.
وربما سيطر الكمان، وما يزال، على الصولو في الأوركسترا لأسباب تتعلق بسطوته في أداء هذا الدور، والمقدرة الفائقة لعازفي الكمان الموهوبين منهم، وتعود الجمهور على حضوره الدائم في دغدغة نغمة الصولو، وكذلك إمكانية الكمان في تجسيد التعبير اللحني الفرِح، والحزين، والغاضب، عبر قدرة العازف على محاكاة الكلمة، أو التعبير الموسيقي ليُخرج رهافة الصوت الحنين، والمشبع بدم القلب، والذي يعد الكمان من أكثر الآلات مجاورة للنبض أثناء العزف.
-٢-
بالإضافة إلى المهمة الكبيرة التي اضطلع بها الإيطالي مايسترلي في تعليم العازفين السودانيين أسس التدرب على عزف الكمان عبر الإذاعة نشأت معاهد عديدة بقيادة أحمد مرجان، وإسماعيل عبد المعين، تخصص جزء من عملها في دعم عازفي الكمان. ومع إنشاء المعهد العالي للموسيقى والمسرح تصاعد الاهتمام بتدريس عازفي الكمان بالأسس النظرية الحديثة. وقد احتوت الدفعات الأولى للمعهد على عدد معتبر من أوائل عازفي الكمان الموهوبين الذين كانوا أصلا يعملون مع فرقة الإذاعة السودانية. وشيئاً فشيئاً تحصلوا على معارف مميزة عن الآلة ووقفوا على تجارب العازفين الأجانب، وبعد تخرجهم ساهموا في تطوير أداء الكمان.
ومن ناحية أخرى ساهمت البعثات الأكاديمية لعدد هائل من خريجي المعهد المتخصصين في آلة الكمان في القفز بمعرفة تقنيات الآلة، وعادوا من الخارج يحملون درجات الماجستير والدكتوراة بتخصصهم في تنمية تقنيات هذه الكمان، واستفادوا كثيراً في تطوير مهاراتهم، ومن ثم أصبحوا أساتذة في المعهد، قادرين على دعم الطلاب في تحصيلهم العلمي. ومن ناحية أخرى ساهموا مع زملائهم الذين تخصصوا في آلات أخرى في تكوين فرق موسيقية كان عازفو الكمان يمثلون الأغلبية فيها. ونذكر في هذا الجانب دور فرقة السمندل الموسيقية التي ضمت عازفين مميزين أمثال ميرغني الزين، وأحمد باص، وعثمان مبارك، وميكائيل الضو، ومجدي العاقب، وآخرين.
ومع تعاقب الأجيال أصبح الكمان ملك الأوركسترا السودانية، وظهرت فيها مواهب جديدة، فضلاً عن انتشار عازفي الكمان في كل ربوع البلاد حيث طوعوا الآلة لأداء الأغاني التي تنبثق من البيئة، وهكذا صار تعلم الكمان كفاحاً متاحاً للعديد من الراغبين في إتقانه. ومن ناحية أخرى تحرر الكمان السوداني من ذكوريته، وصرنا نلحظ وجود عازفات يتقن الإمساك الرفيق بالقوس، وهو يداعب الأوتار.
-٣-
ونحن نتناول تاريخ هذه الآلة لا يمكن تجاوز مبدعين كثر من الرواد الذين شنفوا بها الآذان بأناملهم الذهبية. نذكر منهم على سبيل المثال حسين جاد السيد، وعثمان الله جابو، وحمزة سعيد، وحسن بابكر، والطيب خليفة، وعلي ميرغني، وعلاء الدين حمزة، وحسن الخواض، وعبدالله عربي، والحبر سليم، ورابح حسن، وأحمد بريس، ومحمدية، ومن بين هؤلاء من ألفوا مقطوعات موسيقية، وساهموا بشكل كبير في تقديم الألحان للفنانين، وإدارة شوون الموسيقى في الأجهزة الرسمية، وتدريس الموسيقى في المعاهد والجامعات.
وبرغم أن السودان استطاع توطين صناعة العود بجودة عالية من خلال دعم بيت العود العربي إلا أن عوائق كثير اعترضت صناعة الكمان. ولم يتمكن السودانيون حتى الآن من الدخول في هذا المجال، وما نزال نستورد الآلة من أوروبا، والشرق الأوسط.
الأستاذ السابق ميرغني الزين عازف الكمان الشهير، ويعد كذلك من أوائل الذين درسوا آلة الكمان في معهد الموسيقى والمسرح بعد أن عاد حائزا على الماجستير من روسيا، قال إن صناعة الكمان تحتاج إلى خشب معين يحتاج إلى معالجات كيميائية، وفيزيائية، لا تتوافر في السودان حالياً. ومع ذلك حاول الأستاذان الله جابو والتهامي خوض التجربة، ولكن وقفت عند حدود أولية.
ميرغني يرى أن الكمان من أصعب الآلات التي يمكن تعلمها بالقياس مع الآلات الموسيقية الأخرى، وأشار إلى أن الطليان ما برحوا يقفون في مقدمة الدول المصنعة للآلة بجانب الفرنسيين، والإنجليز، والألمان، والتشيك، والروس، وأخيرا اليابانيين، موضحا أن استيراد الآلة بدأ في السبعينات بعد أن بلغت قمة شيوعها في الستينات، وكانت تباع في “دنيا الموسيقى” بشارع الجمهورية. ويرى الأستاذ ميرغني الزين أن عازف الكمان الإيطالي مايسترلي لعب دوراً في تحسين أداء العازفين السودانيين عبر فصوله الموسيقية في إذاعة هنا أمدرمان، كما أن الأستاذ إسماعيل عبد المعين ساهم عبر فرقة البساتين في هذا الصدد، وأنه شخصيا درس الكمان خلال الفصول الموسيقية للفرقة التي أسسها عبد المعين في فترة السبعينات بنادي الأسرة.
ويكشف ميرغني أن من أوائل أساتذة الكمان في المعهد العالي للموسيقى والمسرح محمد الحسن الذي درس الآلة في فيينا، ثم تلاه سالم الطيب الذي درس في إنجلترا، وكان ذلك تحت إشراف الأساتذة الكوريين الذين كان لهم قدم السبق بتعريف السودانيين الأسس الصحيحة للإبداع في عزف الآلة. ولاحقاً أصبح ميرغني ضمن طاقم التدريس، ثم انضم العازف محمد سيف يسن الذي حاز على الماجستير والدكتوراة في دراسة الكمان في ألمانيا.
وبرغم أن العود ظل تاريخياً مصدراً لإنتاج الألحان، ولكن ميرغني يرى أن آلة الكمان ساهمت لوحدها في تقديم أعمال لحنية عديدة للفرقة الموسيقية، وهناك نسبة مقدرة من عازفي الكمان استخدموها لضخ الألحان، وأنه شخصياً أنتج ألحانه جميعها بواسطة الآلة، والتي تمثل حجر الزاوية في هيكلية الفرق الغنائية السودانية، ومنحت موسيقانا جمالاً فوق جمال.
الوسومالموسيقى السودانية معهد الموسيقى والمسرحالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: الموسيقى السودانية
إقرأ أيضاً:
خارجية “الوحدة الوطنية” تنفي صلة أي قوة ليبية رسمية بهجمات على الحدود السودانية
نفت وزارة الخارجية بحكومة الوحدة الوطنية بشكل قاطع تبعية أي جهة عسكرية ليبية رسمية للمجموعة المسلحة التي ورد ذكرها في بيان للقوات المسلحة السودانية بشأن هجمات استهدفت نقاطا حدودية مشتركة.
وأوضحت الوزارة في بيانها الصادر اليوم، أنها تابعت ما صدر عن الناطق الرسمي باسم القوات المسلحة السودانية، وأكدت بناء على تقارير الجهات المختصة أن “المجموعة المشار إليها لا تتبع لسلطة وزارة الدفاع الليبية، ولا تأتمر بأوامر رئاسة الأركان العامة للجيش الليبي”.
وأعربت الخارجية الليبية عن استنكارها الشديد ورفضها التام “للزج بأبناء الوطن في أعمال من شأنها زعزعة أمن واستقرار حدود الدول الشقيقة أو الانخراط في النزاع الدائر في السودان”، محملة المسؤولية القانونية والجنائية الكاملة لكل من يثبت تورطه من أفراد أو جماعات في هذه العمليات.
وجددت الوزارة في ختام بيانها تأكيد موقف حكومة الوحدة الوطنية الثابت والداعم لأمن واستقرار السودان ووحدة أراضيه، داعية إلى وقف الحرب وإنهاء الاقتتال والوصول إلى حل سلمي يحقن الدماء ويعيد الأمن والاستقرار للشعب السوداني.
وكانت الحكومة السودانية، اتهمت “كتيبة السلفية الليبية” التابعة لقوات حفتر بالمشاركة المباشرة في هجوم شنته “مليشيا الجنجويد” في إشارة إلى قوات الدعم السريع، على نقاط حدودية للقوات المسلحة السودانية داخل أراضي السودان.
ووفقا للبيان، فإن الهجوم يمثل “اعتداء سافرا على سيادة السودان” ويهدف إلى الاستيلاء على المثلث الحدودي الإستراتيجي الواقع بين السودان ومصر وليبيا.
ونقل إعلام غير رسمي بيانا منسوبا لـ “القيادة العامة” ينفي هذه الاتهامات، معربا عن استغرابه من “الزج باسمه في الصراع الدائر في السودان”.
وأفاد البيان المنسوب لقوات حفتر بأن إحدى دورياته العسكرية تعرضت لهجوم من قبل قوة تابعة للقوات المسلحة السودانية أثناء قيامها بواجبها في تأمين الجانب الليبي من الحدود، مؤكدا رفضه القاطع لانتهاك سيادة أي دولة.
المصدر: بيانات
الحدود السودانيةالحكومة السودانيةالسودانرئيسيقوات الدعم السريعقوات حفتروزارة الخارجية بحكومة الوحدة الوطنية Total 0 Shares Share 0 Tweet 0 Pin it 0