أجمع خبراء على أن زيارة وزيري خارجية فرنسا وألمانيا لدمشق تهدف لاستكشاف الواقع السياسي الجديد، مؤكدين أن نجاح هذا التقارب الدبلوماسي يعتمد على الموقف الأميركي المرتقب.

وتأكيدا على الاهتمام الدولي المتزايد بسوريا الجديدة، التقى وفد من الاتحاد الأوروبي برئاسة وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك ووزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو في دمشق قائد الإدارة الجديدة أحمد الشرع.

وقالت وزيرة الخارجية الألمانية إنها جاءت إلى سوريا "بيد ممدودة" و"توقعات واضحة" من الإدارة الجديدة، مضيفة أن الحكم على هذه الإدارة سيكون من خلال أفعالها.

وردا على سؤال بشأن رفع العقوبات عن سوريا، قالت بيربوك إن ذلك سيعتمد على المضي قُدما في العملية السياسية.

وأشارت الوزيرة الألمانية إلى أنها أكدت للشرع ومسؤولين آخرين التقتهم في سوريا أن حقوق المرأة هي مقياس لتحقيق التقدم في مجال حقوق الإنسان.

وبدوره، دعا وزير الخارجية الفرنسي الإدارة الجديدة في سوريا إلى التوصل لـ"حلّ سياسي" مع الأكراد لكي يتمّ دمجهم بالكامل في العملية السياسية، لكنه لم يعط ردا عندما سُئل عن الموعد الذي قد يرفع فيه الاتحاد الأوروبي العقوبات عن سوريا.

إعلان

مرحلة استكشاف

وفي السياق الروسي، اعتبرت وزيرة الخارجية الألمانية أنه "حان الوقت لتغادر القواعد الروسية سوريا"، متهمة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأنه هو الذي دعم الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد لفترة طويلة، وهو "من غطى وساند جرائم النظام".

وفي قراءة تحليلية لمغزى الزيارتين، أكد مدير مركز جسور للدراسات محمد سرميني أن المرحلة الحالية هي مرحلة استكشاف، مشيرا إلى أن الزيارات الدبلوماسية المتتالية إلى دمشق تهدف إلى فهم ديناميكيات المشهد السياسي السوري الجديد، موضحا أن ما جرى في سوريا سيكون له تأثيرات على المنطقة بأكملها.

ومن جانبه، اعتبر الباحث السياسي الدكتور مؤيد غزلان قبلاوي أن الزيارتين جاءتا في مرحلة مفصلية بعد تبلور المرحلة المبدئية للحكم السياسي الجديد، لكنه انتقد ما وصفه بمحاولات زرع بذور الانقسام الطائفي من خلال التركيز على قضايا الأقليات.

وفي تفسيره لتصريحات الوزيرين، أشار أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأميركية في باريس الدكتور زياد ماجد إلى أن بعض التصريحات كانت موجهة للرأي العام في بلديهما، لتبرير فتح قنوات اتصال مع السلطات الجديدة في دمشق.

ولفت إلى أن باريس وبرلين كانتا شبه وحيدتين في مواجهة عواصم أوروبية عديدة كانت تريد التطبيع مع النظام السابق.

أزمة اللاجئين

وفيما يتعلق بالعقوبات الأوروبية، حذر قبلاوي من ربط رفع العقوبات بشروط سياسية، مؤكدا أن سوريا بحاجة إلى نهضة شاملة وليس مجرد مساعدات إغاثية، وأشار إلى أن التجارب السابقة في دول أخرى أظهرت محدودية الدعم الأوروبي، مقارنة بالاحتياجات الفعلية.

وحول قضية اللاجئين، أوضح سرميني أن الأزمة الحقيقية بالنسبة لأوروبا تكمن في منع تدفق لاجئين جدد وليس في عودة المقيمين حاليا، خاصة أن الكفاءات السورية في أوروبا أثبتت أنها قيمة مضافة للمجتمعات المضيفة.

إعلان

وفيما يخص العلاقة مع روسيا، أشار ماجد إلى أن تصريحات الوزيرة الألمانية حول ضرورة خروج القوات الروسية تعكس رؤية إستراتيجية أوروبية تتعلق بالبحر المتوسط، وليست تدخلا في الشأن السوري المباشر.

وختم سرميني بالتأكيد على أن الاتحاد الأوروبي لديه رغبة جادة بالمضي قدما في العلاقة مع الإدارة الجديدة، مع التركيز على 3 محاور: إزالة العقوبات، والمشاركة في إعادة الإعمار، ورعاية الانتقال السياسي بالتعاون مع الولايات المتحدة ودول المنطقة.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات الإدارة الجدیدة إلى أن

إقرأ أيضاً:

سوريا ما بعد الأسد.. انقسام نقدي بين الليرة السورية والتركية

بعد سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر/كانون الأول 2024، شهدت سوريا انقسامًا نقديًا بين المناطق التي لا تزال تتعامل بالليرة التركية، مثل إدلب وشمال حلب. والمناطق التي تعتمد الليرة السورية، مثل دمشق وحمص واللاذقية وطرطوس وحلب المدينة وأجزاء من ريف دمشق والمناطق الوسطى والجنوبية.

ويعكس هذا الانقسام واقعًا اقتصاديًا وسياسيًا معقدًا يفتقر إلى رؤية اقتصادية موحدة، مما أدى إلى تحديات اقتصادية واجتماعية كبيرة، تشمل ظهور أسواق سوداء، وتفاوت أسعار السلع، واستغلالًا تجاريًا يؤثر مباشرة على حياة المواطنين، وفق مراقبين.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2ارتفاع طفيف في سعر صرف الليرة السورية مقابل الدولارlist 2 of 2الصين تتوقع ظهور نظام نقدي عالمي جديد بحضور الرنمينبيend of list

وقد بدأ التعامل بالليرة التركية في الشمال منذ عام 2020 بسبب انهيار قيمة نظيرتها السورية، بينما ظلت الأخيرة العملة الرئيسية في المناطق التي كانت تحت سيطرة نظام الأسد، رغم تحسنها النسبي من 16 ألف ليرة للدولار إلى حوالي 9300-9450 ليرة في يونيو/حزيران 2025، بعد رفع بعض العقوبات الغربية.

المناطق التي تتعامل بالليرة السورية والتركية الليرة التركية: تُستخدم بشكل رئيسي في مناطق شمال غرب سوريا، خاصة إدلب، عفرين، أعزاز، شمال حلب.

وبدأ التعامل بالليرة التركية منذ عام 2020، مع استبعاد السورية تدريجيًا بسبب انهيار قيمتها وتذبذبها.

الليرة السورية: لا تزال العملة الرسمية في المناطق التي كانت تحت سيطرة النظام سابقًا، مثل دمشق، حمص، اللاذقية، طرطوس، حلب المدينة، أجزاء من ريف دمشق، المناطق الوسطى والجنوبية.

وتعاني هذه المناطق من استمرار ضعف الليرة السورية، رغم تحسنها النسبي بعد رفع العقوبات الغربية.

ويعيق الانقسام النقدي التجارة الداخلية، حيث يرفض بعض تجار إدلب وحلب قبول الليرة السورية بسبب تذبذبها، في حين يعتمد السكان الذين يملكون مصالح بمئات ملايين الدولارات على الليرة التركية حصرًا.

وفي المقابل، يواجه سكان دمشق صعوبة في التعامل بالليرة التركية لندرتها، ويرفض العديد من أصحاب المقاهي والمطاعم والمحال التجارية التعامل بها.

إعلان

واجتماعيًا، يزيد الانقسام النقدي من الفجوة بين السكان، إذ يشعر البعض في الجنوب بأن الشمال يتمتع باستقرار اقتصادي نسبي بسبب ارتباطه بالليرة التركية.

ويؤثر تفاوت سعر الصرف بين الليرتين على الحياة اليومية، حيث يتعرض الشمال لتذبذب قيمة التركية مقابل الدولار مما يرفع أسعار السلع، بينما تعاني المناطق الجنوبية من ضعف القدرة الشرائية للسورية.

الليرة التركية تنتشر شمال سوريا (رويترز) أسواق سوداء

ويقول أيهم نجمة أحد سكان مدينة حماة، في حديث للجزيرة نت:

سعر ربطة الخبز في إدلب يتراوح بين 5-7 ليرات تركية (0.15-0.20 دولار) وفي دمشق بين 2000-3000 ليرة سورية (0.20-0.30 دولار). لتر البنزين يكلف في الشمال 25-30 ليرة تركية (0.75-0.90 دولار) وفي دمشق 10000-12000 ليرة سورية (1.00-1.30 دولار). الأدوية في إدلب أرخص نسبيًا بسبب الاستيراد من تركيا، لكن في دمشق قد تصل تكلفة علبة دواء إلى 20000-30000 ليرة سورية (2.00-3.00 دولار).

وأضاف المواطن "انتشرت أسواق سوداء لتجارة العملات في المناطق الحدودية، حيث يستغل السماسرة تذبذب أسعار الصرف، مما يزيد من الفوضى النقدية ويعيق الاستثمار".

ويلفت إلى أن هناك تجارا "يرفعون الأسعار بشكل مصطنع ويفرضون التعامل بعملة معينة، مثل تجار في إدلب يسعّرون بالدولار ويطالبون بالدفع بالليرة التركية بسعر صرف مرتفع، أو في دمشق حيث يرفض تجار آخرون خفض الأسعار رغم تحسن الليرة السورية".

وتعاني الأسر من انخفاض القدرة الشرائية، إذ يبلغ متوسط الرواتب في القطاع العام بدمشق حوالي 280 ألف ليرة سورية (30 دولارًا) وهي رواتب لا تكفي سوى لتغطية 2% من تكاليف المعيشة.

ويعتمد كثيرون على الحوالات الخارجية، لكن قيمتها تتآكل بسبب التضخم وتكاليف تحويل العملات.

ويقول المواطن أيمن الحداد إنه حمل معه من إدلب قطعًا نقدية من العملة التركية إلى ريف دمشق بعد تحريره، ودخل إلى أحد محال الصرافة، لكنه صُدم بعد أن رفضت جميع المحال بيعه بالعملة التركية، مؤكدًا أنه أُجبر على الذهاب لمحل صرافة.

ويضيف -في حديث للجزيرة نت- أن الليرة التركية الواحدة كانت تساوي 350 ليرة سورية، لكن محل الصرافة احتسبها بـ280. وعند سؤاله عن السبب، قال "إنه وضع هامش ربح بسبب تقلبات أسعار الصرف، ولأنه لا أحد يتعامل بالليرة التركية، أيضا لا يتعرض لخسائر".

وتابع أنه عند شرائه وجبة من الدجاج في أحد أسواق دمشق، لم يقبل البائع في البداية العملة التركية ولا الدولار، لكنه عاد وقبلها بعد أن دفع ثمن الوجبة 3 أضعاف سعرها في إدلب، معتبرًا ذلك بمثابة استغلالا يجب أن ينتهي بشكل سريع.

الأسر تعاني من انخفاض القدرة الشرائية فمتوسط رواتب القطاع العام بدمشق حوالي 280 ألف ليرة سورية (30 دولارًا) (غيتي إيميجز) موقف حكومي

من جهته، قال مصدر حكومي في مؤسسة النقد إن بعض محال الصرافة استغلوا الفترة التي تلت سقوط النظام، وبدؤوا بتصريف العملات مع وضع هامش كبير للربح، وذلك قبل تفعيل المؤسسات المالية خلال الفترة الماضية.

وقال المصدر -في حديث للجزيرة نت- إنه تم وضع آلية تشمل تراخيص لمحال الصرافة، مع وضع مبلغ تأمين لحماية ودائع الزبائن، ووضع شاشة رقمية في كل محل يتمكن الزبون من خلالها رؤية أسعار الصرف للبيع والشراء.

وأضاف: لا يستطيع صاحب المحل أن يبيع بهامش ربح، حيث يمكن للزبون تقديم شكوى ضده في حال إخلاله بالأسعار الرسمية.

إعلان انقسام نقدي

وقال الباحث الاقتصادي عبد العظيم المغربل في حديث للجزيرة نت "التحول إلى الليرة التركية في مناطق الشمال السوري جاء نتيجة طبيعية لانهيار الليرة السورية، والتضخم المفرط، وغياب الاستقرار النقدي، إلى جانب العلاقات الاقتصادية القوية مع تركيا ورفض السكان التعامل بعملة النظام".

وأضاف "هذا الانقسام النقدي أدى إلى تفكك السوق السورية، وخلف صعوبات في حركة البضائع ورأس المال بين المناطق، كما ساهم في نشوء بيئات اقتصادية متباينة أضعفت فرص التكامل الوطني".

وحذر المغربل من أن هذا الوضع قد يعزز احتمالات حدوث انقسام اقتصادي دائم، خاصة مع نشوء مؤسسات نقدية محلية وهويات اقتصادية مختلفة، رغم أن هذه الخطوة كانت في بدايتها مؤقتة وتهدف إلى احتواء الأزمة، وفق تعبيره.

ولفت إلى أن اختلاف سعر الصرف بين الليرتين التركية والسورية تسبب في تفاوتات واضحة في القوة الشرائية، فسكان الشمال يتأثرون بتقلبات الليرة التركية، بينما يعاني الجنوب من تآكل القدرة الشرائية نتيجة التضخم.

وقال أيضا "غياب الرقابة الاقتصادية الموحدة ساهم في انتشار السوق السوداء، ففي الشمال تنتشر مكاتب صرف غير مرخصة، وفي الجنوب يتحكم السماسرة بأسعار الصرف لتحقيق أرباح سريعة على حساب الاستقرار".

وأضاف أن هناك تجارًا في الشمال "يفرضون التعامل بالليرة التركية أو الدولار لتجنب تقلبات الليرة السورية، وهذه الظاهرة تحتاج إلى ضبط وتنظيم السوق وتعزيز الرقابة القانونية".

مصرف سوريا المركزي (رويترز)  توحيد السياسة النقدية

وفي ما يخص السيناريوهات الممكنة لمعالجة الوضع، قال المغربل "أبرز الحلول هو توحيد السياسة النقدية والعودة إلى التعامل الموحد بالليرة السورية، وهناك بالفعل مؤشرات قوية نحو إمكانية تحقيق ذلك في المستقبل القريب".

وأضاف أنه لبناء وحدة اقتصادية سورية، يجب:

أولاً ضمان استقرار العملة الوطنية. بناء مؤسسات مالية شفافة. توحيد الأنظمة الضريبية والجمركية. والأهم إعادة الثقة بين الفاعلين الاقتصاديين في جميع المناطق.

ومن جهته يقول الباحث الاقتصادي أسامة العبد الله -للجزيرة نت- إنه لمعالجة هذه الأزمة يجب:

التركيز على توحيد السياسة النقدية والعودة إلى التعامل بالليرة السورية كعملة وطنية موحدة. دعم استقرار العملة الوطنية من خلال تعزيز احتياطيات النقد الأجنبي وتشديد الرقابة على مكاتب الصرف غير المرخصة، ومكافحة السوق السوداء.  بناء مؤسسات مالية شفافة، مثل إنشاء هيئات مالية مستقلة ومحايدة لضمان إدارة نقدية موثوقة وتقليل الفساد. توحيد الأنظمة الضريبية والجمركية لضمان عدالة التوزيع الاقتصادي بين المناطق وتقليل الفوضى الإدارية. إعادة الثقة بين الفاعلين الاقتصاديين عبر حملات توعية وإصلاحات اقتصادية تشجع التجار والمواطنين على العودة لاستخدام الليرة السورية..

وبدوره يقول أسامة سليم الذي يعمل بالمنظمات الدولية -في حديث للجزيرة نت- إن الليرة التركية "تحقق أرباحًا كبيرة جراء تداولها في شمال سوريا، حيث تدخل مبالغ بمئات ملايين الدولارات سنويًا إلى سوريا، ثم يتم صرفها بالليرة التركية وتحويلها في معظم الأحيان إلى الليرة السورية".

ويشير إلى أن الدعم الأوروبي الموجه لتنفيذ مشاريع الأمم المتحدة والمنظمات الدولية وحوالات المغتربين يتم إيداعها في البنوك التركية بالدولار ثم تصرف بالليرة التركية.

ويعتقد سليم أن الاستغناء عن الليرة التركية في هذا الوقت قد يواجه برفض شعبي وآخر من جانب التجار بسبب استقرارها.

مقالات مشابهة

  • التحولات الثقافية في سوريا.. عنوان يوم بحثي في دمشق
  • سوريا تجري أول عملية تحويل مصرفي دولي عبر نظام سويفت منذ اندلاع الحرب الأهلية
  • الخارجية الروسية: الاعتداء على إيران مغامرة إجرامية
  • تركيا تفتح المنافذ البرية للقادمين من سوريا
  • بالتعاون مع فيروستال الألمانية.. انطلاق المرحلة النهائية لمشروع استغلال الغاز بحقل J22
  • الكشف عن موعد تشكيل أول مجلس شعب في سوريا بعد سقوط الأسد
  • سوريا ما بعد الأسد.. انقسام نقدي بين الليرة السورية والتركية
  • عودة 62 عائلة سورية مهجّرة من الأردن إلى سوريا
  • كيف يساهم تعليم العربية بكوريا الجنوبية في جسر الفجوة الثقافية بين الشرق والغرب؟
  • الاتحاد الأوروبي يرحب بتشكيل اللجنة العليا لانتخابات مجلس الشعب في سوريا