محمد أبوزيد كروم: سلاح إريتري في السودان.. ما هذا الجنون؟
تاريخ النشر: 6th, January 2025 GMT
ترسّخ في الذهن العام السوداني، من خلال الأفعال والأقوال، أن دولة إريتريا والرئيس أسياس أفورقي يقفان مع السودان في حرب الكرامة بصورة مشرفة، في وقت عزّ فيه النصير والحليف من دول الجوار والبعاد، وهذا موقف محمود ومشكور. ولكن، هل هذا يجعلنا نتجاهل ما يفعله أسياس أفورقي في السودان لمجرد أنه أعلن وقوفه ومساندته لنا؟ بالطبع لا.
لم تكن علاقة السودان مع الرئيس الطامح المتمدد أفورقي على ما يرام دائماً، وذلك لأن الرجل يضع شرق السودان نصب عينيه. ولن أكذب إن قلت إنه مهموم بكسلا وبورتسودان والقضارف أكثر من أسمرا نفسها. هذا تاريخ من التدخلات والصراعات والتلاعب بالبيضة والحجر من أفورقي في شرق السودان منذ عهد الإنقاذ، مروراً بعهد التيه والضعف، وصولاً إلى وقتنا الحالي. وربما وجد أفورقي سانحته في الحرب الحالية.
وضعنا الحالي البائس، وموقف أفورقي الظاهري المشرف، وكل هذه التعقيدات، لن تجعلنا نصمت على ما يفعله أفورقي ويرغب في فعله بالسودان، في ظل صمت الدولة المريب والغريب.
قبل فترة قليلة، صرّح الرئيس الإريتري أفورقي بأنه سيتدخل إذا وصلت الحرب في السودان إلى ولايات الشرق! وهذا تصريح فجّ وقبيح توقعت أن ترد عليه حكومتنا، لكنها لم تفعل! ثم صرّح أفورقي مرة أخرى مقدماً عرضاً لشكل الحكم في السودان وما يجب أن يكون عليه، في تدخل سافر في الشأن السوداني، ولم يرد عليه أحد!
أما الأخطر من ذلك كله، فهو ظهور قائد قوات ما تسمى بـ”الأورطة الشرقية”، الأمين داؤود، في بورتسودان، ومن داخل قاعة جهاز الأمن والمخابرات، مما يعني أن هذا الظهور محمي ومرتب من الدولة وأجهزتها!
إن الأخطر من ظهور قوات تنتمي إلى مجموعات أو مناطق مثل شرق السودان، بما فيها من هشاشة وتفشي القبلية، هو استسهال وجود القوات خارج أطر الجيش، إلا في إطار المسؤولية العامة التي نسمع عنها هنا وهناك. وإن الخطر كله يكمن في استنهاض الشرق ومكوناته للتجييش تحت سمع وبصر الدولة! هذا في الوقت الذي كان من الممكن أن تكون كل هذه القوات تحت راية الجيش فقط! ولكن يبقى السؤال: من الذي يعبث بالسودان؟ ومن الذي يعقّد المشهد؟ ومن الذي يسعى للتحكم في المستقبل بهذا الإغراق الفوضوي العام؟
نعود إلى إريتريا وأفورقي وقوات “الأورطة الشرقية” ومؤتمرها المرعي من الدولة! هل كان هذا اللقاء الذي عقده الأمين داؤود للترويج لإريتريا ودورها وتأثيرها؟ ما الذي يجعل إريتريا تسلّح مجموعات سودانية وتوفر لها (زيتاً وعدساً وأرزاً) كما قال الأمين داؤود بأنهم حتى الآن يعتاشون عليه؟ هل إريتريا دولة قوية ومقتدرة؟ وهل السودان، الذي يسلّح الجميع ويوفر مطلوبات الدولة والحرب، لا يستطيع توفير سلاح لمجموعة تريد أن تقاتل معه؟ ما هذا الجنون؟
نرجع لما قاله الأمين داؤود من كلام خطير عن تسليحهم ووضعهم. قال: (إن السلاح الإريتري الذي بحوزتهم لا يمكن أن يوجهوه للسودان). طيب يا السيد الأمين، من الذي سألك عن السلاح الإريتري؟ ومن الذي قال لك إنك ستوجهه إلى السودان لترد عليه من قاعة جهاز المخابرات؟ ولماذا تخبر الناس أصلاً أن سلاحك إريتري؟ هل سألك أحد؟! ثم قال: (إن قواتهم تعبر عن رؤيتهم هم ولا تمثل شرق السودان كما لا تمثل أي مكون قبلي). إذاً، من أنتم يا الأمين داؤود؟ يا من تتدربون في إريتريا، وتتسلحون منها، وتوفر لكم الغذاء!؟ هل إريتريا دولة فاعل خير؟! ولمن تدينون بالولاء: هل للسودان أم لإريتريا؟!
إلى قيادة الدولة السودانية، نسألكم: ما الذي يحدث؟! هل الحرب وصمت الناس على الكثير من التقصير والتجاوزات أغراكم للاستهتار بالبلاد إلى هذا الحد؟! كيف لكم أن تسمحوا لإريتريا بتجاوزها للخطوط الحمراء حتى يظن أفورقي أنه حاكم للسودان ويتحدث عن التدخل في شرقه إن وصلته الحرب ويحدد شكل الحكم المطلوب كما صرّح بذلك من قبل، ثم يستقبل القيادات السياسية السودانية وقيادات القبائل، ويجيّش، ويسلّح، ويأمر، وينهي!
ما الذي يجعل أفورقي يفعل كل ذلك؟! هل أفورقي يحكم دولة ديمقراطية؟ هل يحكم دولة قوية؟ ما الذي يجعل قادة الرأي العام والصحافيين يحجون لأسابيع إلى أسمرا ويستمعون لأفورقي ولأفكاره في الدولة الرشيدة ويحتفون بذلك؟! لدرجة أن أحدهم كان يرتب لقيادة مشروع إعلامي إريتري موجه للسودان، وكان متواجداً في أسمرا، وبدلاً من ذلك جاء وزيراً في السودان! هل يحق لإريتريا فعل كل ذلك لأننا في حرب، ولأن إريتريا تساند السودان؟! وهل نحن ضعفاء لهذا الحد أم أن إريتريا قوية ومؤثرة؟!
بذلك، وبعد المؤتمر الصحفي للأمين داؤود، ومن قاعة جهاز المخابرات، كأن الدولة تقول لكل مجتمعات الشرق وقبائله: اذهبوا إلى إريتريا وتسلحوا منها، فهذا مسموح ومرحب به. بل تقول لكل السودانيين: تسلحوا كما تشاءون. وتقول للدول الأخرى: تدخلوا في الشأن السوداني، فهذا مسموح به.
على قيادة الدولة أن تعلم أن من لا يحترم نفسه وبلده وشعبه لن يحترمه أحد. لذلك، أوقفوا هذا العبث. ومن أراد أن يقاتل مع الجيش السوداني، فمعسكرات الجيش السوداني كثيرة ومفتوحة ومعلومة.
محمد أبوزيد كروم
إنضم لقناة النيلين على واتسابالمصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: الأمین داؤود شرق السودان فی السودان ما الذی من الذی
إقرأ أيضاً:
من يحاول خطف نصر الجيش في السودان؟
في لحظة فارقة من عمر الحرب السودانية، وبينما يقترب الجيش من حسم المعركة ميدانيًا، تلوح في الأفق تسوية دولية تُهدّد بأن تُفرغ هذا النصر من محتواه السياسي.
فبين سطور اللقاء الأخير لوزير الخارجية الأميركي مع أطراف الرباعية، ظهرت إشارات مقلقة توحي بأن الغرب لا يسعى إلى سلام يُنهي الحرب فحسب، بل إلى اتفاق يُبقي على توازن هشّ بين الدولة والتمرد؛ خوفًا من أن يتحوّل نصر الجيش إلى عقبة كأداء أمام بسط النفوذ الدولي مقابل الإرادة الوطنية، وتبرير ذلك من خلال مزاعم منع تحول النصر إلى حكم عسكري عضوض.
فهذا "السلام" المشروط لا يبدو بريئًا. فهو لا يستند إلى الوقائع الميدانية بقدر ما يستجيب لحسابات النفوذ، ويعيد إنتاج التوازنات التي سبقت الانفجار. وهنا يُطرح السؤال بصراحة مؤلمة: هل يُمكن بناء سلام عادل دون الاعتراف بمن انتصر ومن انهزم؟ وهل يُطلب من الجيش أن ينتصر في الميدان، ثم يُساوي نفسه سياسيًا مع من تمرّد ضد الدولة وارتكب الجرائم الفظيعة ضد المواطنين العزل؟
في هذا التحليل نحاول الغوص في خلفيات التحرك الدولي، ونفكك منطق "السلام الناقص"، ونبحث في مآلاته على مستقبل السيادة، والانتقال السياسي المدني في السودان.
في هذا الإطار، تتقدّم مجموعة الرباعية الدولية بمبادرات متسارعة؛ لإنهاء الحرب في السودان، غير أن هذه المبادرات، رغم شعاراتها الإنسانية، لا تبدو بعيدة عن حسابات المصالح السياسية والأمنية.
والرباعية هي دول تتولى التنسيق حول المسار السياسي والدبلوماسي منذ ما قبل اندلاع الحرب، وتلعب الآن دورًا تريده مركزيًا في صياغة ملامح تسوية ليس بالضرورة تستجيب للمصلحة الوطنية، أو الإرادة الشعبية السودانية.
لكن اللافت أن هذه الأطراف، وخصوصًا الغربية منها، باتت تتحدث بلهجة زاعمة بأن يؤدي الحسم العسكري الكامل لصالح الجيش إلى "إعادة إنتاج الحكم العسكري"، كما وصفته بعض مراكز التفكير الأميركية، بينما تتجاهل خطوة تعيين رئيس وزراء مدني بصلاحيات واسعة، وهو الأمر الذي رحب به الاتحاد الأفريقي، فضلًا عن القوى السياسية السودانية الفاعلة، عدا تلك القليلة المرتبطة بالأجندة الخارجية.
إعلانكل ذلك يجري وكأنما يُراد للجيش أن يُقاتل وحده، ويُحاسَب وحده، ثم يُمنع من ترجمة نصره إلى شرعية سياسية. هذا الموقف يُعيد إلى الأذهان النموذج الذي فُرض على أكثر من دولة في الإقليم: انتصارات ميدانية تُعطلها صفقات ناعمة تحفظ للمتمردين موقعًا شكليًا في "السلام"، وتفتح أبواب السلطة باسم "الشمولية السياسية".
لكن السؤال الذي يتجنبه صناع هذه الصفقة هو: هل يُمكن بناء سلام حقيقي بالتماهي مع الانتهاك؟ وهل المطلوب إطفاء الحرب أم ترسيخ ازدواجية الدولة؟
توازن وهمي وحسابات أجنبيةحين تتكثف الدعوات الدولية للسلام في لحظة يتقدم فيها الجيش ميدانيًا، لا يبدو الأمر بريئًا من الناحية السياسية.
فالرباعية- وعلى رأسها واشنطن- ظلت لعدة أشهر تتعامل مع مليشيا الدعم السريع كطرف سياسي لا كمجموعة متمردة، رغم ما ارتكبته من فظائع موثّقة، وحين بدأت موازين القوة تميل بوضوح لصالح الجيش السوداني، بدا أن السقف الدولي قد انخفض فجأة من دعم "الانتقال المدني" إلى فرض "وقف إطلاق نار عاجل".
كما فرضت واشنطن عقوبات على السودان بزعم استخدام الجيش أسلحة كيميائية استنادًا إلى تقرير صحفي. هذا التغير في اللغة والتكتيك يكشف ضمنيًا عن اعترافٍ دولي غير معلن بأن التمرد قد خسر المعركة ميدانيًا. فمليشيا الدعم السريع- التي كانت تسيطر على مناطق واسعة في بدايات الحرب- صارت اليوم تترنّح في جيوب معزولة، وتعتمد في بقائها على حرب مدن وقصف عشوائي لا يغيّر الواقع العسكري.
ومع ذلك، لا تُترجم هذه الهزيمة في الخطاب السياسي الغربي، بل يُعاد تأهيل المليشيا سياسيًا عبر المطالبة بإشراكها في التسوية، بحجة أنها "طرف فاعل" لا يمكن تجاوزه.
لكن ما يُقلق أكثر من إعادة تأهيل التمرد، هو أن هذا الإقرار المبطّن بالهزيمة لا يُبنى عليه موقف واضح لصالح الدولة، بل يُستغل للضغط على الجيش لتقديم تنازلات سياسية تُفرغ انتصاراته من مضمونها السيادي.
فهل يُراد للجيش أن ينتصر فقط ليُمنع من حماية الدولة؟ أم أن الغرب يخشى من نهاية الحرب أكثر مما يخشى استمرارها، لأن النهاية تعني أن أحد الطرفين سيفرض واقعًا جديدًا لا يخضع للإملاء الخارجي؟
في كثير من النزاعات، يكون السلام تتويجًا للنصر. لكن في الحالة السودانية، يبدو أن هناك من يسعى إلى فصل المسارين قسرًا: أن يتوقّف القتال دون أن يُعترف بانتصار طرف على آخر، وأن يُفرض على الدولة أن تُصافح من حمل السلاح ضدها دون شروط.
هذا هو جوهر "السلام الناقص" الذي تدفع به بعض العواصم الغربية عبر الرباعية. سلام يُطلَب فيه من الجيش أن يوقف المعركة وهو في موقع القوة، ويقبل بتسوية تُعيد دمج عناصر التمرد في المشهدين: السياسي والعسكري، بحجة "الاستقرار".
إن أخطر ما في هذه المعادلة هو محاولة فرض توازن سياسي وهمي على حساب الحقائق الميدانية. فالدعوات لإشراك الدعم السريع في مستقبل الحكم لا تأتي احترامًا لمطالب شعبية، بل تلبيةً لاعتبارات خارجية تخشى أن تتحوّل سيطرة الجيش إلى مشروع حكم وطني يصعب التحكم فيه من الخارج. هكذا يتحوّل النصر إلى عبء، والانتصار إلى خطر ينبغي احتواؤه، لا ترجمته.
إعلانلكن هذا المنطق يُهدد بتكرار الكارثة: كيف يمكن بناء سلام حقيقي مع مليشيا ارتكبت تطهيرًا عرقيًا؟ كيف يُطلب من الضحايا أن يتعايشوا مع الجناة باسم "الحل السياسي الشامل"؟ وهل تُبنى دولة القانون على قاعدة اللاعقاب والمساواة الزائفة بين الدولة والتمرد؟
هذا النوع من السلام لا ينهي الحرب، بل يُجمّدها في صيغة "لا غالب ولا مغلوب"، تمهيدًا لجولة قادمة من الصراع.
إن النصر العسكري، حين لا يجد ترجمته السياسية، يصبح فخًا. فالجيش السوداني، الذي قاتل وحده في مواجهة تمرد مسلح متوحش ومدعوم خارجيًا، لم يكن يدافع عن نفسه فقط، بل عن كيان الدولة ومؤسساتها وسيادتها.
وبالتالي، فإن حرمان الجيش من ثمرة هذا النصر- بحجة التوازن أو "اللامركزية السياسية"- لا يعني سوى تقويض سلطة الدولة الوطنية لحساب مراكز نفوذ مليشياوية أو محمية خارجيًا.
إن فرض "نصر غير مكتمل" على الجيش يحمل ثلاث نتائج كارثية:
إضعاف المؤسسة العسكرية معنويًا وسياسيًا: كيف يُطلب من جيش قدّم آلاف الشهداء أن يقبل تسوية تساوي بينه وبين من حاربه؟ كيف يُطالَب بالصبر على حماية شعبه، ثم يُمنع من حصد شرعية حماية الشعب؟ تفريغ التحول المدني من مضمونه: إذ لا يُمكن الحديث عن تحول ديمقراطي حقيقي في ظل وجود مليشيات خارج المؤسسة العسكرية الرسمية، ولا بوجود "شركاء سلام" لا يؤمنون بالدولة إلا إذا كانت ضعيفة. إضعاف ثقة الشارع في العملية السياسية: فالجمهور السوداني الذي دعم الجيش واستنفر أبناءه لجانبه؛ رفضًا للفوضى والقتل والاغتصاب، سيشعر بأن تضحياته ذهبت سدى إذا أُعيد دمج الجناة في السلطة.إن أخطر ما في هذا النصر غير المكتمل، أنه لا يؤسس لسلام، بل لتعايش هش بين قوة تقاتل من أجل الدولة، وأخرى تستفيد من بقاء الدولة على شفا الهاوية.
الرباعية.. دور مشبوه وتجربة فاشلةفي الوقت الذي تتسارع فيه المبادرات الغربية لفرض تسوية تُبقي على جزء من التمرد ضمن بنية الحكم، تتصاعد في الداخل السوداني أصوات تحذّر من مصادرة القرار الوطني باسم "الحل الدولي".
فالتوازن الحقيقي ليس بين الجيش ومليشيا الدعم السريع، بل بين رغبة الداخل في سلام يعيد للدولة هيبتها، وبين رغبة الخارج في تسوية تحفظ النفوذ وتُبقي البلاد تحت الوصاية الناعمة أو الفجّة. هذه الفجوة بين الداخل والخارج تتجلى بوضوح في الخطاب السياسي:
القوى الوطنية المستقلة ترفض أي مشروع يعيد دمج مليشيا الدعم السريع، وتطالب بسلام قائم على المحاسبة ونزع السلاح وتفكيك المليشيات. الشارع السوداني الذي دفع ثمن الحرب من روحه وجسده، يُدرك أن أي تسوية لا تعترف بمن انتصر ومن خان، ستكون مجرّد هدنة قبل انفجار جديد. بينما تواصل الرباعية الدولية الترويج لفكرة السلام "الشامل" الذي لا يُقصي أحدًا، حتى وإن كان هذا "الأحد" هو الجلاد.وهنا يطرح الواقع سؤالًا لا يمكن تجاهله: هل أصبح القرار السياسي السوداني رهينة لموازين القوى الدولية؟ أم أن اللحظة الراهنة تستدعي جبهة وطنية عريضة تُعيد التفاوض من موقع القوة، لا من تحت سقف الابتزاز الدبلوماسي؟ إن من يُريدُ السلام حقًا، يجب أن يسأل أولًا: سلام مع من؟ وعلى أي أساس؟ لأن السلام ليس نزع سلاح فقط، بل استعادة معنى الدولة.
احذروا عودة الرباعية للواجهةإن الرباعية، التي نشأت عمليًا عقب سقوط نظام البشير في 2019، دون تفويض شعبي أو دولي واضح، رفعت شعار: "دعم الانتقال الديمقراطي"، لكن تجربتها عكست مقاربة فوقية، سعت إلى فرض ترتيبات سياسية لا تنبع من الداخل السوداني، بل من حسابات إقليمية ودولية.
تاريخ الرباعية يشي بميلها إلى استثمار الهشاشة السياسية في السودان، خاصة خلال فترة حكومة عبدالله حمدوك، التي لم تحظَ بتفويض انتخابي، مما فتح الباب أمام تدخلات مباشرة في الشأن السوداني، أبرزها دعم مشروع "دستور المحامين" الذي وُجهت له انتقادات؛ لكونه يكرّس هيمنة نخبوية مدنية غير توافقية، ويمهد الطريق لتدخلات أجنبية تحت غطاء قانوني سياسي.
إعلانكما كان للدعم الذي حظي به الاتفاق الإطاري من قبلها – والذي ساوى بين المؤسسة العسكرية ومليشيا الدعم السريع – دورٌ كبير في خلق حالة من الانقسام الحاد داخل الساحة السياسية السودانية. وهو ما رأته تقارير حقوقية مثل "هيومن رايتس ووتش" تهديدًا لاستقرار الدولة ووحدتها.
السلام الحقيقي من الداخل لا من العواصمإن الحل الحقيقي لا يمكن أن يُفرض من الخارج، ولا يولد من رحم تسويات جزئية مفروضة، بل من حوار وطني شامل، ينطلق من الداخل، ويشارك فيه كل مكونات المجتمع. سلامٌ يُعيد هيكلة العلاقة بين المدنيين والعسكريين على أسس وطنية، لا على إملاءات دولية.
ويجب أن يكون هذا السلام قائمًا على:
نزع السلاح من المليشيات. دمج من تنطبق عليه الشروط في القوات المسلحة وفق قانونها. محاسبة من تورط في جرائم أو انقلابات. استعادة ثقة الشارع في مسار وطني حقيقي، لا شراكة وهمية مع من قادوا البلاد إلى الهاوية.الخلاصة أن السيادة لا تُهدى، بل تُنتزع. فلم يعد السودان تلك الحديقة الخلفية التي تعبث بها الأيدي الأجنبية. لقد تغيّر الزمن، وتغيّر الوعي. وإذا كانت الرباعية تريد أن تكون فاعلًا إيجابيًا، فعليها أن تدعم خيارات الشعب لا أن تصادرها، وأن تُعلي من شأن الدولة لا أن تُساويها بالتمرد.
السلام لا يُبنى على التغاضي، ولا على التجميل السياسي للجراح. السلام الحق، هو الذي يستند إلى العدالة، ويُعيد الاعتبار للدولة، ويمنح الأمل للمواطن بأن دماء أبنائه لم تذهب سدى. فإما سلام يُعيد للسودان سيادته، أو تسوية تُعيد إنتاج أزمته.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outline